جورج حنين Georges Henein ‏(1914 - 18 يوليو 1973) كاتب وصحفي سريالي مصري.

جورج حنين

هو جورج حنين مواليد 1914 ابن صادق حنين باشا الدبلوماسي المصري. بعد أن انتقل مع أمه الإيطالية إلى فرنسا، حصل على شهادة الثانوية العامة، والتحق بجامعة السوربون العريقة في باريس وحصل منها على ثلاث شهادات «ليسانس» في الحقوق والآداب والتاريخ حتى العام 1939. إنه عبقري، أليس كذلك؟ ليس لهذا السبب وحده. كانت تلك بدايات التعبير عن عبقريته. فلقد استهل عامه العشرين، قبل تخرجه في الجامعة، بكتابة كوميديا إسبانية بعنوان «تكملة ونهاية» وهي من نوع المسرحيات الهزلية الصغيرة التي اعتاد المسرح الإسباني تقديمها في الاستراحة. يذكر أنه كان يبدع باللغة الفرنسية بسبب ظروفه الأسرية وتعليمه. لكنه كان يقرأ ويتحدث اللغة العربية.

كانت القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين ثرية بالجماعات الفنية والثقافية المتنوعة. وكان كثير منها يضم مصريين ومتمصرين وأجانب. انضم جورج حنين إلى جماعة «المحاولين» قبل التحاقه بجامعة السوربون. كانت تصدر مجلة شهرية بالفرنسية اسمها «آن إيفور un effort»، أي «محاولة». نشر مقالاته الأولى في هذه المجلة. في كانون الأول (ديسمبر) 1933 نشر مقالة بعنوان «العالم بلا روح» يرسم فيها صورة للعالم مازجاً الواقع بكتابات من صحف وآراء لمفكرين. في العام التالي، نشر قصة بعنوان «صنع في الولايات المتحدة» وهي انتباه مبكر لهذا البلد الذي أصبح في ما بعد قوة عظمى. في شباط (فبراير) 1935 نشر بيانه «من اللاواقعية» يتضح فيه كم كان قريباً من السوريالية قبل أن يدخلها ويتحدث عنها صراحة. طبّق بيانه أدبياً في حكاية لا واقعية بعنوان «هارب ومنبعث».

بدأ جورج حنين أكثر فأكثر يمارس الإبداع السوريالي. فكتب في مجلة «آن إيفور»، «القاموس لاستخدام العالم البرجوازي» وضع فيه تعريفات حادة وفكاهة سوداء. في باريس كتب في مجلة «ليزيمبل les humbles» «المتواضعون». كانت مجلة شهرية ماركسية أدبية مؤيدة لتروتسكي كما كان السرياليون. نشر جورج في يونيو 1935 فيها «غناء العنيفين» مطالباً البروليتاريا بقوة بالثورة. فابن الباشا، بعيداً من الاسترخاء في حياة أولاد الذوات، أظهر تعاطفاً شديداً مع الفقراء والمضطهدين. إلا أن مقالته التي نشرها تحت عنوان «السوريالية في الميزان» عام 1936، في مجلة «لوريان»، أي «الشرق» التي كانت تصدر بالفرنسية، هي أول مقالة مفصلة تنشر في مصر عن السوريالية، وجاءت بعد 12 سنة من صدور البيان الأول للسوريالية في باريس.

في باريس تعرف إلى رواد السوريالية وعلى رأسهم أندريه بريتون الذي أطلقوا عليه لقب «البابا». في نهاية 1935 كتب أول خطاباته لبريتون، طرح فيه اقتراحات. لم يستطع بريتون، الذي كان مشغولاً في إعداد مجلة «كونتر أتاك»، أي «هجوم مضاد»، أن يرد عليه قبل 18 أبريل 1936. بدأ رد بريتون على جورج: «الرفيق العزيز، الحياة حتماً لا تكفي. لقد تركت خطابك من أول كانون الثاني (يناير) إلى 18 أبريل بلا رد، مع احتمال أن أعيد قراءته لأتأكد من أن شيئاً لا يهمني أكثر من المواضيع التي تثيرها. يبدو لي أن للشيطان جناحاً هنا، والآخر في مصر».

خلال إقامة جورج في باريس من مايو إلى سبتمبر 1936 تضامن مع بريتون في حملته ضد الكاتب رومان رولان، فكتب عنه في مجلة «ليزيمبل» مقالة بعنوان «إحياء لذكرى الثابتين على مواقفهم»، متهماً رولان بأنه «مدير لا وعي اليسار».

ألقى جورج محاضرة أخرى في القاهرة عن السوريالية عام 1937، ثم بدأ في تنظيم الجماعة السوريالية المصرية بأصدقائه، الشاعر إدمون جابس والصحافي إيميل سيمون مع الرسامين كامل التلمساني وأنجلو دي ريز ورمسيس يونان. قرر أن يسمّي الجماعة «الفن والحرية» تعبيراً عن انتمائه التروتسكى. فالاسم مستلهم من عنوان بيان مؤسس السوريالية العالمية أندريه بريتون والقائد الشيوعي ليون تروتسكي «نحو فن ثوري مستقل». وكان البيان طالب بالحرية في الفن.

في نوفمبر 1938، أصدر جورج أول ديوان له «لا معقولية الوجود» مزيناً برسوم لكامل التلمساني. في 22 ديسمبر 1938 وقع 40 شخصاً على البيان الجريء «يحيا الفن المنحط» ومن بينهم جورج حنين ورمسيس يونان وكامل التلمساني وفؤاد كامل. كان هذا البيان احتجاجاً ضد منع الزعيم النازي أدولف هتلر التصوير الحديث بحجة أنه «منحط». في 9 يناير 1939 دخل الأصدقاء في أول جماعة سوريالية في العالم العربى، جماعة «الفن والحرية». في 16 يونيو 1939 كتب أندريه بريتون خطاباً إلى جورج حنين جاء فيه: «صديقي العزيز، أنت واحد ممن افتقدهم في باريس... بتأكيد أكثر، أنت أكثر من أهتم بآرائه ونشاطه في الفترة الأخيرة التي بـــدأت فيـــها الأزمة العصبية تصيبني».

في ديسمبر 1939 شارك جورج في تأسيس «دون كيشوت»، جريدة باللغة الفرنسية أسبوعية إخبارية يحررها الشباب. رئيس تحريرها هنري كوريل. إذاً، دخل مؤسس أول حزب شيوعي في مصر، كوريل، على الخط. لذا كان من الطبيعي أن تعلن الجريدة عن نفسها بأنها: «نحن نناضل ضد الفوارق الطبقية والمغالطة التاريخية والتساهل والممارسة التي لا يمارسها الناس بحرية». وهذا كلام مزيج بين الماركسية والسوريالية. أي هو مزيج ما بين حنين وكوريل. المغامرة الأهم كانت تتمثل في مجلة «التطور» الشهرية التي صدرت من البداية باللغة العربية فقط في يناير 1940 من مقر جماعة الفن والحرية ذاته. ورأس تحريرها هذه المرة الكاتب أنور كامل، أخو الرسام عضو الجماعة فؤاد كامل. توقفت «التطور» بعد عددها السابع.

Cquote2.png ‏كل شيء يرتد إلى الفوضى وإلى الليل الأكثر تلويثاً. إنه تشتت البعض، وتعبئة البعض الآخر والتشوش التام للجميع. وتولد الكلمات العظيمة من جديد بقدر ما يموت الناس من جديد. لكن الكلمات العظيمة الحقيقية تظل في الداخل، في حصون الذاكرة المنيعة. Cquote1.png

—جورج حنين
في اليوم الثانى من الحرب العالمية

كان جورج حنين يسكن فيلا والديه على شاطئ النيل في حي روض الفرج. وفي عام 1945 عُيّن مديراً لشركة «سجائر جاناكليس». وفي هذا العام أصدر كتيبه «مكانة الرعب» عن القنبلة الذرية. كان جورج يمضي عطلاته في باريس. هناك، عام 1946، تعرف إلى الشاعر والناقد إيڤ بونفوا Yves Bonnefoy. لكنه لم يلتقِ أندريه بريتون لأنه كان في الولايات المتحدة. بعد عودة جورج إلى القاهرة، أرسل اليه بريتون خطاباً يعتذر فيه عن عدم لقائه، ويبدأه بمناداته: «صديقي العزيز جداً». وقد شكره بريتون على موقفه المهاجم للرسام السوريالي «رينيه ماگريت» بسبب انضمامه إلى الحزب الشيوعي البلجيكي.

في 15 فبراير 1947 أصدر جورج حنين ورمسيس يونان ما أطلقا عليه صفة كراس باسم «حصة الرمل». فيه أعلن سرياليو مصر أنهم سيشاركون في «المعرض الدولي للسوريالية» الذي اقيم في باريس عام 1947. وفي 4 أبريل، يعتذر بريتون في خطاب إلى جورج لأنه: «لم أضع صوراً في كتالوغ المعرض لأصدقائنا رمسيس يونان وفؤاد كامل وسمير رافع». رحل جورج وإقبال زوجته ورمسيس إلى باريس في نهاية أبريل 1947. وفي الشهر التالي شكل بريتون «سكرتارية دولية للسوريالية» سمّاها «كوز cause» من ثلاثة أعضاء كان منهم المصري جورج حنين. وأصدرت هذه السكرتارية بيان «قطع افتتاحي» لتحديد موقف السورياليين الفرنسيين من السياسة الحزبية. وكتب جورج السطور الأخيرة الملتهبة لهذا الإعلان. ومن ثم بدأت الخلافات تدبّ بين السورياليين في باريس، واتخذ فيها جورج حنين مواقف انتهت بانسحابه من الحركة السوريالية في خطابه إلى بريتون في 26 يوليو 1948.

في أبريل 1950 نشر جورج بنفسه الكراس الثاني من «حصة الرمل». كانت أيضاً بمثابة دار نشر لأنها أصدرت كتباً عدة منها «أغنيات» للسوريالي فيليب سوبو، و «المتنافر» و «الصورتان» لجورج حنين وغيرها. عام 1956 أصدر جورج مجموعته «العتبة الممنوعة».

ضاق جورج حنين بالمناخ العام بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952. لم يكن راضياً عما حدث بعد الثورة وبدأ في حالة نفي داخلي كما كتب ألكسندريان في كتابه عنه. ذات صباح وجد جورج على مكتبه في شركة السجائر عقيداً في الجيش. فبدأ يستعد للهجرة من مصر. ذهب أولاً إلى اليونان، وبعد إقامة قصيرة في المغرب استقر عام 1962 في روما وانضم إلى اسرة تحرير مجلة «جون أفريك» التي أصبح مديراً لتحريرها عام 1966 وانتقل معها إلى باريس. كتب عام 1967 مقدمة «أنطولوجيا الأدب العربي المعاصر». ثم شارك في «الموسوعة السياسية الصغيرة» التي صدرت عام 1969 تحت إشراف جون لا كوتير. وانتقل الى العمل في مجلة «أكسبريس».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاته

ليلة 18 يوليو 1973 أنهى جورج حنين صراعه مع مرض سرطان الرئة. ودفنته «بولا» في القاهرة منفّذة وصيته. فماذا فعل له أهل «كايرو» بعد موته؟ صدر كتاب في ذكراه الأولى أعدّه مجدي وهبة وشارك فيه 29 من أصدقاء جورج، ثم أُسدلت ستائر النسيان.


رأيه في جمال عبد الناصر

عندما اغلق المبدع( چورچ حنين) المذياع ولم يستطع اكمال خطاب ( عبد الناصر )!! كان حنين يستمع إلى خطاب عبد الناصر في الراديو، وبعد قليل أغلقه، فسألته (بولا) (إقبال العلايلي زوجته وحفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي) : لماذا؟! فأجَاب أنه كان في ميونِخ عام 1939، وسَمَع هتلر يخطب، فذكّره صوت عبد الناصر به.

وقف حنين أمام إعدام "شهدي عطية"، وكذلك حركة الإعدامات الأولى للإخوان المسلمين. وأصبح مناخ القاهرة يُضايقه، حيث أنه عانى من المنفى الداخلي قبل الخارجي. وذات صباح دَخل مكتبه في شركة جناكليس ليجد عقيداً يجلس مكانه، يُبلِغه أنه مطرود. يقول حنين "إننا ننحدر مع طلوع كل شمس أكثر فأكثر للجمود السلطوي للأمير ذي الأنف كعمود الإشارة". هكذا كان يُطلق على عبد الناصر، وقد غادَر جورج حنين مصر نهائياً عام 1960، حتى وفاته عام 1973 حيث أعادته زوجته ليُدفن بها.

انظر أيضاً

المصادر

  • سمير غريب (2014-12-30). "مئوية جورج حنين ... حياة واحدة لا تكفي". صحيفة الحياة اللبنانية.
  • من كتاب السريالية المصرية ( سمير الغريب )