لورنس سترن

(تم التحويل من Laurence Sterne)

لورنس سترن Laurence Sterne ‏(24 نوفمبر 171318 مارس 1768)، هو روائي إنگليزي-أيرلندي ورجل دين أنگليكاني. اشتهر لرواياته حياة وآراء السيد تريسترام شاندي، ورحلة عاطفية في فرنسا وإيطاليا؛ لكنه نشر أيضاً الكثير من المواعظ، وكتب مذكرات، وكان له نشاط سياسي محلي. توفى سترن في لندن بعد معاناته لسنوات من مرض السل.

لورنس سترن
Laurence Sterne
پورتريه لورنس سترن، رسم جوشوا رينولدز، 1760
پورتريه لورنس سترن، رسم جوشوا رينولدز، 1760
وُلِد24 نوفمبر 1713
كلونمل، مقاطعة تيپراري، إيرلندا
توفي18 مارس 1768
لندن، إنگلترة
الوظيفةروائي ورجل دين
العرقأيرلندي
أبرز الأعمالحياة وآراء السيد تريسترام شاندي، رحلة عاطفية في فرنسا وإيطاليا
الزوجإلزابيث لوملي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

لورنس سترن لم يكن بالقسيس المطبوع، فأبوه جندي، وقد ظل عشر سنين يجر من الوظيفة إلى أخرى، وخلال هذه الفترة وبعدها التقط من العلم بالشئون العسكرية ما مكنه من أن يجعل "العم طوبي" يتكلم على الحصارات والحصون كلام قائد محنك. أما أمه فقد وصفها بعد ذلك بأنها "ابنة بدال فقير يتبع المعسكر في فلندر"(3). على أن جده الأعلى كان رئيس أساقفة يورك، وقد وفقت أسرة ستيرن في الحصول على منحة دراسية للورنس ألحقته بكمبردج. وهناك نال درجته الجامعية في 1737، ولكن نزيفاً رئوياً أصابه في 1736 أنذر بكفاح يخوضه مدى الحياة مع داء السل. ورسم قسيساً أنجليكانياً (1738)، وعين في أبرشية متواضعة في ساثون-ان-ذ فورست، قرب يورك. وفي 1741 تزوج إليزابث لملي، وأخذها لتعيش معه في بيته الخرب. وقد عهدت إليه بإيرادها السنوي البالغ أربعين جنيهاً، فاستثمر بعضه في أرض، ونما الإيراد.

وكانان فيما عدا هذا بائسين. فكلاهما مصاب بالسل، وكلاهما خلق من أعصاب. وسرعان ما خلصت المسز ستيرن إلى أن "أوسع بيت في إنجلترا لا يمكن أن يضمهما معاً لكثرة هياجهما ونزاعهما"(4). وقد وصفتها ابنة عمها المثقفة إليزابث مونتجيو بأنها قنفذ نكد شكس "لا يستطيع المرء أن يتفادى الشجار معها إلا بالابتعاد عنها"(5)ثم رزقا طفلين، مات أحدهما، أما الطفلة الثانية وهي ليديا فقد تعلقت بأمها تعلقاً واضحاً. وزادت تعاستهما حين جاءت إلى يورك أم ستيرن وأخته، وكانتا تعيشان في فقر في إيرلنده، والتمستا منه أن يعينهما بثمانية جنيهات في العام من دخل زوجته. ولم تثر الفكرة أي حماسة. وأعطى ستيرن أمه بعض المال ورجاها أن تعود إلى إيرلنده، ولكنها ظلت في يورك، فلما قبض عليها بتهمة التشرد رفض ستيرن أن يدفع كفالة للإفراج عنها.


سيرته

لورنس ستيرن روائي إنگليزي إيرلندي المولد كتب رواية تريسترام شاندي في تسعة مجلدات، وتعد من أشهر الأعمال الروائية في القرن الثامن عشر، جعلت كاتبها يحتل مكانة مرموقة في تاريخ الأدب الإنكليزي عامة. ولد في كلونمل، وتوفي في لندن. كان والده ملازماً في الجيش يتنقل من مكان إلى آخر. وبعد انتهاء دراسته الثانوية انتسب إلى جامعة كمبردج وذلك بمساعدة ابن عمه ريتشارد ستيرن، لكنه لم يكن متميزاً في دراسته، ومع هذا حصل على درجة الإجازة الجامعية عام 1737 وعلى الماجستير عام 1740. [1]

عُين ستيرن عام 1737 شماساً ثم قسيساً بمساعدة عمه جاك ستيرن الذي كان رجل دين بارزاً في أبرشية مدينة يورك، وتزوج بعد ثلاث سنوات من إليزابيث لملي، ورزق منها بابنته ليديا، التي قامت بتحرير رسائل والدها. كانت حياة ستيرن العائلية مملوءة بالعواصف بسبب مزاج الزوجين، يضاف إلى ذلك تقلب الزوجة ومغامرات الزوج العاطفية، مما أدى إلى عدم الاتفاق، ومما زاد في مشكلات ستيرن أنه ابتلي بمطالب أخته وأمه الأرملة ثم تدهورت صحته بسبب النزيف الذي عاناه منذ أيام الدراسة واستمر يضعف رئتيه. كانت المدة بين زواجه وشهرته الأدبية عام 1760 سنوات عمل مكثف، إذ عمل في الزراعة من دون نجاح يذكر، وقرأ كثيراً وخاصة في أثناء زياراته لصديقه جون هول ستيفنسون الذي كان يملك مكتبة تضم مؤلفات نادرة. وتابع هواياته في الموسيقى والرسم، وقد ظهر ذلك فيما بعد في «تريسترام شاندي» الذي ضمنه رسومات عدة.

نشر ستيرن في أوائل عام 1759 كراسة صغيرة اسماها «قصة غرام سياسية» وهي قصة رمزية ساخرة مبنية على شجار كنسي سخيف في يورك، فمنعت بسرعة، إلا أنه اكتشف منها موهبته الأدبية. وبدأ بعد ذلك بالمجلدين الأولين من حياة وآراء السيد تريسترام شاندي بهدف إنتاج عمل فيه فكاهة وسخرية. وقد تطور أسلوبه عبر المجلدات اللاحقة التي نشرت بين عامي 1759ـ1767، فأصبحت السخرية أقل وضوحاً، كما اقترب من الذوق الشعبي وأدخل مسحة من العاطفة، وما انفك يضيف ويعدّل فيها حتى نَشْرِ آخر جزء منها.

على الرغم من النقد الشديد الذي تعرضت إليه رواية «تريسترام شاندي» من قبل معاصري ستيرن لأسباب جمالية وأخلاقية، فقد صارت مرجعاً مهماً للأفكار والشخصيات والتقنيات الروائية نهل منه كثير من الكتّاب، وبداية لأسلوب تيار الوعي الذي ظهر في فن الرواية في بدايات القرن العشرين مع روايات جيمس جويس. و»تريسترام شاندي» ليست رواية بالمفهوم التقليدي، أي إنها لا تستخدم التقنيات الشائعة، وإنما هي نص طويل في تسعة مجلدات يروي فيه تريسترام (الراوي والشخصية الرئيسة) سيرة حياة أفراد عائلته ومجتمعه بالتفصيل الدقيق في مزيج من الأحداث والتأملات والوصف والسرد المسهب يتخلله الكثير من الشطط والابتعاد عن الموضوعات الرئيسة. فالفكرة الأساسية أو «الثيمة» التي تميز أي رواية ليست على قدر من الأهمية في «تريسترام شاندي»، بل الأهم هي الطريقة التي تروى بها الأحداث وتُعرَض الشخصيات التي لا تتبع نسقاً أفقياً للزمن، ويستخدم ستيرن من خلالها الإمكانات اللامحدودة للفضاء الروائي الحر الذي تتيحه الكتابة من دون قيود الحبكة وتقنية السبب والنتيجة وإيجاد الخاتمة، بل بعبثية الزمن وفوضى الحدث. ويستخدم في الرواية تقنيات تسبب تقطعاً مقصوداً في النص، مثل استخدام علامات الترقيم بكثرة، وترك الصفحات البيضاء، والرسومات والأشكال المقحمة ليؤكد عدم واقعية الرواية. ويتعرّف القارئ من الراوي تريسترام جميعَ الشخصيات التي تمثل جوانب متعددة من الحياة في تناقضاتها وأفكارها وتصرفاتها وكلامها.

كان المجلدان الأولان من «تريسترام شاندي» سبب إطلاق شهرة ستيرن، وعندما زار لندن عام 1760 وقوبل بكثير من التكريم والترحيب من قبل الأوساط الأدبية، اغتنم الفرصة فنشر في أيار عام 1760 مجلدين من «مواعظ السيد يوريك»، كان قد كتبهما سابقاً. ثم نشرت مجموعات أخرى منها في العامين 1766 و1769. وقد حاول في هذه المرحلة أن يستعيد صحته المتدهورة، فسافر متجولاً في فرنسا بين عامي 1762و1764. وعندما قررت زوجته وابنته الاستقرار هناك كان عليه أن يعود إلى إنكلترا وحده. وفي عام 1765 ذهب إلى إيطاليا وخرج من أسفاره بالمجلد السابع من «تريسترام شاندي» الذي كان الأساس لعمله الأخير رحلة عاطفية في فرنسا وإيطاليا (1768) العمل قبل وفاته. قابل ستيرن في عام 1767 السيدة اليزابيث دريبر التي كانت في زيارة للندن، فأحبها وكانت ملهمته في «رسائل إلى إليزا» (1767)، ولكنها لم تُنشر إلا بعد 140عاماً.

يعد ستيرن رائد الأدب النفسي الحديث، وينظر إلى أسلوبه الروائي بوصفه البوادر الأولى للثورة على التطرف في العقلانية الذي ساد القرن الثامن العشر، وأسس البوادر الأولى للبطل الضد (اللا بطل)، ولا يزال يشكل مدرسة مستقلة في فن الرواية.

من قصة الحضارة

وبعد ثمانية عشر عاماً من الزواج المضني أحس القسيس أن أي إنسان مسيحي حقاً سيسمح له بشيء من الزنا. وقد وقع في غرام كاترين فورمانتيل، وأقسم لها قائلاً "أحبك حب الجنون، وسأظل أحبك إلى الأبد"(6). واتهمته زوجته بالخيانة، فأنكر التهمة، وأشرفت هي على الجنون حتى عهد بها وبليديا إلى رعاية "طبيب لمجانين"، وواصل علاقته الغرامية.

وفي غمرة هذه الضجة كتب واحداً من أشهر الكتب في الأدب الإنجليزي. وقد رجاه أصدقاؤه الذي قرأوا طرفاً من مخطوطة الكتاب أن يحذف منه "التوريات النابية التي قد تكون مؤذية بحق، خصوصاً لصدورها من قسيس" فحذف نحو 150 صفحة وهو آسف. ثم أرسل الباقي إلى المطبعة غفلاً من اسمه، ونشر الكتاب في يناير 1760 بهذا العنوان، "حياة السيد تراسترام شاندي وآراؤه". وقد بقي في المجلدين من الفضائح والفكاهة الغريبة الطريفة ما جعلها الحدث الأدبي الهام لذلك العام في لندن. وتردد صدى هذه الضجة في فرنيه النائية، فقال فولتير "كتاب مستهتر جداً، وكتاب أصيل، إنهم مجنونون به في إنجلترا"(7). وقال هيوم "أنه خير ما كتب أي إنجليزي في هذه السنين الثلاثين رغم ما فيه من سوء"(8). وبيع مائتا نسخة من الكتاب في بحر يومين في يورك، حيث كان اسم المؤلف الحقيقي سراً مذاعاً وحيث تبين القراء الكثير من الأشخاص المحليين في شخوص القصة الكبار.

ومن العسير أن نصف الكتاب، إذ ليس له شكل أو موضوع، ولا رأس ولا ذيل. وعنوانه خدعة، لأن "السيد" الذي يروي القصة، والذي أزمعت أن تعرض "حياته وآراءه" لا يولد إلا في صفحة 209 من المجلد الرابع (من الطبعة الأصلية ذات المجلدات التسعة). ومادة القصة هي ما حدث، أو ما قيل، بينما كان يحبل به، وبينما كان ينمو على مهل في بطن أمه. والصفحة الأولى هي خير الصفحات. " وددت لو أن أبي أو أمي، أو كليهما حقاً، إذ أنهما كانا معاً ملزمين بالأمر الواجب على السواء، أقول وددت لو أنهما فكرا فيما هما فاعلان حين أنجباني، فهل نظرا كما ينبغي أن ينظرا كم من الأمور يتوقف على ما هما صانعان، وأن المسألة لا تتصل بإنجاب كائن عاقل فحسب، بل ربما اتخذ التكوين السليم لبدنه، ومزاج هذا البدن، ونبوغه وطبيعة ذهنه ذاتها، ربما اتخذت هذه كلها من الأمزجة والميول الغالية عليهما آنذاك،-ولو أنهما وزنا هذا كله وفكرا فيه كما ينبغي، ثم تصرفا طبقاً لهذا، لكنت يقيناً قد انبعثت إلى العالم شخصاً مختلفاً كل الاختلاف. قالت أمي "من فضلك يا عزيزي، ألم تنس أن تملأ المنبه؟"-وصاح أبي... "رباه! أهناك امرأة منذ خلق الله الدنيا تقاطع رجلاً بسؤال غبي كهذا؟".

ومن ذلك الحادث فصاعداً يتألف الكتاب من الاستطرادات. ذلك أن ستيرن لم يكن لديه حكاية يرويها، ومن باب أولى حكاية الغرام التي هي مدار أكثر القصص، إنما رغبته أن يسلي نفسه وقراءه بالحديث الهوائي عن كل شيء، ولكن دون نظام؛ فكان يثب حول مشكلات الحياة جليلها وحقيرها وثب جواد مرح لعوب في حقل. وبعد أن كتب أربعة وستين فصلاً خطر له أنه لم يكتب لكتابه مقدمة، فأدخل المقدمة عند تلك النقطة، وأتاح له هذا أن يسخر من نقاده. ووصف منهجه بأنه "أكثر المناهج تقوى، لأنني أبدأ بكتابة الجملة الأولى، ثم أتكل في مجيء الثانية على الإله القدير"(9)وعلى التداعي الطليق في الباقي. ومن قبله صنع رابليه ما يشبه هذا، وترك سرفانتس روزنانتي يقوده من حادث إلى حادث، وجاب رورث بيرتن العالم قبل تشريحه للاكتئاب، أما ستيرن فقد رفع توافه الأمور إلى مقام المنهج، وحرر جميع الروائيين من الحاجة إلى موضوع أو خطة.

ولقد أبهج طبقات بريطانيا ذات الفراغ أن ترى مقدار الضجة التي يمكن إثارتها حول لا شيء، وكيف أن في الإمكان تأليف كتاب بالإنجليزية الإنجلو-سكسونية في عصر جونسن. أما البريطانيون الأشداء فقد رحبوا بالطرافة المرحة التي وجدوها في قسيس يتحدث عن الجنس وانتفاخ البطن، والشق الذي في سروال العم طوبي. وفي مارس 1760 ذهب ستيرن إلى لندن ليرشف رحيق نجاحه، وأسعده أن يجد أن المجلدين قد نفدا، وأخذ 630 جنيهاً نظيرهما ونظير مجلدين آخرين قادمين. لا بل أن "مواعظ مستر يوريك" التي نشرت بعد "تراسترام" بأربعة أشهر حظيت ببيع سريع حين عرف أن يورك هو ستيرن. وأقبلت الدعوات على المؤلف من تشسترفيلد، ورينولدز، وروكنجهام، لا بل من الأسقف واربرتن، الذي فاجأه بخمسين جنيهاً إنجليزياً، وربما تفادياً من أن يزين الأسقف صفحة لاذعة الهجاء في مجلدات قادمة. واشترى ستيرن عربة وروجين من الخيل، وركبها في انتصار مرح عائداً إلى يورك، حيث وعظ في كنيستها الكبرى. ثم رقي إلى قسوسية أكثر ثراء في كوكسولد، على خمسة عشر ميلاً من يورك، فأخذ زوجته وابنته لتعيشا معه هناك، وهناك كتب المجلدين الثالث والرابع من "ترتسترام" في يسر غير معقول.

وفي ديسمبر من ذلك العام 1760 ذهب إلى لندن ليتابع طبع المجلدين. ووصل ترتسترام الآن إلى رحلة الولادة بالجفت، الأمر الذي شوه أنفه، وعليه انطلق المؤلف في حديث مستفيض عن فلسفة الأنوف بأسلوب أكثر العلماء تفقهاً. فقال أحد الثقات إن أنف الطفل تحدده نعومة الثدي الذي يرضعه أو صلابته: "فالأنف حين يغوص فيه... كما يغوص في قطعة زبد كبيرة يرتاح ويتغذى ويسمن وينتعش ويحيا"(10).

وبعد قضاء نصف عام في لندن عاد ستيرن إلى زوجته التي أخبرته أنها كانت أسعد حالاً بدونه. فأنطوى على مخطوطاته، وكتب المجلدين الخامس والسادس، وفي هذين كاد ترتستام ينسى، وشغل المسرح العم طوبي والجاويش تريم بذكرياتهما عن الحرب وقلاعهما اللعب. وفي نوفمبر 1761 انطلق القسيس مرة أخرى إلى لندن، وفي آخر يوم من العام شهد صدور المجلدين الخامس والسادس. وقد حظيا باستقبال حسن. وراح يغازل المسز إليزابث فيزي، إحدى النساء المثقفات، وأقسم ليضحين بآخر مزقة من قسوسيته لقاء لمسة من يدها الملائكية!(11)ثم أصيب بنزف رئوي، وهرب إلى جنوبي فرنسا. وتلبث في باريس زمناً كفى لحضوره بعض حفلات العشاء في "مجمع الملحدين" الذي تزعمه دولباخ، حيث استهوى ديدرو استهواء لم يفارقه. ولما سمع ستيرن أن زوجته مريضة، وأن ليديا مصابة بالربو، دعاهما للحاق به في فرنسا. واستقر ثلاثتهما قرب تولوز (يوليو 1762).

وفي مارس 1764 ترك زوجته وابنته بموافقتهما وعاد إلى باريس ولندن وكوكسولد. وكتب الجزئين السابع والثامن من "ترتسترام"، وتسلم مقدماً أتعابهما، وأرسل جزءاً من الحصيلة لمسز ستيرن. وصدر الجزءان الجديدان في يوليو 1765، فلم يظفر إلا بثناء متضائل، ذلك أن النغمة الشانديه-الطوبية أخذت تضعف. وفي أكتوبر بدأ ستيرن رحلة في إيطاليا وفرنسا استغرقت ثمانية أشهر. وفي عودته للشمال انضم إلى أسرته في برجنديه، وطلبت الأسرة البقاء في فرنسا، فدفع نفقاتها وقفل إلى كوكسولد (يوليو 1766). وكتب الجزء التاسع فيما بين نوبات نزيفه، وذهب إلى لندن ليشهد مولده (يناير 1767)، واستمع بالضجة التي أثارها طوافه حول حافة الجنس في وصفه تودد العم طوبي لمسز ودمن. وكتب القراء المروعون إلى الصحف وإلى رئيس أساقفة يورك يطالبون بشلح هذا القسيس الفاجر وطرده، ولكنه رفض أن يفعل. وجمع ستيرن خلال ذلك اكتتابات بلغت جملتها 1.050 جنيهاً في كتاب موعود سماه "رحلة عاطفية" وأرسل مزيداً من المال لزوجته وتودد إلى إليزابث دراير.

وكانت زوجة موظف في شركة الهند الشرقية آنئذ (مارس 1767) معين في الهند. تزوجته وهي في الرابعة عشرة، وهو في الرابعة والثلاثين. وأرسل إليها ستيرن كتبه، واعتزم أن يتبعها بيده وقلبه. وظلا فترة يلتقيان كل يوم، ويتبادلان الرسائل الرقيقة. والرسائل العشر المسماة "رسائل إلى إليز" تفضح عن الغرام الحزين الأخير يضطرب في جوانح رجل يموت بالسل. "صحيح أنني في الخامسة والتسعين بنية"، وأنت لا تتجاوزين الخامسة والعشرين،... ولكن ما أفتقده صبي سأعوضه فكاهة ومرحاً. فما أحب سويفت حبيبته ستيلا، ولا سكارون حبيبته مانتنون، ولا وولر حبيبته ساكاريسا، كما سأحبك وأتغنى بك، يا زوجتي المختارة!"-ذلك أم "زوجتي لا يمكن أن تعيش طويلاً"(12). وبعد عشر دقائق من إرسال هذا الخطاب أصابه نزف شديد، وظل ينزف الدم حتى الرابعة صباحاً.

وفي أبريل 1767 أبحرت المسز دراير إلى الهند استجابة لدعوة زوجها. وظل ستيرن من 13 أبريل إلى 4 أغسطس يدون "يوميز لاليزا" وهي "مذكرات يومية بالمشاعر التعسة التي يحس بها شخص افترق عن سيدة يذوب شوقاً إلى لقائها". "إني أقبلك على أي شروط تعرضينها يا اليزا! سوف أكون... منصفاً جداً، وعطوفاً جداً نحوك، ولن أكون بعد اليوم مستأهلاً للتعاسة"(13). وفي يومية 21 أبريل: "نزفت اثنتي عشرة أوقية من الدم". وأخبره طبب أنه مصاب بالزهري، فاعترض قائلاً أن هذا "محال...، لأنني لم أباشر الجنس أياً كان إطلاقه-حتى مع زوجتي،... طوال هذه السنين الخمس عشرة". "وقال الطبيب: لن نتجادل في الأمر، ولكن لا بد لك من أخذ علاج بالزئبق"(14). وأيد أطباء آخرون هذا التشخيص، وأكد له أحدهم أن "لوثات الدم تظل كامنة عشرين عاماً". فأذعن مؤكداً عفته.

وما وافى شهر يونيو حتى تماثل للشفاء وعاد إلى كوكسولد. وبينما كان يكتب "الرحلة العاطفية" أصيب بمزيد من نوبات النزف، وأدرك أنه لن يمهل في الأجل طويلاً. فذهب إلى لندن، وشهد صدور كتيبه "فبراير 1768)، واستمتع لآخر مرة بمحبة أصدقائه التي لم تفتر. وكما لأن "ترتسترام" ذكر القراء برابليه، فكذلك عكس الكتاب الجديد التأثير المتصاعد لرتشاردسن وروسو. غير أن فضيلة سايرن كانت أقل مناعة من فضيلة رتشردسن، ودموعه أقل حرارة وإخلاصاً من دموع روسو. ولعل هذا الكتاب، وكتاب مكنزي "رجل الوجدان" (1771)، هما اللذان أذاعا كلمتي "عاطفة Sentiment" و "عاطفي Sentimental" في المجتمع الإنجليزي. وقال بايرون أن ستيرن "يؤثر البكاء على حمار ميت على التخفيف عن أم حية"(15).

وبينما كان ستيرن يستمتع بانتصاراته الأخيرة في لندن أصيب بنزلة برد تفاقمت حتى أصبحت التهاباً بليورياً. فكتب إلى سيدة تدعى المسز جيمس رسالة محزنة يطلب إليها أن ترعى ليديا إن توفيت زوجته. ووافته المنية في 18 مارس 1768، في فندق بأولد بوند ستريت دون لأن يكون إلى جواره صديق، غير متجاوز الثانية والأربعين. وكان فيه إثارة من المشعوذ، وقد جعل من نفسه "مهرجاً للناظرين"، ولكن في استطاعتنا أن نفهم حساسيته للنساء، والتوتر الذي فرضه زواج تعس على رجل أوتي هذه الأحاسيس المرهفة والصنعة الرقيقة. لقد قاسى كثيراً، وأعطى كثيراً، وكتب كتاباً من أغرب الكتب في تاريخ الأدب قاطبة.

أعماله

أعماله، جُمعت لأول مرة عام 1779، وحُررت، مع الخطابات الجديدة المكتشفة، بواسطة ج. پ. براون (لندن، 1873). كتبت طبعة أقل إكتمالاً بواسطة ج. سانتزبري (لندن، 1894). طبعة فلوريدا لأعمال سترن هي حالياً الطبعة العلمية الرائدة - بالرغم من أن العدد الأخير (رسائل سترن) لم تُنشر بعد.

المصادر

  1. ^ نبيلة شمس الدين (2013-08-07). "ستيرن (لورنس ـ)". الموسوعة العربية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية

  اقرأ اقتباسات ذات علاقة بلورنس سترن، في معرفة الاقتباس.