تاريخ الهند


جاء اسم الهند في العربية من اللفظة الهندية سندهو (وتعني النهر) التي أطلقت على نهر إيندوس Indus (أي السند)، والتي حورها الفرس إلى كلمة هندو وأطلقوها على شمالي الهند بصيغة هندوستان، ومنها اشتقت أيضاً تسمية الهند باللغات الأجنبية (india).

Flag of Afghanistan.svg Flag of Bangladesh.svg Flag of Bhutan.svg Flag of India.svg
Flag of Maldives.svg Flag of Nepal.svg Flag of Pakistan.svg Flag of Sri Lanka.svg
تاريخ جنوب آسيا

(شبه القارة الهندية)

العصر الحجري 70,000–3300 ق.م.
ثقافة مهرگره • 7000–3300 ق.م.
حضارة وادي الإندوس 3300–1700 ق.م.
ثقافة هرپـّان المتأخرة 1700–1300 ق.م.
الفترة الڤيدية 1500–500 ق.م.
العصر الحديدي 1200–300 ق.م.
مهاجناپادا • 700–300 ق.م.
امبراطورية ماگادا • 545 ق.م. - 550
امبراطورية موريا • 321–184 ق.م.
الممالك الوسيطة 250 ق.م.–1279 م
امبراطورية چولا • 250 ق.م.–1070 م
ساتاڤاهانا • 230 ق.م.–220 م
امبراطورية كوشان • 60–240
امبراطورية گوپتا • 280–550
امبراطورية پالا • 750–1174
أسرة چالوكيا • 543–753
راشتراكوتا • 753–982
امبراطورية چالوكيا الغربية • 973–1189
مملكة هويسالا 1040–1346
امبراطورية كاكاتيا 1083–1323
السلطنات الإسلامية 1206–1596
سلطنة دلهي • 1206–1526
سلطنات الدكن • 1490–1596
مملكة أهوم 1228–1826
امبراطورية ڤيجايانگرا 1336–1646
سلطنة المغول 1526–1858
امبراطورية ماراثا 1674–1818
سلطنة دراني 1747–1823
اتحاد السيخ 1716–1799
امبراطورية السيخ 1801–1849
شركة الهند الشرقية البريطانية 1757–1858
الراج البريطاني 1858–1947
الدول المعاصرة 1947–الحاضر
تواريخ الأمم
بنگلادشبوتانجمهورية الهند
المالديڤنيپالپاكستانسري لانكا
تواريخ إقليمية
أسامبلوشستانالبنغال
هيماچال پرادشاوريساالمناطق الپاكستانية
شمال الهندجنوب الهندالتبت
تآريخ متخصصة
العملاتالأسراتالاقتصاد
علم الهندياتاللغةالأدبالبحري
العسكريالعلم والتكنولوجياخط زمني
 ع  ن  ت

شبه القارة الهندية هي موطن إحدى أقدم الحضارات في العالم وأكثرها تميزاً وتأثيراً، وقد اشتهرت على مدى الأيام بالحكمة والزهد والروحانية وخصب الخيال وعمق التفكير، ولكن لا يعرف عن نشأة هذه الحضارة وإنجازاتها الكبيرة في القديم إلا النزر اليسير من خلال الشواهد والتنقيبات الأثرية التي تبقى المصدر الأول لمعرفتها، إضافة إلى ما خلفته من أشعار وملاحم وأساطير ومعتقدات.

للهند تاريخ عريق مغرق في القدم، غير أنه معقد ومتداخل، إذ لم تعرف البلاد الوحدة في تاريخها القديم فهناك تاريخ للشمال بدوله المختلفة المتصارعة وأحداثه الكبيرة ، وتاريخ للجنوب اتسم بالرتابة والمحافظة على التقاليد الموروثة.

يقسم تاريخ الهند القديم إلى حقبتين كبيرتين هما عصور ما قبل التاريخ التي امتدت آلاف السنين، والعصور التاريخية التي بدأت متأخرة قياساً إلى مواطن الحضارات الأخرى في وادي النيل وبلاد الرافدين والشام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عصور ما قبل التاريخ

عرفت شبه القارة الهندية مختلف مراحل العصور الحجرية القديمة الباليوليتية والميزوليتية والنيوليتية وكانت من المناطق المفضلة لسكنى الإنسان منذ أقدم العصور. وقد وجدت أدوات مختلفة تنتمي إلى العصور الحجرية الباكرة في عدد من المواقع، وخاصة في مدراس وگجرات Gujarat ووسط الهند. كما وجدت أدوات حجرية من العصر الميزوليتي في عدة مواقع في جنوبي الهند وغربيها ووسطها، وعثر كذلك على مجموعات قيمة من الفؤوس والأدوات المصقولة من العصر النيوليتي.

سكن الإنسان الكهوف والملاجئ الصخرية في أجزاء مختلفة من الهند وترك رسوماً متنوعة لرجال ونساء ومناظر صيد. ويعتقد أن سكان الهند الأوائل ينتمون عموماً إلى شعوب موندا الأسترو ـ آسيوية Australoids الذين كانوا يعيشون في مجموعات قبلية تميزت بظاهرة الأمومة وتعدد الأزواج. ولاتزال توجد مجموعات لغوية عديدة قائمة اليوم تنتمي اثنياً ولغوياً إلى أولئك السكان الأوائل، وقد دفعهم الدرافيديون والآريون إلى المناطق الجبلية والغابات والأدغال.


حضارة وادي السند

هي بلا شك أقدم حضارات الهند وأعرقها وكان اكتشافها عام 1922 من أهم الأحداث الأثرية في القرن العشرين، وهي تعرف أيضاً باسم هارابّا Harappa باسم أشهر مواقعها في البنجاب وقد ارتبطت بالزراعة وظهور المدن وعصر البرونز. ويبدو أن التطور الحضاري بدأ في منطقة دلتا نهر السند ثم انتقل تدريجياً إلى الشمال الشرقي.

وتتمثل أبرز إنجازات هذه الحضارة في فن البناء وتخطيط المدن. كانت المدن الكبرى وعلى رأسها هارابا وموهنجو دارو Mohenjo Daro تتألف من قلعة على مرتفع تقوم حوله مساكن الأهلين كانت القلعة مركزاً لمعظم المباني العامة الكبرى. ففي قلعة موهنجو دارو مثلاً هناك الحمام الكبير المبني بالآجر ومخازن الحبوب، أما المدينة السفلى فتضم المباني السكنية المبنية من الطوب مع شوارع متقاطعة ومنازل صغيرة وكبيرة. ودلت أعمال التنقيب على مستوى رفيع من الفن المعماري ووجود نظام للصرف الصحي من أرقى ما عُرف في العصور القديمة.

وتشير الآثار الباقية إلى حضارة مادية راقية ومتنوعة .وكان الصناع على درجة عالية من الكفاءة، وقد عثر على كثير من الأدوات الدقيقة المصنوعة من النحاس والبرونز، كما برعوا في صنع الفخار بأنماط مختلفة واستعملوا عجلة الخزاف، وثمة عدد كبير من التماثيل المصنوعة من الغضار المشوي (التِرّاكوتا Terrakotta). كما عثر على آلاف الأختام التي احتوت على كتابات قصيرة بخط تصويري لم تفك رموزه بعد. وكانت طرق النقل البرية والنهرية منظمة تنظيماً جيداً.

ومن المؤكد أن مدن السند كان لها علاقات تجارية قوية مع بلاد الرافدين، وتذكر الوثائق التجارية الرافدية العائدة للعصر الأكادي قوائم بأسماء بضائع من ملوخا Meluhha، وهو الاسم الأكادي القديم لمنطقة وادي السند.

كما تبين وجود جاليات من التجار الهنود في بعض المدن الرافدية، وعثر على أختام هندية في مدينة أور وغيرها. وقد أدت دلمون (جزيرة البحرين) دور الوسيط التجاري بين ملوخا وبلاد الرافدين.

ازدهرت حضارة وادي السند على مدى خمسة أو ستة قرون (نحو 2300-1750ق.م) ثم تلاشت عقب فترة قصيرة من الانحطاط. ويبدو اليوم أن مدن السند خضعت أولاً لسيطرة العناصر الدرافيدية وتابعت حضارتها قبل أن تتعرض المنطقة كلها لاجتياح القبائل الآرية.

الحقبة الفيدية

إمتدت الحقبة الفيدية خلال الفترة من 1500 إلى 500 قبل الميلاد، وتتميز تلك الحقبة بامتداد الثقافة الهندو آرية وقد إرتبطت بصفة رئيسية بنصوص الفيدا المقدسة لدى الهندوس والتي تم صياغتها شفهيا باللغة السنكريتية، وتعتبر الفيدا من أقدم النصوص الدينية المعروفة والموجودة في الوقت الحالى تاليةً لنصوص الحضارات المصرية وبلاد ما بين النهرين، وقد إحتضنت تلك الفترة بين جنباتها نشأة الهندوسية والعديد من الجوانب الثقافية الأخرى التي عملت على تشكيل المجتمع الهندى في ذلك الحين، وهو ما إمتد أثره حتى العصر الحالى، وبالإضافة إلى تكون نصوص الفيدا خلال تلك الفترة، فقد نبتت أيضا خلال تلك الحقبة البذرة الرئيسية لأهم ملحمتين في تاريخ الهند والتي كتبتا بالسنكريتية وهما " الرامايانا " و" المهابهاراتا ".

وقد أنشأ الآريون الحضارة الفيدية في مناطق شمال الهند وبصفة خاصة ما يسمى بالسهل الشمالى أو سهل شمال نهر الهند (وهى حاليا تضم أغلب شمال وغرب الهند، ومعظم الأجزاء المأهولة من باكستان وأجزاء من جنوب نيبال ويكاد يكون كل بنجلاديش).

وتألفت المجتمعات الفيدية الأولى بصفة عامة من مجتمعات رعوية، وبعد وقت " الريجيفيدا " (وهى أحد أجزاء الفيدا المقدسة) غلب على الشعوب الآرية الصفة الزراعية وتم في هذا الوقت تنظيمهم اجتماعياً في أربعة طبقات اجتماعية وهم : " البراهمة " وهى طبقة المعلمين، و" الكشتارية " وهى طبقة المحاربين و" الشودرا " وهم طبقة العمال ثم " الفيشيا " وهى طبقة المزارعين والحرفيين والتجار.

ومن وجهه النظر الأثرية، تدين مجتمعات الفيدا بوجودها إلى حقبات أقدم وهى ما أطلق عليه ثقافة الفخار الملون وهى التي إمتدت خلال أواخر العصر البرونزى في شمالى الهند حوالى الألف الثاني قبل الميلاد وأعقبت حضارة " وادى السند " ومن ثم أعقبها العصر الحديدى الذي إحتضن ثقافة " الآنية الحمراء والسوداء " و" الآنية الرمادية "

وقد نشات مملكة " كودو " خلال تلك الحقبة التالية لثقافة الفخار الملون بداية العصر الحديدى شمال غرب الهند حوالى الألفية الأولى قبل الميلاد، وإمتدت ثقافة المشغولات الرمادية في منطقة شمال الهند خلال الفترة من 1100 إلى 600 قبل الميلاد.

أيضاً تضمنت الحقبة الفيدية بعض الجمهوريات إن جاز لنا إطلاق التسمية مثل " الفيشالى " والتي ظهرت خلال القرن السادس قبل الميلاد وإستمرت في بعض المناطق حتى القرن الرابع قبل الميلاد وتميزت الفترة الأخيرة من هذه الحقبة بتحول متلاحق من النظام الرعوى إلى الممالك المستقرة وتم تسميتها فيما بعد بال " ماهاجانابادا " أى الممالك العظمى.

" ماهاجانادابا " الممالك العظمى

مع أواخر العصر الفيدى، كانت مجموعة من الممالك الصغيرة تغطى معظم شبه الجزيرة الهندية وقد ورد ذكر بعضها في نصوص الفيدا رجوعاً إلى عام 1000 قبل الميلاد، وبحلول العام 500 قبل الميلاد كانت هناك ستة عشر مملكة أو ولاية إصطلح على تسميتها بالـ " ماهاجانادابا " وهى كاسى، كوسالا، أنجا، ماجادا، فاجى، ماللا، تشيدى، فاتسا، كورو، بانشالا، ماتسيا، سوراسينا، أساكا، أفينتى، كاندهارا، وكامبوجا، وقد إمتدت تلك الممالك في شمال الهند بصفة عامة وقد شهدت تلك الفترة البزوغ الثاني الكبير لمدنية الهند بعد مدنية وادى السند خلال العصر البرونزى.

إضافة إلى تلك الممالك الكبرى، إنتشرت في باقى ربوع الهند العديد من العشائر الأخرى، أما عن نظام الحكم فقد إعتمد على التوريث في بعض الممالك والعشائر فيما إنتهجت أخرى أنظمة انتخابية، وكانت لغة التعليم خلال تلك الفترة هي السنكريتية فيما طغت لغة البراكيت على المعاملات اليومية للأغلبية العظمى من السكان في شمال الهند، وبحلول وقت جوتاما بوذا في 500 – 400 قبل الميلاد توحدت بعض تلك القبائل في أربعة رئيسية وهى فاتسا، أفانتى، كوسالا، وماجادا.

الطقوس الهندوسية خلال تلك الفترة كانت معقدة وكان يتم تطبيقها بواسطة الكهنة، ويعتقد أن " اليوباشاند " وهى النصوص المتأخرة للفيدا والتي تتعامل بصفة رئيسية مع القضايا الفلسفية تم صياغتها خلال فترة الممالك العظمى وكان لليوباشاند تلك تأثير عميق على العقلية الفلسفية الهندية بالتوازى مع تعاليم بوذا والتعاليم الجنتية (وهى الديانة الموازية لبوذية والتي تم الدعوة إليها بواسطة ماهافيرا)، وقد تم اعتبار تلك الفترة هي الفترة الذهبية للفكر الهندى خلال تلك الحقبة.

من المعتقد أنه بحلول العام 537 قبل الميلاد تحقق لجوتاما بوذا حالة التنوير ومن ثم إطلق عليه بوذا، وخلال نفس الفترة تقريباً كانت الهند على موعد مع لاهوت أخر تم تقديمه على يد ماهافيرا سيكون له أكبر الأثر على العقلية الهندية ألا وهو الجنتية، ومع ذلك فإن من يعتقدون أنهم يملكون الإيمان القويم للجنتية يذهبون إلى أنها وجدت سابقة لجميع الأزمنة المعروفة !، ويعتقد ان الفيدا قد أتت على ذكر مجموعة من المتنورين أو مراحل التنوير الجنتية وبعض طقوس الزهد المطبقة والمتشابهة مع حركة شرامانا، (وهم نوع من الرهبان الذين يمارسون طقوس الزهد)

وقد أظهرت كل من تعاليم البوذية والجنتية ميلا واضحا نحو صنوف الزهد المختلفة وقد تم الدعوة أو التبشير بهما باللغة الباكريتية واسعة الانتشار مما سوغ لهما القبول من جانب السواد الأعظم من الناس حتى من ليس لهم كبير حظ من العلم، وقد تفاعلت كلا من الديانتين بالقطع مع بعض الطقوس أو التقاليد الهندية الرئيسية في الهندوسية وأذكتها وشرعت في تطبيقها مثل النباتية وتحريم ذبح الحيوان والأهماس (نبذ العنف)، وفيما لم تتخط الديانة الجنية الحدود الهندية، نجح الرهبان البوذيون في نشر مذهبهم على مدى أوسع ليشمل أسيا الوسطى وجنوب شرق أسيا والتبت وسريلانكا وشرق آسيا.

الفتوحات الفارسية والإغريقية

وقعت معظم الأجزاء الواقعة شمال غرب شبه الجزيرة الهندية تحت يد الإمبراطورية الفارسية الأكادية بقيادة " داريوس العظيم " وذلك حوالى العام 520 قبل الميلاد، وإستمرت تلك السيطرة لقرنين من الزمان، وفى عام 326 قبل الميلاد قام الإسكندر المقدونى بغزو الإمبراطورية الفارسية وفتح آسيا الصغرى وصولا إلى الحدود الشمالية الغربية لشبة الجزيرة الهندية حيث هزم الملك " بوروس " في معركة هيداسبس وبذلك فتح معظم أجزاء إقليم البنجاب.

وقد وضع الزحف المتواصل للإسكندر نحو الشرق جيشه في مواجهه مباشرة مع مملكة " ناندا " (وهى إمبراطورية نشات من رحم إمبراطورية " ماجادا " في الهند القديمة خلال القرن الرابع والخامس قبل الميلاد) ومن ثم مملكة " جانجاريدا " وهو اسم منطقة البنغال خلال تلك الفترة، وتحت ضغط قوات الإسكندر المرهقة عليه لعدم خوض غمار الحرب داخل مجاهل الهند خوفا من جيوش أكبر قد يواجهونها، آثر الإسكندر الرجوع من حيث أتى.

وقد كان للفتوحات الفارسية والإغريقية تداعيات هامة على الحضارة الهندية، حيث أثرت نظم الحكم المتبعة في الدولة الفارسية على أنظمة الحكم والإدارة خلال الحقبات التاريخية التالية وبخاصة إمبراطورية " موريا "، وإضافة إلى ذلك فإن منطقة " كانداهارا " (حاليا شرق أفغانستان وشمال غرب باكستان) أصبحت بوتقة صهر للعديد من الثقافات الهندية والفارسية وآسيا الصغرى واليونانية والتي بدورها أعطت دفعة لثقافة هجينة جديدة وهى " البوذية الإغريقية " والتي نشأت بتفاعل البوذية مع الثقافة الهلينستية والتي استمرت حتى القرن الخامس الميلادى وأثرت على نشأة بوذية ماهايانا (إحد فرعى البوذية الرئيسيين، والأخر هي التيرافادا).

إمبراطورية موريا

إمتدت إمبارطورية موريا خلال الفترة من 322 إلى 185 قبل الميلاد تحت حكم أسرة موريا، وكانت بحق ذات رقعة جغرافية واسعة لم تمتد إلى مثلها أية إمبراطورية قبلها وكانت ذات تنظيم سياسى وعسكري قوى، وقد تم إنشاء إمبراطورية موريا على يد " تشاندرا جوبتا موريا " وبلغت أقصى أوجها تحت حكم " أشوكا "، وفى أوج انتشارها إمتدت تلك الإمبراطورية شمالا لحدود جبال الهيمالايا وللشرق فيما هو الآن " أسام " وللغرب لما هو الآن باكستان وأجزاء كبيرة من أفغانستان وبما يشمل مدن هرات وقندهار، كما إمتدت المملكة في وسط وجنوبى الهند على يد الملك " تشاندرا جوبتا " وخلفه " بندوسارا "، ولكن لم تمتد إلى اكتشافات بمناطق الغابات بالقرب من " كالينجا " والتي تم بعد ذلك فتحها على يد أشوكا، وقد كان أشوكا من أشد المناصرين للبوذية وعمل على نشرها بشتى الطرق وإنه لمن الحق أن انتشار البوذية داخل وخارج الهند إنما يعزو بصفة رئيسية إلى أشوكا.

وقد قام وزير تشاندرا جوبتا الداهية " تشاناكا " بكتابة ما يسمى بالـ " أرساشاسترا " وهى تعد من أعظم المعاهدات في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية والإدارة والفنون الحربية والدين التي تم كتابتها في آسيا قاطبة، وتعد هي ومراسيم أشوكا هي الوثائق الرئيسية لفترة حكم ملوك موريا.

الممالك الوسطى الأولى (العصر الذهبى)

تعتبر فترة العصور الوسطى الهندية، فترة ذات تغيرات ثقافية ملموسة، حكمت فيها أسرة " ساتافاهانا " مناطق كبيرة من وسط وجنوب الهند في الفترة ما بعد 230 قبل الميلاد، وقد قام ملكهم السادس " ساتا مارنى " بهزيمة إمبراطورية السونج في الشمال، ثم جاء من بعدها المحارب " كارافالى " من " كالينجا " ليحكم تلك المساحات الشاسعة، وقد عمل على نشر المذهب الجنتى في شبة القارة الهندية، وقد تملكت إمبراطوريته أسطول بحرى كبير عمل على خطوط تجارية مع سريلانكا وبورما وتايلاند وفييتنام وكمبوديا وبرنيا وبالى وسومطرة وجافا وقد إستقر المستعمرون من كالينجا في سريلانكا وبورما والمالديف وأرخبيل الملايو.

مملكة " كونيندا " كانت مدينة صغيرة في الهيمالايا وقد استمرت من القرن الثاني قبل الميلاد إلى تقريبا القرن الثالث بعد الميلاد، أما إمبراطورية " كوشان " (والتي نشأت من هجرات هذا الشعب من وسط آسيا إلى شمال غرب الهند في منتصف القرن الأول بعد الميلاد) فقد إمتدت من طاجكستان إلى منتصف الجانج، اما في الغرب فتحكم في زمام الأمور حكام " ساكا " الغربيون من 35 إلى 405 ميلادية في مناطق وسط وغربي الهند، وقد كانو معاصرين للكوشان الذين حكمو الجزء الشمالى من الهند والساتافاهانا الذين حكموا وسط وجنوب الهند.

العديد من الأسر الأخرى حكمت أجزاء من جنوب الهند ومنها بانديا وتشولا وتشيرا وكادامبا وغرب الجانج وبالافا وتشالوكيا خلال العديد من الأوقات المتفرقة، والعديد منها أنشأ إمبراطوريات فيما وراء البحار إمتدت إلى جنوب شرق آسيا، وقد قامت العديد من الحروب فيما بين تلك الممالك سيطر في بعضها ممالك الدكن على اجزاء جنوب الهند وازاحت اسرة كالابدا البوذية بساط النفوذ من اسر تشولا وتشيرا وبانديا في الجنوب.

فترة حكم أسرة جوبتا

تشير لفظة العصر الكلاسيكى للهند إلى الفترة التي آل الحكم فيها إلى أسرة أو إمبراطورية جوبتا خلال الفترة من 320 إلى 550 بعد الميلاد وقد تم إطلاق على تلك الفترة أيضا العصر الذهبى للهند ويعزو ذلك إلى تحقيق طفرات عظيمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والمنطق والجدل والأدب والرياضيات والفلك والديانات إضافة إلى الفلسفة والتي تم بلورتها فيما أطلق عليه الثقافة الهندية، وقد تم خلال تلك الفترة ظهور النظام العشرى وفكرة الصفر وقد ساهم المناخ العام للسلام والرفاهة التي وفرتها اسرة جوبتا للهند خلال تلك الفترة في ابداع هذه الطفرات في جميع المجالات وصولا إلى افاق جديدة خاصة في فنون النحت والمبانى المعمارية العظيمة والرسم، كما بزغ في تلك الفترة العديد من المعلمين العظماء من أمثال " كاليداسا " و" أريابهاتا " و" فاراهاميهيرا " و" فيشنو شارما " و" فاتسيايانا " والذين أثروا الحقل العلمى بالعديد من البحوث والإنجازات الغير مسبوقة، وكما هو الحال في العلوم والفنون وصلت الإدارة والسياسة إلى أفاق جديدة خلال تلك الفترة وكان للهند أيضاً علاقات تجارية قوية مع المناطق المحيطة مما جعلها ذات تأثير عليها مثل بورما وسريلانكا وأرخبيل الملاى الأمر الذي جعل من الهند ملتقاً للعديد من الثقافات المحيطة.

من جانب أخر كانت فترة حكم جوبتا حدا فاصلا في الثقافة الهندية حيث قامو بتقديم تضحيات فيدية لإضفاء الشرعية على حكمهم، ومن ناحية أخرى ساهموا في دعم البوذية والتي استمرت في أداء دورها كبديل للإيمان القويم للهندوسية، وقد ساهم الاستخدام العسكري للثلاث حكام الأوائل لهذه الأسرة وهم " تشاندرا جوبتا الأول " و" سامودرا جوبتا " و" تشاندرا جوبتا الثاني " في إخضاع الكثير من الأراضى الهندية تحت سيطرتهم وقاموا بنجاح بمقاومة الإمبراطوريات الشمالية الغربية حتى وقت وصول قبائل الهون والذين تمركزوا في أفغانستان حوالى منتصف القرن الخامس وعاصمتهم فيها " باميان "، وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر الأجزاء الجنوبية من الهند (الدكن) بتلك الأحداث في الشمال.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الممالك الوسطى المتأخرة (العصر الكلاسيكى)

يبدأ العصر الكلاسيكى للهند منذ فترة حكم اسرة جوبتا ثم حكم " هارشا " في الشمال وتنتهى بسقوط امبراطورية " فيجاياناجارا " في الجنوب خلال القرن الثالث عشر تحت وطأة الغزاه من الشمال، وقد أنتجت تلك الفترة بعض من أرقى ما نشأ في الهند من فنون والذي تم اعتباره المثال الواضح لثقافة هذا العصر والصورة للتطور في القيم الروحية والفلسفية التي شكلت فيما بعد وأثرت في الديانات الهندوسية والجنتية والبوذية، وقد نجح في تلك الفترة الملك هارشا من إقليم الكنوج شمالى شرق الهند خلال القرن السابع في توحيد أجزاء شمال الهند بعد انهيار إمبراطورية جوبتا ولكن للأسف إنتهت إمبراطوريته بموته.

خلال الفترة من الفرن السابع حتى التاسع اشتركت ثلاث أسر في حكم شمال الهند وهم " جورجارا بلاتيهارا " من إقليم " مالوا " والتي إنقسمت فيما بعد بين العديد من الممالك الأصغر حجماً ثم " بالا " من إقليم البنغال والتي سيطرت عليها فيما بعد اسرة " سينا " و" راشتداكوتا " من إقليم الدكن، وهؤلاء الثلاثة كانو أول الممالك في إمارات " الراجبوت " وهى مجموعة من الممالك التي استمرت في الوجود على الساحة الهندية طوال ألفية من الزمان حتى الاستقلال من الاحتلال البريطانى، والعديد منهم حكم في شمال الهند وكان لهم صولات وجولات دموية مع الفاتحين المسملين ومنهم اسرة " شاهى " والتي حكمت أجزاء من شرق أفغانستان وشمال باكستان وكشمير من منتصف القرن السابع حتى أوائل القرن الحادى عشر.

حكمت أسرة " تشالوكا " مناطق عديدة من جنوب ووسط الهند وكانت عاصمتهم بلدة " بادامى " خلال الفترة من 550 وحتى 750 ميلادية ثم اسرة " كاليانى " خلال الفترة من 970 حتى 1190 ميلادية. وإذا ما نزلنا إلى الجنوب أكثر نجد أسرة " البالافا " من " كانشيبورام " المعاصرين لأسرة تشالوكيا، ومع بدء تداعى اسرة تشالوكيا قام اصحاب الإقطاعيات المختلفة بتقسيم اشلاء الإمبراطورية عليهم خلال منتصف القرن الثاني عشر.

امبراطورية " تشولا " 8481279 في اوجها غطت مساحات عديدة من شبة الجزيرة الهندية وجنوب شرق آسيا وقد قام الملك " راجارايا تشولا " الأول بفتح جميع مناطق شبة الجزيرة الهندية إضافة إلى أجزاء من سريلانكا كما قامت قواته البحرية بالذهاب إلى ابعد من ذلك لتحتل سواحل بورما (ميانمار الآن) إلى فيتنام.

لاحقا خلال الفترة الوسطى اتحدت امبراطورية " بانديان " مع " تاميل نادو " كما اتحدت امبراطورية " تشيرا " في " كيرالا "، وبحلول 1343 انتهت جميع تلك الأسر ليبزغ فجر إمبراطورية " فيجاياناجارا " والتي استمرت من 1336 إلى 1646.

خلال تلك الفترة عملت الموانى الواقعة جنوب الهند على التجارة في المحيط الهندى بصفة خاصة تجارة التوابل مع الإمبراطورية الرومانية في الغرب وجنوب شرق آسيا في الشرق، وقد إنتعشت الحركة الفنية والأدبية الهندية خلال تلك الفترة حتى بدايات القرن الخامس عشر عندما بدأ سلاطين دلهى في السيطرة على هذه الممالك، وقد إصطدمت اسرة فيجاياناجارا مع الممالك الإسلامية والتي انتهت بأفول نجم اللأولى ولكن بقى تأثير كل منهما على الآخر.

المغل العظام

استقر الحكم الإسلامي في الهند ورسخت أقدامه وقامت له دولة منذ أن بدأ السلطان الأفغاني المجاهد محمود الغزنوي فتوحاته العظيمة في الهند سنة (392هـ = 1001م)، وامتد لأكثر من ثمانية قرون، تعاقبت في أثنائها الدول والأسر الحاكمة، ونعم الناس بالأمن والسلام، والعدل والمساواة، وازدهرت الحضارة على النحو الذي لا تزال آثارها الباقية في الهند تخطف الأبصار وتبهر العقول والألباب.

كانت إمبراطورية المغول في الهند آخر دولة حكمت الهند، ودام سلطانها نحو ثلاثة قرون، منذ أن أسسها ظهير الدين بابر في النصف الأول من القرن العاشر الهجري.

وتوالى على حكمها عدد من السلاطين العظام يأتي في مقدمتهم: السلطان "جلال الدين أكبر" الذي نهض بالدولة نهضة عظيمة، ونجح في تنظيم حكومة أجمع المؤرخون على دقتها وقوتها. والسلطان "شاه جهان" الذي اشتهر ببنائه مقبرة "تاج محل" لزوجته "ممتاز محل" وهي تُعد من روائع الفن المعماري، ومن عجائب الدنيا المعروفة. والسلطان "أورنك أزيب" الذي تمسك بالسنة وأشرف على الموسوعة المعروفة بالفتاوى الهندية أو العالمكيرية، نسبة إلى "عالمكير"، وهو اسم اشتهر به في الهند.

ثم أتى حين من الدهر ضعفت فيه الدولة بعد قوة، وانصرف رجالها إلى الاهتمام بمصالحهم الخاصة، وإيثار أنفسهم بالكنوز التي حصلوا عليها في فتوحاتهم، وانتهز "نادر شاه" الفارسي فرصة تردي الدولة المغولية في الهند، فزحف عليها سنة (1153هـ = 1740م)، وأحدث بدهلي عاصمة الدولة الدمار والخراب، وأعمل السيف في أهلها، ورجع إلى بلاده محملاً بغنائم هائلة.

شركة الهند الشرقية والاحتلال الإنگليزي

وساعدت هذه الأوضاع أن يزحف الإنجليز للسيطرة على الهند بسياستهم الماكرة وبأسلوبهم المخادع تحت ستار شركة الهند الشرقية، وانتهى الحال بأن دخل الإنجليز "دهلي" في مستهل القرن التاسع عشر الميلادي، وبسطوا سلطانهم في البنجاب، وتطلعوا إلى احتلال بلاد الأفغان لكن فاجأتهم شجاعة أهلها وبسالتهم فرجعوا عن هذا المخطط يائسين.

الراج البريطاني

وقد فقد المسلمون في الفترة التي استولى فيها الإنجليز على الهند ما كانوا يتمتعون به من سلطان ونفوذ، وإمساك بمقاليد الأمور، واحتكام إلى الشرع الحنيف في كل الأمور، ولم يكن لسلاطين دلهي من الحكم شيء، وتمادى الإنجليز في طغيانهم، فعمدوا إلى تغيير الطابع الإسلامي لبعض المناطق الهندية ذات الأهمية الكبيرة، وإلى محاربة التعليم الإسلامي والاستيلاء على الأوقاف الإسلامية، وأذكوا نار العداوة بين المسلمين والطوائف الأخرى.

ولاية السلطان بهادر شاه

في ظل هذه الأجواء المتردية تولى "بهادر شاه الثاني" الحكم في الهند سنة (1254هـ - 1838م)، خلفًا لأبيه السلطان "محمد أكبر شاه الثاني"، وكان الإنجليز في عهده قد أحكموا سيطرتهم على البلاد، وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند، الذين كانوا يتقاضون رواتب مالية منهم، وغدوا كأنهم موظفون لديهم، وبلغ من تعنتهم ومدى نفوذهم أنهم كانوا يتحكمون فيمن يدخل "دلهي" ومن يخرج منها.

ولم يكن عهد "بهادر شاه الثاني" أحسن حالاً من عهد أبيه، فسياسة الإنجليز لا تزال قائمة على جعل أعمال الحكومة في أيديهم، في حين يبقى الحكم باسم السلطان المسلم، ويذكر اسمه في المساجد، وتضرب النقود باسمه، وكان هذا منهم عملاً خبيثًا يفرقون به بين الحكم وبين الملك، الذي عد رمزًا للحكم الإسلامي، ويحكمون هم باسمه باعتبارهم نائبين عنه، وقد فطن العلماء المسلمون في الهند لهذا العمل المخادع فعارضوا هذه السياسة وقاموا في وجهها، وقالوا: "لا يتصور أن يكون هناك ملك إسلامي بدون حكم إلا إذا تصورنا الشمس بدون ضوء"، وأعلنوا حين صار هذا الوضع سائدًا في الهند أنها أصبحت دار حرب، وعلى المسلمين أن يهبوا للجهاد ضد الإنجليز حتى يردوا الحكم إلى أهله.

وحتى هذا الوضع الشائن للحكام المسلمين لم يستمر طويلاً فقد أعلن الإنجليز أنهم في طريقهم للقضاء عليه، فوَّجهوا إنذارًا إلى "بهادر شاه الثاني" الذي كان أسير القلعة الحمراء التي يسكنها في "دلهي" بلا نفوذ أو سلطان – أنه آخر ملك يسكن القلعة، وأنها ستصبح ثكنة عسكرية، وأن المخصصات التي يأخذها منهم ستنقطع بعد وفاته، وكان هذا يعني القضاء على دولة المغول في الهند، وكان لهذا الخبر وقع الصاعقة على الشعب المسلم في الهند.

اشتعال الثورة في الهند

كان هناك سخط عام في الهند على وجود الإنجليز الذين ينهبون خيراتها ويمارسون سياسة متعسفة وظالمة ضد المسلمين، وكانت النفوس تموج بالغضب وتمور بالثورة والغليان، تنتظر الفرصة المناسبة والقائد الذي يمكن أن تلتف حوله، وتجاهد تحت رايته، وكان شمال الهند أكثر المناطق استعدادًا للثورة، حيث يكثر المسلمون، وتطغى سياسة الإنجليز الباطشة والمستهزئة بعقائد المسلمين وعباداتهم.

مقدمات الثورة

هناك إجماع على أن الجنود المسلمين والهندوس في الجيش البريطاني المعسكر في ثكناته في "ميرت" التي تقع شمال دلهي بنحو 90 كيلو مترًا – هم الذين بدءوا الثورة وأزكوا نارها، وكان تعنت الضباط الإنجليز واستهتارهم بعقائد الجنود وراء ثورتهم وغضبتهم، بعد أن أرغموهم على قطع الدهن المتجمد الذي يُستخدم في تشحيم البنادق بأسنانهم، وكان هذا الشحم مركبًا من دهون الخنازير والبقر، فتذمر الجنود من ذلك باعتبار أن البقر محرم أكله على الهندوس تحريم الخنزير عند المسلمين، غير أن هذا التذمر زاد الضباط الإنجليز تماديًا وغرورًا فعاقبوا المتذمرين، ولم يلبث أن هب زملاؤهم بثورة عارمة في المعسكر، غضبًا لعزتهم وكرامتهم في (16 من رمضان 1273هـ = 10 من مايو 1857م)، وانقضّوا على ضباطهم الإنجليز وقتلوهم، وانطلقوا إلى "دلهي" معلنين الثورة، وسرعان ما انتشر لهيبها حتى عم دلهي وما حولها. بهادر شاه قائد الثورة دعا علماء المسلمين إلى اجتماع في المسجد الجامع بدلهي، وأعلنوا فتوى بإعلان الجهاد وقَّعها كثير من العلماء البارزين، وكان لها أثر عظيم في تأييد الثورة واجتماع الناس للبذل والجهاد، واتحد الثائرون من المسلمين والهندوس، واختاروا بهادر شاه قائدًا عامًا للثورة، وفي ذلك إشارة إلى رضى الجميع عن الحكم الوطني المغولي.

قامت الثورة في دلهي دون تخطيط دقيق مسبق، وافتقدت إلى القيادة الواعية التي تستطيع أن تتحكم في حركة الثورة، ولم يكن بهادر شاه يصلح لهذا الدور لكبر سنه، واستطاع الإنجليز أن يعيدوا تنظيم أنفسهم، وتجميع قوات هندية من الأمراء الموالين في بعض مناطق الهند، وانضم إليهم "السيخ" وكانوا يكنون عداء شديدًا للمسلمين، الأمر الذي ساعدهم على مقاومة الثورة والقضاء عليها في دلهي والمناطق الأخرى التي اشتعلت بها في (8 من ذو القعدة 1274هـ = 20 من يونيو 1858م).

وحشية المحتل الإنجليزي

بعد فشل الثورة قام الإنجليز بالقبض على بهادر شاه وأهل بيته أسرى، وساقوهم مقيدين في ذلة وهوان، وفي الطريق أطلق أحد الضباط الرصاص من بندقيته على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة منهم، وقطعوا رؤوسهم.

ولم يكتف الإنجليز بسلوكهم المنحط بالتمثيل بالجثث، بل فاجئوا الملك وهو في محبسه بما لا يخطر على بال أحد خسة وخزيًا، فعندما قدموا الطعام للملك في سجنه، وضعوا رؤوس الثلاثة في إناء وغطّوه، وجعلوه على المائدة، فلما أقبل على تناول الطعام وكشف الغطاء وجد رؤوس أبنائه الثلاثة وقد غطيت وجوههم بالدم.

لكن طبيعة الأنفة والكبرياء سمت فوق الحدث وفوق الحزن والجزع، فقال في ثبات وهو ينظر إلى من حوله: "إن أولاد التيمور بين البواسل يأتون هكذا إلى آبائهم محمرة وجوهم"، كناية عن الظفر والفوز في اللغة الأوردية.

محاكمة بهادر شاه

بدأ الإنجليز بعد القبض على "بهادر شاه في محاكمته محاكمة صورية في "دلهي" في (10 من جمادى الأخر 1274 هـ = 26 من يناير 1858م)، واتهموه بأنه تعاون مع الثورة هو وابنه "ميزا مغل" ضد الإنجليز، وأنه أمر وشارك في قتل الإنجليز رجالاً ونساء وأطفالاً، وكانت تهمة كاذبة، والثابت أنه حين تولى قيادة الثورة كانت أوامره صريحة بعدم الاعتداء على الإنجليز من غير المحاربين منهم.

وبعد جلسات المحاكمة أصدر القضاة حكمهم بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى النفي إلى مدينة "رانكون" عاصمة بورما، وتم تنفيذ النفي في يوم الخميس الموافق (9 من ربيع الأول 1275هـ == 17 من أكتوبر 1858م)، ورحل هو وأسرته وبعض أفراد حاشيته إلى بورما وخصصوا له مكانًا لمحبسه، ولزوجه وأولاده مكانًا آخر، وخضع الجميع لحراسة مشددة، وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند، وطويت آخر صفحة من صفحات الحكم الإسلامي في الهند الذي ظل شامخًا أكثر من ثمانية قرون، ثم أقدم الإنجليز على تأكيد مخططاتهم وما كانوا يحاولون ستره بأشكال مختلفة، فقد أصدرت الملكة فكتوريا في (23 من ربيع الأول 1275هـ = 1 من نوفمبر 1858م) بنقل حكم الهند من يد شركة الهند الشرقية إلى يد المحكمة البريطانية، وبذلك دخلت الهند رسميًا ضمن مستعمرات التاج البريطاني، وظلت كذلك حتى اضطر الإنجليز للجلاء عنها في سنة (1367هـ == 1947م)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاة بهادر شاه

ظل بهادر شاه في محبسه حتى وافته المنية في عصر يوم الجمعة الموافق (14 من جمادى الأولى 1279هـ = 7 من نوفمبر 1862م) وقد بلغ من العمر 89 سنة، قضى منها أربع سنوات في منفاه، وكان بهادر شاه شاعرًا مجيد، وفاضت قريحته أسى وحزنًا على ما وصل إليه، وما آلت دولته، يعيش سجينًا وحيدًا، لا يزوره أحد، ومن شعره الذي يصور مأساته قوله:

يا رسول الله ما كانت أمنيتي إلا أن يكون بيتي في المدينة بجوارك

ولكنه أصبح في رنكون وبقيت أمنيات في صدري

يا رسول الله.. كانت أمنيتي أن أمرغ عيني في تراب أعتابك

ولكن هأنذا أتمرغ في تراب رنكون

وبدلاً من أن أشرب من ماء زمزم، بقيت هنا أشرب الدموع الدامية

فهل تنجدني يا رسول الله. ولم يبق من حياتي إلا عدة أيام

الحركة الوطنية الهندية حتى الاستقلال 1947

تواصلت ردات الفعل الشعبية الهندية جراء الحكم البريطاني المباشر للهند، وانتقل زمام قيادة الثورة من الجند إلى الطبقة المتوسطة المتعلمة، هذه الطبقة التي أصدرت في بداية نشاطها السياسي مجموعة من الصحف، كان لها الدور الأوسع في ظهور حزب المؤتمر الوطني سنة 1885م، الذي كان بمنزلة برلمان تمثلت فيه الفئات الهندية كافة. وإبان السنوات الواقعة بين قيام حزب المؤتمر الوطني إلى قيام الحرب العالمية الثانية، مرت الحركة الوطنية الهندية بعدة أدوار رئيسة يمكن إيجازها بما يأتي:

  • الدور الأول: امتد من سنة 1885م واستمر إلى سنة 1900م، وكان يهدف إلى إصلاح النظام الاستعماري البريطاني.
  • الدور الثاني: امتد من سنة 1900م واستمر إلى سنة 1914م، وفيه طالب الوطنيون الهنود المستعمر البريطاني بحكم البلاد حكماً ذاتياً.
  • الدور الثالث: امتد من 1914م إلى سنة 1947، وفيه ناضل الهنود بكل ما بوسعهم للحصول على الاستقلال. من جانب آخر، وعبر هذه الأدوار مجتمعة كان حزب الرابطة الإسلامية الذي تأسس عام 1906 ينمو بوتائر عالية، ويتضامن مع الحركات الهندوسية المطالبة بالاستقلال، وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى قامت مظاهرات ضد المستعمرين الإنكليز فقمعت بمنتهى الوحشية في مذبحة أمريتسار Amritsar ت(1919)، ثم ما لبث أن ظهر المهاتما غاندي Gandhi ليتسلم قيادة الحركة الوطنية بدءاً من سنة1920م، هذا القائد الذي وضع أسساً لسياسة جديدة في نضال الهند ضد مستعمرها تمحورت في:
  • عدم التعامل مع البريطانيين، ومقاطعة بضائعهم.
  • مقاومة البريطانيين عبر سياسة سلمية لعدم إزهاق الأرواح في كلا الجانبين فكان أن أرهقت هذه السياسة البريطانيين، وأجبرتهم على وضع دستور للهند سنة 1935م،لكن هذا لم يرض طموح الهنود عموماً ولم يثنهم عن المطالبة بالاستقلال التام، فاستمروا يلحون على مطلبهم إلى أن انقضت الحرب العالمية الثانية.

وفي ظل الظروف التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية أخذت الحكومة البريطانية في لندن تفكر عملياً بالانسحاب من الهند، فأرسلت إلى هناك سنة 1946م وفداً رفيع المستوى لدراسة كيفية نقل السلطات إلى الهنود، وقبل أن تسلم السلطة لحزب المؤتمر الوطني، الذي كان يقف على رأسه غاندي وجواهر لال نهرو [ر] J.L.Nehru اعترض حزب الرابطة الإسلامية الذي كان يقف على رأسه محمد علي جناح M.A.Jinnah، ما دعا السلطات البريطانية أن تقر بمبدأ تقسيم شبه القارة الهندية بين الهندوس والمسلمين .

وفي سنة 1947م وإبان الفرز الديني قامت الفتنة بين الهندوس والمسلمين، ذهب ضحيتها أعداد ضخمة من الطرفين، ونجم عنها هجرة الهندوس إلى الجنوب وهجرة المسلمين إلى الشمال، فكان جراء هذه الهجرة أن قامت دولة الهند في الجنوب ودولة باكستان في الشمال ولم يقف أوار هذه الفتنة حتى قدمت الحكومتان (الهندية والباكستانية) الضمانات الكافية لأمن أبناء الطوائف الأخرى واطمئنانها، وفي غمرة تلك الأحداث اغتيل زعيم الهند المهاتما غاندي (1948) على يد أحد الهندوس.

الهند منذ الاستقلال حتى الوقت الراهن

عندما تمت المصالحة بين الهنود، وانفصلت باكستان تماماً عن الهند أُعلِنَت الهند جمهورية ديمقراطية مستقلة سنة 1950م مع احتفاظها بعلاقاتها مع دول الكومونولث (رابطة الشعوب البريطانية)، على أرض بلغت مساحتها 3287263كم2 ضمت حسب تعداد 1961 قرابة 438 مليون نسمة، وعشية الاستقلال قامت حكومة «نهرو» وأعادت صياغة التركيبة الإدارية للبلاد، وجعلتها على 16 ولاية، بعد أن كانت تتألف من600 ولاية بعضها يتمتع بحكم ذاتي، ثم صدر الدستور الهندي الذي حدد أمور تسيير شؤون البلاد بسلطتين:

- الأولى: السلطة التشريعية عبر مجلسين أحدهما «مجلس الولايات»، والآخر «مجلس الأمة».

- الثانية: السلطة التنفيذية: وتتمثل برئيس مجلس الوزراء الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية. وأما رئيس الجمهورية، فينتخب بوساطة البرلمان، ومدة رئاسته خمس سنوات قابلة للتجديد. ومن أبرز الشخصيات التي تقلدت مهام رئاسة الوزراء في الهند جواهر لال نهرو خليفة المهاتما غاندي الذي استمر في منصبه حتى وفاته سنة 1964 وابنته أنديرا غاندي [ر] Indira Gandhi التي تقلدت رئاسة الوزارة بعد وفاة لال بهادور شاستري Lal Bahadur Shastri سنة 1966 واستمرت حتى اغتيالها سنة 1984. ويذكر أن نهرو وابنته أنديرا غاندي قاما بالعديد من الإصلاحات الاجتماعية والدستورية التي قضت على أسباب التخلف والتفاوت الاجتماعي في الهند، ولهما الفضل الأكبر في وضع الخطط التي استهدفت ترسيخ قواعد الديمقراطية وتحديث البلاد.

ومع استقرار الأوضاع في عهدهما اهتمت البلاد بالشأنين الاقتصادي والتعليمي، ونجحت في تحقيق أهدافها عبر خطط خمسية، كان من نتائجها نمو الزراعة ،خصوصاً حينما جعل استثمار الأرض بوساطة تعاونيات زراعية تشرف عليها الدولة، كما تنامى الإنتاج الصناعي تنامياً ملحوظاً، خصوصاً في صناعة الآلات و المعدات الكهربائية والزجاج والإسمنت والحديد والصلب والورق و المواد الكيميائية، ومن جانب آخر لم يعكر صفو الأجواء الهندية منذ الاستقلال سوى بعض الخلافات الطائفية بين السيخ والهندوس والمسلمين، لكن المشكلة الكبرى التي ظهرت في تلك الآونة، ولم تحل إلى الوقت الراهن، تمثلت في إقليم كشمير،هذا الإقليم الذي تسيطر على ثلثيه السلطات الهندية وعلى ثلثه المتبقي السلطات الباكستانية، مع العلم أن معظم ساكنيه من المسلمين، ويقع من الناحية الجغرافية على الحدود الباكستانية، ولقد تأزم الموقف بين باكستان والهند سنة 1962، وعلى الرغم من التدخل الدولي لحل النزاع بين الدولتين؛ مازالت المشكلة قائمة حتى اليوم. وقد وقفت الهند إلى جانب بنغلادش (باكستان الشرقية سابقاً) في حرب الاستقلال والانفصال عن باكستان عام 1971.

أما فيما يتعلق بسياسة الهند الخارجية عشية الاستقلال فقد اتسمت بعلاقات ودية مع معظم دول العالم، باستثناء علاقاتها مع جارتيها الصين و باكستان، ففي عام 1960م هاجمت القوات الصينية ولاية أسام الحدودية وإقليم لاداخ في كشمير واستولت على أرض منها، واستمرت الأزمة بين الجانبين إلى أن توقف القتال 1963م، على شكل هدنة، وقف خلالها جيش الدولتين وجهاً لوجه على جبهة طويلة وعلى ارتفاعات شاهقة تصل بعض مناطقها إلى ارتفاع 4265 متراً تقريباً.

وأما فيما يتعلق بالعلاقات العربية - الهندية فقد اتسمت منذ عهد الاستقلال بالودية مع معظم الدول العربية، ثم تنامت العلاقات الطيبة بعد قيام حركة عدم الانحياز، وعلى الخصوص بعد مؤتمر باندونغ 1955م، وأبسط ما يقال عن العلاقات بين الهند والدول العربية عموماً أنها تقوم على تبادل المنافع فيما بينها، أما مايتعلق بالقضية الفلسطينية فإن الهند بقيت على موقفها الرافض الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني حتى وصول حزب جاناتا «الحاكم إلى السلطة».


انظر أيضاً

المصادر

للاستزادة

  • Bannerjee, Dr. Gauranganath (1921). India as known to the ancient world. Humphrey Milford, Oxford University Press, London.
  • Basham, A. L. (1954), The wonder that was India. Sidgwick and Jackson, London.
  • Daniélou, Alain (2003). A Brief History of India ISBN 0-89281-923-5
  • Elliot, Henry Miers; John Dowson (1867–77). The History of India, as told by its own historians. The Muhammadan Period. London: Trübner and Co.
  • Keay, John (2000). India: A History. New York, USA: Grove Press. ISBN 0802137970.
  • Kulke, Hermann and Dietmar Rothermund. A History of India. 3rd ed. (1998)
  • R.C. Majumdar, H.C. Raychaudhuri, and Kaukinkar Datta. An Advanced History of India. London: Macmillan. 1960. ISBN 0-333-90298-X
  • R.C. Majumdar, The History and Culture of the Indian People, New York: The Macmillan Co., 1951.
  • Mcleod, John. The History of India (2002)
  • Rothermund, Dietmar. An Economic History of India: From Pre-Colonial Times to 1991 (1993)
  • Sharma, R.S., India's Ancient Past, Oxford University Press
  • Sims-Williams, Nicholas and J. Cribb (1995-1996) "A new Bactrian inscription of Kanishka the Great", in Silk Road Art and Archaeology No. 4, 1995-1996.
  • Singhal, D.P. (1983), A History of the Indian People. Methuen, London.
  • Smith, Vincent. The Oxford History of India (1981)
  • Spear, Percival. The History of India Vol. 2 (1990)
  • Tavernier, Jean Baptiste - Baron of Aubonne; Ball, Valentine (tr. from the Org French Ed. 1676) (1899). Travels in India (Vol. 1). Macmillan & Co., London.{{cite book}}: CS1 maint: numeric names: authors list (link)
  • Tavernier, Jean Baptiste; Ball, Valentine (tr. from the Org French Ed. 1676) (1899). Travels in India (Vol. 2). Macmillan & Co., London.{{cite book}}: CS1 maint: numeric names: authors list (link)
  • Thapar, Romila. Early India: From the Origins to AD 1300 (2004)
  • Wolpert, Stanley. A New History of India. 6th ed. (1999)
  • Chirol, Valentine Indian Unrest and India Old and New London 1910
  • Ghosh, Aurobindo, Bankim, Tilak Dayanand Calcutta 1947
  • K.C.Yadav & Arya K.S. Arya Samaj and Freedom Movement, Manohar Publications Delhi 1988
  • Kohn Hans A History of Nationalism in the East, New York 1929
  • Lajpat Rai, India's Will to Freedom Madras 1921
  • Macdonald, J Ramsay The Awakening of India, London 1910
  • Romain Rolland, The Prophets of New India London 1930

وصلات خارجية