إسماعيل الفاروقي

ولد الدكتور إسماعيل الفاروقي في يافا في فلسطين ، في يناير 1921م لأسرة فلسطينية ثرية، وحصل على تعليم أولي بمسجد الحي ، كما تعلم في المنزل على يدي والده الذي كان قاضيا ومتمرسا بالعلوم الشرعية.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة الفرير الدومنيكان الفرنسية (سان جوزيف) عام 1926م ، وحصل على الشهادة الثانوية من نفس المدرسة (سان جوزيف) عام 1936م . التحق "بكلية الآداب والعلوم" بالجامعة الأمريكية ببيروت ، وحصل منها على درجة البكالوريوس في "الفلسفة" عام 1941م .

التحق بعد التخرج بالأعمال الحكومية (تحت الإنتداب البريطاني) فعين عام 1942 مشرفا على قطاع الجمعيات التعاونية في مدينة القدس ، ثم عين في عام 1945م محافظاً لمنطقة الجليل في حكومة فلسطين.

مع نكبة الاحتلال عام 1948 التحق بالمقاومة ، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي خريف 1948 بدأ مباشرة بالدراسة بجامعة إنديانا ، حيث حصل على درجة الماجستير متخصصاً في "الفلسفة" أيضاً في عام 1949.

في عام 1951م حصل على درجة ماجستير ثانية من جامعة هارفارد ( في الفلسفة أيضاً).

في سبتمبر 1952م حصل على درجة الدكتوراه "في الفلسفة" أيضا من جامعة إنديانا ، وكان موضوع رسالته عن نظرية الخير : الجوانب الميتافيزيقية والإبستمولوجية للقيم .

استشعر النقص الشديد في معرفته بالعلوم الشرعية رغم التمرس الكبير في كل ما يتصل بالفلسفة الغربية والمدارس الفكرية الغربية ، فانتقل إلى مصر للحصول على دراسات "ما-بعد-الدكتوراه" Post-Doctoral Studies في الأزهر الشريف لمدة أربعة سنوات 1954-1958 حيث قام بدراسة العلوم الشرعية بطريقة مكثفة ، كما لو كان على حد تعبيره سيحصل على درجة ثانية للدكتوراه في العلوم الشرعية .

بعد عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 1958 دُعي للتدريس والبحث في معهد الدراسات الإسلامية في جامعة ماكجيل في مونتريال بكندا (وتزامل هناك مع فضل الرحمن الذي يختلف عنه كثيرا في التوجه الفكري العام)

بناءً على توصية من المستشرق المعروف ويلفريد كانتويل سميث مدير المعهد فقد حصل الدكتور الفاروقي على منحة الزمالة المقدمة من مؤسسة روكفلر لينضم إلى " كلية اللاهوت Divinity School " في جامعة ماكجيل كباحث مشارك للقيام ببحوث عن النصرانية اليهودية .

ونشرت نتائج بحوثه المتعمقة في دراسته النقدية المعروفة بالأخلاق المسيحية Christian Ethics، وكان لها صدىً كبير لما تميز به عمله من عمق وأصالة ونفاذ بصيرة، مع قوة التوثيق لكل ما تبناه من آراء نقدية .

دُعيَ في أكتوبر عام 1961م ( مع فضل الرحمن الباكستاني الأصل) لإنشاء معهد البحوث الإسلامية في كراتشي - باكستان ، وعُيِّن فضل الرحمن مديراً للمعهد ، وتقدم الفاروقي بعدد من المقترحات التي لم تجد طريقها للتنفيذ نتيجة للاختلافات الجذرية في مناهج الإصلاح الفكري بين الفاروقي الذي ينطلق في أطره التصورية من داخل الإسلام، وفضل الرحمن الذي ينطلق من منطلقات عقلانية متطرفة خارج إجماع الأمة تابع فيها تصورات الفكر الاستشراقي .

وأخيراً قام الفاروقي بإعداد خطة دراسية مبتكرة تتضمن دمجاً بين مجموعة من المقررات الشرعية ومقررات العلوم الاجتماعية على الوجه الذي تبلور فيما بعد في فكرة أسلمة المعرفة وأرفق معها استقالته حسماً للأمر إذ لم تؤخذ الأمور بالجدية الواجبة، وقد استقال د. الفاروقي بالفعل في أغسطس 1963م ، ويلاحظ أن فضل الرحمن قد تم طرده من باكستان فيما بعد نتيجة لآرائه الشاذة في فهم القرآن الكريم وتفسيره بما يوافق الفكر الاستشراقي المعادي للإسلام.

وفي سبتمبر 1963م التحق الفاروقي بجامعة شيكاغو للتدريس بكلية الإلهيات لمدة عام، حيث قام بتدريس تاريخ الأديان .

وعين "أستاذاً مشاركاً" للإسلاميات وتاريخ الأديان بقسم الأديان بجامعة سيراكيوز في المدة من 1964- 1968م .

عُيِّن " أستاذا " بقسم الديانات بجامعة تمبل في سبتمبر 1968 ، واستمر بها حتى استشهاده في 1986م.

من الناحية الفكرية فقد تبنى الفاروقي مفهوم العروبة Arabism (بمعناها الأخلاقي الرسالي) التي تمثل عنده رؤية متميزة للوجود ومنطقا و إطارا للمعرفة والأخلاق والقيم ، ولكنه حرص على أن يبين أنه لا يقصد بها "القومية العربية" لأنه كان يدرك أن القومية مفهوم غربي لا يؤدي إلا إلى التجزئة والتقسيم ، أما مفهوم العروبة فله وجوده وتميزه واستمراره التاريخي الذي تجسد في النهاية في دين الإسلام ، وقد أعجب بعض الوقت بأفكار جمال عبد الناصر التي ظنها تسير في خط مفهوم العروبة إلا أنه منذ بداية الستينات لم يعد يذكره إلا قليلا حتى جاءت هزيمة أكتوبر 1967 فتحول فكريا إلى مفهوم الإسلام بدلا من العروبة.

التقى الفاروقي في عام 1968م (وكان في ذلك الوقت "أستاذا") لأول مرة ببعض الشباب الذين يدرسون في مرحلة الدكتوراه من نشطاء اتحاد الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة وكندا ، وكان من بينهم الدكتور عبد الحميد أبو سليمان (الذي انتهى من الحصول على درجة الدكتوراه في عام 1973) والذين نشأت بينهم علاقة عمل والتقاء فكر وتعاون قوية استمرت فيما بعد حتى وقت استشهاده في 1986.

ثم أنشأ مع مجموعة من قدامى أعضاء اتحاد الطلاب المسلمين جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين وتولى رئاسة الجمعية في الفترة من 1972 إلى 1978م ، و يُذكر له أنه قد نادى في خطابه الرئاسي الأول عام 1972م بقوة ووضوح بضرورة إعادة النظر في العلوم الاجتماعية في ضوء التصور الإسلامي فيما يمكن اعتباره أول إشارة منهجية محددة في اتجاه التكامل بين المصادر الشرعية والعلوم الحديثة بعد نقد تلك العلوم نقدا صارما في ضوء التصور الإسلامي.

وأسهم مع آخرين في الإعداد للمؤتمر الدولي الأول للتربية الإسلامية في مكة المكرمة ، في مارس 1977م حيث قدم بحثاً عنوانه تحديدا "إعادة صياغة العلوم الاجتماعية في ضوء الإسلام" .

وكذلك الإعداد لندوة لوجانو ( سويسرا ) في يوليو 1977 التي دعت إلى إنشاء مؤسسة عالمية تتولى تنسيق الجهود لتحقيق الإصلاح الفكري المنشود والذي تجسد فيما بعد في إنشاء المعهد العالمي للفكر الإسلامي .

أسهم الفاروقي بدور بارز في إنشاء المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم تسجيل المعهد تسجيلاً رمزيًّا على عنوان سكن د.الفاروقي سنة 1981م ولم يبدأ المعهد ممارسة أنشطته فعليا إلا في 1982 م ، ثم تولى الفاروقي رئاسة المعهد أو إداراته في فترات متعاقبة بالتناوب مع الدكتور عبد الحميد أبو سليمان.

انطلق المعهد العالمي للفكر الإسلامي بقوة في مشروع الصياغة الإسلامية للعلوم ، فعقد بالتعاون مع الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد مؤتمرًا عام 1982م عن إسلامية المعرفة ، قدم خلالها د.الفاروقي ورقة بالانجليزية عنوانها Islamization of Knowledge: General Principles and Workplan أصبحت هي خطة عمل المعهد بعد ذلك ، والتي أصبحت بمثابة الدستور الفكري لحركة أسلمة المعرفة في جميع أرجاء العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت ، وقد نشرت مجلة المسلم المعاصر ملخصا لها بالعربية بعنوان "أسلمة المعرفة" كما نشرت دار البحوث العلمية ترجمة عربية كاملة في كتاب بذات العنوان.

استشهد هو وزوجته في 27مايو 1986م الموافق 18 رمضان 1406هـ في بيتهما في الولايات المتحدة الأمريكية في ظروف شديدة الغموض ، حيث ثبت أن الاغتيال لم يكن أبدا بدافع السرقة. 


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المراجع

  • Shafiq, Muhammad (1994) Growth of Islamic Thought in North America : Focus on Ismail Raji al Faruqi (Brentwood, Maryland : Amana Publications).
  • Stenberg, Leif (1996) The Islamization of Science (Lund University).