ليالي سانت پطرسبورگ

ليالي سانت پطرسبورگ Les Soirées de Saint-Pétersbourg، هو كتاب من تأليف جوزيف ده ميستر عام 1821.

ليالي سانت پطرسبورگ
غلاف كتاب ليالي سانت بطرسبورج.jpg
المؤلفجوزيف ده ميستر
العنوان الأصلي (إذا لم يكن بالعربية)Les Soirées de Saint-Pétersbourg
البلدFlag of France.svg فرنسا
اللغةالفرنسية
الموضوعفرنسا ما بعد الثورة
الناشرليون وپاريس
الإصدار1821


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عن الكتاب

 
ليالي سانت پطرسبورگ. لتحميل الكتاب، اضغط على الصورة.

ذات يوم كتب المفكر الفرنسي جوزيف ده ميستر قائلاً: «إنه لمن الضرورة بمكان خنق فكر القرن الثامن عشر كله». ويقيناً أن هذا الفيلسوف المؤيد للملكية والذي عرف بأفكاره الرجعية، وأيضاً بعمله ضد الثورة الفرنسية ناهيك بكتاباته العنيفة ضدها والتي كلفته غالياً، كان يعني بالفكر الذي يجب خنقه كل ذلك الفكر الثوري والإصلاحي الذي هيمن على القرن الثامن عشر كله، وكان اندلاع الثورة الفرنسية من نتائجه المباشرة. وفي معرض تفسيره لقوله هذا واستكماله أوضح دي ميستر الذي كان من أجرأ الذين وقفوا يعارضون فلسفة التنوير وأبرزهم، أن البديل عن ذلك كله إنما هو الإيمان بوجود «نظام ما فوق طبيعي» هو نظام «حكومة العناية الإلهية الكلية»، مستطرداً أن «الثورة، على سبيل المثل، مدمرة ومضرة وشيطانية، في مظاهرها المباشرة «لذلك» يتعين محاربتها»... غير أن هذا لم يدفع دي ميستر بعيداً من التأكيد في مجال آخر أن «الثورة تخضع، مع ذلك، وفي قرارة الأمر، لخطة رسمتها العناية الإلهية، والدليل على ذلك أنه يتعذر تفسيرها تفسيراً بشرياً، إذ إن الرجال الذين بدوا وكأنهم يوجهونها كانوا في الواقع يوجّهون من جانبها، أي أنهم يبدون كما لو أن من يوجههم إنما هو قائد أوركسترا سري وخفي هو العناية الإلهية. ولئن كان هذا يعني لنا أن الله هو الذي يريد ويحطّم كل شيء، فإنه في الواقع هو الذي يسيّر ويبني كل شيء أيضاً على المدى البعيد. ولئن كان الله قد أوقع بفرنسا هذا العقاب الإلزامي فإنه لم يفعل ذلك إلا لكي يذكرها بضرورة العودة إلى الرسالة المسيحية».

ولكن، ما هي الأخطاء التي وقعت فيها فرنسا لكي تستحق هذا الدمار، وبالتالي هذا التذكير؟ يتساءل ده ميستر قبل أن يجيب: «الخفة وانحلال الأخلاق في أواخر العهد الملكي القديم، بكل تأكيد، ولكن أيضاً سعيها إلى الحصول على دستور مكتوب، الأمر الذي يفترض أن الدستور يمكن أن يصلح في كل الأزمنة وللناس كافة بصرف النظر عن وسطهم وعن ماضيهم الجماعي». هل يذكرنا هذا الكلام الذي لطالما هوجم في فرنسا وغيرها واعتبر رجعياً لا علاقة له بالعصر بشيء؟ حسناً... المهم في الأمر أن دي ميستر قال هذا الكلام بصفته، ووفق الباحث أندريه كانينفتس «واحداً من أولئك المفكرين الذين عاشوا أهوال الثورة لا حماساتها فتبدت لهم، حال انطفائها، سلبية هدامة مرعبة، من صنع بشرية فقدت اتصالها بالله».

أفكار ده ميستر هذه، إذا كان طوال النصف الثاني من حياته قد عبر عنها في الكثير من الكتب، فإنه عاد ولخّصها في شكل شديد الوضوح - لكنه لا يخلو من حيرة ومن تساؤلات - في ذلك الكتاب الغني والمفاجئ الذي أنجزه خلال سنوات حياته الأخيرة لكنه لم ينشر إلا بعد موته بشهور، وعنوانه ليالي سانت پطرسبورگ، وهو عبارة عن تسجيل لحوارات (وهمية؟) تدور في الكتاب خلال تلك الليالي البيض في مدينة الشمال الروسي، بين دي ميستر نفسه، (الذي كان في ذلك الحين يشغل منصب سفير للملك الإيطالي عمانؤيل الأول، ملك سردينيا، لدى البلاط القيصري الروسي)، وسيناتور ينتمي إلى هذا البلاط، وفارس فرنسي.

وهؤلاء الثلاثة، كما يصفهم لنا الكتاب، يجتمعون كل عشية في منزل ريفي بالقرب من العاصمة الروسية، على ضفة نهر النيفا، لكي يتناقشوا حول الكثير من الأمور السياسية والفكرية والدينية. ومن الطبيعي أن دي ميستر في كتابه هذا، يعطي الأرجحية، وبالتالي الحق، لنفسه خلال السجالات ولا سيما حين يؤكد أن «حياة الشعوب إنما تستند أساساً إلى سلطة الملك وعنايته، ومن ثم إلى سلطة الكنيسة» وذلك بالتعارض التام مع كل ما كانت أتت به أفكار «عصر الأنوار». وهذا ما جعل تاريخ الفلسفة ينظر إلى دي ميستر على أنه «النقيض الكلي لفولتير». ومن هنا، لم يكن غريباً لدي ميستر أن يصرخ في كتابه هذا قائلاً: «رباه... كم كلفت العلوم الطبيعية الإنسان!». ففي رأي دي ميستر أن هذه العلوم كلفته «نفي كل ما هو خارق للطبيعة، ومعه نفي كل الحياة الدينية التي ما هي إلا تواصل الإنسان مع الدائرة العليا، فوق الإنسانية». ويفسر مؤرخ الفلسفة إميل برهييه في كتابه «تاريخ الفلسفة: القرن التاسع عشر» الذي نقله جورج طرابيشي إلى العربية في أجزاء عدة، أن دي ميستر يرى «أن مبتدعَي فكر القرن الثامن عشر، الذي تسبب في أذى عظيم، إنما هما بيكون ولوك»، لذلك يوجه إليهما، في ليالي سانت پطرسبورگ انتقاداته، قبل أن يوجهها إلى فولتير وديدرو. وهو «رداً على نزعتهما التجريبية يعود إلى الإشادة بالمذهب الفطري الديكارتي». وفي هذا الإطار يرى دي ميستر (ودائماً هنا وفق تفسير برهييه) أن «كل موجود فاعل يمارس فعله في الدائرة المرسومة له من دون أن يمكنه أبداً الخروج منها». والنتيجة الضرورية التي تترتب على مثل هذه الحقيقة هي المذهب الفطري بشرط الخلط بين فطرة الأفكار وفطرة الغريزة، ذلك أن دعوى ثبات الأنواع ترتبط بالغريزة التي هي، بدورها، ثابتة. فإذا كان مفروضاً بالنوع الإنساني أن يكون له هو الآخر، «رتبة إضافة إلى صنف من الموجودات» فلا بد من أن يكون العقل، وهو خاصيته المميزة، «موسوماً بضرب من الغريزة في الأفكار الفطرية». وعلى هذا الأساس يخلص دي ميستر، في الصفحات الأخيرة من ليالي سانت پطرسبورگ إلى أن «ليس ثمة علل في المادة. وأتقياء الناس هم وحدهم الذين يستطيعون ويريدون الخروج من هذه المادة». وبالتالي، يرى دي ميستر أن الصلاة قد لا تقل فاعليتها ضد الصاعقة عن واقية الصواعق. وبفضل تراكب العلل الثانية مع الفعل الأعلى، لا يكون حقل الممكن محدوداً باعتبار العلل الطبيعية، وذلك باب يشرع على الخيال بجميع ضروبه: الحلم التنبؤي، فعل الأعداء الغامض، إلخ».

ويرى برهييه هنا أن «نوعاً من اللاإرادية مشتقاً عن نيوتن، هو الذي جعل رد فعل دي ميستر العنيف ضد الفلاسفة ممكناً انطلاقاً من مبدأ يقول إن «عدالة الله لا علاقة لها بعدالتنا، وعنايته لا صلة لها بالحصافة البشرية. إن عدالة الإنسان مبدأُها مسؤولية المذنب، أما عدالة الله، فعلى العكس من هذا، مبدأُها قابلية إلقاء تبعة أخطاء المذنب على البريء». والفعل النموذجي للعدالة الإنسانية، في رأي دي ميستر هو «تضحية المسيح، إذ هنا نرى بريئاً يدفع الثمن عن البشرية المذنبة. وهذا الافتداء بالدم هو المبدأ الغامض لعادة الأضاحي، المشتركة بين ديانات كثيرة. لكنه هو أيضاً ما يفسر لنا الحروب التي لا ينقطع لها خيط والسر الحقيقي للثورة الفرنسية التي لقي منها كثرة من الضحايا الأبرياء مصرعهم لأخطاء ما هي بأخطائهم».


المصادر