زمن الشدائد

(تم التحويل من Time of Troubles)
For the Dungeons & Dragons plotline, see Time of Troubles (Forgotten Realms).
For the twentieth century periods of conflict in Ireland, see The Troubles.

زمن الشدائد (بالإنگليزية: Time of Troubles؛ بالروسية: Смутное время, سـْموتنويه ڤرِميا) كانت فترة في التاريخ الروسي تضم السنوات فراغ العرش interregnum بين وفاة آخر قيصر روسي فيودور إيڤانوڤيتش من أسرة روريك في 1598 وتأسيس أسرة رومانوڤ في 1613.

Minin appeals to the people of Nizhny Novgorod to raise a volunteer army against the Poles.
يان ماتيكو. «تسليم الملك الأسير ڤاسيلي شويسكي إلى مجلس الشيوخ والملك سيگيسموند الثالث في وارسو 1611»

لم يكن القيصر الجديد حاكماً غير صالح، كما هي شيمة الملوك، ولم يكن ذا قوام يبعث على الرهبة ولا بهي الطلعة، ولكنه كان برغم هذا وذاك قادراً على امتشاق الحسام وامتطاء الخيل، مثل أي نبيل كريم المحتد. وتحلى القيصر الجديد برجاحة العقل وسعة الإدراك وفصاحة اللسان وحلاوة الشمائل، وبساطة غير متكلفة صدمت فواعد السلوك والتشريفات في حياة القصور. وأدهش موظفيه باهتمامه الجاد بالإدارة، كما أدهش جيشه بتولي تدريبه بنفسه. ولكن تعاليه على بيئته كان متعمداً واضحاً أكثر مما ينبغي. فأبدى احتقاره صراحة لخشونة النبلاء وأميتهم وجهلهم، واقترح إرسال أبنائهم لتلقي العلم في الغرب، وسعى إلى استقدام معلمين أجانب لتأسيس مدارس ثانوية في موسكو. وسخر من العادات الروسية، وأغفل الطقوس الأرثوذكسية، وأهمل تحية أيقونات القديسين، وتناول طعامه دون أن ترش مائدته بالماء المقدس، وأكل لحم العجل الذي اعتبرته الطقوس نجساً. وأخفى- وربما لم يأخذ يوماً بمأخذ الجد- تحوله إلى الكاثوليكية، ولكنه أحضر إلى موسكو زوجته البولندية الكاثوليكية، يحف بها أخوة فرنسيسكان وممثل البابا. وكان في بطانته هو نفسه نفر من البولنديين والجزويت، وأنفق في سخاء من أموال الخزانة، فضاعف رواتب ضباط الجيش، وخصص لأصدقائه الضياع المصادرة من أسرة جودونوف. ولما كان لا يهوى السكون، كما كان رجلاً عسكرياً فإنه دبر حملة ضد خان القرم وأعلن الحرب عملياً بإرساله سترة من جلد الخنزير إلى الحاكم المسلم. وربما كاد أن يخلي موسكو من الجنود تماماً، بإصداره أوامره إليهم بالتحرك نحو الجنوب، وخشي النبلاء أنه كان يفتح العاصمة لغزوٍ بولندي.

وبعد اعتلاء دميتري عرش روسيا ببضعة أسابيع تآمرت زمرة من النبلاء بزعامة شويسكي على خلعه. واعترف شويسكي بأنه لم يقر أو يعترف "بالمدعي" إلا لمجرد التخلص من جودونوف، أما الآن فيجب إبعاد الإدارة التي اصطنعت لهذا الغرض، وإجلاس نبيل أصيل على العرش(51). وكشف ديمتري المؤامرة، وأعتقل زعماءها، وبدلاً من الإسراع بإعدامهم، كما تقضي بذلك التقاليد، منحهم الحق في أن يحاكموا أمام الجمعية الوطنية التي اختير أعضاؤها لأول مرة من بين جميع الصفوف والطبقات. فلما أصدرت حكمها على شويسكي وآخرين بالإعدام خفف ديمتري الحكم إلى النفي، وبعد خمسة أشهر أباح للمنفيين العودة. وكان كثير من الناس يعتقدون أنه ابن إيفان الرهيب، ولكنهم شعروا الآن- بعد تصرفه على هذا النحو- أن مثل هذا الاعتدال أو الرفق غير التقليدي يلقي ظلالاً من الشك على أبوته الملكية. وعاد المتآمرون المعفو عنهم إلى تدبير المؤامرات من جديد. واشتركت فيها أسرة رومانوف التي احتمى ديمتري بظل الانتساب إليها. وفي 17 مايو 1606 اقتحم شويسكي الكرملن بأتباعه المسلحين. ودافع ديمتري عن نفسه دفاعاً مجيداً، وقتل بيده كثيراً من مهاجميه، ولكنه في النهاية غلب على أمره وذبح. وعرضت جثته في ساحة الإعدام، وألقى على وجهه قناع حقير، ووضع في فمه مزمار، ثم بعد ذلك أحرقت الجثة، وأطلق عليها مدفع حتى تذرو الرياح رمادها فلا تبعث من جديد بعد الآن.

ونادى النبلاء المنتصرون بشويسكي قيصراً تحت اسم فاسيلي الرابع: وآلى على نفسه ألا يعدم أحداً ولا يصادر أملاكاً، دون موافقة "الدوما" (مجلس النبلاء). وأقسم في كاتدرائية أوسبنسكي أغلظ الإيمان بأنه "لن يلحق بأي إنسان أذى دون موافقة المجلس "أي الجمعية العمومية التي تضم كل الطبقات". وغالباً ما انتهكت هذه الضمانات، ولكنها كانت على أية حال خطوة تاريخية على طريق تطوير الحكومة في روسيا.

وأخفقوا في تهدئة تلك العناصر الكبيرة من السكان التي تولاها الحزن والأسى لخلع ديمتري. فاندلعت ثورة في الشمال، ونصب زعيماً لها "ديمتري" زائف آخر، أمده سجسمند الثالث ملك بولندة بعون غير رسمي. فالتمس شويسكي العون من شارل التاسع ملك السويد، عدو سجسمند، وأرسل شارل قوة سويدية إلى روسيا، فأعلن سجسمند الحرب عليها، واستولى قائده زلكوسكي على موسكو، وخلع شويسكي (1610) وحمل إلى وارسو حيث أرغم على الترهب في أحد الأديار. واتفقت زمرة من النبلاء على الاعتراف بلادلاس- ابن سجسمند، البالغ من العمر أربعة عشر عاماً قيصراً على روسيا، شريطة المحافظة على استقلال الكنيسة الأرثوذكسية، ومساعدة الجيش البولندي للنبلاء في إخماد الثورة الاجتماعية التي كانت تهدد الحكومة الأرستقراطية في روسيا.

وكانت الثورة في بداية أمرها استنكاراً دينياً ووطنياً لتنصيب قيصر بولندي، ومنع هرموجنس بطريك الأرثوذكسية الشعب من حلف يمين الولاء لملك كاثوليكي. وقبض البولنديين عليه، وسرعان ما قضى نحبه في سجنه، ولكن نداءه جعل من المتعذر على لادسلاس أن يحكم البلاد. ودعا الزعماء الدينيون الشعب إلى طرد البولنديين بوصفهم كاثوليك مهرطقين. وبدا أن الحكومة نهار، وعمت الفوضى روسيا. واستولى الجيش السويدي على نوڤگورود واقترح أن يتولى عرش روسيا أمير سويدي. ورفض الاعتراف بلادسلاس الفلاحين في الشمال والجنوب، والقوازق في الجنوب، وأقاموا حكماً خاصاً بهم في المقاطعات. وأعملت عصابات قطاع الطرق السلب والنهب في القرى والمدن، ونكلت بكل من يقاوم، وتعطلت الزراعة ونقص إنتاج الأغذية، واختلت وسائل النقل، وعمت المجاعة، واضطر السكان في بعض الأقسام إلى أكل لحوم البشر(52). ودخل جمهور ثائر موسكو، وفي غمرة الفوضى والشغب أشعل الحريق فأتت النار على معظم المدينة (9 مارس 1611) وتقهقرت الحامية البولندية إلى الكرملن، ترقب عبثاً قدوم سجسمند لنجدتها.

وفي نژني نوڤگورود، نظم قصاب يدعى كوزمانين، جيشاً ثورياً آخر؛ يحدوه الإخلاص للأرثوذكسية، ودعا كل أسرة إلى التنازل عن ثلث ما تملك لتمويل الهجوم على العاصمة. وتم هذا بالفعل، ولكن الناس لن ينقادوا إلى زعيم غير ذي لقب. فدعا منين الأمير ديمتري بوجاركسي ليتولى القيادة، فقبل المهمة، وانطلق رجال الجيش الجديد إلى موسكو صائمين ضارعين، وما أن وصلوا حتى حاصروا الحامية البولندية في الكرملن، وصمدت الحامية إلى حد أنهم أكلوا الفئران ولحم البشر، وكانوا يغلون المخطوطات اليونانية ليحظوا على المرق، ثم استسلموا وفروا (22 أكتوبر 1613) وظلت ذكرى هذا العام حية عزيزة في أذهان الروس، على أنه عام التحرير، وعندما أجلي الفرنسيون بعد ذلك بقرنين من الزمان، عن موسكو التي جللها رماد الحريق مرة ثانية، أقام الروس المنتصرون نصباً تذكارياً لمنين وبوجارسكي، الجزار والأمير اللذين ضربا لهما أروع مثل للبطولة في 1612.

ودعا بوجارسكي والأمير ديمتري تروبتسكوي ممثلين علمانيين ودينيين عن كل أجزاء الإمبراطورية إلى مجلس لانتخاب ملك جديد. واستخدمت مختلف الأسرات نفوذها بطريقة خفيفة لتحقيق أغراض خاصة، ولكن كانت الغلبة آخر الأمر لأسرة رومانوف، واختار المجلس ميكاييل الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر آنذاك، وفي 21 فبراير 1613 نادى به قيصراً سكان موسكو الذين يمكن تجميعهم وتوجيههم بسرعة. وبعد أن أنقذ الشعب الدولة، نسب الفضل في ذلك، تواضعاً إلى النبلاء.

في زمن الشدائد، بريشة سرگي إيڤانوڤ

وقضت الحكومة الجديدة على الخلل الاجتماعي والثورة، وثبتت دعائم الرق وتوسعت فيه وهدأت من روع السويد بالتخلي عن انجريا، ووقعت مع بولندة هدنة مدتها أربعة عشر عاماً، وفكت الهدنة أسر فيودور رومانوف، والد ميخائيل، الذي طال أمد أسره. وكان بوريس قد أرغمه على الترهب، وأطلق عليه اسم الراهب فيلات. وعينه ابنه ميخائيل بطريريك موسكو، ورحب به مستشار له وبلغ من القوة والنفوذ حداً أطلق معه الشعب عليه اسم "القيصر الثاني". وتحت الحكم المزدوج الذي شارك فيه الوالد والولد وبرغم المزيد من الثورات والحروب؛ حققت روسيا يعد جيل من الفوضى، سلاماً مزعزعاً مقروناً بالسخط والاستياء. أن زمن الشدائد والمتاعب الذي بدأ بموت بوريس، اختتم باعتلاء ديمتري العرش، وهذا بدوره كان ابتداء عهد أسرة رومانوف التي قدر لها أن تحكم روسيا حتى عام 1917.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هامش


طالع أيضاً

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

قراءات اضافية


سبقه
Vasili IV
Interregnum

(throne claimed by Wladislaus)

1610-1613

تبعه
ميخائيل الأول
الكلمات الدالة: