أتاتورك والعرب

لعبت نشأة مصطفى كمال أتاتورك والفصل العرقي بين العرب والأتراك وتاريخ الحرب العالمية الأولى دوراً كاملاً في صياغة موقف الجمهورية التركية من العرب عبر الحرص على امتلاك أراضي ربما تكون عربية بسكانها دون النظر لحقوق تلك البلاد والعلاقات الدبلوماسية الكاملة دون الانخراط في مشكلات الشرق والانفصال الثقافي عن الشرق بإعتباره أرض ميتة والارتباط بالحداثة الاوروپية والعلوم الغربية، لم يكن الأمر له أسباب دينية أو غيرها كما يردد لكن وليد تراكمات عبر قرون من الصراع العربي-الأعجمي إن جاز التعبير ترجم لاحقاً لقوميات متعددة واحدة بتركيا تنظر للغرب وأخرى ببلاد العرب تنظر للماضي.[1]

أتاتورك وفيصل الأول، ملك العراق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أتاتورك والعرب قبل الجيش

نشأ كمال أتاتورك في سالونيك بالدولة العثمانية (اليونان الآن) في حي الأتراك المسلمين بالمدينة المقسمة بين يهود يشكلون نصفها ومسلمين ومسيحيين يشكلون النصف الآخر، وجد بينهم يونانيين وأرمن وكل الأعراق إلا العرب فلم يكونوا هناك، نشأة كمال أتاتورك لم تعطه فكرة أو تصور عن العرب إلا مما درس عن ظهور الإسلام في صباه فقط لبضعة شهور فالحاجز الأول بينه وبين العرب كمن في طبيعة الدولة التركية الامبراطورية التي اعتربت العرب عرق خاضع لها كالأرمن واليونانيين والكرد بغض النظر عن وحدة الدين في الغالبية فالعرب مجموعة متمردة أخضعها الأتراك منذ عقود وقليلا ما خالطوهم في أراضي تركيا أو اوروپا، نشاة كمال أتاتوك حذفت منه الرؤية العربية تماماً فلا يعرف منها إلا الأبجدية العربية الفارسية التي يكتب بها فقط وقليل من القرآن والدراسة التاريخية، كون هذا الأمر حاجز بين معرفة أتاتورك قبل دخوله المدرسة العسكرية وهو بعد صبي وأي شيء عن العرب أو التعامل مع عربي ما كما عامل غيره من اليهود والرهبان الفرنسيين وغيرهم.


أتاتورك والعرب في الشام

كانت أولى خطوات تعارف أتاتورك والعرب سلبية إذ تعرض للنفي من تركيا للشام كعقاب على تورطه في عمل سياسي مناهض للسلطان المستبد عبد الحميد الثاني، كانت الشام أسوأ تجربة للتعرف على العرب يمكن تخيلها فأتاتورك ضابط صغير يذهب لبلاد فقيرة مليئة بالفساد من الطرفين العربي والضباط، سوء الأحوال وتفشي الأمراض والفساد المالي والجهل كانا أول صورة كونها أتاتورك عن العرب وفاقم الأمر ان وجد نفسه منخرط في عمليات (مقاومة) ضد ثورة الدروز ليجد الجيش العثماني الفاسد ماليا يحرق ممتلكات الدروز وقراهم وينهب من ممتلكاتهم، التعارف الأول بين أتاتورك والعرب كان أكثر من سلبي فوجه إستانبول المشرق وذكريات سالونيك البهيجة لم تكن في محل مقارنة مع جحيم الشام عام 1906 حينما ذهب هناك فبداية التواصل مع العرب أكدت الصورة المسبقة الحقيقية عن كونها بلاد مضطربة تتميز بالجهل والفقر والفساد الإداري.

أتاتورك والعرب في ليبيا

عاد أتاتورك لاحقاً للشام وتكرر الأمر مثبتاً الواقع لديه لكن الموقف الثاني كان كارثياً، مع الغزو الإيطالي لليبيا 1911 تطوع عدد من الضباط الأتراك (للجهاد) هناك إعتبارها جزء من الخلافة، حين ذهب أتاتورك لليبيا كان غاضباً ففي رأيه ليبيا لا قيمة لها وبعيدة بينما الخطر الحقيقي على الأرض العثمانية الغالية باوروپا المهددة ومنها سالونيك نفسها، عندما ذهب لم يجد وسيلة مواصلات لليبيا بحرياً لعدم وجود أسطول عثماني حقيقي واقتصاره على طراد واحد فقط يسمى الحميدية، عبر الطريق البري مر بمصر وفوجئ بأن إنگلترا تعلن مصر محايدة فتضاعف الغضب فبلد من الخلافة يعلن نفسه محايد ويمنع مرور ضباط الخلافة لبلد آخر تابع للخلافة محتل، وصل إلى ليبيا بمعجزة ليفاجأ بواقع مزري فليبيا مشتتة القوة بين قبائل تتربح من الحرب وترتزق منها لا تحب الأتراك ولا تعرف شيء عن العسكرة، وجد ليبيا محل عرض أكثر من كونها محل صدام ومع هذا أدى دوره بكفاءة بالذات في معركة درنة التي قادها وانتصر بها ومعركة طبرق حيث أصيب ليعرف لاحقاً بالخبر الكارثي بإعلان تحالف البلقان الحرب والسيطرة على كامل ممتلكات الدولة العثمانية باوروپا وعلى رأسها سالونيك، كانت ليبيا ثاني محل للتشابك العربي مع أتاتورك وكانت بشعة ممتلئة بالمتاعب منعدمة الفائدة والمظهر القبائلي الفاسد مالياً والضياع العسكري فلم تكن مصر وليبيا أفضل من الشام لديه وتسببت ليبيا في رأيه في ضياع الأراضي الاوروپية الهامة للعثمانيين.

أتاتورك والعرب في الحرب الكبرى

عملياً كانت الحرب العالمية الأولى أفضل سجل عسكري لأتاتورك بين الدردنيل والقوقاز لكن حينما نتكلم عن المناطق العربية فهي كالمعتاد كارثة، مع توليه قيادة الجيش السابع المنشأ حديثاً عام 1917 استمر شهرين ثم غادر غاضباً لخلافات مع القيادة بالفيلق الألماني النمساوي بخلاف مشكلاته مع أنور بك وزير الحربية التركي، عاد اتاتورك من جديد للمنطقة عام 1918 قائداً لجيش تركي إفتراضي على الورق فقط هو نفسه الجيش السابع في نهايات الحرب مع وضوح الهزيمة ليكون دوره عملياً تحمل مسئوليتها فقط، كان العرب هنا متحالفين مع الإنگليز علناً ويقاتلون الأتراك معهم بل بضراوة أشد ونضرب مثال بقتلى الأتراك في الأردن حالياص والشام لدرجة كون العرب هم من دخل دمشق ثم دخلها الإنگليز فكان العربي بسلاح إنگليزي قاتل للجيش التركي العثماني من العقبة إلى دمشق إلى حلب وحتى جنوب تركيا مما صنع صورة قذرة للعربي في ذهن أتاتورك وضباط الجيش، جاءت الهزيمة وانسحاب كل جيوش الدولة من الشام لتكون آخر ما يراه أتاتورك من العرب قوات تركية تفر من الموت الإنگليزي بالجو والعربي بالأرض لدرجة محاولة أنصار القوة العربية قتل أتاتورك بحلب أثناء الانسحاب ونجاته بمعجزة، مثل العرب بالحرب له نقطة سوداء بملفه وكارثة على الدولة سياسياً وعسكرياً وصنعت معه ومع غيره صورة للعربي كخائن قذر يكره الأتراك ولم تتغير هذه الصورة أبدً في ذهنه لتستمر ملامح العربي من سئ لأسوأ..

أتاتورك الرئيس والعرب

مع تولي أتاتورك الرئاسة رسم خط العلاقات مع العرب فتركيا بلد سلمي ولا يقاطع أحد بل يحرص على العلاقات السلمية الودية مع الجيران والعالم بخلاف أنه لن يتواصل معه ثقافياً ولن ينخرط بمشكلاتهم أو أن يعتبر نفسه وصي على أحد فبخلاف كونهم خانوا الأتراك فهم لا يرحبون بالمرة بأي نفوذ تركي ببلادهم العربية، كانت مشكلات أتاتورك كرئيس مع العرب هي الحدود الجنوبية بالإسكندرونة مع سوريا والموصل بالعراق وخلاف هذا لم يوجد فنجح جزئياً في ضم الاسكندرونة بينما كلفه تمرد سعيد بيران الموصل لتبقى ضمن مملكة العراق، كان أتاتورك سريع الموافقة على العلاقات العربية فأقام منذ 1926 صلات مع آل سعود رسمياً قبل حتى إشهار المملكة بالثلاثينيات وعقد علاقات دبلوماسية مع الأردن والعراق الهاشميين، لم تكن سياسة أتاتورك العداء للعرب بل تجنب التورط معهم والعلاقات الودية ضمن سياسة سلام بالعالم وسلام بالوطن، يمكننا القول أنه حتى نجح في عدم الخلط بين الشخصي والوطني حين اتقبل ملكي الأردن والعراق اللذان كانا أعداء بلده بالحرب الكبرى وحرص أحدهما (فيصل) على محاولة قتله بحلب، كرئيس جنب أتاتورك تركيا التورط بمشكلات مع العرب والخوض بسياساتهم لكن حرص على العلاقات الرسمية والتجارية معهم، تميزت سياسة أتاتورك مع العرب بإعلاء المصلحة التركية فقط بغض النظر عن الضرر للجانب العربي وتجنب أي صدام مسلح معهم والاكتفاء بالتفاوض عمليا مع فرنسا بالشام في أضيق الحدود مع العرب، بمكننا القول ان العرب لم يكونوا على قائمة اهتمامات أتاتورك لكنهم أيضاً لم يكونوا محل عداء منه كرئيس.

أتاتورك المثقف والعرب

كونت ثقافة أتاتورك جزء أساسي من موقفه من العرب فهو در الفرنسية مع رهبان فرنسيين بسالونيك وقرأت الثقافة الفرنسية واختلط بشعوب غربية منبهراً بحجم التقدم الهائل باوروپا مقارنة بانعدام أي شيء ثقافي أو متطور بالمشرق، مع العلمنة الثانية لتركيا بعهد أتاتورك كانت اوروپا محور الاهتمام الأتاتوركي بينما العرب في نظره أمة محتلة من الغرب لا يوجد بها إلا جهل مختلط بصراع سياسي محلي فقط وكانت الثقافة الشخصية والمقومات الحضارية الاوروپية الحديثة كقيلة بأن يفصل تركيا نهائياً عن العرب فهو كمثقف وقارئ يعرف أن بلاده بوضعها المتأخر لن تربح شيء من العرب إلا ضجيج حول الماضي منذ قرون أما اوروپا فهي مفتاح العلوم والمعرفة كلها فالمثقف أتاتورك أراد اوروپا ورفض العرب وترجم هذا بتغيير الأبجدية العربية في تفعيل مقترح يعود للقرن التاسع عشر وربط البلاد التركية في التنوير والمعرفة العلمية والثقافية بأوروبا دون أي اقتراب من الجانب الشرقي تراثاً أو رؤية أو العربي بالذات مع الحرص على أن تكون النماذج الاوروپية الحديثة كفرنسا سياسيا وثقافيا محور اهتمام البلاد ودعايتها دون أي نظر للماضي الذي بات اليوم وقتها مجرد لمات قديمة أمام واقع مريع، لعب أتاتورك المثقف دوراً في صياغة غربية حديثة لتركيا وسط بحر الجهل العربي والشرقي الذي كان عظيم الأثر في المزيد من الابتعاد التركي عن العرب كأمة متخلفة في مقابل أمة تركية تعيد بناء نفسها وأيضاً قام أتاتورك بتحميل العرب مسئولية الكثير من العادات ومنها ازدراء المرأة والفصل بينها وبين الرجل فهو اعتبرها رؤية عربية التقطها العثمانيون وحمل العرب مسئوليته كذلك القومية العربية والتعريب اعتبره أتاتورك سلوك عربي يمثل جوهر الإسلام في تعريب الأمم الأخرى مما أضر بهوية الأتراك.

رجال حول أتاتورك

لعبت المجموعة التركية الحاكمة حول كمال أتاتورك دور في قيادة البلاد للمزيد من الانفصال عن الجانب العربي، مثلاً عصمت إينونو رجل أتاتورك القوي وخليفته كان يمقت العرب منذ ما حدث باليمن وثورتهم على الأتراك بل ونجاته من الموت بشق الأنفس وهذا انعكس على تقييم سلبي جداً تجاههم، مصطفى فوزي كان قائداً للجيش طيلة حكم أتاتورك وجزء من إينونو هو الآخر كان له رأي لبي حول العرب بحكم ما تعرض له بالشام منهم بالذات عام 1917 أثناء قيادته الجيش السابع قبل مجئ أتاتورك لاحقاً وخسارته القدس نفسها وكان لهذا دور بارز، كثيرين أخرين كانوا يشاركون أتاتورك المشكلة مع العرب إما لأسباب ثقافية أو سياسية فالعرب لم يلعبوا فقط دور سلبي مع أتاتورك بل مع كل رجاله وبالذات ضباط الجيش منهم، المجموعة التي أحاطت أتاتورك كانت مجموعة اوروپية المولد أو الجذور غربية التعليم والتوجه الثقافي ولم تكن في وضع يجعلها تنظر للعرب عملياً أن توجه الرئيس لأي وجهة شرقية، يمكننا القول أن التحديث مع نجاحه وتحقيق تقدم اقتصادي وزراعي وصناعي هائل بتركيا في توجهها الجديد حثهم على المزيد من التشدد في التوجه الثقافي والسياسي الغربي بعيداً عن العرب الذين عبر عقد ونصف لم يحققوا شيء يذكر وحتى الدول المستقلة منهم إما تمادت في الرجعية كالسعودية أو مستمرة في كونها مستعمرة غربية بدون أي تطور ممكن كمصر مثلاً، فالح رفقي وغيره من الصحفيين الأتراك وفتحي اوكيار وغيره من سياسيي حزب الشعب وإينونو وفوزي من العسكريين كانوا رجال حول أتاتورك وافقوا التوجه الجديد ودعموه.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ محمود عرفات. "أتاتورك والعرب". المشهد المصري.