هسيود (باليونانية: Ἡσίοδος وبالإنگليزية: Hesiod) (و. 846 ق.م. - 777 ق.م.) هو أحد أعظم شعراء يونان القدامى، ويضعه هيرودوت في نفس المرتبة مع معاصره هوميروس. ولد في بلدة كيمي Cyme في آسيا الصغرى. ولكن والده حاقت بهِ الفاقة فيها فهاجر إلى أسكرا التي يصفها هزيود بأنها "بائسة في الشتاء، لا تطاق في الصيف ، وليس فيها خير في وقت من الأوقات"- كمعظم الأماكن التي يعيش فيها الناس.

تمثال نصفي برونزي روماني، يـُطلق عليه "سـِنـِكا غير الحقيقي"، الذي يعتقد البعض الآن أنه پورتريه لهسيود

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأته

بينما كان هسيود الغلام الراعي والعامل في المزرعة يسير وراء قطعانه على سفوح جبال هليكون صاعداً تارة ونازلاً تارة أخرى خيل إليه أن ربات الشعر قد نفثت في جسمهِ روح الشعر فأخذ يكتبه ويغنيه ويكسب الجوائز في المباريات الموسيقية ، ويقول البعض إنه فاز على هومر نفسه.


شاعرية هسيود وأساطير الآلهة

إذا كان هسيود ككل شاب يوناني مولعاً بعجائب الأساطير ، فقد كتب أنساباً للآلهة عندنا منها ألف بيت غث تسرد أسر الأرباب وملوكهم ، وهي أنساب لا غنى عنها في الدين كما أن أنساب الملوك لا غنى عنها في التاريخ. وقد تغنى في بادئ الأمر بربات الشعر نفسها لأنها كانت جاراته على تل هليكون إذا جاز القول بأن الآلهة يجاورون الآدميين ، وقد صور له خيال الشباب أنه يكاد يراها "ترقص بأقدامها الدقيقة" على سفح الجبل ، و "وتغسل جلدها الرقيق" في الهبكرين. ثم وصف بعدئذ مولد العالم- لا خلقه- فأخذ يقص علينا كيف ولد إله من إله حتى ضاق أولمبس بالآلهة. ويقول إنه في بادئ الأمر عماء ثم "كانت بعدئذ الأرض العريضة الصدر المقر الثابت الأمين لجميع الآلهة المخلدين" ؛ وكان الآلهة في الدين اليوناني يعيشون إما على ظهر الأرض أو في باطنها ، وهم على الدوام قريبون من الناس، ثم جاء بعدئذ طرطروس Tartarus إله العالم السفلي ثم جاء بعده إروس Eros أو الحب " أجمل الآلهة " كلهم. وولد للعماء Chaos الظلمة والليل وولِد لهذين الأثير Ether والنهار وولدت الأرض الجبال والسماء وولد من اقتران السماء والأرض الأقيانوس Oceanus أي البحر. والمؤلفون الإنجليز يبدءون هذهِ الأسماء بالحروف الكبيرة Capitals ولكن هذهِ الحروف لم يكن لها وجود في اللغة اليونانية أيام هسيود ، ومبلغ علمنا أنه لم يكن يقصد بهذا كله أكثر من أن العالم في بادئ الأمر كان عماء ، ثم نشأت الأرض وما في باطنها ، والليل والنهار والبحار ؛ وأن الشهوة هي التي أوجدت كل شيء ولعل هزيود كان فيلسوفاً ألهِم الشعر فأخذ يجسد المعاني المجردة وينشئ منها شعراً؛ وقد لجأ إمبدقليز إلى تلك الأساليب نفسها بعد مائة عام أو مائتين في صقلية.

وليس بين هذا القصص الديني وبين فلسفة الأيونيين الطبيعية إلا خطوة واحدة. ويكثر في أساطير هزيود الهولات والدماء وهو لا يتحرج من أن يعزو إلى الآلهة أفحش الصلات الجنسية. وقد نشأ من تزاوج السماء (أورانوس) والأرض )جي أوجيا( جنس من الجبابرة (Titans) لبعضهم خمسون رأساً ومائة يد. ولم يكن أورانوس يحبهم فقذف بهم إلى طرطروس المظلمة. ولكن الأرض ساءها هذا فعرضت عليهم أن يقتلوا أباهم. وقام كرونس أحد الجبابرة بهذهِ المهنة. فابتهجت "جي الضخمة بهذا العمل وأخفته في كمين ؛ ووضعت في يدهِ منجلاً، مثلم الأسنان ، وأوحت إليه بالخطة التي يسير عليها. ثم جاء السماء الواسع وأحضر معه الليل (Erebus)، وكان السماء محباً وإلهاً فاحتضن الأرض وامتد حولها في جميع الجهات". فلما رأى كرونس ذلك بتر قضيب أبيه وألقى باللحم المقطوع في اليم ، ونشأت من نقط الماء التي سقطت على الأرض آلهة الانتقام (Furias)؛ ومن الزبد الذي تكون حول اللحم وهو طافٍ فوق الماء نشأت أفرديتي. واستولى الجبابرة على أولمبس ، وأنزلوا أورانوس )السماء( عن عرشهِ ورفعوا عليه كرونس. وتزوج كرونس بأختهِ ريا Rhae ، ولكن أبويه الأرض والسماء كانا قد تنبأ بأن أحد أبنائه سيقتله ، فابتلعهم كرنس جميعاً ما عدا زيوس ، الذي ولدته ريا سراً في كريت. فلما شب زيوس خلع كرونس وأرغمه على أن يُخرج أولاده من بطنهِ. وأعاد الجبابرة إلى باطن الأرض قوة وأقتداراً. هذهِ هي الطريقة التي ولدت بها الآلهة وهذهِ هي أساليبهم كما جاء في أقوال هزيود. وهنا يجد قصة بروميثيوس البعيد النظر، جالب النار؛ ونجد كذلك فجور الآلهة الكثير الممل، وهو الفجور الذي استطاع به كثير من اليونان أن يصلوا بأنسابهم إلى هؤلاء الآلهة- ولم يكن الإنسان ليظن أن الشعر الذي يروي هذا الفجور سيكون شعراً مملاً خالياً من الروعة إلى هذا الحد.

ولسنا نعرف كم من هذهِ الأساطير كانت هي القصص الشعبي الذي نشأ في ثقافة بدائية تكاد أن تكون همجية ، وكم منها من تأليف هزيود نفسه ، ولسنا نجد في صحف هومر الطيبة إلا القليل من هذهِ الأساطير. ولربما كان بعض الفساد الذي غمرت فيهِ هذهِ القصص آلهة جبل أولمبس في أيام النقد الفلسفي والتطور الأخلاقي ربما كان هذا البعض من خيال شاعر أسكرا القاتم النكد. وينزل هسيود في القصيدة الوحيدة التي لا يجادل أحد في أنها من شعرهِ من قلل أولمبس إلى السهول فيكتب شعراً زراعياً قوياً في وصف حياة الفلاح.


قصيدة الأعمال والأيام

قصيدة الأعمال والأيام هي عتاب طويل ونصيحة إلى أخيهِ برسيوس ، وقد صوره فيها بصورة غريبة تحمل على الظن بأن هذا الأخ لا يعدو أن يكون تجسيداً أدبياً لمعنى تخيله الشاعر.

وهو يقول في مطلع القصيدة: "والآن سأتحدث إليك أيها الأخ الأبله برسيوس ولا أبغي من حديثي إلا الخير لكَ". ويقول لنا هزيود إن برسيوس هذا قد خدعه واغتصب منه ميراثه ؛ ثم يحدثنا بعد هذا الاغتصاب حديثاً هو أول موعظة معروفة في التاريخ تصف فضيلة الجد وكرامته ، وتقول إن الشرف والكدح أوفر كرامة وأدل على الحكمة من الرذيلة والترف والخمول: "إن من أيسر الأمور لكَ أن تختار الرذيلة وأن تختار منها أكداساً مكدسة لأن الطريق إليها معبد ومقامها جد قريب. ولكن الآلهة المخلدين قد أقاموا في سبيل الفضيلة عرق الكدح وجعلوا الطريق المؤدي إليها طويلاً وعراً شاقاً في بداية الأمر ولكنك إذا وصلت إلى أعلاه وجدته سهلاً بحق رغم ما لقيت فيه من المشقة قبل". ثم يضع الشاعر قواعد لأعمال الزراعة الجدية ويحدد خير أيام الحرث والغرس والحصاد، ويصوغ أقواله في أمثال فجة صقلها فرجيل فيما بعد في شعر بلغ حد الكمال.

وهو يحذر برسيوس من عاقبة الإفراط في الشراب صيفاً ومن تخفيف الملابس شتاءّ. ويصور شتاء بؤوتية القاسي فيقول عنه إن ريحه زمهرير تسلخ جلد الجؤذر والبحار والأنهار تضطرب مياهها بفعل ريح الشمال والغابات تنوح وأشجار الصنوبر تتساقط، والحيوانات "ترهب الثلج الأبيض"، وتأوي خائفة إلى حظائرها ومذاودها ، وما أدفأ الكوخ الحسن البناء في ذلك الوقت ، فهو الجزاء الأخير للكدح بشجاعة وفطنة! ففيه لا تنقطع الأعمال المنزلية مهما اشتدت العواصف ، وفيه تكون الزوجة نعم العون حقاً ، فهي خير عوض للرجل مما سببته له من متاعب كثيرة.

لا يستطيع هزيود أن يقطع برأي في الزوجات ، وما من شك في أنه كان أعزب أو أرمل ، لأن مَن كانت له زوجة حية لا يتحدث عن المرأة بهذا الغل الشديد. نعم إن الشاعر يبدأ في آخر القطعة الباقية من قصيدتهِ ثبتاً بأسماء النساء كله شهامة ومروءة ، ويعيد على مسمعنا قصص تلك الأيام التي كان عدد البطلات فيها لا يقل عن عدد الأبطال وحين كانت كثرة الأرباب من النساء.

ثيوگوني


المرأة في شعر هزيود

يذكر هسيود في كتابيهِ الكبيرين في اغتباط الحاقد الشامت أن معظم الشرور التي في العالم من فعل بندورا الحسناء ، وأن زيوس لما غضب على پرومثيوس Prometheus حين سرق النار من السماء أمر الآلهة أن تخلق المرأة لتكون هدية يونانية إلى الرجل: "فأمر هفستوس Hephaestus أن يمزج من فورهِ التراب بالماء وأن يهب المزيج صوت الرجل وقوته ، وأن يجعل وجه الفتاة الحسناء جميلاً كوجه الآلهات والمخلدات. ثم أمر أثينا أن تعلمها كيف تنسج القماش المتين ، وأمر أفرديتي الذهبية أن تنشر حول رأسها الرشاقة ، والشهوة الملحة ، والقلق الذي يتلف الأعضاء ، ولكنه أمر الرسول هرمس أن يمنحها عقلاً كعقل الكلاب وأخلاقاً كلها ختل ودهاء. وأطاعوا كلهم زيوس. ووضع رسول الآلهة في جوفها صوتاً جذاباً ؛ وسمى هذهِ المرأة بندورا لأن كل الساكنين في البيوت الأولمبية قد أهدوا إليها هدية لتؤذي بها الرجال المبدعين".

ثم يقدم زيوس بندورا إلى إپميثيوس Epimstheus ؛ وقد حذره أخوه بروميثيوس من قبول هدايا الآلهة ، ولكنه رغم هذا التحذير يشعر بأنه لا حرج عليه من أن يخضع للجمال هذهِ المرة. وكان بروميثيوس قد ترك مع إيميثيوس صندوقاً خفياً عجيباً وأوصاه ألا يفتحه بحال من الأحوال. وغلب على بندورا حب الاستطلاع ففتحت الصندوق فطار منه عشرة آلاف شر أخذت تنغص على الناس حياتهم ، ولم يبقَ فيه إلا الأمل وحده. ومن بندورا ، كما يقول هسيود ، نشأ جنس النساء الرقيقات ، ومنها نشأت سلالة مؤذية ، وتسكن طوائف النساء الشديدات الأذى مع الرجال وهنَّ لا يعنهم على الفقر المدقع بل يعنّهم على التخمة؛ وبهذهِ الطريقة وهب زيوس الرجال نساء ليكنَّ مصدر الشر والأذى".

ثم يقول الشاعر المذبذب بعدئذ في حسرة ولوعة إن العزوبة لا تقل شراً عن الزواج لأن الشيخوخة مع العزلة شقاء أيما شقاء ، ولأن أملاك من لا ولد له تعود بعد موتهِ إلى عشيرتهِ ، ولهذا فإن من مصلحة الرجل أن يتزوج- وإن كان عليهِ ألا يتزوج قبل سن الثلاثين ، ومن مصلحتهِ أن يكون له أولاد- وإن كان من الواجب ألا يكون له أكثر من ولد واحد ، حتى لا تنقسم ثروته بعد موته. "إذا ما توج النضج فخر رجولتك ، فخذ بيدك إلى بيتك زوجة راضية ؛ وخير سن الزواج هي سن الثلاثين ، فلا تنقص منها كثيراً ولا تزد عليها كثيراً. واخترها عذراء حتى تطبع الأخلاق الطاهرة صدرها بطابع الحب القائم على الحكمة والعقل. ولتكن الهدية التي تهدى إليك فتاة من جيرتك معروفة لك ؛ ولتكن حذراً غاية الحذر لئلا تُسئ الاختيار فتكون أضحوكة لجميع مَن يسكنون حولك. وخير ما تهبه الحكمة الإلهية للإنسان امرأة جميلة فاضلة وشر ما يصيب الإنسان زوجة صغيرة تقضي كل وقتها في الطعام والشراب. إن هذهِ المرأة لتحرق بغير نار متقدة جسمك الذي أنهكته المتاعب ، وتشعل النار في عظامك القوية التي في داخل جسمك وتسبب لك الشيخوخة وأنت لا تزال في عنفوان الشباب".

آراء فلسفية

يقول هزيود إن الجنس البشري عاش على وجه الأرض قبل سقوط الإنسان على هذا النحو مئات من السنين يرسل في حلل السعادة. ذلك بأن الآلهة قد خلقت أولاً في أيام كرونس ) ستورينا في شعر فرجيل ( جيلاً ذهبياً كانوا كالآلهة يعيشون بلا كدح ولا قلق ، تنتج لهم الأرض من نفسها الطعام ، وتغذي بكلئها قطعانهم الكثيرة ، ويقضون كثيراً من الأيام فرحين مسرورين لا تدركهم الشيخوخة ، حتى إذا أقبل عليهم الموت آخر الأمر كان كأنه نوم خال من الآلام والأحلام.

ثم خلق الآلهة في نزوة من نزواتهم القدسية جيلاً فضياً أحط منزلة من الجيل الأول ، يحتاج أفراده في نموهم إلى مائة عام ، فإذا كمل هذا النمو عاشوا معذبين زمناً قليلاً يدركهم بعده الموت. ثم خلق زيوس جيلاً نحاسياً ، رجالاً أعضاؤهم وأسلحتهم وبيوتهم من النحاس ، شن بعضهم على بعض كثيراً من الحروب حتى "سلط عليهم الموت الأسود فغادروا ضياء الشمس اللامعة". ثم عاود زيوس التجربة وخلق جيل الأبطال الذين حاربوا في طيبة و طروادة ؛ ولما مات أولئك الرجال "سكنوا بأرواحهم الخالية من الهم في جزائر الأبرار" ، وجاء من بعدهم شر الناس كلهم ، الجبل الحديدي ، وهم خلق أدنياء فاسدون فقراء لا يعرفون النظام ، يكدحون بالنهار ويقاسون الشدائد والأهوال بالليل ؛ لا يوقر أبناؤهم آباءهم ، يعصون الآلهة ويبخلون عليهم ، كسالى مشاغبون ، يحارب بعضهم بعضاً ، يرشون ويرتشون ، لا يثق بعضهم ببعض ، ويفتري بعضهم على بعض ، ويطأون بأقدمهم وجوه الفقراء منهم.

ويقول هسيود في حسرة: "ألا ليتني لم أولد في هذا العهد بل ولدت قبله أو بعده!" وهو يتمنى أن يعجل زيوس بدفن هذا الجيل الحديدي في باطن الأرض. هذا هو اللاهوت التاريخي الذي يفسر بهِ هزيود ما في زمانه من فقر وظلم. وقد كان يرى هذهِ الشرور بعينيهِ ويلمسها بيديه ؛ ولكن الشاعر لم يكن يشك في أن الماضي الذي ملأه أبطالاً وآلهة كان أنبل وأجمل من هذا الجيل ؛ ولسنا نرتاب في أن الناس لم يكونوا على الدوام فقراء معذبين أذلاء كما كان الزراع الذين عرفهم في بؤوتية.

وهو لا يعرف أن أخطاء الطبقة التي ينتمي إليها قد أثرت في نظرتهِ ، وأن آراءه في الحياة والعمل والنساء والرجال آراء ضيقة ، أرضية ، تكاد أن تكون تجارية. وما أبعد هذهِ الصورة من صورة أعمال الناس التي تطالعنا في شعر هومر ، وهي صورة إن كان فيها الإجرام والفزع فإن فيها أيضاً العظمة والنبل! لقد كان هومر شاعراً ، يعرف أن ومضة من الجمال تمحو آلافاً من الخطايا ؛ أما هزيود فكان فلاحاً يصعب عليه ما تتكلفه الزوجة ، ويغضب من وقاحة النساء اللائي يجلسن حول المائدة مع أزواجهن.

ويكشف لنا هزيود في صراحة فظة عما كان في المجتمع اليوناني القديم من انحطاط قبيح - عن الفقر المدقع الذي كان يعانيه رقيق الأرض وصغار الزراع الذين يقوم على سواعدهم مجد الأشراف والملوك وعبث الحروب. وكان هومر يتغنى بالأبطال والأمراء للأشراف من الرجال والنساء ؛ أما هزيود فلم يكن يعرف أمراء ، بل كان يتغنى في قصائدهِ بالسوقة من الرجال ويوائم بين نغماته وبين موضوعه. فنحن نستمع في شعرهِ إلى قعقعة ثورات الفلاحين التي أنتجت في أتكا من بعد إصلاحات صولون وطغيان بيسستراتس . لقد كانت الأرض في بؤوتية ، كما كانت في البلوبونيز ، في حوزة نبلاء غائبين عنها يقيمون في المدن أو بالقرب منها. وقد شُيدت أكثر المدن رخاءً وازدهاراً نحو بحيرة كبسيس Capsais، وهي الآن جافة ولكنها كانت فيما مضى تمد بالماء شبكة معقدة من قنوات الري وأنفاقه. وقد غزت هذا الإقليم المُغري الجذاب في أواخر عصر هومر شعوب اشتُق اسمهم من جبل بيئون Boeon في إبيروس الذي أقاموا بيوتهم بالقرب منه. وقد استولوا على قيرونيا Chaeronia )وبقربها قضى فليب على حرية اليونان ، وطيبة عاصمتهم في مستقبل الأيام ، ثم استولوا أخيراً على أركمنوس العاصمة المينياوية القديمة. وقد انضوت هذهِ المدن وغيرها في أيام اليونان الأقدمين تحت لواء طيبة في اتحاد بؤوتي يصرف شئونه العامة رجال من أهل هذا الحلف يُختارون في كل عام ، ويحتفل أهله مجتمعين في كورونية Coronea بعيد الجامعة الشعرية.

وكان من عادة الأثينيين أن يسخروا من الشعراء ويتهموهم بأنهم أغبياء ويعزوا بلادة ذهنهم إلى إفراطهم في الأكل وإلى جو بلادهم الكثير الضباب والأمطار- كما كان الفرنسيون يعيرون الإنجليز سواء بسواء. وقد يكون في هذا الوصف والتعليل بعض الصدق، لأن الشعراء يضطلعون في تاريخ اليونان بدور لا ترتاح له النفوس. من ذلك أن طيبة مثلاً قد ساعدت الغزاة الفرس ، وظلت شوكة في جانب أثينة مئات السنين. ولكننا نضع في الكفة الأخرى- كفة الحسنات- أبطال بلاتية الشجعان الأوفياء ، ونضع هسيود الكادح المثابر ، وبندار الذي بلغ السماكين ، وأباميننداس الأبي الشريف النفس ، وفلوطرخس الحبيب إلى النفوس.

روابط خارجية



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.