تسيير ذاتي

التسيير الذاتي Auto Management هو إدارة المؤسسة،أو الشركة، أو الوحدة التنظيمية من قبل العاملين فيها. والتسيير أو الإدارة أو التدبير هو اتخاذ القرارات وإجراء عمليات التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة لمختلف أوجه نشاطات المشروع في الإنتاج والتسويق والتمويل والموارد البشرية. أما «الذاتي» فتشير إلى أن الإدارة تتم من داخل الوحدة التنظيمية من قبل العاملين فيها أنفسهم لا من خارجها سواء كانوا مالكين (حكومة)، أو إدارة ممتهنة. وهكذا فالتسيير الذاتي هو تعبير أطلق على الإدارة اليوغسلافية التي أرادت التميز عن الإدارة السوفييتية الشيوعية وعن الإدارة الغربية الرأسمالية لتعطي بعداً قومياً وحضارياً للتجربة اليوغسلافية والتي انتشرت فيما بعد بدرجات أقل في أقطار عديدة من العالم مثل بلغاريا والمجر والجزائر وتشيكوسلوفاكيا (سابقاً) وفرنسا وسوريا.[1]

وتتباين من الناحية العملية، تطبيقات التسيير الذاتي إذ يعده البعض فلسفة متميزة تستدعي ثورة ونظماً جديدة في السياسة والقانون والاقتصاد والاجتماع. في حين يرى فيه آخرون أسلوباً إدارياً يرتكز على أسس اللامركزية، والمشاركة، والديمقراطية، والعلاقات الإنسانية، والقرارات الجماعية. وعلى الرغم من وجاهة الأفكار والمبادئ التي ترتكز عليها تطبيقات التسيير الذاتي والضجة الإعلامية الهائلة التي صاحبته في يوغسلافية خاصة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، إلا أن نتائجه العملية لم تكن مجدية وفعالة وعلى مستوى الطموحات المتوقعة منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسباب النشأة

وجهت انتقادات عديدة للأسلوب السوفييتي في تطبيقاته للاشتراكية منها:عزل الطبقة العاملة عن الإدارة (كتلة فعالة من المديرين وكتلة أدوات منفذة من المرؤوسين)، ومنها وجود مركزية شديدة وبيروقراطية زائدة، وصلابة في التخطيط والتنهيج، وعدم مراعاة التباينات الفردية وعدم ملاءمة الحوافز والمصالح المادية لحاجات الفرد وعدم الاستفادة من المبادرات الفردية وإضعاف المصلحة الاقتصادية للمنتجين، وتضخيم أجهزة الرقابة والتفتيش، وما أدى إليه كل ذلك من إضعاف إنتاجية العمل. وكردة فعل على هذه السلبيات وغيرها حاولت التجربة اليوغسلافية إعطاء المرونة في التخطيط ليتلاءم مع حاجات الاستهلاك وحرية التبادل في الأسواق وتقوية الدوافع والمبادرات الفردية (مع الحرص على المحافظة على قيم ومبادئ الاشتراكية)، إضافة إلى رفض تام للمنهج الستاليني الذي شوه الغاية السامية للاشتراكية بالوسائل التطبيقية السلبية. لقد كان القادة اليوغسلاف متأثرين بالنظريات والأفكار الاشتراكية التي ظهرت في المرحلة الأولى لثورة لينين البلشفية عام 1917، وبالنتائج السلبية لتجربتهم الاشتراكية في سنواتها الأولى بعد الحرب العالمية الثانية. فكانت هذه التجربة تعبيراً عن رغبة العمال وشعورهم بضرورة التحرر من سيطرة الدولة الصارمة على الاقتصاد، وتدخلها بأشكال مقيدة ومعيقة لحرية العمل والمبادرة والإبداع. إضافة إلى رغبة بعض المفكرين اليوغسلاف بانتهاج طرائق وأساليب خاصة بهم مستقلة عن النهج السوفييتي الستاليني خاصة بعد أن تم فصل يوغسلافية من منظمة الكومنفورم التي ضمت البلدان الاشتراكية وسيطرت عليها دولة الاتحاد السوفييتي آنذاك.


الأساليب والمبادئ

انطوت النظرية الجديدة التي رافقت التسيير الذاتي على انتقال الملكية من الدولة إلى الشعب على أساس أن ملكية الدولة بحد ذاتها هي عائق في طريق التطور والنمو وشكل بدائي للملكية الاجتماعية. فالتأميم لا يحقق إلا القاعدة المادية الأساسية لتحويل علاقات الإنتاج إلى علاقات إنتاج جديدة صحيحة، وهو شكل بدائي للاستغلال، ويؤدي إلى احتكار طبقة من الإداريين لوظائف الإنتاج والتوزيع بدون شراكة عمالية حقيقية مما يقود إلى تحويل شكلي صوري للملكية وتحويل فائض القيمة إلى رأسمالية الدولة دون أن يحصل العمال على حقوقهم الكاملة. ويصبح بهذا الشكل من أهم خصائص النظرية اليوغسلافية للتسيير الذاتي نقل الملكية من الدولة إلى المجتمع ومنح العمال حق استثمارها وإدارتها على أسس ديمقراطية وإعطائهم جزءاً من الدخل الناتج يتناسب وجهودهم والقضاء على البيروقراطية والمركزية الشديدة. وكانت يوغسلافية قد بدأت بإقامة نظام يشابه الاتحاد السوفييتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة. ففي عام 1946 بدأت بإقامة مزارع جماعية ومزارع تابعة للدولة وأخرى تعاونية وتوزيع نحو50٪ من الأراضي على فقراء المزارعين، وتأميم مشاريع صناعية ومصارف وشركات تأمين وتجارة الجملة. وفي عام 1948 أممت تجارة التجزئة ومؤسسات السينما والصحة والفنادق والمطابع ولم يعد يحق لأي شخص استخدام أكثر من4-5 أشخاص مأجورين. وقد عهدت إدارة المشاريع المؤممة إلى مديرين تعينهم الدولة ممن تتوافر فيهم المؤهلات السياسية المطلوبة. ومن الناحية الواقعية كان الحزب هو الذي يسير ويدير هذه المشاريع. وعلى أثر ظهور السلبيات والمشكلات والقطيعة مع الاتحاد السوفييتي قام المسؤولون اليوغسلاف بتطبيق التسيير الذاتي بدءً من عام 1950 وتطبيق أول تجربة نموذجية للتسيير الذاتي العمالي بـ 52 منشأة، ليوضع بعدها قانون للتسيير الذاتي في شهر تموز من العام نفسه. وقد صدرت قوانين وأنظمة كثيرة بين عامي 1951 و1957 تضمنت إلغاء التخطيط المركزي واستبدال نظام تخطيط اجتماعي به يبدأ من القاعدة، الغرف الاقتصادية والاتحادات المهنية، مع توفير حرية ومرونة أكثر في التجارة والتسويق وتطبيق نظام التسيير الذاتي الاجتماعي في مؤسسات كالمدارس والفنادق والإذاعة ومنظمات المستهلكين وتنظيم لا مركزي لوزارات الدولة المركزية وذلك بنقل السلطات والصلاحيات المركزية إلى الجمهوريات والمحافظات والكومونات. وتجدر الإشارة إلى أن التسيير الذاتي الاجتماعي يختلف عن العمالي بسيطرة الدولة عليه واستخدام الاختصاصين والفننيين في مجالسه. ومن خلال هذه الإجراءات وبعد عدة سنوات أصبح للتسيير الذاتي أطره الدستورية والقانونية وترسخ عقيدة ثابتة فوصفه الرئيس «تيتو» أنه أعظم إجراء ديمقراطي شهدته البلاد. ووصفه آخرون أنه يحرر الطبقة العاملة لا من الرأسمالية فقط وإنما يجعلها مستقلة عن الجهاز الإداري للدولة، وأنه في مجالس العمال تكمن الأهمية التاريخية للطبقة العاملة.

ومن أهم سمات التسيير الذاتي ومبادئه ما يأتي:

ـ حق التجمعات العمالية بإدارة المنشآت الاقتصادية.

ـ حق المنشآت الاقتصادية المسيرة ذاتياً في الاستقلال والحرية في وضع البرامج والإجراءات الاقتصادية والتصرف بدخولها بعد تسديد التزاماتها وتوزيع الدخل الخاص بالعاملين بالطريقة التي تراها ملائمة، وتخصيص جزء من الموارد المادية لتأمين الحاجات الاجتماعية.

ـ حق المنشأة المسيرة ذاتياً استخدام العاملين وصرفهم من الخدمة.

ـ حق عمال المنشأة في انتخاب أجهزة الإدارة (التسيير) وإقالتها وحق الفرد في العمل.

ـ حق العمال بمن فيهم النساء بمبدأ كل حسب عمله.

مآخذ على نظرية التسيير الذاتي

تثير نظرية التسيير الذاتي والحقوق الممنوحة للعاملين تساؤلات وشكوكاً وانتقادات في تعارضها بعضها مع بعض ومع حقوق ومصالح المجتمع الكبير. فالملكية هي من حقوق المجتمع إلا أنها تستثمر وتدار من قبل العاملين، ونتائج العمل هي من حق المجتمع مثلما هي من حقوق العاملين، وليس من السهل تحديد حقوق وصلاحيات كل منهما فيما يخص الإدارة والإشراف وتوزيع الدخل. كما يبدو التعارض بين استقلالية المنشأة وحقها في التصرف والإدارة ذاتياً من قبل العاملين وبين حق التدخل والرقابة من قبل المجتمع ممثلاً بإدارته وهيئاته المختلفة. كذلك تثار تساؤلات حول كيفية التوفيق بين المبدأ القائل «لكل حسب عمله» أي نفس كمية الأجر لنفس كمية العمل، وبين دخول المنشآت المتفاوته. فمختلف المنشآت تتمتع بقدرات وإمكانيات متفاوتة ولا يمكن ضمان نفس الأجر والدخل لنفس كمية العمل، حيث الظروف والإمكانات الفنية والاقتصادية متباينة. وهكذا يصبح التنسيق بين مصالح المنشآت والمجتمع وكذلك بين مصالح العاملين في المنشآت المختلفة عملية أساسية تستدعي تدخل السلطات المركزية والنقابات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية حقوق مختلف الأطراف. وقد يعتقد بعضهم أنه يمكن الإجابة عن الكثير من هذه الإشكالات والتساؤلات بتطبيق أنظمة حكم قائمة على أسس لا مركزية، واستبدال أجهزة شعبية بالأجهزة والدوائر الحكومية، وتسليم قيادة المنشآت وأدائها واستثماراتها إلى أجهزة التسيير الذاتي، ووضع نظم ملائمة لتوزيع الدخول بين المنشآت والمجتمع من جهة وبين عمال المنشآت المختلفة من جهة أخرى. وهكذا قامت يوغسلافية بتقسيم الجمهوريات الست إلى 40 محافظة تضم 58 كومونة. والكومونة Commune هي الوحدة الأساسية للتنظيم الإداري اللا مركزي الجديد، تشكل وحدة جغرافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وتتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية، تستثمر الأدوات والقوى الإنتاجية المتوافرة في أراضيها، تضع خطط الإنتاج والتنمية وتحدد التوظيفات الخاصة بها ضمن إطار الخطة القومية، وتختار أفضل أساليب التنفيذ، وتنسق وتراقب العلاقات بين المنشآت التابعة والمالكة لها قانوناً، وتقرر تأسيس منشآت جديدة، وتدعم مالياً المنشآت القائمة، وتعين المديرين، وتحصّل على قسم من دخول المنشآت، وتمثل المجتمع وتشارك المنشآة في سلطاتها وأرباحها وخسائرها، وتهتم بشؤون الصحة والتعليم والسكن والنظام العام، وتحدد نسب وطرائق تحصيل الضرائب. ولكن على الرغم من هذه السلطات الواسعة للكومونه إلا أنها مقيدة وتخضع لمراقبة الهيئات والأجهزة الإدارية العليا في المحافظة والاتحاد. كما تتولى الأجهزة المركزية مسائل أمن الدولة في الكومونه وتحديد التزاماتها المالية للدولة وحاجتها للدعم المالي. وبهذا الشكل تصبح الكومونه هي ممثل المجتمع المحلي للمنشآت المسيرة ذاتياً والتي شكلت الخلايا الإنتاجية الأساسية للمجتمع اليوغسلافي الجديد.

الإدارة في المنشأة المسيرة ذاتياً

يمكن عدّ المنشأة التي تطبق التسيير الذاتي وحدة فنية إنتاجية واقتصادية تعود ملكيتها للمجتمع، تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية ويقوم بإدارتها واستثمارها مجموعة من العمال الذين يعملون فيها وفق أسس ديمقراطية وعلى مسؤوليتهم ويحصلون على قيمة عملهم بما يتناسب إلى حد بعيد مع النتائج الاقتصادية لمنشأتهم. وفي الواقع حين قرر اليوغسلاف الانتقال من مرحلة التأميم إلى مرحلة التسيير الذاتي مُنِح العمال حق إدارة واستثمار منشأتهم دون ملكيتها قانوناً. فالمنشأة ليست ملكاً لرأس المال أو الدولة أو العمال وإنما هي ملك للمجتمع ممثلاً بالكومونة ويتوجب لذلك على العاملين صيانة أدوات الإنتاج ودفع قيمة الاستهلاكات إلى الكومونه، وإذا ما تم بيعها تستخدم القيمة لشراء وسائل إنتاج جديدة. أما إذا ما تم تأجيرها تستخدم الأجرة لتقوية رأس مال المنشأة. ويلاحظ وجود انفصام وفصل بين الملكية التي تبقى اجتماعية والاستثمار الذي يصبح ذاتياً مستقلاً يمارسه العمال في إطار من المبادئ والقواعد الناظمة. وتتمتع المنشأة المسيرة ذاتياً بقسط وافر من الحرية تتجلى في حق عمالها باتخاذ القرارات ووضع الخطط للإنتاج والاستثمار وعلاقات العمل، وتحديد أسعار ما ينتجون واختيار طرائق التسويق الملائمة وتحديد نصيبهم الصافي من الدخل. فالمنشأة مسؤولة مالياً عن نتائج أعمالها ونشاطها وهي سيدة نفسها. ولكن لحرية المنشأة واستقلالها ضوابط وحدوداً. فقراراتها وإجراءاتها يجب أن تتماشى مع القوانين والأنظمة العامة. وهي تخضع في أعمالها وإجراءاتها إلى مراقبة وموافقة اللجنة الشعبية في الكومونة. كما أن عليها التقيد بالأنظمة المتعلقة بالأجور وتوزيع الدخول التي تقر بمعرفة وموافقة مجالس المنتجين. فلا تستطيع استثمار رؤوس الأموال التي تحتاجها دون أن تعلّل ذلك أمام السلطات المختصة وكفالة الكومونه. وهي لا تقدر على تغيير نوعية إنتاجها إلا ضمن القطاع الذي تعمل فيه. وفي حال وقوعها في عجز مالي ينظر في أمر مساعدتها، إلا أنه إذا استمر العجز وتكرر فإن الكومونه تقرر تصفية المنشأة وتتحمل إدارتها مسؤولية ذلك مع حرمان أعضاء الإدارة من إشغال مثل هذه المراكز مدداً طويلة أو قصيرة بما يتناسب مع مسؤولياتهم، دون أن يستفيد العمال من أي شيء إذا تمت تصفية المنشأة. وهكذا فإن المنشأة المسيّرة ذاتياً في يوغسلافية تعد بصورة عامة مستقلة لكنها تبقى أقل حرية واستقلالاً من منشأة خاصة تعمل في ظل نظام رأسمالي وتعد أكثر حرية واستقلالاً من منشأة سوفيتية تابعة للدولة ومرتبطة بها.

وتتكون عناصر الإدارة في المنشأة المسيرة ذاتياً من: 1ـ المجتمع العمالي، 2ـ مجلس العمال، 3ـ لجنة التسيير، 4ـ المدير. فالمجتمع العمالي يعد الهيئة العامة في الشركة المساهمة، يضم جميع العاملين في المنشأة وصاحب السلطة العليا وينتخب مجلس العمال الذي يعد مثل مجلس الإدارة في الشركة المساهمة. ويتكون مجلس العمال من 15ـ20 عضواً ثلاثة أرباعه من العمال المنتجين فعلاً وربعه من الفنيين والاختصاصين والمهندسين ويخضع لنظام دوري في العضوية بحيث يسمح لجميع العاملين بالمشاركة فيه ويسمي لجنة التسيير ويقيلها كلها أو بعض أعضائها ويتخذ قرارات المنشأة المهمة. وتتكون لجنة التسيير من 3ـ 11عضواً يسميهم مجلس العمال لمدة سنة واحدة وثلاثة أرباع أعضائها من العمال المنتجين وتختص بقضايا الإدارة الفنية والمالية ووضع الأساليب الكفيلة بتنفيذ الأهداف والخطط. أما المدير فإنه ينتخب من قبل اللجنة الشعبية في الكومونه ويقوم بتنفيذ الخطط حسب قرارات لجنة التسيير وتنفيذ القوانين والأنظمة. وفي الواقع العملي يتمتع المدير باستقلال نسبي كبير إذ بإمكانه استخدام حق النقض (الفيتو) على قرارات لجنة التسيير ومجلس العمال إذا خالفت القانون أو تعارضت مع الخطط أو أوامر وتعليمات الدولة. كما أن بإمكانه اتخاذ القرارات عوضاً عن لجنة التسيير في حال تقاعسها أو تأخرها في تأدية مهامها. وهو ينفذ القرارات الصادرة من إدارات الدولة إلى جانب قرارات لجنة التسيير إذ يمثل السلطة الحكومية في الوقت نفسه. وقد يرى البعض في سلطات المدير الواسعة ضمانة تحول دون التدابير الخاطئة غير المدروسة والمرتجلة لافتقار العاملين إلى الخبرة والدراية والكفاية.

تقويم التسيير الذاتي

نجمت مشكلات جمة عن تطبيقات التسيير الذاتي في يوغسلافية منها: الاختلاس والرشوة، وسوء الائتمان والغياب والتأخير في القدوم إلى العمل واللامبالاة وتحقيق المصالح الخاصة على حساب المصالح العامة واستغلال المراكز وتضارب الآراء والقناعات وفقدان الروح الجماعية قرارات المدير السلبية وترك الحبل له على الغارب وازدواجية السلطات والصلاحيات وغير ذلك.

ولعل من أسباب هذه المظاهر السلبية:

1ـ نقص وعي العمال وخبراتهم فأغلبهم من أصلٍ فلاحي تنقصهم الخبرة والمعرفة والجرأة والنظام وضرورة ممارسة سلوكيات غريبة عنهم.

2ـ السعي وراء الأهواء والمصالح الذاتية الأنية في اقتناء السيارات الفاخرة والشقق الجميلة والاستبداد في الرأي واستخدام السلطة دون الرجوع للمجالس العمالية والتدخل في الانتخابات العمالية.

3ـ تدخل الأجهزة السياسية والحكومية من قادة الحزب والنقابات بقصد الوصاية واتخاذ القرارات الخاطئة.

4ـ التعارض مع المبادئ الاشتراكية في الحرية والتنافس والاستغلال ودقة وصعوبة التوفيق بين مصالح العاملين المنتجين وبين جماهير المستهلكين والمجتمع، أو بكلام آخر بين حرية المنشأة اقتصادياً وبين عدم الاستغلال والجشع الشخصي.

5ـ تفاوت الأجور نتيجة انعكاسات قوى خارجة عن إرادة العاملين كاختلاف المنشآت في المواقع الجغرافية والظروف الاقتصادية والإمكانيات الفنية ونوعية السلع.

لقد بدا صعباً تطبيق مبدأ أجر واحد لعمل واحد، إذ كان العامل المتنفذ يحاول الانتقال باستمرار إلى المنشآت الأكثر ربحاً، مما أفقد العاملين الاستقرار والرضى وأشعرهم بالظلم والضيق والنقمة وضرورة تدخل الدولة لإنقاذهم. وقد لجأت الدولة فعلاً إلى تحديد أجورٍ واحدة لأعمالٍ متشابهة وفرضت الضرائب لامتصاص فائض الدخول وتقديم المساعدات للمنشآت الضعيفة، وضمان حد أدنى من الأجر وفرض الرسوم المختلفة، وكل ذلك على حساب مبادئ التسيير الذاتي وحرية المنشأة الاقتصادية في التصرف واتخاذ القرار.

ومن الناحية الأخرى كان لتجربة التسيير الذاتي نتائج إيجابية مهمة. فقد تم نقل السلطة من القمة إلى القاعدة واعتماد وتدعيم مبادئ الديمقراطية واللامركزية في الحكم والإدارة. كما حاولت التجربة تحرير العامل من الاستغلال الرأسمالي ووصاية أجهزة الحكومة البيروقراطية وتحقيق الحرية والديمقراطية الاقتصادية. فالعامل ينتخب ويناقش ويقرر. يراقب ويتحمل المسؤولية ويسهم في المناقشات وأعمال التخطيط ويحصل على دخل يتناسب وقدراته ويشعر أنه سيد نفسه وشريك منتج، يتمتع بقدرٍ رفيع من المسؤولية والسلطة، ويعمل في أجواء مريحة من المحبة والأخوة والتفاهم. كما كان للتجربة نتائجها الإيجابية في المجال الاقتصادي إذ أشارت بعض التقارير إلى سرعة نموٍ اقتصادي ارتفع فيه معدل دخل الفرد السنوي من 130 دولاراً قبل الحرب العالمية الثانية إلى نحو350 دولاراً عام 1960 وإلى 700 دولاراً عام 1965. كما بلغ معدل زيادة الدخل القومي السنوي 11٪ بين (1953-1960) واستطاعت يوغسلافية في15عاماً إقامة قاعدة صناعية مهمة بلغ نموها السنوي 13٪، كذلك انخفضت نسبة العمال الزراعيين من 70٪ قبل الحرب العالمية الثانية إلى 51٪ عام 1963، وبلغ نمو الإنتاج الزراعي السنوي 8٪. كما تشير إحدى الاستقصاءات إلى أن نسبة 75٪ من العمال كانوا راضين عن التسيير الذاتي وأنه وسيلة ناجعة لتحسين أحوالهم، وأنّ 25٪ منهم شعروا بالاستياء وعدم الرضى عنه. كما أبدى بعض زعماء السوفييت إعجابهم بتجربة التسيير الذاتي الرائدة في البناء العلمي للاشتراكية. وقد اختارت بعض الأقطار العربية مثل الجزائر وسورية أساليب عملية في التسيير الذاتي في تطبيقات عملية محدودة. واعتبرت التجربة أيضاً مرجعية مهمة استند إليها خلال البلبلات السياسية والاجتماعية التي طرأت ضمن كتلة الدول الاشتراكية في بولونية وهنغارية وتشكوسلوفاكية (سابقاً) في المدّة الأخيرة قبل سقوط الاتحاد السوفييتي والتجربة الشيوعية. وحتى في فرنسة اكتسبت فكرة التسيير الذاتي بعض القوة وذلك بعد أزمة عام 1968. ومن الناحية الأخرى تعرض التسيير الذاتي إلى الكثير من الهجوم والنقد، وخاصة من الصين الشعبية التي رأت فيه فكراً طوباوياً خيالياً وانحرافاً عن المسار الاشتراكي والمبادئ الماركسية واللينينية ووسيلة لإعادة الرأسمالية ثانية إلى البلاد.

ومهما كان من أمر التسيير الذاتي في سلبياته وإيجابياته فإنه حاول الجمع بين الديمقراطية والحرية الاقتصادية والحفاظ على المبادهات الفردية الخلاقة وبين تحقيق العدالة الاجتماعية في إلغاء الاستغلال. لقد حاول رسم لوحة جميلة جديدة لإدارة البلاد والمشاريع، فيها من ألوان الاقتصاد الحر وألوان رأسمالية الدولة بقدر ما فيها من ألوان الاشتراكية.


المصادر

  1. ^ محمد عدنان النجار. "التسيير الذاتي". الموسوعة العربية. Retrieved 2011-12-14.