أبو بكر نارشاهي

أبو بكر نارشاهي (899م-959م) مؤرخ من بخارى. وصاحب كتاب تاريخ بخارى.

أثناء حياته في بخارى ألف أبو بكر نارشاهي (899م-959م) كتاب «تاريخ بخارى» المعروف في الأوساط العلمية كمصدر قيم وموسوعة فريدة عن تاريخ إمارة بخارى أهم مراكز الثقافة والحضارة الإسلامية في ما وراء النهر حتى سقوطها تحت الاحتلال عام 1920، ويصعب على الباحثين إعادة تقييم أهمية هذا الكتاب في وقتنا الحاضر.[1]

تاريخ بخارى، معرّباً عن الفارسية، بعد ضياع الأصل بالعربية، نشرته دار المعارف بمصر.

وكتب نارشاهي كتابه خلال عامي 943م-944م، باللغة العربية وكرسه لحاكم دولة السامانيين أبو محمد نوح بن ناصر بن أحمد إسماعيل الساماني. ولكن النص الأصلي المكتوب باللغة العربية فقد ولم يبقى لنا حتى اليوم سوى بعض الإشارات إليه في بعض المراجع. وفي عام 1129م ترجم أبو ناصر أحمد بن محمد بن ناصر الكوباوي (الذي جاء من مدينة كوبة بولاية فرغانة) كتاب «تاريخ بخارى» إلى اللغة الفارسية بتكليف من أصدقاء نارشاهي، وقبل ذلك وخلال 185 سنة تعرض الكتاب للتحرير، والإختصارات، والإضافة لأكثر من مرة، حتى أن المترجم تطاول على المخطوطة أثناء ترجمتها وأدخل تعديلات وإضافات عليها.

وبعد نصف قرن من الزمن وخلال عامي 1178م-1179م جرى اختصار النسخة الفارسية من الكتاب مرة أخرى، وخلال الأعوام الممتدة من عام 1178م وحتى عام 1220م جرى تحرير الكتاب وأضيفت إليه أحداث جرت خلال السنوات التالية، وهو ما يشهد عليه ترجمة وقائع تاريخية عن الفترة اللاحقة لتأليفه. كما تضمن كتاب «تاريخ بخارى» مقتطفات من كتب غيره، مثل كتاب «خزائن العلوم» من تأليف أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد نيشابوري، وكتاب «أخباري مقنع» من تأليف أبو إسحاق إبراهيم بن العباس السولي، وكتاب «تاريخ الطبري» من تأليف أبو جعفر محمد الطبري. ومع ذلك حافظ كل الذين شاركوا في تطوير الكتاب على اسم نارشاهي كمؤلف للكتاب.

كما وتجب الإشارة إلى حقيقة أن التسمية الأولى للكتاب التي أطلقها نارشاهي على كتابه بقيت أحجية. لأن الكتاب ذكر في مخطوطات المؤرخين والأدباء باسم «تاريخي نارشاهي»، و»تحقيق الولاية»، و»تاريخي بخارى». ولكن التسمية الأخيرة تعتبر الأصح والأكثر إنتشاراً في المراجع العلمية والتاريخية.

ويتضمن الكتاب معلومات اقتصادية، وثقافية، وإجتماعية، وسياسية، هامة عن تطور الشعوب التي سكنت منطقة ما وراء النهر خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين. كما تضمن الكتاب وصفاً للأوضاع الجغرافية في واحة بخارى، وتاريخها الطوبوغرافي، وبدايات التشييد والبناء والتحسين، وظهور القرى الجديدة فيها، وظهور مدينة بخارى نفسها. وإلى جانب ذلك تحدث عن مراحل حكم بعض الملوك، وبناء القصور، والبنية التحتية لإدارة الدولة، وادخال النظام النقدي للتداول، وإصدار قطع نقدية فضية، وقطع بابور النقدية التي تم سحبها من أيدي السكان لاحقاً وألغي تداولها. وشغلت مواضيع بناء منشآت الري وقنوات الري، وتطور الزراعة، والحرف، والتجارة مكانة هامة في الكتاب. وأعار المؤلف إهتماماً خاصاً لأعمال تشييد الجدران حول الواحة لحماية السكان من الغزاة الخارجيين (782م-831م) وحول مدينة بخارى (850م). وذكر أن المدينة منذ القدم كانت معروفة بأسماء آخرى، مثل: نوميجكات، وبوميسكات، وفاخرة، ومدينة الصوفية، وكانت لها سبعة أبواب.

وأعطى أبو بكر نارشاهي أهمية خاصة للمعلومات التي تحدثت عن إرساء سيادة الخلفاء العرب في المنطقة، وإنتشار الإسلام فيها، والمقاومة الشديدة التي أبداها السكان المحليون الذين كانوا في البداية ضد إتباع دين وثقافة جديدة غريبة عنهم. ووصف نارشاهي الأساليب القاسية التي إتبعها الغزاة العرب واسلوب الإكراه التي اتبعها بعضهم لنشر الدين الإسلامي والإلزام باتباع القوانين الشرعية، كما وتحدث عن تقسيم بخارى إلى أقسام عربية وغير عربية آنذاك.

وكتب إ. يو. كراتشوفسكي (مستشرق روسي) عن كتاب «تاريخ بخارى» التالي: «جرى تقييم تاريخ وسط آسيا من حيث الأهمية منذ القدم، وكان موضع دراسة منتظمة... وحفظت جملة من المعلومات المفقودة في مصادر أخرى تتحدث عن وسط آسيا قبل الإسلام وعن الغزاة العرب؛ ومثل هذه المعلومات القيمة كانت بمثابة معلومات عن الطبيعة الجغرافية للمناطق المأهولة في واحة بخارى». وكل هذه المواضيع والأسئلة وجدت إنعكاساً لها فيما بعد، وإلى حد ما لدى الكثيرين من العلماء والمستشرقين الغربيين، والشرقيين، والروس البارزين، وكانت بمثابة إغناء لمعارف ذلك الزمن.

وخلال السنوات اللاحقة ترجم الكتاب عدة مرات إلى اللغات: الفارسية، والعربية، والإنكليزية، والروسية، والأوزبكية، وهو ما يشهد على دراسته الواسعة في أبحاث الأوساط العلمية والمراكز البحثية في الدول الأجنبية. وكتاب «تاريخ بخارى» وغيره من المراجع لم تقدم مع الأسف معلومات تفصيلية عن حياة وأعمال المؤلف. واسمه الكامل، ولا عن مكان وتاريخ ميلاده ووفاته، وذكرت مرة واحدة فقط في كتاب عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني «كتاب الأنساب»، الذي كتبه في القرن الثامن الميلادي وتناول تاريخ وثقافة ما وراء النهر. وذكر فيه الإسم الكامل لأحد أجداد الأوزبك أبو بكر محمد بن جعفر بن زكريا بن خطاب شريك بإضافة اسم نارشاهي التي ينتسب إليها إلى إسمه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


الهامش

  1. ^ محمد البخاري (2019-12-03). "مؤرخ بخارى في القرون الوسطى أبو بكر نارشاهي". الكويتية.
الكلمات الدالة: