تاريخ العلوم في الهند

جهود الهند في العلم قديمة جداً وحديثة جداً في آن معاً؛ فهي حديثة إذا نظرنا إلى العلم باعتباره بحثاً مستقلاً دنيوياً، وهي قديمة إذا نظرنا إليه باعتباره مشغلة فرعية من مشاغل الكهنة؛ ولما كان الدين هو لب الحياة الهندية وصميمها، فإن العلوم التي كان من شأنها أن تعاون الدين هي التي سبقت غيرها بالرعاية والنمو: فالفلك قد نشأ من عبادة الأجرام السماوية ومشاهدة حركاتها لتحديد أيام الأعياد والقرابين؛ ونشأ النحو وعلم اللغة عن الرغبة الملحة بأن تكون كل صلاة وكل صيغة دينية، صحيحة في تركيبها وفي مخارج أصواتها، على الرغم من أنها تقال أو تكتب بلغة ميتة(1) فقد كان علماء الهند - كما كانت الحال في عصورنا الوسطى - هم كهنتها، بكل ما في ذلك من خير ومن شر.

Flag of Afghanistan.svg Flag of Bangladesh.svg Flag of Bhutan.svg Flag of India.svg
Flag of Maldives.svg Flag of Nepal.svg Flag of Pakistan.svg Flag of Sri Lanka.svg
تاريخ جنوب آسيا

(شبه القارة الهندية)

العصر الحجري 70,000–3300 ق.م.
ثقافة مهرگره • 7000–3300 ق.م.
حضارة وادي الإندوس 3300–1700 ق.م.
ثقافة هرپـّان المتأخرة 1700–1300 ق.م.
الفترة الڤيدية 1500–500 ق.م.
العصر الحديدي 1200–300 ق.م.
مهاجناپادا • 700–300 ق.م.
امبراطورية ماگادا • 545 ق.م. - 550
امبراطورية موريا • 321–184 ق.م.
الممالك الوسيطة 250 ق.م.–1279 م
امبراطورية چولا • 250 ق.م.–1070 م
ساتاڤاهانا • 230 ق.م.–220 م
امبراطورية كوشان • 60–240
امبراطورية گوپتا • 280–550
امبراطورية پالا • 750–1174
أسرة چالوكيا • 543–753
راشتراكوتا • 753–982
امبراطورية چالوكيا الغربية • 973–1189
مملكة هويسالا 1040–1346
امبراطورية كاكاتيا 1083–1323
السلطنات الإسلامية 1206–1596
سلطنة دلهي • 1206–1526
سلطنات الدكن • 1490–1596
مملكة أهوم 1228–1826
امبراطورية ڤيجايانگرا 1336–1646
سلطنة المغول 1526–1858
امبراطورية ماراثا 1674–1818
سلطنة دراني 1747–1823
اتحاد السيخ 1716–1799
امبراطورية السيخ 1801–1849
شركة الهند الشرقية البريطانية 1757–1858
الراج البريطاني 1858–1947
الدول المعاصرة 1947–الحاضر
تواريخ الأمم
بنگلادشبوتانجمهورية الهند
المالديڤنيپالپاكستانسري لانكا
تواريخ إقليمية
أسامبلوشستانالبنغال
هيماچال پرادشاوريساالمناطق الپاكستانية
شمال الهندجنوب الهندالتبت
تآريخ متخصصة
العملاتالأسراتالاقتصاد
علم الهندياتاللغةالأدبالبحري
العسكريالعلم والتكنولوجياخط زمني
 ع  ن  ت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قبل التاريخ

 
Hand-propelled wheel cart, Indus Valley Civilization (3300–1300 BCE). Housed at the National Museum, New Delhi.

By 5500 BCE a number of sites similar to Mehrgarh had appeared, forming the basis of later chalcolithic cultures.[1] The inhabitants of these sites maintained trading relations with الشرق الأدنى وآسيا الوسطى.[1]


الممالك المبكرة

 
Ink drawing of Ganesha under an umbrella (early 19th century). Carbon pigment Ink, called masi, and popularly known as India ink was an admixture of several chemical components, has been used in India since at least the 4th century BCE.[2] The practice of writing with ink and a sharp pointed needle was common in early South India.[3] Several Jain sutras in India were compiled in Carbon pigment Ink.[4]
 
The Hindu-Arabic numeral system. The inscriptions on the edicts of Ashoka (1st millennium BCE) display this number system being used by the Imperial Mauryas.

نشأ علم الفلك عن التنجيم نشأة غير مقصودة، ثم أخذ رويداً رويداً ينفض عن نفسه الأغلال في ظل اليونان؛ وأقدم الرسائل الفلكية - وهي السِدْ ذانتا حوالي 425 ق.م - كانت قائمة على أساس العلم اليوناني(2) حتى لقد اعترف "فارهاميرا" الذي أطلق على مؤلفه الموسوعي اسماً له مغزاه إذ أطلق عليه "مجموعة كاملة للتنجيم الطبيعي" - اعترف صراحة باعتماده على اليونان، وحث "آريا بهاتا"- وهو أعظم الفلكيين والرياضيين الهنود - في قصائد منظومة موضوعات مثل المعادلات الرباعية والجيب (في حساب المثلثات) وقيمة النسبة التقريبية المستعملة في استخراج مساحة الدائرة. كما علل الكسوف والخسوف والاعتدالين والانقلابين (في حركة الأرض حول الشمس) وأعلن عن كروية الأرض ودورتها اليومية حول محورها، وجاء ما يأتي فيما كتبه سابقاً لعلم النهضة الأوربية سبقاً جريئاً : "إن عالم النجوم ثابت، والأرض في دورانها هي التي تحدث كل يوم ظهور الكواكب والنجوم من الشرق واختفاءها في الغرب"(4) وجاء بعده خلفه المشهور "براهما جوبتا" فنسق المعلومات الفلكية في الهند، ولو أنه أعاق تقدم الفلك هناك برفضه لنظرية "آريا بهاتا" الخاصة بدوران الأرض، هؤلاء الرجال وأتباعهم هم الذين لاءموا بين حاجات الهنود والتقسيم البابلي للسماء إلى أبراج، وهم الذين قسموا العام اثني عشر شهراً، كل شهر منها ثلاثون يوماً، وكل يوم ثلاثون ساعة، وكانوا يضيفون شهراً زائداً كل خمسة أعوام، وحسبوا بدقة تستوقف النظر قطر القمر وخسوف الشمس، وموضع القطبين ومواضع النجوم الرئيسية ودورانها(5)، وشرحوا نظرية الجاذبية- ولو أنهم لم يصلوا إلى قانونها- عندما كتبوا في "سِدْ ذانت" : "إن الأرض تجذب إليها كل شيء بما لها من قوة جاذبة"(6)

ولكي يحسبوا هذه العمليات المعقدة ، فكر الهنود في حساب رياضي يفوق ما كان لليونان في كل شيء إلا الهندسة(7)، ولذا فان من أهم ما ورثناه عن الشرق الأعداد "العربية" والنظام العشري، وقد جاءنا كلاهما من الهند على أيدي العرب؛ فإن ما يسمى خطأ بالأعداد "العربية" نراها منقوشة على "صخرة المراسيم" التي خلفها "أشوكا" (256 ق.م)، أي قبل استخدامها في الكتابات العربية بألف عام؛ يقول "لاپلاس" العظيم النابغ :

  "إنها الهندية هي التي علمتنا الطريقة العبقرية في التعبير عن كافة الأعداد برموز عشرة، لكل منها قيمة تستمد من مكانة في العدد فضلاً عن قيمته الذاتية المطلقة، وإنها لفكرة عميقة هامة تبدو لنا اليوم من البساطة بحيث ننسى ما هي جديرة به من خطر؛ لكن بساطتها هذه، والسهولة العظيمة التي أدخلتها في العمليات الحسابية كلها، قد جعلتا من علم الحساب عندنا مخترعاً لعظمة هذا الابتكار إذا ما تذكرنا أنه غاب عن عبقرية أرشميديس وأبولونيوس، وهما من أعظم من أنجبت العصور القديمة من رجال"(8).  

وعرف "آريا بهاتا" و "براهما جوبتا" النظام العشري قبل ظهوره في كتابات العرب والسوريين بزمن طويل؛ وأخذته الصين عن المبشرين البوذيين ويظهر أن محمداً بن موسى الخوارزمي- وهو أعظم رياضي في عصره (مات حوالي 850 م)- قد أدخله في بغداد؛ أما الصفر فأقدم استخدام له معروف لنا في آسيا وأوربا هو في وثيقة عربية تاريخها 873 م. أي قبل أول ظهور له- فيما نعلم- في الهند بثلاثة أعوام؛ لكن الرأي مجمع على أن العرب قد استعاروا الصفر أيضاً من الهند(9)؛ هكذا ترى أكثر الأعداد تواضعاً وأكبرها نفعاً كان هدية من الهدايا الرقيقة التي قدمتها الهند لسائر البشر.

وتقدم الجبر عند الهنود وعند اليونان دون أن يأخذ فريق عن فريق فيما يظهر لكن احتفاظنا باسمه العربي (الجبر كلمة عربية معناها ملاءمة التركيب) يدل على أن العلم به قد أتى إلى أوربا الغربية من العرب- وهذا معناه أنه جاء إليها من الهند لا من اليونان(11)، وأبطال هذا الميدان من الهنود هم- كما في علم الفلك- آريا بهاتا وبراهما جوبتا وبهاسكارا؛ ويظهر أن أخيرهم (ولد سنة 1114 م) قد ابتكر العلامة الجذرية وكثيراً غيرها من الرموز الجبرية(12)، وهؤلاء الرجال هم الذين ابتكروا فكرة الكمية السلبية التي كان يستحيل الجبر بغيرها(13)، وصاغوا القواعد التي يمكن بها إيجاد التباديل والتوافيق، وحسبوا الجذر التربيعي للعدد 2، وحلوا في القرن الثامن الميلادي معادلات غير متعينة من الدرجة الثانية، كانت تجهلها أوربا حتى أيام "يولر" بعد ذلك بألف عام(14)، ولقد صاغوا علمهم هذا في قالب شعري، وخلعوا على مسائل الرياضة رشاقة تميز العصر الذهبي في تاريخ الهند، وهناك مثلين يوضحان الجبر في صوره البسيطة عند الهنود:

"هناك خلية من النحل، استقر خمسها على زهرة كادامبا، وهبط ثلثها على زهرة سلنذرة، وطار ثلاثة أمثال الفرق بين هذين العددين إلى زهر الكوتاجا، وظلت نحلة واحدة- وهي كل ما تبقى- حائمة في الهواء فأنبئيني أيتها المرأة الفاتنة عدد النحل كله... لقد اشتريت لك يا حبيبتي هذه الياقوتات الثماني، والزمردات العشر، واللؤلؤات المائة، التي ترينها في قرطك، واشتريتها بأثمان متساوية، وكان مجموع أثمان الأنواع الثلاثة من الأحجار الكريمة أقل من نصف المائة بثلاثة، فأنبئيني ثمن كل منها أيتها المرأة المجدودة"(15).

غير أن الهنود لم يكونوا على هذه الدرجة من التوفيق في الهندسة؛ ولو أن الكهنة استطاعوا في قياس مذابح القرابين وبنائها أن يصوغوا النظرية الفيثاغورسية (التي مؤداها أن المربع المنشأ على وتر المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين) قبل ميلاد المسيح ببضع مئات من السنين(16) وكذلك استطاع "آريا بهاتا"- وقد يكون متأثراً باليونان في ذلك- أن يحسب مساحة المثلث والمعَّين والدائرة وأن يقدر قيمة النسبة التقريبية ( في حساب النسبة بين طول قطر الدائرة ومحيطها) بـ 1416ر3- وهو رقم لم يعادله في دقة الحساب رقم آخر حتى عهد "بير باخ" (1423-61) في أوربا(17)؛ وكان "بهاسكارا" سباقاً إلى حساب التفاضل، إذ فكر فيه على نحو تقريبي، وأعد "آريا بهاتا" قائمة بحساب الجيب، وجاء في كتاب "سوريا سِدْ ذانتا" مجموعة منسقة في حساب المثلثات، كانت أرفع مستوى من كل ما عرفه اليونان في هذا الباب(18).

ولدى الهنود مدرستان فكريتان لكل منهما نظرية فيزيائية شبيهة بما كان لليونان في ذلك شبهاً يوحي بما كان بين البلدين من اتصال؛ مذهب "كانادا" مؤسس الفلسفة الفايشيشيكية، إلى أن العالم مؤلف من ذرات يبلغ عدد أنواعها عدد العناصر المختلفة؛ وأما الجانتيون فقد ازدادوا شبهاً بديمقريطس في مذهبهم بأن كافة الذرات من نوع واحد، تحدث آثاراً مختلفة بسبب الاختلاف في طريقة تركيبها(19)؛ ويرى "كانادا" أن الضوء والحرارة ظاهرتان مختلفتان لعنصر واحد؛ ويذهب "يودايانا" إلى أن جميع الحرارة مصدرها الشمس؛ ويفسر "فاشاسباتي"- مثل نيوتن- الضوء بأنه مؤلف من ذرات صغيرة تنبعث من الأشياء وتطرق العين(20)؛ وتجد في رسائل الهنود التي ألفوها في الموسيقى تحليلاً وحساباً رياضياً للنغمات الموسيقية وأطوال موجاتها، وكذلك ارتفاع النغمة، يتناسب عكسياً مع طول الوتر فيما بين نقطة اتصاله ونقطة لمسه؛ وهنالك ما يدل على أن البحارة الهنود في القرون الأولى بعد الميلاد، قد استعملوا بوصلة صنعوها من سمكة جديدة تسبح في إناء من الزيت وتشير إلى الشمال(21).

وتقدمت الكيمياء بادئة طريقها من مصدرين: الطب والصناعة؛ فقد أسلفنا بعض القول في براعتهم الكيماوية في صب الحديد في الهند القديمة، وفي الرقي الصناعي العظيم في عصور "جوبتا" ، حينما كان ُينظر إلى الهند- حتى من روما القيصرية- على أنها أمهر الأمم جميعاً في صناعات كيماوية مثل الصباغة والدبغ وصناعة الصابون والزجاج والأسمنت؛ وفي تاريخ بلغ من القدم القرن الثاني قبل الميلاد، خصص "ناجارجونا" كتاباً بأكمله للبحث في الزئبق؛ فلما أن كان القرن السادس كان الهنود أسبق بشوط طويل من أوربا في الكيمياء الصناعية، فكانوا أساتذة في التكليس والتقطير والتصفية والتبخير واللحام وإنتاج الضوء بغير حرارة، وخلط المساحيق المنومة والمخدرة، وتحضير الأملاح المعدنية، والمركبات والمخلوطات من مختلف المعادن؛ وبلغ طرق الصلب في الهند القديمة حداً من الكمال لم تعرفه أوربا إلا في أيامنا هذه، ويقال أن الملك يورس ، قد اختار هدية نفسية نادرة يقدمها للإسكندر ثلاثين رطلاً من الصلب(22)، إذا آثرها على هدية من الذهب أو الفضة؛ ونقل المسلمون كثيراً مما كان للهنود من علم الكيمياء والصناعة الكيماوية إلى الشرق الأدنى وأوربا؛ فمثلاً نقل العرب عن الفرس، وكان الفرس قد نقلوا بدروهم عن الهند سر صناعة السيوف "الدمشقية"(22أ).

وكان التشريح وعلم الوظائف الأعضاء- مثل بعض الجوانب الكيمياء- نتيجتين عرضيتين للطب الهندي؛ ففي القرن السادس قبل الميلاد- رغم أنه عهد يغوص في القدم، كان الأطباء الهنود يعرفون خصائص الأربطة العضلية ورتق العظام والجهاز اللمفاوي، والضفائر العصبية واللفائف والأنسجة الدهنية والأوعية الدموية والأغشية المخاطية والمفصلية وأنواع من العضلات أكثر مما نستطيع أن نتبينه من جثة حديثة(23).

وقد زلَّ أطباء الهند في العصر السابق لميلاد المسيح في نفس الخطأ الذي وقع فيه أرسطو حين تصور القلب مركز الشعور وأداته، وظنوا أن الأعصاب تصعد من القلب وتهبط إليه، لكنهم فهموا عمليات الهضم فهماً يستوقف النظر بدقته- أعني الوظائف المختلفة للعصارات المعدية، وتحول الكيموس إلى كيلوس، ثم تحول الكيلوس إلى دم(24)، وسبق "أتريا" ، "وايزمان" بألفين وأربعمائة عام حين ذهب (حوالي 500 ق.م) إلى أن نطفة الوالد مستقلة وكانوا يحبذون فحص الرجال للتحقق من توافر عناصر الرجولة فيهم قبل إقدامهم على الزواج؛ وجاء في تشريع "مانو" تحذير من عقد الزواج بين أشخاص مصابين بالسل أو الصرع أو سوء الهضم المزمن أو البواسير أو شقشقة اللسان(26) وكان مما فكرت فيه مدارس الطب الهندية سنة 500 ق.م، ضبط النسل على آخر طراز يأخذ به رجال اللاهوت، وهو يقوم على نظرية هي أن الحمل مستحيل في مدى اثني عشر يوماً من موعد الحيض(27)؛ ووصفوا تطور الجنين وصفاً فيه كثيراً جداً من الدقة ، وكان مما لوحظ في هذا الصدد أن جنس الجنين لا يتعين إلا بعد مدة، وزعموا أن جنس الجنين في بعض الحالات يمكن التأثير فيه بفعل الطعام أو العقاقير(28).

وتبدأ مدونات الطب الهندي بكتاب "أترڤاڤدا" Atharvaveda، ففي هذا الكتاب تجد قائمة بأمراض مقرونة بأعراضها، لكنك تجدها محاطة بكثير جداً من السحر والتعزيم؛ فقد نشأ الطب ذيلاً للسحر؛ فالقائم بالعلاج كان يدرس ويستخدم وسائل جثمانية لشفاء المريض، على أساس أن هذه تساعد على نجاح ما يكتبه له من صيغ روحانية؛ ثم أخذ على مر الزمن يزيد من اعتماده على الوسائل الدنيوية، ماضياً إلى جواز ذلك في تعاويذه السحرية لتكون هذه معينة لتلك من الوجهة النفسية، كما نفعل اليوم بتشجيعنا للمريض.

وفي ذيل كتاب "أترڤاڤدا" ملحق يسمى "ياجورڤدا" Yajurveda (ومعناها علم إطالة العمر)؛ ويذهب هذا الطب الهندي القديم إلى أن المرض يسببه اضطراب في وحد من العناصر الأربعة (الهواء والماء والبلغم والدم) وطرائق العلاج هي الأعشاب والتمائم السحرية؛ ولا يزال كثير من طرائق الطب القديم في وصف الأمراض وعلاجها مأخوذاً به في الهند اليوم، وإن ذلك ليصيب من النجاح أحياناً ما يثير الغيرة في صدور الأطباء الغربيين؛ وتجد في كتاب "ريگڤدا" نحو ألف اسم من أسماء هذه الأعشاب، وهو يحبذ الماء على أنه خير علاج لمعظم الأمراض؛ على أن الأطباء والجراحين حتى في العهد الفيدي كانوا يتميزون بما يفرق بينهم وبين المعالجين بالسحر؛ وكانوا يسكنون منازل تحيط بها حدائق يستنبتون فيها الأعشاب الطبية(29).

وأعظم اسمين في الطب الهندي هما "سوشروتا" في القرن الخامس قبل الميلاد و "شاراكا" في القرن الثاني بعد الميلاد؛ فقد كتب "سوشروتا"- وكان أستاذا للطب في جامعة بنارس، باللغة السنسكريتية مجموعة من أوصاف الأمراض وطرائق علاجها، وكان قد ورث العلم بها من معمله "ذانوانتاري" ؛ فبحث في كتابه بإطناب في الجراحة والتوليد والطعام الصحي والاستحمام والعقاقير وتغذية الرضع والعناية بهم والتربية الطبية(30)، وأما "شاركا" فقد أنشأ "سامهيتا" (ومعناها موسوعة) تشمل علم الطب، وهي لا تزال مأخوذاً بها في الهند(31)؛ وبث في أتباعه فكرة عن مهنتهم كادت تقرب من فكرة أبقراط: "لا ينبغي أن تعالجوا مرضاكم ابتغاء منفعة لأنفسكم، ولا إشباعاً لشهوة كافة ما كانت من شهوات الكسب الدنيوية، بل عالجوهم من أجل غاية واحدة هي التخفيف عن الإنسانية المعذبة، بهذا تفقدون سائر الناس"(32) ويتلو هذين الاسمين التماعاً في تاريخ الطب الهندي اسم "فاجبهاتا" (625 م) الذي أعد موسوعة طبية نثراً ونظماً، ثم اسم "بهافامِسْراً" (1550 م) الذي جاء في كتابة الضخم عن التشريح ووظائف الأعضاء والطب، ذكر الدورة الدموية قبل أن يذكرها "هارفي" بمائة عام، ووصف الزئبق علاجاً لذلك المرض الجديد- مرض الزهري- الذي كان من عهد قريب مع البرتغاليين، جزءاً من التراث الذي خلّفته أوربا للهند(33).

وصف "سوشوترا" كثيراً من العمليات الجراحية- الماء في العين، والفتق وإخراج الحصاة من المثانة، وبقْر الأمهات عن الأجنة وغير ذلك، كما ذكر إحدى وعشرين ومائة أداة من أدوات الجراحة منها المشارط والمسابير والملاقط والقثاطير ومناظير القُبُل والدُّبرُ(34)، وعلى الرغم من تحريم البراهمة لتشريح جثث الموتى، جعل يدافع عن ضرورة ذلك في تدريب الجراحين؛ وكان أول من رقع أذناً جريحة بقطع من الجلد اقتطعها من أجزاء أخرى من الجسم، وعنه وعن أتباعه من الهنود أخذ الطب الحديث عملية تقويم الأنف(35)؛ ويقول "جارِسُنْ": "لقد أجرى قدماء الهنود كل العمليات الجراحية الكبرى تقريباً، ما عدا عملية ربط الشرايين"(36)؛ فقد بتروا الأطراف، وأجروا الجراحات في البطن، وجبروا كسور العظام، وأزالوا البواسير؛ وقَعَّد "سوشوترا" القواعد الدقيقة لإجراء الجراحة، ويعد اقتراحه بتعقيم الجرح بالتبخير أول ما نعرفه من جهود في وسائل التطهير أثناء الجراحة(37)؛ ويذكر لنا "سوشوترا" و "شاراكا" كلاهما فوائد أنواع من الشراب الطبي في تخدير الجسم عند الألم، وحدث في سنة 927 م أن قام جراحان بتربنة الجمجمة لملك هندي، فخدره عن الجراحة بفعل عقار يسمى "ساموهيني" .

وأوصى "سوشوترا" بأن تتبع في تشخيص الأمراض التي أحصى منها ألفاً ومائة وعشرين، طريقة النظر بالمنظار وطريقتا جس النظر والتسمع بالأذن(40) وقد جاء وصف لجسّ النبض في رسالة تاريخها 1300م(41)؛ وكان تحليل البول طريقة مستحسنة في تشخيص الأمراض؛ حتى لقد اشتهر أطباء التبت بقدرتهم على شفاء أي مريض دون النظر في أي شئ يتعلق به ما عدا بوله(42)؛ وكان العلاج الطبي في الهند في عهد يوان شوانج، يبدأ بصيام مداه سبعة أيام، وكثيراً ما كان يشفى المريض في هذه الفترة ، فإذا بقى المريض لجئوا بعدئذ إلى استخدام العقاقير(43) لكنهم لم يكونوا يسرفون في استخدام العقاقير حتى في أمثال هذه الحالات، إذ كان معظم اعتمادهم على تدبير الطعام الملائم والاستحمام والحقن الشرجية والاستنشاق والحقن في مجاري البول وإخراج الدم بدود العلق أو بالكؤوس(44)، وكان لأطباء الهنود شهرة خاصة في تكوين ترياقات السموم، ويزالون يفوقون الأطباء الأوربيين في علاج عضة الثعبان(45)؛ ولقد عرفت الهند التطعيم منذ سنة 550 م ، مع أن أوربا لم تعرفه إلا في القرن الثامن عشر، ذلك لو حكمنا من نص يعزى إلى "ذانوانتاري" وهو طبيب من أقدم أطباء الهنود، وهذا هو: "خذ السائل من البثور التي تراها على ضرع البقرة ... خذه على سنان المشرط، ثم طعم به الأذرعة بين الأكتاف والمرافق، حتى يظهر الدم؛ عندئذ يختلط السائل بالدم فتنشأ عن اختلاطه حمى الجدري"(46) ويعتقد الأطباء الأوربيون المحدثون أن التفرقة بين الطبقات تفرقه تعزل بعضها عن بعض، منشؤها إيمان عند البراهمة بوجود عوامل خفية في نقل الأمراض؛ وكثير من قوانين الصحة التي أوصى بها "سوشوترا" و "مانو" تسلم تسليماً- فيما يظهر- بما نسميه نحن المحدثون الذين نحب الأسماء الجديدة نطلقها على ما هو قديم، أقول إنها تسلم بما نسميه نحن المحدثون بنظرية المرض عن طريق الجراثيم(47)؛ ويبدو لنا أن التنويم كوسيلة للعلاج قد نشأ عند الهنود الذين كثيراً ما كونا ينقلون مرضاهم إلى المعابد لمعالجتهم بالإيحاء التنويمي أو "نعاس المعبد" كما كان يحدث في مصر واليونان(48) والأطباء الإنجليز الذين أدخلوا طريقة العلاج بالتنويم في إنجلترا- وهم "بريد" و"ازديل" و"إِليوتسُن" "ولاشك في أن ما أوحى لهم بآرائهم تلك، وببعض خبرتهم، هو اتصالهم بالهند"(49).

فالطب الهندي بصفة عامة قد تطور تطوراً سريعاً في العهدين الفيدي والبوذي، ثم أعقب ذلك قرون سار فيه التقدم بخطوات الوئيد الحذر؛ ولسنا ندري كم يدين "أتريا" و "ذانوانتاري" و "سوشوترا" لليونان، وكم تدين اليونان لهم؛ يقول "جارسن" إنه في أيام الإسكندر "كان لأطباء الهنود وجراحيهم شهرة- هم جديرون بها- بما يتميزون به من تفوق في العلم والمهارة في العمل" ، وحتى أرسطو نفسه- في رأي طائفة من الباحثين- مدين لهم(50) وكذلك قل في الفرس والعرب، فمن العسير أن تقطع برأي في مدى ما أخذه الطب الهندي من بغداد، ومن الطب البابلي في الشرق الأدنى عن طريق بغداد؛ فمن جهة ترى بعض طرائق العلاج مثل الأفيون والزئبق، وبعض وسائل الكشف عن حقيقة المرض مثل جس النبض، قد جاءت إلى الهند من فارس فيما يظهر؛ لكنك من جهة أخرى ترى الفرس والعرب قد ترجموا إلى لغتيهما في القرن الثامن الميلادي موسوعتي "سوشوترا" و "شراكا" اللتين كانتا قد مضى عليهما ألف عام(51) ولقد اعترف الخليفة هارون الرشيد بالتفوق العلمي والطبي للهنود، واستدعى الأطباء الهنود لتنظيم المستشفيات ومدارس الطب في بغداد(52) ؛ وينتهي "لورد آمِتهِل" إلى نتيجة هي أن أوربا الوسيطة والحديثة مدينة بعلمها الطبي للعرب بطريق مباشر، وللهند عن طريق العرب(53)؛ ولعل هذا العلم الذي هو أشرف العلوم وأبعدها عن اليقين، قد نشأ في بلاد مختلفة في وقت واحد تقريباً، ثم جعل يتطور بما كان بين الأمم المتعاصرة في سومر ومصر والهند من صلات وتبادل فكري.


بعد المها جناپادا — أعلى العصور الوسطى

 
The iron pillar of Delhi (375–413 CE). The first iron pillar was the Iron pillar of Delhi, erected at the times of Chandragupta II Vikramaditya.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أواخر العصور الوسطى

 
Jantar Mantar, Delhi—consisting of 13 architectural astronomy instruments, built by Jai Singh II of Jaipur, from 1724 onwards.

Madhava of Sangamagrama (c. 1340 – 1425) and his Kerala school of astronomy and mathematics developed and founded mathematical analysis.[5]


عصر الاحتلال البريطاني

Early volumes of the Encyclopædia Britannica described cartographic charts made by the seafaring Dravidian people.[6] In Encyclopædia Britannica (2008), Stephen Oliver Fought & John F. Guilmartin, Jr. describe the gunpowder technology in 18th-century Mysore:[7]

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ أ ب Kenoyer, 230
  2. ^ Banerji, 673
  3. ^ Sircar, 62
  4. ^ Sircar, 67
  5. ^ J J O'Connor; E F Robertson. "Mādhava of Sangamagrāma". School of Mathematics and Statistics University of St Andrews, Scotland. Retrieved 2007-09-08. {{cite web}}: Unknown parameter |DUPLICATE_title= ignored (help)
  6. ^ Sircar 330
  7. ^ Encyclopædia Britannica (2008), rocket and missile system.

وصلات خارجية

قالب:Indianscience