تاريخ التعمية

استخدم التشفير منذ أقدم العصور في المراسلات الحربية بين و كذلك في الدبلوماسية و التجسس في شكليهما المبكرين. يعتبر العلماء المسلمون و العرب أول من اكتشف طرق استخراج المعمَّى وكتبها وتدوينها[1][2]. تقدمهم في علم الرياضيات أعطاهم الأدوات المساعدة الأزمة لتقدم علم التعمية، من اشهرهم يعقوب بن إسحاق الكندي صاحب كتاب علم استخراج المعمَّى و ابن وَحشِيَّة النبطي صاحب كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام ، المؤلف الذي كشف اللثام عن رموز الهيروغليفية قبل عشرة قرون من كشف شامبليون لها.[3]

الصفحة الاولى من كتاب الكندي تتضمن وصفا للتحليل الشفرات والتحليل المتكرر

من أمثلة استخدام التعمية قديما هو ما ينسب إلى يوليوس قيصر من استعمال ما صار يعرف الآن بخوارزمية ROT13 لتعمية الرسائل المكتوبة باللاتينية التي يتبادلها مع قواده العسكريين، و هو أسلوب تعمية يُستبدل فيه كل حرف بالحرف الذي يليه بثلاثة عشر موقعا في ترتيب الأبجدية اللاتينية، مع افتراض أن آخر حرف في الأبجدية يسبق الأول في حلقة متصلة.

تعد الكتابة في بداياتها نوعاً من التعمية، إذ لم تكن ثمة حاجة للتعمية حين كان من يعرفون القراءة والكتابة قلة. ومن ثمّ فقد وجدت التعمية بعيد انتشار الكتابة والتعلم وتطورت في الحضارات القديمة، ولاسيما مصر وبلاد الرافدين والهند والصين، كل على حدة. غير أن العرب هم أول من طور التعمية إلى علم له قواعد. ولم يقتصر جهدهم على وضع جداول بمنظومات الكتابة السرية المختلفة، وإنما تجاوزوه إلى حل النصوص المعماة واستخراجها استناداً إلى تواتر الحروف واقترانها. ومما يؤسف له أن كثيراً من دراساتهم في هذا المجال فُقدت.

يقول الباحث الأمريكي ديفيد كهن D.Kahn، كبير مؤرخي هذا العلم في العصر الحاضر، في كتابه «مفكِّكو الرموز» The Code Breakers مستعرضاً كل الحضارات حتى القرن السابع الميلادي: «... لم نعثر في أي من الكتابات التي نَقَّبنا عنها على أي أثر واضح لعلم استخراج المُعَمَّى، وما عدا بعض الحالات المنفردة عرضاً مثل: الإيرلنديون الأربعة، أو سفر دانيال، أو مصريون يمكن أن يكونوا قد استخرجوا بعض الكتابات الهيروغليفية من المقابر، فإنه لا يوجد شيء من علم استخراج المُعَمَّى. ومن ثم فإن علم التعمية الذي يشمل التعمية واستخراج المُعَمَّى لم يولد حتى هذا التاريخ (القرن السابع الميلادي) في جميع الحضارات التي استعرضناها ومنها الحضارة الغربية. لقد ولد علم التعمية بشقيه بين العرب، فهم أول من اكتشف طرائق استخراج المُعَمَّى وكتبها ودونها. إن هذه الأمة التي خرجت من الجزيرة العربية في القرن السابع (الميلادي)، وانتشرت فوق مساحات شاسعة من العالم المعروف، أخرجت بسرعة، واحدة من أرقى الحضارات التي عرفها التاريخ حتى ذلك الوقت. لقد ازدهر العلم، وصار الطب والرياضيات أفضل ما في العالم، ومن الرياضيات جاءت كلمة التعمية (الشيفرة) في اللغات اللاتينية عامة. وازدهر الفن التطبيقي، وتطورت علوم الإدارة. ولأن ديانة هذه الحضارة حرَّمت الرسم والنحت فقد حضَّت بالمقابل على التعمق في تفسير القرآن، ممّا أدى إلى أن تَنْصب الطاقات الخلاَّقة الكثيرة على متابعة الدراسات اللغوية، مثل كتاباتهم الأدبية في «ألف ليلة وليلة» وفي الألغاز والأحاجي والرموز والتوريات والجناس، وأمثالها من الرياضيات الذهنية اللغوية. وصار النحو علماً أساسياً، وأدى كل ذلك إلى الكتابة السرية (علوم التعمية)».

أخذ علم التعمية يحتل مكانته في الحضارة العربية، ابتداء بالخليل بن أحمد الفراهيدي (100-170هـ)، فأرسيت قواعده، وحللت المبادئ والطرق المستعملة فيه، واستقرت مناهجه. واستمرت الدراسات المختلفة مواكبة لحركة الترجمة الكبرى إلى العربية و قيام الدواوين وتميز صنعة الكاتب والإدارة، وتوجت تلك الجهود بما أودعه يعقوب بن إسحاق الكندي (ت نحو 260هـ) في مؤلفه «رسالة في استخراج المُعَمَّى» من استقصاء لقواعد هذا العلم قبس منها جميع من جاء بعده، ثم دبّ في هذا المجال شيء من الخمود لضياع أسماء الأعلام والمصنفات، إلى أن ازدهر ثانية في القرنين السابع والثامن الهجريين متأثراً بدواع حضارية وعسكرية وسياسية عقب حملات الصليبيين وهجمات المغول، ويثبت ذلك كثرة المصنفات في التعمية واستخراج المُعَمَّى على أيدي كثيرين وفيهم ابن الدنينير (583-627هـ) وابن عدلان (583-666هـ) وابن الدريهم (712-762هـ) والقلقشندي (756-821هـ) وغيرهم، ثم خفتت ثانية لتظهر في الغـرب بترجمات أو اقتباسات من تركة العرب مع زيـادة وتطوير في نهايـة القرن الخامـس عشر والقرن السادس عشـر على أيـدي: ليون باتيستا ألبرتي L.B.Alberti، ويوهانس تريتميوس J.Trithemius. وجيوفاني بيلاسو G.B.Belaso وبليز دي فيجنير B.Vigenere.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التعمية عند العرب

عرف هذا العلم عند العرب بعلم التعمية Encipher، وعرف باللاتينية Cryptographia، وبالإنجليزية Cryptography. هو علم إخفاء البيانات، وقد استعمل العربُ هذا المصطلح كناية عن عملية تحويل نص واضح إلى نص غير مفهوم باستعمال طريقة محددة يستطيع فقط من يعرفها أن يفهم النص.

وقد شاع في هذه الأيام استخدام لفظ "التشفير" بدلاً من كلمة "التعمية"، وهو لفظ استخرج من الأصل اللاتيني Cipher وجاء من كلمة "الصفر" التي استعملها العرب في الحساب. وقد استخدم بعض العلماء العرب كلمة الترجمة للدلالة على التعمية بمعنى ترجمة النصوص المعماة "المشفرة" إلى لغة مفهومة باستخدام مفاتيح محددة يعلمهما المترجم أو الذي يقوم باستخراج المعمى.

أما فك الشفرة أو الترجمة أو استخراج المعمي Decipher فتعني في لغة العرب "حل المعمى" أو "استخراجه" وقد شاع استخدام مصطلحات مثل حل المعمى أو فكه أو حل المترجم، ككناية عن عملية تحول النص المعمى إلى نص واضح لشخص أو جهة لا تعرف مسبقاً طريقة التعمية المستعملة.

كشف المؤرخ الأمريكي ديڤد كان الذي يعتبر كبير مؤرخي هذا العلم والأب الروحي له النقاب عن عربية علم التعمية في كتابه The Code-Breakers "مستخرجو الرموز". فقال: "ولد علم التعمية بشقّيه بين العرب، فقد كانوا أول من اكتشفوا طرق استخراج المعمّى وكتبوها ودوّنوها". وقال في كتابه الذي صدر عام 1983 إن العرب كانوا أول من اكتشف مبادئ استخراج المعمى، ولكن معلوماتهم تقلصت مع أفول حضارتهم، وأن ابن الدريهم المتوفى في القرن الرابع عشر الميلادي "الثامن الهجري" هو أول من كتب مخطوطة في علم "التعمية" بعنوان "مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز"، وبذلك يكون ابن الدريهم من وجهة نظر "كان" قد سبق المهندس المعماري الإيطالي ليون باتيستا ألبيرتي المتوفى عام 1472 ميلادياً، والذي ينسب إليه علم التعمية أو التشفير بمائة عام في استخدام هذا العلم ووضع قواعد له وتدوينه في كتاب.

ويقول ان في كتابه "مستخرجو الرموز" أنه اطلع على كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي المتوفى سنة 821 هجرياً، ورآه قد أفرد مقالة كاملة لفن "الكتابة السرية" وذكر فيه أن أول من كتب في هذا العلم هو ابن الدريهم في مخطوطة سماها "مفتاح الكنوز في إيضاح الرموز"، ومن هنا كشف النقاب عن عربية هذا العلم دون الاطلاع على مخطوطة ابن الدريهم مكتفياً بما ذكره القلقشندي الذي اطلع بالطبع على النسخة الأصلية للمخطوطة التي تحدث عنها.


أشهر علماء التعمية عند العرب

يقول الدكتور محمد حسان الطيان، الأستاذ بجامعة الكويت، إن ابن الدريهم لم يكن الأول من أرباب علم "التعمية" الذين كتبوا فيه كما ظن ديفيد كان، إذ اكتشفوا في رحلة البحث عن المخطوطة التي ذكرها القلقشندي في كتابه على مخطوطة أخرى بعنوان "رسالة الكندي في استخراج المعمى" لصاحبها يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب المشهور المتوفى في القرن الثالث للهجرة (260هـ). وأعادت هذه الرسالة تاريخ علم "التعمية" إلى خمسة قرون قبل بن الدريهم، الذي عاش في القرن الثامن الهجري.

في كتابه "علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب: دراسة وتحقيق لرسائل الكندي وابن عدلان وابن الدريهم"، يوضح الدكتور محمد مراياتي أن من أشهر أعلام هذا العلم الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 170هـ، وفقاً لما نسب له الزبيدي في طبقات النحويين واللغويين ونقله عنه بن نباته في كتابه "سرح العيون في شرح رسالة بن زيدون"، أنه أول من وضع علم المعمى ووضع قواعد لكتابته وفكه.

يليه جابر بن حيان الكيميائي المعروف المتوفى سنة 200هـ، فله كتاب بعنوان "حل الرموز ومفاتيح الكنوز" ذكره ابن وحشية في كتابه "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام"، ويأتي بعده ثوبان بن إبراهيم المعروف بذي النون المصري المتوفى سنة 245 هـ وله كتاب بعنوان "حل الرموز وبرء الأسقام في أصول اللغات والأقلام".

بعده يأتي سهل بن محمد بن عثمان السجستاني المتوفى سنة 248هـ، ويعقوب بن إسحاق الكندي المتوفى سنة 260هـ، فله رسالة مخطوطة بعنوان "استخراج المعمى"، وأحمد بن علي بن وحشية المتوفى بعد 291هـ في كتابه "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام"، ومحمد بن أحمد بن كيسان المتوفى في القرن الثالث الهجري، وداود بن الهيثم بن إسحاق التنوخي المتوفى سنة 316هـ والذي ذكره ياقوت الحمو


التعمية في العصور الكلاسيكية

 
A Scytale, an early device for encryption.

التعمية في العصور الوسطى

التعمية من 1800 حتى الحرب العالمية الأولى

نشط العمل بهذا العلم قبيل الحرب العالمية الأولى واستمر إلى اليوم مطرد الأهمية، متقدم الوسائل، بعيد الأثر في حياة الناس والدول. وتوصل الأمريكي گيلبرت فيرنام G.Vernam عام 1917 إلى طريقة «سجل المرة الواحدة» one time pad وهي المنظومة الوحيدة التي أمكن البرهان على أنها لا تستخرج، وتوالت مؤخراً اكتشافات طرق التعمية ذات المفتاح المعلن public key مثل RSA عام 1978، وطريقة «جعبة الظهر» عام 1978 أيضاً، كما تمَّ اعتماد المعيار العالمي لتعمية المعطيات عام 1977Data Encryption Standard (DES) وصار شائع الاستعمال لتصنيعه في دارة إلكترونية متكاملة، ثم أتت فكرة التعمية الكمومية في أوائل الثمانينات لتقدم نظاماً جديداً للتعمية، لا يمكن خرقه من حيث المبدأ.

التعمية في الحرب العالمية الأولى

 
The Enigma machine was widely used by Nazi Germany; its cryptanalysis by the Allies provided vital Ultra intelligence.


 
SIGABA is described in U.S. Patent 6٬175٬625 , filed in 1944 but not issued until 2001.


التعمية الحديثة

شانون

تشفير قياسي

مفتاح عام

سياسة التعمية

تحليل التعمية الحديث

 
Modern cryptanalysts sometimes harness large numbers of integrated circuits. This board is part of the EFF DES cracker, which contained over 1800 custom chips and could brute force a DES key in a matter of days.


انظر أيضا


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ كتاب THE CODEBREAKERS ل David Kahn صفحة 93
  2. ^ كتاب Kahn on Codes ل صفحة 41 David Kahn
  3. ^ علم التعمية و استخراج المعمى عند العرب
  • David Kahn, The Codebreakers, New York, Macmillan, 1967.
  • Steven Levy, Crypto: How the Code Rebels Beat the Government—Saving Privacy in the Digital Age, New York, Viking Press, 2001.

وصلات خارجية