الدين في الهند

لم تكن الديانة الهندية التي حلت محل البوذية ديانة واحدة ، كلا ولا كانت مقتصرة على كونها عقيدة دينية ؛ بل كانت خليطاً من عقائد وطقوس لا يشترك القائمون بها في أكثر من أربع صفات ؛ فهم يعترفون بنظام الطبقات وبزعامة البراهمة ، وهم يقدسون البقرة بإعتبارها تمثل الألوهية على نحو تمتاز به من سواها ، وهم يقبلون قانون "كارما" وتناسخ الأرواح ، وهم يضيفون إلى آلهتهم الجديدة آلهة الفيدات ؛ ولقد كان بعض هذه العقائد أسبق من عبادة الطبيعة التي جاءت بها الفيدا ، كما ظلت قائمة بعد زوال تلك العبادة ، وأما بعضها الآخر فقد نشأ من أن البراهمة كانوا يغضون أبصارهم عن ضروب من الطقوس والآلهة والعقائد لم ينص عليها كتابهم المقدس ، بل تناقضه روح الفيدا مناقضة ليست باليسيرة ؛ فأتيحت الفرصة لتلك العقائد أن تنضج في وعاء الفكر الديني عند الهنود ، ومضت في نضجها ذاك حتى في الفترة العابرة التي إرتفعت فيها البوذية إلى مكان السيادة العقلية في البلاد. كان آلهة العقيدة الهندية يتميزون بكثرة أعضائهم الجسدية التي يمثلون بها على نحو غامض قدرتهم الخارقة في العلم والنشاط والقوة ؛ "براهما" الجديد كان له أربعة وجوه ، وكان ل"كارتكيا" ستة وجوه ، ول"شيفا" ثلاثة أعين ، ول"هندرا" ألف عين ؛ وكل إله عندهم تقريباً كان له أربع أذرعة. وعلى رأس هذه المجموعة الجديدة من الآلهة "براهما" الذي كان له من الشهامة ما أبعده عن الميل مع الهوى ، وهو سيد الآلهة المعترف له بتلك السيادة ، على الرغم من أنه مهمل في شعائر العبادة الفعلية إهمال الملك الدستوري في أوربا الحديثة ؛ و"براهما" و"شيفا" و"فشنو" هم الثلاثة الآلهة (لا الثالوث) الذي يسيطرون على الكون ، وأما "فشنو" فهو إله الحب الذي كثيراً ما إنقلب إنسانا ليتقدم بالعون إلى بني الإنسان ؛ وأعظم من يتجسد فيه "فشنو" هو "كرشنا" ، وهو في صورته "الكرشنية" هذه ، قد ولد في سجن وأتى بكثير من أعاجيب البطولة والغرام ، وشفى الصم والعمي ، وعاون المصابين بداء البرص ، وذاد عن الفقراء ، وبعث الموتى من قبورهم ؛ وكان له تلميذ محبب إلى نفسه ، وهو "أرجونا" ، وأمام "أرجونا" تبدلت خلقة "فشنو" حالاً بعد حال ؛ ويزعم بعض الرواة أنه مات مطعوناً بسهم ، ويزعم آخرون أنه قتل مصلوباً على شجرة ؛ وهبط إلى جهنم ثم صعد إلى السماء ، على أن يعود في اليوم الآخر ليحاسب الناس أحياءهم وأمواتهم.

A statue of the Sakyamuni Buddha in Tawang Gompa, الهند.
A statue of Shiva in Bangalore.
Religion is integral to Indian life; shown are roadside Hindu and Christian shrines in Jammu and Kashmir.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

 
أشكال بشرية وحيوانات قبل التاريخ كما صورها عمل فني في الصخر المهشم في ملاجئ بهيمبتكا.
 
تمثال "الملك الكاهن" من حضارة وادي السند من موهنجو-دارو، حوالي 2500 ق.م.
 
المسجد الجامع في دلهي هو أحد أكبر المساجد في العالم.



الديمغرافيا

 
Venkateswara devotees gather at the Tirumala Venkateswara Temple, the world's richest Hindu temple and, after the Vatican, the second-most visited religious center.
 
مخطوطات على ورق الموز من القرنين 15 و 16 تحتوي على مجموعة من الصلوات المسيحية باللغة التاميلية.

إحصائيات

 
خريطة الامبراطورية الهندية البريطانية في 1909، مظللة حسب الديانة الغالبة.

 
زوجان مسلمان هنود يعقدان قرانهما على ضفة نهر تونگابهادرا في ولاية كرناتكا. وخلفهما، رجل هندوسي يأخذ حماماً شعائرياً.

فيما يلي تفصيل للطوائف الدينية في الهند:

ديانات الهند[1]α[›]β[›]
الدين التعداد النسبة
كل الديانات 1,028,610,328 100.00%
الهندوس 827,578,868 80.456%
المسلمون 138,188,240 13.434%
المسيحيون 24,080,016 2.341%
السيخ 19,215,730 1.868%
البوذيون 7,955,207 0.773%
الجاين 4,225,053 0.41%
آخرون 6,639,626 0.645%
ديانة غير مذكورة 727,588 0.07%


سمات الجماعات الدينية
الجماعة
الدينية
التعداد
%
النمو
(1991–2001)
نسبة الجنسين
(إجمالي)
التعلم
(%)
المشاركة في العمل
(%)
نسبة الجنسين
(ريف)
نسبة الجنسين
(حضر)
نسبة الجنسين
(أطفال)ε[›]
الهندوس 80.46% 20.3% 931 65.1% 40.4% 944 894 925
المسلمون 13.43% 36.0% 936 59.1% 31.3% 953 907 950
المسيحيون 2.34% 22.6% 1009 80.3% 39.7% 1001 1026 964
السيخ 1.87% 18.2% 893 69.4% 37.7% 895 886 786
البوذيون 0.77% 18.2% 953 72.7% 40.6% 958 944 942
الجاين 0.41% 26.0% 940 94.1% 32.9% 937 941 870
الروحانيون وغيرهم 0.65% 103.1% 992 47.0% 48.4% 995 966 976

الشريعة

 
Jawaharlal Nehru as he signed the Constitution of India on 24 January 1950. Nehru was an atheist who supported Indian secularism.

المناسك

 
A puja performed on the banks of the overflowing Shipra River in Ujjain during the summer monsoon.

الاحتفالات

 
A Hindu marriage.

الحج

 
Millions of Sikh pilgrims from around the world visit the Harmandir Sahib annually.
 
Muslim pilgrims undertake ziyarat to Moinuddin Chishti's dargah in Ajmer, Rajasthan.

الأعياد

 
Diwali, celebrated by Hindus, Sikhs, and Jains, symbolises the triumph of good over evil.


السياسة

 
المسجد البابري، المسمى على اسم امبراطور المغلبابر، محاه الهندوس من الوجود، في 1992 ليعيدوا بناء معبد مكان، الذي يُعتقد أنه مسقط رأس الإله راما.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النزاعات

 
Aftermath of Hindu-Muslim clashes in Calcutta following the 1946 Direct Action Day.
 
Many of Ahmedabad's buildings were set on fire by largely Hindu mobs during the 2002 Gujarat violence.


الحياة في الديانات الهندية

الحياة بل الكون كله ، لها في رأي الهندي ثلاثة وجوه رئيسية: الخلق ، والإحتفاظ بالمخلوق ، ثم الفناء ؛ ومن ثم كان للألوهية عنده ثلاث صور: براهما الخالق ، وفشنو الحافظ ، وشيفا المدمر ؛ تلك هي "الأشكال الثلاثة" التي يقدسها الهنود أجمعين ماعدا الجانتيين منهم ؛ والناس منقسمون بحبهم طائفتين: إحداهما تميل إلى ديانة فشنو ، والأخرى إلى ديانة شيفا ؛ وكلتا العقيدتين بمثابة الجارتين المسالمتين ، بل قد تتقدم كلتاهما بالقرابين في معبد واحد ، والحكماء من البراهمة- تتبعهم الأكثرية العظمى من سواد الناس- تكرم الإلهين معاً بغير تمييز لأحدهما ؛ أما الفشنيون الأتقياء فيرسمون على جباههم كل صباح بالطين الأحمر علامة فشنو ، وهي شوكة ذات أسنان ثلاث ؛ وأما الشيفيون المخلصون لعقيدتهم فيرسمون ثلاثة خطوط أفقية على جباههم برماد من روث البقر ، أو يلبسون "اللنجا"- رمز عضو الذكورة- ويربطونه على أذرعتهم أو يعلقونه حول أعناقهم. وعبادة "شيفا" هي من أقدم وأعمق وأبشع العناصر التي منها تتألف الديانة الهندية ؛ فيقدم لنا "سير جون مارشل" "دليلاً لا يأتيه الباطل" على أن عقيدة "شيفا" كانت موجودة في "موهنجو- دارو" ، متخذة أحياناً صورة شيفا ذي الرءوس الثلاثة ، وأحياناً أخرى صورة أعمدة حجرية صغيرة ، يزعم لنا أنها ترمز لعضو الذكورة على نحو ما ترمز له عندهم بدائلها في العصر الحديث ؛ وهو يخلص من ذلك إلى نتيجة هي أن "العقيدة الشيفية أقدم عقيدة حية في العالم كله". وإسم الإله- أعني كلمة شيفا- لفظة أريد بها التخفيف من بشاعة هذا الإله ، فالكلمة شيفا معناها الحرفي "العطوف" مع أن شيفا في حقيقة الأمر إله القسوة والتدمير قبل كل شيء آخر؛ هو تجسيد لتلك القوة الكونية التي تعمل واحدة بعد أخرى ، على تخريب جميع الصور التي تتبدى فيها حقيقة الكون- جميع الخلايا الحية وجميع الكائنات العضوية ، وكل الأنواع ، وكل الأفكار وكل ما أبدعته يد الإنسان ، وكل الكواكب ، وكل شيء ؛ ولم يسبق الهنود شعب قط في شجاعتهم في مواجهة الحقيقة التي هي عدم ثبات الأشياء على صورها ووقوف الطبيعة من كل شيء موقف الحياد ، مواجهة صريحة ؛ ولم يسبقهم شعب قط في إعترافهم إعترافاً واضحاً بأن الشر يتوازن مع الخير ، والهدم يساير الخلق خطوة خطوة ، وأن ولادة الأحياء بأسرها جريمة كبرى عقابها الموت ؛ فالهندي الذي تعذبه آلاف العوامل من عثرة الحظ والآلام ، يرى في تلك الألوان من التعذيب أثراً ينم عن قوة نشيطة يمتعها- فيما يظهر- أن تحطم كل ما أنتجه براهما ، وهو القوة الخالقة في الطبيعة ؛ إن "شيفا" ليطرب راقصاً إذا ما سمع نغمة العالم فأدرك منها عالماً لا يني يتكون وينحل ويعود إلى التكون من جديد. ولكن كما أن الموت عقوبة الولادة ، فكذلك الولادة تخييب لرجاء الموت ؛ فالإله نفسه الذي يرمز للتدمير ، يمثل كذلك للعقل الهندي تلك الدفعة الجارفة نحو التناسل الذي يتغلب على موت الفرد بإستمرار الجنس ؛ وهذه الحيوية الخلاقة الناسلة (شاكتي) التي يبديها شيفا - أو الطبيعة - تتمثل في بعض جهات الهند ، وخصوصاً في البنغال ، في صورة زوجة شيفا ، وإسمها "كالي" (بارفاتي ، أو أوما أو درجا) وهي موضع عبادة في عقيدة من العقائد الكثيرة التي تأخذ بمذهب "الشاكتي" هذا ؛ ولقد كانت هذه العبادة- حتى القرن الماضي- وحشية الطقوس كثيراً ما تتضمن في شعائرها تضحية بشرية ، لكن الآلهة إكتفت بعدئذ بضحايا الماعز ؛ وهذه الآلهة صورتها عند عامة الناس شبح أسود بفم مفغور ولسان متدل ، تزدان بالأفاعي وترقص على جثة ميتة ؛ وأقراطها رجال موتى ، وعقدها سلسلة من جماجم ، ووجهها وثدياها تلطخها الدماء ومن أيديها الأربعة يدان تحملان سيفاً ورأساً مبتوراً ، وأما اليدان الأخريان فممدودتان رحمة وحماية ؛ لأن "كالي- بارفالي" هي كذلك الإله الأمومة كما أنها عروس الدمار والموت ؛ وفي وسعها أن تكون رقيقة الحاشية كما في وسعها أن تكون قاسية ، وفي مقدورها أن تبتسم كما في مقدورها أن تقتل ؛ ولعلها كانت ذات يوم إلهة أماً في سومر ، ومن ثم جاءت إلى الهند قبل أن تتخذ هذا الجانب البشع من جانبيها. ولاشك أنها هي وزوجها قد إتخذا أبشع صورة ممكنة لكي يلقيا الرعب في نفوس الرعاديد من عبادها فيحتشموا، أو قد تكون هذه البشاعة كلها قد أريد بها أن يلقي الرعب في نفوس العباد فيجودوا بالعطاء للكهنة.

تلك هي أعظم آلهة الهندوسيين ، لكنا لم نذكر إلا خمسة من ثلاثين مليوناً من الآلهة تزدحم بها مقبرة العظماء في الهند ؛ ولو أحصينا أسماء هاتيك الآلهة إقتضى ذلك مائة مجلد ؛ وبعضها أقرب في طبيعته إلى الملائكة ، وبعضها هو ما قد نسميه نحن بالشياطين ، وطائفة منها أجرام سماوية مثل الشمس ، وطائفة منها تمائم مثل "لاكشمي" (إلهة الحظ الحسن) ، وكثير منها هي حيوانات الحقل أو طيور السماء ؛ فالهندي لا يرى فارقاً بعيداً بين الحيوان والإنسان ، فالحيوان روح كما للإنسان ، والأرواح تمضي دواماً متنقلة من بني الإنسان إلى بني الحيوان ، ثم تعود إلى بني الإنسان مرة أخرى ؛ وكل هذه الصنوف الإلهية قد نسجت خيوطها في شبكة واحدة لا نهاية لحدودها ، هي "كارما" وتناسخ الأرواح ؛ فالفيل مثلاً قد أصبح الإله "جانيشا" وإعتبروه إبن شيفا ، وفيه تتجسد طبيعة الإنسان الحيوانية ، وكانت صورته في الوقت نفسه تتخذ طلسماً يقي حامله من الحظ السيئ ؛ كذلك كانت القردة والأفاعي مصدر رعب ، فكانت لذلك من طبيعة الآلهة ؛ فالأفعى التي تؤدي عضة واحدة منها إلى موت سريع ، وإسمها "ناجا" كان لها عندهم قدسية خاصة ؛ وترى الناس في كثير من أجزاء الهند يقيمون كل عام حفلاً دينياً تكريماً للأفاعي ، ويقدمون العطايا من اللبن والموز لأفاعي "الناجا" عند مداخل جحورها ؛ كذلك أقيمت المعابد تمجيداً للأفاعي كما هي الحال في شرقي ميسور ، وهناك في هذه المعابد تسكن جموع زاخرة من الزواحف ، ويقوم الكهنة على إطعامها والعناية بها ؛ وللتماسيح والنمور والطواويس والببغاوات ، بل والفئران حقها من العباد. وأكثر الحيوان قدسية عند الهندي هي البقرة ، فنرى تماثيل الثيرة مصنوعة من كل مادة وفي شتى الأحجام تراها في المعابد والمنازل وميادين المدن ؛ وأما البقرة نفسها فأحب الكائنات الحية جميعاً إلى الهنود ، ولها مطلق الحرية في إرتياد الطرقات كيف شاءت ، وروثها يستخدم وقوداً أو مادة مقدسة يتبركون بها ، وبولها خمر مقدس يطهر كل ما في الجسم من نجاسة في الظاهر والباطن ؛ ولا يجوز للهندي تحت أي ظرف أن يأكل لحمها أو أن يصطنع من جلدها لباساً يرتديه - فلا يصنع منه غطاء للرأس ولا قفازاً ولا حذاء ؛ وإذا ماتت البقرة وجب دفنها بجلال الطقوس الدينية ، ولعل السياسة الحكيمة هي التي رسمت فيما مضى هذا التحريم إحتفاظاً للزراعة بحيوان الجر حتى يسد حاجة السكان الذين يتكاثرون ، وقد بلغ عدد البقر اليوم ربع عدد السكان. ووجهة نظر الهندي في ذلك هي أنه ليس أبعد عن المعقول أن تشعر بالحب العميق للبقرة والمقت الشديد لفكرة أكلها ، من أن تكن أمثال هذه المشاعر للحيوانات المستأنسة من قطط وكلاب ، لكن الذي يبعث على السخرية المرة في الأمر هو عقيدة البراهمة بأن الأبقار لا يجوز ذبحها قط ، وأن الحشرات لا يحل إيذاؤها قط ، وأن الأرامل من النساء ينبغي أن يحرقن أحياء ؛ فحقيقة الأمر هي أن عبادة الحيوان قد ظهرت في تاريخ الشعوب كلها ، فإن جاز للإنسان أن يؤلمه الحيوان إطلاقاً ، فالبقرة الرحيمة الهادئة حقها في هذا التقديس ؛ ولا يجوز لنا أن نغلو في كبريائنا حين تأخذنا الدهشة لهذه المعارض الحيوانية من آلهة الهنود ، فلنا كذلك إبليس عدن في صورة حية ، والثور الذهبي في العهد القديم من الإنجيل ، والسمك المقدس في سراديب الموتى ، وحمل الله الوديع. إن سر تعدد الآلهة هو عجز العقل الساذج عن التفكير فيما ليس مشخصاً ؛ فأيسر عليه أن يفهم الأشخاص من أن يعقل القوى ، وأن يفهم الإرادات من أن يتصور القوانين ، والظن عند الهندي هو أن حواسنا البشرية لا ترى من الحوادث التي تدركها سوى ظاهرها ، ويعتقد أن وراء هذه الظواهر كائنات روحية لا حصر لعددها ، يمكن إدراكها بالعقل لا بالحواس- على حد تعبير "كانت" ؛ ولقد أدى تسامح البراهمة ذو المسحة الفلسفية ، إلى الزيادة من ذخيرة آلهتهم حتى إزدادت كثرة على كثرة ، وذلك أن الآلهة المحليين وآلهة القبائل المختلفة قد صادفت عند الهندي سهلاً ومرحباً ، فقبلها وفسرها بأنها جميعاً تصور جوانب من آلهته الأصلية ؛ فكل عقيدة يسمح لها بالدخول عندهم إن كان في مستطاعها أن تدفع الضريبة على ذلك ؛ حتى كاد كل إله آخر الأمر أن يكون صورة أو صفة أو تجسيداً لإله آخر ، ثم تناول العقل الهندي الرشيد كل هذه الآلهة فدمجها في إله واحد ؛ هكذا تحول تعدد الآلهة إلى عقيدة بوحدة الوجود ، أوشكت عندهم أن تكون توحيداً ، والتوحيد بدوره أوشك أن يكون عندهم واحدية فلسفية ؛ فكما يتوجه المسيحي الورع بالدعاء إلى العذراء ، أو إلى قديس من آلاف القديسين ومع ذلك لا يتحول عن توحيده لله ، بمعنى أنه لا يعترف إلا بإله واحد على أنه ذو الجلال الأسمى ، فكذلك الهندي يتوجه بالدعاء إلى "كالي" أو "راما" أو "كرشنا" أو "جانيشا" دون أن يتطرق إلى ذهنه لحظة واحدة أن هذه آلهة لها السيادة العليا فترى بعض الهنود يتخذ من "فشنو" إلهاً أعلى ، وبعضهم يتخذ من "شيفا" إلهاً أعلى ، ويجعل فشنو أحد ملائكته ؛ وإذا وجدت بين الهنود أقلية تعبد "براهما" فما ذلك إلا لأنه مجرد عن التشخص ، ممتنع على الحواس ، بعيد عن البشر ، ولهذا السبب عينه ترى معظم الكنائس في البلاد المسيحية قد أقيمت تكريماً لمارية أو لأحد القديسين ، وكان على المسيحية أن تنتظر حتى يجيئها فولتير فيقيم معبداً لله.


العقائد الهندية المختلفة

يمتزج بهذا اللاهوت المعقد ، مجموعة معقدة من الأساطير فيها التخريب وفيها عمق الفكرة في آن معاً ؛ فلما كانت كتب الفيدا قد دفنت في اللغة التي كتبت بها ، ثم لما كانت فلسفة البراهمة الميتافيزيقية تجاوز حدود أفهام الناس ، فقد نهض "فياسا" وآخرون في مدة تطاولت إلى ألف عام (من 500 ق.م إلى 500 م) وأنشئوا كتب بيورانا - ومعناها القصص القديمة- أنشئوها شعراً في أربعمائة ألف دوبيت (الدوبيت بيتان من الشعر) يعرضون فيها لعامة الناس حقيقة خلق العالم بصورتها الدقيقة ، وما يطرأ عليه من مراحل الكون والفساد المتعاقبة على فترات دورية ، ونسب الآلهة ، وتاريخ عصر البطولة ؛ وليست تدعي هذه الكتب لنفسها قالباً أدبياً ولا نظاماً منطقياً ، ولا إعتدالاً في تقدير الأشياء بالأعداد ، من ذلك مثلاً أنها تذكر عن الحبيبين "إرفاشي" و"بورورافاس" أنهما قضيا واحداً وستين ألف عام في سرور وغبطة ؛ لكنها مع ذلك أصبحت للديانة الهندية إنجيلاً ثانياً لوضوح لغتها وروعة قصصها وسلامة العقيدة التي تشرحها ، كما أصبحت تلك الكتب للديانة الهندية مستودعاً عظيماً لخرافاتها وأساطيرها ، بل وفلسفتها ؛ فهناك على سبيل المثال قطعة من "فشنوبورانا" تعبر عن أقدم فكرة جالت برأس الهندي وما فتئت تعاوده على طول الزمن- وأعني بها الفكرة القائلة بأن إستقلال الأفراد في ذوات منفصل بعضها عن بعض ، وهم ، وأن الحياة كلها حقيقة واحدة:


"جاء "ربهو" بعد ألف عام. إلى "نداغا" في مدينته ليزيده علماً. فرآه خارج المدينة. في نفس اللحظة التي كان الملك فيها على وشك الدخول بحشد كبير من الأتباع ، رآه واقفاً على معبده ، معتزلاً بنفسه عن الزحام ، ذاوي العنق من أثر الصيام ، وكان في طريقه عائداً من الغابة ومعه بعض الوقود والكلأ لما رآه "ربهو" قصد إليه وحياه قائلاً: "أيها البرهمي! فيم وقوفك هاهنا وحيداً؟" ، فقال "نداغا": "أنظر إلى الحشد محيطاً بالملك الذي يوشك أن يدخل المدينة ؛ هذا هو علة وقوفي وحيداً" ، فقال "ربهو": "أي هؤلاء يكون الملك؟ ومن عسى أن يكون الآخرون؟ أنبئني فيبدو عليك أنك بالأمر عليم" ، فقال "نداغا": "إن من يركب الفيل الأحمر ، عالياً برأسه كأنه قمة الجبل هذا هو الملك ، والآخرون هم تابعوه". فقال "ربهو": "إنك تشير إلى هذين ، إلى الملك والفيل دون أن تميز بينهما بفاصل قل لي أين أجد الفاصل بين هذا وذاك؟ أريد أن أعلم أي هذين هو الملك ، وأيهما يكون الفيل؟" فقال "نداغا": "الفيل أسفل ، والملك من فوقه ، من ذا الذي لا يعلم علاقة الحامل بالمحمول؟" فقال "ربهو": "علمني ذلك فقد أستطيع تعلمه" ، ما هذا الذي تشير إليه بقولك "أسفل" وبقولك "فوقه"؟ فوثب نداغا من فوره على المعلم وخاطبه قائلاً: "هاأنذا أعلمك ما أردت أن تتعلمه مني ، أنا "أعلى" مثل الملك وأنت "أسفل" مثل الفيل ، وإنما أسوق لك هذا المثل لأعلمك" فقال ربهو: "إذا كنت في موضع الملك ، وأنا في موضع الفيل فما أزال أطلب منك أن تنبئني: أينُّا أنت أينُّا أنا؟" فما لبث نداغ أن جثا أمامه وأمسك بقدميه وقال: "حقاً إنك "ربهو" أستاذي. بجوابك هذا عرفت أنك أنت شيخي قد أتى". فقال "ربهو": "نعم ، جئت لأعلمك لأنك فيما سبق أبديت إستعداداً لخدمتي ، أنا هو "ربهو" قد جئت إليك وهذا الذي علمتك إياه إختصاراً- وهو صميم الحقيقة العليا- يتلخص في نفي الثنائية من الوجود" وبعد أن فرغ الشيخ "ربهو" من حديثه هذا مع نداغا ، مضى لسبيله ومن ثم أدار نداغا فكره- مهتدياً بهذا الدرس الرمزي الذي تعلمه- فركزه كله في اللاثنائية ومن ذلك الحين أخذ ينظر في الكائنات كلها فلا يجد فيها ما يفرق شيئاً منها عن نفسه وبهذا شاهد براهما ، وحقق الخلاص الأعظم.

وفي كتب "بيورانا" هذه ، وفي أمثالها من آثار الهند في عصورها الوسطى ، تقرأ نظرية عن الكون بعينها النظرية التي يقول بها العصر الحديث ؛ فليس هناك خلق بمعنى التكوين بعد العدم ، إنما هو كون يعقبه فساد أبد الدهر ، هو نماء يعقبه ذبول ، دورة بعد دورة ؛ كهذا الذي تراه متمثلاً في كل نبات في العالم وكل حيوان ؛ والذي يحفظ مراحل هذه السيرة فلا تقف دورتها ، هو براهما- أو إن شئت فقل براجاباتي كما يسمى الخالق في هذه الكتب التي نحن الآن بصددها- براهما هو القوة الروحية التي تفعل ذلك ، ولسنا ندري كيف بدأ العالم ، إن كانت للعالم بداية ؛ يجوز أن يكون براهما- كما تذهب كتب بيورانا- قد جعل بداية العالم بيضة ثم إحتضنها حتى أفرخت ؛ ويجوز أن يكون هذا العالم غلطة عابرة من الصانع ، أو فكاهة رأى فيها قليلاً من تسلية ؛ وكل دورة- أو كالبا كما يسمونها- في تاريخ الكون منقسمة إلى عصور كبرى - ويسمون كل عصر منها ماهايوجا - طول الواحد منها 000ر320ر4 عام ؛ ثم ينقسم كل "ماهايوجا" إلى أربعة "يوجات" - أي عصور "يطرأ على الجنس البشري خلالها تدهور تدريجي ؛ ولقد مضت ثلاثة أعصر من "الماهايوجا"- أي العصر الأعظم- الحاضر ، بلغ مداها 888ر888ر3 عام ، ونحن الآن نعيش في العصر الرابع- ويسمونه "اليوجا الكالي" ومعناها عصر الشقاء؛ ومن هذه المرحلة الرابعة انسلخ 035ر5 عام، وبقى منها 965ر426عام ، وعندئذ يصيب العالم موت من ميتاته الدورية ، بعدها يبدأ براهما يوماً آخر من "أيام براهما" وما يومه إلا "كالبا" أي دورة طولها 000ر000ر320ر4عام ؛ وفي كل دورة "كالبية" من هذه الدورات يتطور الكون بفعل العوامل الطبيعية ماراً بالخطوات الطبيعية ، وبفعل العوامل الطبيعية ماراً بالخطوات الطبيعية يعود إلى الإنحلال ، وفناء العالم كله لا يقل في يقينه عن موت فأر ؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك كله في نظر الفيلسوف بأخطر من موت الفأر ؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك نحوها الكون ، أي ليس هناك "تقدم" بل كل ما هناك تكرار لا ينتهي. وحدث إبان هذه العصور صغراها أن تحولت بلايين الأنفس من نوع إلى نوع ومن جسم إلى جسم ومن حياة إلى حياة في دورات من التناسخ تبعث الملل لتكرارها ؛ فليس الفرد فرداً في حقيقة أمره ، وإنما هو حلقة في سلسلة الحياة ، وصفحة واحدة من تاريخ نفس من الأنفس ؛ والنوع من الأحياء ليس في حقيقة أمره نوعاً قائماً بذاته ، لأن الأنفس الحالّة في هذه الزهور أو هذه البراغيث ربما كانت أمس ، أو ربما تكون غداً ، أرواحاً من أرواح البشر ؛ فالحياة كلها واحدة ؛ وإذن فالإنسان إن هو إلا إنسان إلى حد ما ؛ لأنه كذلك حيوان ، ولا تزال عالقة به نتف وأصداء من حيواته الدنيا الماضية ، مما يجعله أقرب صلة بالحيوان منه إلى الحكيم من الناس ؛ إن الإنسان جزء من طبيعة لا أكثر ، فليس هو من هذه الطبيعة مركزها ولا سيدها ، والحياة الواحدة في الفرد ليست إلا فصلاً واحداً من سيرة نفس واحدة، وليست هي كل ما تتألف منه هذه النفس؛ فكل صورة من صور الأحياء مصيرها التغير ، وأما الحقيقة فدائمة وواحدة ؛ والأبدان الكثيرة التي تحل فيها النفس واحداً بعد واحد ، شبيه بالأعوام أو بالأيام في حياة الفرد الواحد ، وقد تعلو بالنفس نحو النماء حيناً أو قد تهبط بها نحو الذبول حيناً آخر ؛ فكيف يمكن لحياة الفرد الواحد، وهي على هذه الحالة من القصر في تيار الأجيال المتعاقبة العنيف الجارف ، فكيف يمكن أن تشتمل على كل ما للنفس الفردة من تاريخ ، أو أن تهيئ لها ما هي جديرة به من عقاب أو ثواب على شرها أو خيرها؟

وإذا فرضنا للنفس خلوداً ، فكيف يجوز لحياة واحدة قصيرة أن تقرر مصيرها إلى الأبد؟ يقول الهندي إن الحياة لا يمكن فهمها إلا على إفتراض أن كل مرحلة من مراحل وجود النفس تعاني العذاب أو تتمتع بالثواب ، جزاء وفاقاً لما وقع من النفس في حياة ماضية من رذيلة أو فضيلة؛ إذ يستحيل على فعل صغير أو كبير ، خير أو شرير ، أن يمضى بغير أثر ؛ إن كل شيء لا بد له من أثر يظهر ذات يوم ، ذلك هو قانون كارما- ومعناه قانون الفعل- أو قانون السببية في دنيا الروح ، وهو أسمى قوانين العالم وأبشعها ؛ فإذا أقام إنسان العدل ، وكان رحيماً دون أن يقترف خطيئة ، فيستحيل أن يجيء جزاؤه في مرحلة واحدة فانية من مراحل الحياة ، بل يمتد نطاقه إلى حيوات أخرى يولد فيها ليكون ذا مكانة أعلى وحظ أوفر ، لو ظل على فضيلته الأولى ؛ أما إن عاش حياته عيش الرذيلة ، أعيدت ولادته في حياة تالية منبوذاً أو إبن عرس أو كلباً ، وقانون كارما هذا- مثل قانون القَدَر عند اليونان- هو فوق الآلهة والبشر معاً لأن الآلهة أنفسهم لا يستطيعون تغيير سننه التي يطّرد فعلها ؛ أو إن شئت فقل ما قاله رجال اللاهوت ، وهو أن "كارما" وإرادة الآلهة أو فعلها ، شيء واحد بذاته ، لكن ليس كارما والقدر بشيء واحد ، لأن القدر يتضمن عجز الإنسان عن تقرير مصير نفسه ، أما كارما فتجعل الإنسان (إذا أخذنا كل حيواته جملة واحدة) خالق مصير نفسه ؛ وليست الجنة والجحيم بخاتمة ينتهي عندها فعل كارما ، وهو سلسلة الولادات والميتات ؛ نعم إن الروح بعد موت جسدها ، يجوز أن ترسل إلى الجحيم لتلقى عذابها على جرم بعينه ، أو أن ترسل إلى الجنة لتنعم بجزاء سريع على فشيلة بذاتها لكن يستحيل على روح أن تقيم في الجحيم ، وقليل من الأرواح هي التي يسمح لها بالإقامة في الجنة إلى الأبد ؛ ذلك لأن الروح لا بد لها بعد فترة تقضيها في الجنة أو الجحيم ، أن تعود إلى الأرض من جديد ، لتنفذ بحياة جديدة ما يقضي به عليها كارما كان هذا المذهب صادقاً من الوجهة البيولوجية إلى حد كبير ، فلا ريب في أننا حقاً تجسيد جديد لأسلافنا ، وسنعود بدورنا فنتجسد من جديد في أبنائنا ، وعيوب الآباء تهبط على الأبناء إلى حد ما(ولو أنها لا تهبط بالمقدار الذي يفرضه الجامدون الخيرون) حتى ولو بعد أجيال كثيرة ؛ فقد كان قانون كارما أسطورة بارعة في صرف الحيوان البشري عن القتل والسرقة والمماطلة والتقتير في العطايا ، فضلاً عن أنه وسع من نطاق الوحدة الخلقية والشعور بالواجب حتى شمل ذلك النطاق مراحل الحياة كلها ، ومهد أمام التشريع الخلقي سبيل التطبيق على نطاق أوسع رقعة وأكثر منطقاً مما وجده في أية حضارة أخرى.فالهنود الأخيار لا يقتلون الحشرات إذ وسعهم ذلك ، " وحتى أولئك الذين يتواضعون منهم في طموحهم الخلقي يعاملون الحيوان معاملتهم لأخوة لهم أدنى شأناً ، لا معاملتهم لكائنات أحط نوعاً سلطهم الله عليهم" ، وقد فسرت "كارما" للهنود- من الوجهة الفلسفية- كثيراً من الحقائق التي كانت تكون بغيرها غامضة المعنى أو مجحفة إجحافاً يوغر الصدور ؛ فهذه الفوارق الأزلية التي تفرق بين أقدار الناس والتي تخيب آمال الناس منذ الأزل في المساواة والعدل ؛ وهذه الشرور في صورها المختلفات التي تسود وجه الأرض وتصبغ بحمرة الدماء مجرى للتاريخ ؛ وهذه الآلام التي تدخل حياة الإنسان مع ولادته ثم يصاحبه حتى وفاته ؛ كل هذه وهذه وتلك بدت معقولة للهندي إذا ما إنعقد في "كارما" ؛ ذلك لأن هذه الشرور وهذا الظلم وهذه الفوارق المتدرجة من الخبل العقلي إلى النبوغ ، وهذه الدرجات من الفقر والغني ، كل هذه نتيجة للحيوات الماضية وهي نتيجة لازمة تترتب على فعل قانون ، إن رأيته ظالماً مدى حياة واحدة أو لحظة واحدة ، فستراه أعدل ما تكون القوانين في نهاية الأمر كله ، فكارما إحدى الوسائل الكثيرة التي إبتكرها الإنسان لنفسه لتعينه على تحمل الشر صابراً ، وعلى مواجهة الحياة متفائلاً ؛ فالمهمة التي إضطلعت بها معظم الديانات وحاولت أداءها هي أن تفسر الشر وأن تشرح للناس نظاماً كونياً يبرر لهم أن يقبلوا الشر جزءاً منه ، قبولاً إلا يكن مليئاً بالبِشْر ، فحسبه أن يكون مصحوباً بسكينة الفؤاد ، ولما كانت مشكلة الحياة الحقيقية ليست هي آلامها ، لكنها الآلام التي تصادف من لا يستحقونها ، فإن ديانة الهند تخفف من هذه المأساة البشرية بأن تخلع على الحزن والألم شيئاً من المعنى وقدراً من القيمة ؛ فللروح- بناء على اللاهوت الهندي- هذا العزاء على الأقل ، وهو أنها لا بد لها أن تتحمل نتائج فعلها وحدها دون أفعال سواها ؛ فما لم تضجر الروح من الوجود كله جملة واحدة ، فستجد نفسها راضية عن الشر بإعتباره عقاباً عابراً مؤقتاً ، وسترقب تحقيق آمالها في ثوابها على ما أتت من فضيلة.

لكن الهنود في حقيقة الأمر يرتابون في قيمة الوجود كله جملة واحدة ؛ ذلك أنه لما كانت البيئة ترهق قواهم إرهاقا ، ولما كان الحاكم يذل قوميتهم إذلالاً ، ويستغل مواردهم إستغلالاً ، فقد مالوا إلى النظر إلى الحياة على أنها عقوبة مُرة أكثر منها فرصة سانحة أو ثواباً يرتجى ؛ فكتب الفيدا التي كتبها القوم وهم أشداء عند قومهم من الشمال ، كانت في تفاؤلها لا تقل عما يكتبه اليوم أديبنا وتمن ؛ ومضت خمسمائة عام ، وظهر بوذا من هؤلاء القوم أنفسهم ، لكنه أنكر قيمة الحياة ؛ ثم مضت خمسة قرون أخرى، وظهرت كتب " بيورانا " فعبرت عن نظرة بلغت في تشاؤمهما حداً لم يبلغه متشائم في الغرب، إذا إستثنينا لحظات شرودا من الشك الفلسفي ؛ لقد تعذر على الشرق - حتى تناوله أطراف الثورة الصناعية - أن يفهم هذه الحماسة التي يقبل بها الغرب على الحياة ، ولم يجد إلا سذاجة وطفولة في مشاغلنا التي لا تعرف الرحمة ، ومطامعنا التي لا تقنع ، ورسائلنا التي تحطم الأعصاب وتوفر العمل ، وتقدمنا وسرعة سيرنا ؛ لم يفهم الشرق من الغرب هذا الإنغماس العميق في سطوح دون لبابها ، ولا هذا الرفض الماكر منه أن يواجه حقائق الوجود مواجهة صريحة ؛ لكن الغرب في الوقت نفسه لم يستطع أن يسبر في الشرق التقليدي أغوار هذا السكون الهامد ، ولا هذا "الركود" و "اليأس" ؛ إلا أن الحرارة لا تفهم البرودة. "ياما" يوجه السؤال إلى "يودشتيرا" قائلاً: "ما أعجب شيء في العالم؟" فيجيبه "يودشتيرا": "أن يموت الإنسان في أثر الإنسان ، وأن يرى الناس ذلك ثم ينطلق في سعيهم كأنهم من الخالدين". وجاء في "الماهابهاراتا": "العالم مصاب بكارثة الموت ، ومقيد في نشاطه بالشيخوخة ، والليالي متتابعات، تأتي ثم تمضي ، لا تتخلف أبداً ؛ فإذا ما أيقنت أن الموت يستحيل عليه الوقوف ، فماذا أرتجي من السير تحت غطاء من الحكمة" ؛ وتدعو "سيتا" في "رامايانا" لما رأت أن ثوابها على وفائها رغم ما يصادفها من إغراء ومحنة هو الموت ولا شيء غير الموت، تدعو قائلة:

لو كنت بوفائي لزوجي قد برهنت على أني زوجة أمينة.

فيا أمنا الأرض أريحي ابنتك "سيتا" من أعباء هذه الحياة.


وهكذا ترى الكلمة الأخيرة في التفكير الديني عند الهنود هي ما يسمونه "فكشا" ومعناها الخلاص- الخلاص أولاً من الشهوة ، ثم الخلاص من الحياة ؛ والنرفانا هي هذا الخلاص أو ذاك ، لكنها لا تبلغ غاية أمدها إلا إذا تحقق الخلاصان معاً ؛ ولقد عبر الحكيم "بهارتري- هاري" عن الخلاص الأول فقال: "إن كل شيء على الأرض يبرر الخوف ، والطريق الوحيدة للخلاص من الخوف هي في إنكار الشهوات إنكاراً تاماً. لقد مضى على عهد كانت تطول فيه أيامي حين كان سؤال الحسنة من الأغنياء يثخن في قلبي أليم الجراح ؛ ثم بدت أيامي قصيرة كل القصر حين جعلت أسعى نحو تحقيق كل رغباتي وغاياتي الدنيوية ؛ أما الآن فقد تفلسفت وجلست على حجر صلب في كهف على سفح الجبل ، وتراني لا أنفك عن الضحك كلما فكرت في حياتي الماضية". ويعبر غاندي عن الصورة الثانية من صورتي الخلاص فيقول: "لست أريد عودة إلى ولادة جديدة". إن أسمي وآخر ما يتمانه الهندي هو أن ينجو من العودة إلى الحياة في جسد آخر ، وأن تزول عنه هذه الحمى التي تلتهب بها الذات كلما عاودتها الحياة في بدن جديد وولادة جديدة ؛ وليس طريق الخلاص إيماناً ، كلا ولا نتاجاً ، إنما طريق الخلاص إنكار للذات إنكاراً متصلاً ، ونفاذ بالبصيرة إلى الكل الذي يبتلع في جوفه الأجزاء ، حتى ينتهي الأمر بالنفس إلى الموت الذي يفنيها ولا يبقي منها ما يولد مرة أخرى ؛ وهكذا يتحول جحيم الفردية إلى سكينة التحاد مع سائر الوجود وفردوسه المقيم ؛ هكذا تتحول الفردية إلى فناء تام في "براهما" الذي هو من العالم روحه أو قوته.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غرائب الدين

في هذا الجو اللاهوتي المفعم بالخوف والألم ، إزدهرت الخرافة- وهي أول معونة ترسلها القوة الكامنة فوق الطبيعة لتعالج بها الأدواء الصغرى في الحياة- إزدهاراً خصيباً ، حتى أصبحت القرابين ، والتمائم، وإخراج الشياطين الحالّة في الأبدان ، والتنجيم ، والنبوءة بالغيب ، والتعزيم ، والنذور ، وقراءة الكف ، والعرافة ، وطائفة الكهان التي بلغت 812ر728ر2 ، و"فاتحو البخت" الذين يبلغون المليون ، ومروضو الثعابين بالسحر وعددهم مائة ألف ، والفقراء وهم مليون ، ومن يمارسون اليوجا وغيرهم من الأولياء- أصبح ذلك كله جانباً واحداً من الصورة التاريخية التي تمثل الهند ؛ فقد كان للهنود منذ ألف ومائتي عام عدد كبير من الكتب التي تشرح أصول التصوف والسحر والعرافة وتذكر الصيغ السحرية التي تهيئ السبيل لتحقيق أية غاية شئت ؛ وأما البراهمة فقد نظروا نظرة إزدراء صامت إلى هذه الديانة التي يملؤها السحر ، وإحتملوا وجودها لأنهم من جهة خشوا أن تكون الخرافة بين عامة الناس عاملاً ضرورياً لصيانة قوة البراهمة أنفسهم ، لأنهم من جهة أخرى ربما ظنوا أن لا خرافة يستحيل فناؤها ، فإن ماتت في إحدى صورها ، فما ذاك إلا لكي تعود إلى الوجود في صورة أخرى ، وأحس البراهمة أن أقل الحكمة يقتضي ألا تقاوم مثل هذه القوة التي في وسعها أن تجسد نفسها في كل هذه الصور.

إعتقد الهندي الساذج - كما يعتقد كثيرون من الأمريكان المثقفين - في التنجيم ، وسلموا تسليماً بأن كل نجمة لها تأثير خاص على أولئك الذين ولدوا وهي في أوجها ؛ فالنساء إبان الحيض كن- مثل أوفيليا- يتقين ضوء الشمس ، فذلك قد يسبب لهن الحمل ؛ وجاء في كتاب "كاوشيتاكي يوبانشاد" أن سر النجاح المادي هو تقديس الهلال كما ظهر ؛ وكان العرافون والسحرة والمنبئون بالغيب ، إذا ما أجريتهم أجراً زهيداً ، يعلنون لك ماضي الحوادث ومستقبلها بدراستهم للأكف أو للبراز ، أو للأحلام ، أو لعلامات في السماء ، أو للخروق التي أحدثتها الفئران في الثياب ؛ ويزعمون بترتيلهم لعبارات السحر التي لم يكن ترتيلها في مقدور أحد سواهم ، أنهم يخدمون الشياطين ويسحرون الثعابين ، ويستعبدون الطيور ، ويلزمون الآلهة أنفسهم بمعاونة من دفع لهم أجر ما يصنعون؛ كذلك كان السحرة نظير أجر معلوم يسلطون الشيطان على العدو ، أو يطردونه من هذا الذي يؤجرهم ، كانوا ينزلون الموت المفاجئ على العدو أو يلحقون به علة ليس لها شفاء ؛ حتى البرهمي إذا ما تثاءب ، جعل يفرقع بأصابعه ذات اليمين وذات الشمال حتى يطرد الأرواح الشريرة فلا يسمح لها بالدخول من فمه المفتوح ؛ وكان الهندي في شتى عصوره- مثل كثيرين من الفلاحين الأوربيين- يتحوط من عين الحسد ؛ فأعداؤه قد يستخدمون السحر في أية لحظة شاءوا لينزلوا به تعاسة الحظ أو ليقضوا على حياته ؛ ويستطيع الساحر فوق هذا كله أن يجدد الحيوية الجنسية أو أن يخلق الحب في أي إنسان لأي إنسان، أو أن يهيئ سبيل الولادة للعاقرات من النساء.

لم يكن يعدل رغبة الهنود في الأطفال شيء حتى النرفانا ، ومن ثم إلى حد ما كانت رغبة الهندي الشديدة في القوة الجنسية ، وكان تقديسه الديني للرموز التي تشير إلى النسل والخصوبة ؛ فعبادة العلاقة الجنسية التي سادت معظم الأقطار في هذا العصر أو ذاك ، قد لبثت قائمة في الهند من العصور القديمة إلى القرن العشرين ؛ وكان إلههاً هو شيفا ، ورمزها هو عضو التذكير ، وكتابها المقدس هو "أجزاء من التانترا" (ومعناها كتب للنصوص)؛ و"شاكتي" (ومعناها القوة التي تبعث النشاط) بالنسبة إلى شيفا هي- كما كانوا يتصورونها أحياناً- زوجته كالي ، وأحيانا أخرى يتصورون تلك القوة الباعثة شيفا على نشاطه الجنسي ، عنصراً نسوياً في طبيعة شيفا نفسه ، وبهذا تكون طبيعته مشتملة على قوتي الذكورة والأنوثة في آن معاً ؛ وهاتان القوتان يمثلها الهنود بأوثان يطلقون عليها إسم "لنجا" أو "يوني" ، وهي تصور عضوي التناسل عند الرجل والمرأة. وأينما سرت في الهند ألفيت آثاراً لهذه العبادة للعلاقة الجنسية: تراها في التماثيل الرمزية لأعضاء التناسل في معبد نياليز ، وغيره من المعابد في بنارس ، وتراها في أوثان "اللنجا" الهائلة التي تزين أو تحيط بمعابد شيفا في الجنوب ، وتراها في المواكب والإحتفالات التي يرمزون بها إلى العملية الجنسية ، ثم تراها قي تمائم ترمز إلى تلك العلاقة الجنسية أيضا ، ويلبسونها على الذراع أو حول العنق ؛ بل قد تصادف أحجار "اللنجا" ملقاة في عرض الطريق ، ومن عادة الهنود أن يكسروا على هاتيك الأحجار جوز الهند الذي ينوون تقديمه في قرابينهم، وهم يغسلون حجر "اللنجا" في معبد "رامشفرام" كل يوم بماء الكنج ، ثم يباع ذلك الماء فيما بعد للمتدينين كما كان يباع الماء المقدس في أوربا ؛ وطقوس هذه العبادة الجنسية في العادة تكون بسيطة وملتزمة حدود الإحتشام ، فقوامها أن يصب على الحجر ماء مقدس أو زيت مقدس ويزين بأوراق الشجر.

ولا ريب في أن الطبقات الدنيا من الهنود تستمد بعض المتعة الداعرة من مواكب العلاقة الجنسية ، لكن الكثرة الغالبة من الناس - فيما يظهر - لا يجدون حافزاً إلى الفاحشة في "اللنجا" أو "اليوري" أكثر مما يجد المسيحيون من هذا الحافز في تأملهم للعذراء وهي ترضع طفلها ؛ إن العادة تزيل الفحش عن أي شيء ، والزمن يخلع القداسة على أي شئ؛ ويظهر أن الناس قد نسوا الرمزية الجنسية في هذه الأشياء منذ زمن طويل ، ولم تعد هذه الأوثان الآن إلا وسائل تقليدية مقدسة تمثل لهم قوة شيفا ؛ ولعل الفرق بين تصور الأوربي وتصور الهندي للأمر منشؤه الفارق بين سن الزواج في أوربا وسن الزواج في الهند ؛ فالزواج المبكر ينفس عن تلك الدوافع الطبيعية التي إن طال أمد كبحها ، دارت على نفسها وأنتجت إما دعارة وأما حباً عذرياً ؛ وعلى وجه الجملة تجد الأخلاق والعادات الخاصة بالعلاقات الجنسية في الهند أعلى منها في أوربا وأمريكا ، وهي هناك أكثر منها هنا احتشاماً وعفة بدرجة كبيرة ، وعبادة شيفا هي من أكثر العبادات في الهند تزمتاً وتقشفاً ، وأخلص عُبَّاد "اللنجا" عقيدةٌ هم "اللنجايات" ، وهم يمثلون أشد مذاهب الهند تزمتاً وطهراً ، يقول غاندي: "جاءنا أضيافنا الغربيون آخر الأمر يفتحون أعيننا لجوانب الفحش التي في طقوسنا ، بعد أن كنا نمارسها حتى عهدهم ممارسة بريئة ؛ لقد عرفت لأول مرة أن "شيفا لنجام" ترمز إلى فاحشة ، من كتاب لمبشر مسيحي".

إن إستخدام الهنود "للنجا" و"اليوني" ليس إلا صورة واحدة من ألوف الصور في طقوسهم التي تبدو للعين العابرة الغربية عن البلاد ، لا مجرد صورة للديانة الهندية ، بل جزءاً أساسياً من صميم لبابها ؛ ذلك لأن كل فعل من أفعال الحياة ، حتى الغسل ولبس الثياب ، له عندهم طقوسه الدينية ؛ وفي كل دار يسكنها متدينون ترى آلهة خاصة بأهل تلك الدار ، تمثل لهم أشياء معينة ، كما ترى أسلافاً يضعونها موضع التكريم كل يوم ؛ والواقع أن الديانة للهندي واجب يؤدى في الدار أكثر مما يؤدى في مراسم المعابد التي يحتفظون بها لأيام الأعياد ؛ ومع ذلك فالناس يمرحون مرحاً عظيماً في الأعياد الدينية الكثيرة التي تملأ السنة الكهنوتية ، فكانوا يسيرون مواكب عظيمة أو أفواجاً من الحجاج ، قاصدين إلى الأضرحة القديمة ؛ ولم يكونوا ليفهموا ما يقال من عبارات الصلاة في تلك المعابد ، لأنها كانت تقال بالسنسكريتية ، لكنهم كانوا يفهمون الأوثان ، فيزينونها بالحلي ويطلونها بالطلاء ويرصعونها بكريم الأحجار ؛ وكانوا أحياناً يعاملونها كأنها كائنات بشرية فيقضونها ويغسلونها ويلبسونها الثياب ، ويطعمونها ويؤنبونها وينيمونها في مخادعها عند خاتمة النهار. وأعظم الطقوس الجماعية هي تقديم القرابين ، وأعظم الطقوس الخاصة الفردية هي التطهير ؛ فالقربان عند الهندي ليس مجرد صورة خاوية ، لأنه يعتقد أنه إذا لم يعقد الآلهة طعاماً فإنها تموت جوعاً. ولما كان الإنسان في مرحلة أكل اللحوم البشرية ، كانت القرابين في الهند كما في غيرها من بلاد العالم ضحية بشرية ؛ وكانت "كالي" تحب أن يكون قربانها رجالاً ، ثم فسر البراهمة هذا بأنها إنما تحب أن تأكل رجالاً من أهل طبقات الدنيا وحدها فلما تقدمت الأخلاق ، أخذ الآلهة يكتفون بالحيوان قرباناً؛ فكان الناس يضحون لهم بكثير منه ؛ على أن الماعز كان ذا منزلة خاصة في هذه الإحتفالات ؛ ثم جاءت البوذية والجانتية و"أهمسا" فحرمت التضحية بالحيوان في بلاد الهندستان ، ثم عادت العادة إلى مجراها القديم حين حلت الديانة الهندية محل البوذية ؛ ولبثت قائمة على نطاق يثير الدهشة بإتساعه ، حتى يومنا هذا؛ وإنه لمن حسنات البراهمة أنهم رفضوا أن يسهموا بنصيب في أية تضحية فيها إراقة للدماء. وأما طقوس التطهير فقد كانت تستغرق من حياة الهندي ساعات كثيرة ، لأن مخاوف النجاسة كانت من الكثرة في الديانة الهندية كما هي في قواعد الصحة الحديثة ؛ فما أكثر ما قد يصاب الهندي بما يرده نجساً - إن أكل طعاماً حراماً ، وإن لمس قمامة أو مس إنساناً من طبقة الشودرا ، أو منبوذاً أو جثة أو امرأة في فترة حيضها ، وغير ذلك مئات الحالات ؛ وبالطبع كانت المرأة نفسها ينجسها حيضها أو وضعها وليداً ؛ ولذا تطلب القانون البرهمي عزل المرأة في مثل هذه الحالات ، وإشترط تحوطات صحية معقدة ؛ وبعد كل هذه النجاسات- أو إحتمال العدوى على حد تعبيرنا الحديث- كان من واجب الهندي أن يؤدي طقوساً تطهيرية معينة.

أما الحالات الصغرى فتكفيها طقوس بسيطة كأن يرش من إصابته النجاسة بالماء المقدس. وأما الحالات الكبرى فلا بد لهما من طرائق معقدة تبلغ أقصى مداها في بشاعة ما يسمونه "بانشاجافيا" وهو ضرب من التطهير كان يحكم به عقاباً لمن إنتهك قوانين الطبقات على خطورتها (مثال ذلك أن يغادر الهند) ويتألف ذلك التطهير من شرب مزيج فيه "خمسة عناصر" من البقرة المقدسة: اللبن ، والخثارة ، والسمن ، والبول ، والروث. وأقرب من ذلك قليلاً إلى ذوقنا ما يوجبه عليهم دينهم من إستحمام كل يوم ؛ فهاهنا كذلك ترى تدبيراً صحياً تمس إليه الحاجة مساً شديداً في مناخ شبه إستوائي ؛ وترى هذا التدبير الصحي مصبوباً في قالب من الدين حتى يكون أقوى تأثيراً في النفوس ؛ ولهذا بنيت برك وأحواض "مقدسة" ، وجعلت أنهار كثيرة أنهاراً مقدسة وقيل للقوم إنهم إذا إستحموا في هذه الأماكن تطهروا جسماً وروحاً ؛ وقد كان ملايين الناس في أيام الرحالة "يوان شوانج" يستحمون في نهر الكنج كل صباح ؛ ومنذ ذلك العهد إلى يومنا لم تشهد تلك الأمواج شروقاً للشمس دون أن تسمع صلوات المستحمين الذين جاءوها سعياً وراء الطهر والخلاص ، يرفعون أذرعهم نحو السماء المقدسة ، ويصيحون في نغمة الصابرين: "أوم ، أوم ، أوم" وأصبحت بنارس هي المدينة المقدسة للهند ، إذ باتت كعبة لملايين الحجاج ، يؤمها الشيوخ من الرجال والعجائز من النساء ، جاءوا من كل أرجاء البلاد ليستحموا في النهر. حتى يستقبلوا الموتى برآء من كل إثم أطهاراً من كل رجس ؛ إن الإنسان ليأخذه الخشوع ، بل يأخذه الفزع ، حين يتذكر أن أمثال هؤلاء الناس قد حجموا إلى بنارس مدى ألفي عام ، وغمسوا أنفسهم في مياهها وهم يرتعشون من لذعة البرد في فجر الشتاء ؛ وشموا بنفس متقززة لحم الموتى وهو يحترق ، فعلوا كل ذلك وهم يفوهون بنفس الدعوات التي كان يقينهم أن تجاب ، فعلوا كل ذلك قرناً بعد قرن ، توجهوا بالدعاء إلى نفس الآلهة التي لبثت على صمتها ؛ لكن عد استجابة إله من الآلهة لا يحول دون تعلق القلوب به، فلا تزال الهند تعتقد اليوم بنفس القوة التي كانت تعتقد بها في أي عصر مضى ، في الآلهة الذي لبثوا كل هذا الزمن ينظرون إلى فقرها وبؤسها فلا تأخذهم من أجلها الرحمة.


القديسون والزاهدون في الهند

يظهر أن القديسين في الهند أكثر منهم في أي بلد آخر ، حتى ليشعر الزائر في تلك البلاد أنهم نتاج طبيعي لها كالخشخاش والثعبان ، وللقداسة في رأي المتدين الهندي ثلاث وسائل: الأولى طريق "جنانا- يوجا" أي طريق التأمل ، والثانية "كارما- يوجا" أي طريق العمل ؛ الثالثة "بهاكتي- يوجا" أي طريق الحب ؛ ولا يمانع البرهمي في أي من هذه الطرق الثلاث ، بما يقضي به قانون "الأَشْرامات" الأربع ، أي مراحل القداسة ، فعلى البرهمي الناشئ أن يبدأ الطريق بأن يكون "براهما شاري" يقسم على صيانته لعفته قبل زواجه ، وعلى أن يلتزم التقوى ويواصل الدرس ، وأن يكون صادقاً ، خدوماً "لشيخه" أي لأستاذه الذي يعلمه ؛ فإذا ما تزوج- ولا ينبغي أن يتأخر زواجه عن الثامنة عشرة من عمرة- كان عليه أن يدخل المرحلة الثانية من الحياة البرهمية ، وهي مرحلة "جريها ستا" أي رب الأسرة ، التي ينسل فيها الأبناء ليعبدوه ويعنوا به وبأسلافه ؛ وفي المرحلة الثالثة (وقلما يمارسها الآن واحد) ينسحب الطامع في القداسة مع زوجته ليعيش ك"فانا براستا" أي ساكن الغابات ، فيتقبل عسر الحياة مطمئناً راضياً ، ويحصر العلاقة الزوجية في نسل الأطفال ، وأخيراً إن أراد فيصبح "ساناياسي" أي "الهاجر" للعالم ، مستغنياً عن كل أملاكه وكل أمواله وكل ما يربطه بغيره من علاقات ، فلا يحتفظ إلا بجلد وعل يغطي به جسده ، وعكازة يتوكأ عليها، وقرعة ماء لظمئه ؛ ويجب عليه أن يلطخ جسده بالرماد كله يوم ، وأن يشرب "العناصر الخمسة" مراراً متقاربة ، وأن يعيش معتمداً على صدقات المحسنين ؛ وتنص القاعدة البرهمية على أنه "لا بد أن ينظر إلى الناس على أنهم سواسية ، فلا يتأثر بأي شيء مما يحدث ، وأن تكون له القدرة على النظر إلى الأشياء نظرة هادئة لا يعرف هدوءها معنى الإضطراب ، حتى إن بلغ الأمر حد الثورات التي تثل العروش ؛ وغايته الوحيدة ينبغي أن تكون حصوله على ذلك القدر من الحكمة ومن الروحانية الذي يمكّنه في نهاية الأمر من الإتحاد بالربوبية العليا ، تلك الربوبية التي تفصلنا عنها شهواتنا العاطفية وبيئاتنا المادية".

وإنك لتصادف أحياناً وسط هذا التدين صوتاً شكاكاً يرتفع كصرير النشاز في نغمات الحياة الهندية التي تسودها إستكانة التسليم ؛ لا شك أن الشُكّاك كانوا كثيرين حينما كانت الهند غنية ، لأن الإنسانية تزداد تشككاً في آلهتها إزدياداً يبلغ أقصاه في حالات إزدهارها المادي ، وتزداد لها تعبداً إزدياداً يبلغ غاية مداه حين يعمها البؤس ؛ ولقد أسلفنا القول في فئة "شارفاكا" وغيرهم من زنادقة العصر البوذي ؛ وهنالك مؤلف يكاد يساوي في قدمه ذلك العصر ، وهو يسمى - على طريقة الهنود في تطويل الأسماء- "شواسا مْفِديُوبانشاد" الذي يبسّط اللاهوت في أربع قضايا:

1- أن ليس هناك عودة للروح إلى تجسيد جديد ، ولا إله ولا جنة ولا نار ولا عالم.

2- أن كل الكتب الدينية التقليدية من تأليف جماعة من الحمقى المغرورين.

3- أن ما يحكم الأشياء كلها هو الطبيعة التي تبدع ، والزمان الذي يهدم ؛ وهما لا يأبهان بفضيلة أو برذيلة حين يقسمون بين الناس أنصبتهم من السعادة والشقاء.

4- وأن الناس تخدعهم حلاوة الكلام فيعتنقون الإعتقاد في الآلهة والمعابد والكهنة ، مع أنه من الواقع لا فرق بين فشنو وكلب.

وهناك قانون بوذي مكتوب باللغة البالية ، تراه يضم المتناقضات ، شأنه في ذلك شأن أي كتاب مقدس يحمي مصالح الكهنوت ، وفي هذا القانون رسالة تستوقف النظر لعلها قديمة قدم المسيحية ، وتسمى "أسئلة الملك مِلِنْدا" وفيها المعلم البوذي "نجاسينا" يجيب إجابات جد مثيرة للأسئلة الدينية التي يوجهها إليه "الملك مناندر" الإغريقي الباكتريّ الذي حكم شمالي الهند في مستهل القرن الأول قبل المسيح ؛ يقول "نجاسينا" إن الدين لا ينبغي أن يتخذ مجرد وسيلة فرار يلوذ بها المعذبون ، بل يجب أن يكون سعي الزاهد حتى يبلغ مرحلة القداسة والحكمة دون أن يزعم وجود جنة أو إله ، لأن هذا القديس يؤكد لنا أنه لا وجود لجنة أو إله. وتهاجم ملحمة "الماهابهاراتا" هؤلاء الشكاك والملاحدة الذين- كما تزعم لنا- ينكرون حقيقة الأرواح ويحتقرون الخلود ، وهي تقول أن أمثال هؤلاء الناس "يضربون في فجاج الأرض كلها" ؛ وهي تنذرهم بعقابهم المقبل ، ضاربة لهم مثلاً ابن آوى الذي يعلل وجوده ووجود نوعه بقوله إنه كان في حياته الماضية "باحثاً عقلياً ، وناقداً لكتب فيدا. مهيناً للكهنة معارضاً لهم. كافراً بكل شيء شكاكاً في كل شئ" ؛ ويشير "بهاجافاد- جيتا" إلى الزنادقة الذين ينكرون وجود الله ويصفون الدنيا بأنها "لا تزيد عن كونها منزلاً للشهوات". وكثيراً ما كان البراهمة أنفسهم شكاكين لكنهم كانوا يذهبون في الشك إلى غاية مداه بحيث لا يسمحون لأنفسهم أن يهاجموا عقيدة الناس ؛ وعلى الرغم من أن شعراء الهند بصفة عامة يتميزون بالورع الشديد ترى بعضهم ، مثل "كابر" و"فيمانا" يدافعون عن نوع من العقيدة في الله متحلل من كثير جداً من القيود.

فقد كتب "فيمانا"- وهو شاعر ظهر في جنوبي الهند في القرن السابع عشر- بروح السخرية من الرهبان الزاهدين ومن حجاج المعابد ، ونظام الطبقات ؛ يقول: "عزلة الكلب ،‍‍‍ تأمل الكركيّ ، ترتيل الحمار ، إستحمام الضفدعة". كيف تكون أحسن حالاً إذا لطخت جسمك بالرماد؟ إنه ينبغي أن تركز فكرك في الله وحده ، أما عن بقية ما تصنعه ، فالحمار في وسعه أن يتمرغ في الوسخ كما تفعل. إن كتب الفيدا أشبه ما تكون بالفاجرات اللائي يخدعن الرجال وليس لهن أغوار تسبر ؛ وأما علم الله الخبئ فهو شبيه بالزوجة الشريفة. أيمكن لتلطيخ الجسم بالرماد الأبيض أن يذهب برائحة وعاء الخمر؟ أيمكن؟ لحبل تلفه حول عنقك أن يجعل منك إنساناً آخر؟. لماذا نرى واجباً علينا أن نسيء إلى طبقة الباريا إساءة لا تنقطع؟ أليس المنبوذ مثلنا في لحمه ودمه؟ ومن أي طبقة عسى أن يكون الإله الذي يحل جسد البراريا؟. إن من يقول "إني لا أعلم شيئاً" هو أبلغ الناس حكمه. وإنه لمما يجدر ملاحظته في هذا الصدد أن تذاع أقوال كهذه بغير مؤاخذة قائليها ، في مجتمع تتحكم في عقوله طبقة من الكهان ؛ فلوا استثنينا كبح الحكم الأجنبي للهنود (بل ربما جاز أن نقول أنه بسبب وجود الحكام الأجانب الذين لم يكونوا يأبهون للعقائد الدينية الأهلية) فقد تمتعت الهند بقدر من حرية الفكر أعظم جداً مما تمتعت به أوربا في عصورها الوسطى ، وهي الفترة التي تقابلها مدنية الهند؛ ولقد باشر البراهمة نفوذهم في تدبر ورفق؛ وكان اعتمادهم في صيانة العقيدة الأصلية على الفقراء وما يتصفون به من جمود على القديم ؛ وكان هؤلاء الفقراء في ذلك عند حسن ظن البراهمة بهم ؛ فإذا ما شاعت في الناس ضروب في الزندقة أو الآلهة الغريبة شيوعاً يعد خطراً على العقيدة ، تسامح البراهمة إزاءها حتى يمتصوها امتصاصاً في ذلك الغور الفسيح الأبعاد الذي منه تتكون العقيدة الهندية ، فإذا أضفت إلى تلك العقيدة إلهاً أو حذفت منها إلهاً ، فلا يكون لهذا أثر كبير ؛ ومن ثم قلت الحزازات المذهبية قلة نسبية في المجتمع الهندي ، ولم تشتد إلا بين الهندوس والمسلمين ؛ كذلك لم تسفح على أرض الهند دماء من أجل الدين ، اللهم إلا دماء سفحها الفاتحون.

إذا بحثنا في هذا الخليط من العقائد عن عناصر مشتركة تعرف بها ديانة الهنود فسنجدها فيما يوشك أن يكون إجماعاً بين الهندوس على عبادة فشنو وشيفا معاً ، وعلى تبجيل الفيدات والبراهمة والبقرة ، وعلى إعتبار ملحمتي "ماهابهاراتا" و"رامايانا" لا مجرد ملحمتين أدبيتين ، بل إعتبارها آيات مُنَزَّلة تأتي في التقديس بعد الفيدات. وإنه لمما ينم عن مغزى: أن نرى آلهة الهند وتقاليدها الدينية اليوم مختلفة عما قررته كتب الفيدا ؛ فإلى حد ما يمكن القول بأن الديانة الهندية تمثل إنتصار الهند الدرافيدية الأصلية على آريي العصر الفيدي ؛ فقد كان من نتائج الغزو والنهب والفقر ، أن أوذيت الهند جسماً وروحاً ، والتمست ملاذاً من الهزيمة الأرضية النكراء ، في انتصارات سهلة ظفرت بها الأساطير والخيال ؛ فالبوذية رغم ما فيها من عناصر الشمم ، هي- كالرواقية- فلسفة للعبيد ، ولا يغير الموقف أن ينطق بها أمير؛ لأنها ترمي إلى وجوب الزهد في كل شهوة وفي كل كفاح حتى لو كانت الشهوة وكان الكفاح من أجل الحرية الفردية أو الحرية القومية ؛ ومثلها الأعلى هو حالة جمود لا يعرف الرغبات ؛ وواضح أن حرارة الهند التي تنهك الأجسام ، هي التي نطقت بهذا اللسان الذي يعبر عن التعب تعبيراً يلتمس سنداً من العقل ؛ إن الديانة الهندية ما انفكت تفت في عضد الهند ، بأن غلّت نفسها عن طريق نظام الطبقات بأغلال العبودية الدائمة للكهنوت ؛ وتصورت آلهتها تصوراً لا تراعي فيه حدود الأخلاق ، وإحتفظت خلال القرون بعادات وحشية مثل التضحية بأفراد من الإنسان وإحراق الأرملة عند وفاة زوجها ؛ تلك العادات التي كان كثير من الأمم قد نبذها منذ زمن طويل ؛ وصورت الحياة على أنها شر لا مفر منه ، وعملت على تثبيط الهمة عند أتباعها وإشاعة الكآبة في نفوسهم ؛ واستحالت الظواهر الدنيوية على يديها أوهاماً ، فمحت بذلك الفوارق بين الحرية والعبودية ، بين الخير والشر ، بين الإفساد والإصلاح ؛ ولقد قال في ذلك هندي جرئ "إن الديانة الهندية قد إستحالت الآن إلى عبادة أوثان وطقوس تقليدية ، تعتبر الظواهر الشكلية كل شيء ، واللباب لا شيء". ولما كانت الأمة يمسك الكهنة بزمامها ، وينخر القديسون عظامها ، فإن الهند لترقب في شغف لم يجد اللسان المعبر به:" ترقب النهوض والإصلاح الديني وحركة التنوير. ومع ذلك فلا ينبغي أن نفكر في الهند بغير أن تكون صورتنا التاريخية ماثلة أمام أعيننا ؛ فقد كان لنا كذلك فترة كانت لنا عصورنا الوسطى ، حيث آثرنا التصوف على العلم وحكومة الكهنة على حكومة الأغنياء - ولعلنا نعود إلى ذلك مرة أخرى ، إننا لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء المتصوفة ، لان أحكامنا في الغرب مبنية على خبرة جسدية ونتائج مادية ، وهي فيما يظهر أمور لا تمس الموضوع الذي تحكم عليه ولا تتعمق الأشياء في رأي القديس الهندي ؛ فماذا لو تبين أن الثروة والقوة والحرب والفتح كلها أوهام تجري على السطح لا أكثر ، وليست جديرة بالتفكير عند العقل الناضج؟ ماذا لو كان هذا العلم الذي يقيم نفسه على ذرات وعوامل وراثة كلها فروض ، وعلى كهارب وخلايا ، وغازات يتولد منها عباقرة مثل شكسبير ، وعناصر كيماوية يتمخض عنها المسيح ، ماذا لو كان كل هذا لا يزيد على عقيدة لا أكثر ، سبقتها عقائد ، بل إنها لعقيدة من أغرب العقائد ، وأبعدها عن التصديق وأكثرها ميلاً نحو التغير والزوال؟ إن الشرق في مقاومته لما هو فيه من ذل ومرض ، قد يغمس نفسه في العلم والصناعة في نفس اللحظة التي ينظر فيها أبناء الغرب إلى آلاتهم التي أفقرتهم وإلى علومهم التي أزالت عن أعينهم غلالة الخيال ، فينزلوا بمدائنهم وآلاتهم الخراب بما يثيرونه من ثورات فوضوية أو حروب ؛ ثم هم قد يعودون بعد ذلك مهزومين مكدودين جائعين، إلى الزراعة حيث يصوغون لأنفسهم إيماناً صوفياً جديداً يبث فيهم الشجاعة في وجه الجوع والقسوة والظلم والموت ؛ فإنك لن تجد بين المتفكهين من يتفكه كما يتفكه التاريخ.


Notes

 
Prayer flags above the monastery (gompa) of Tanze, in the Kurgiakh Valley. The wind is believed to propagate prayers printed on the flags.
  • ^ α: The data exclude the Mao-Maram, Paomata, and Purul subdivisions of Manipur's Senapati district.
  • ^ β: The data are "unadjusted" (without excluding Assam and Jammu and Kashmir); the 1981 census was not conducted in Assam and the 1991 census was not conducted in Jammu and Kashmir.
  • ^ γ: Oberlies (1998, p. 155) gives an estimate of 1100 BCE for the youngest hymns in book ten. Estimates for a terminus post quem of the earliest hymns are far more uncertain. Oberlies (p. 158), based on "cumulative evidence", sets a wide range of 1700–1100 BCE. The EIEC (s.v. Indo-Iranian languages, p. 306) gives a range of 1500–1000 BCE. It is certain that the hymns post-date Indo-Iranian separation of ca. 2000 BCE. It cannot be ruled out that archaic elements of the Rigveda go back to only a few generations after this time, but philological estimates tend to date the bulk of the text to the latter half of the second millennium.
  • ^ Δ: According to the most conservative estimates given by Symonds (1950, p. 74), half a million people perished and twelve million became homeless.
  • ^ ε: Statistic describes resident Indian nationals up to six years in age.

References

Citations

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة COI_2001

وصلات خارجية

الديانات في الهند
  • "History of Religions in India". www.indohistory.com. Retrieved 2008-01-01.
إحصائيات
الدستور والقانون
تقارير