نصوص إبلا Ebla tablets، هي مجموعة من نحو 1800 لوح طيني كامل و4700 لوح مكسور وعدة آلاف من الشظايا الأصغر عثر عليها في أرشيف قصر[1] مدينة إبلا القديمة، في سوريا. الألواح اكتشفهم الأثري الإيطالي پاولو ماتييه وفريقه في عام 1974–75،[2] مما أشعل الاهتمام بحفرياتهم في تل مرديخ، موقع المدينة القديمة، بعد عشر سنوات من العمل الذي لم يلحظه سوى أقرانهم.[3] الألواح، التي اكتُشِفت في موقعها الأصلي على رفوف منهارة، احتفظت بالعديد من العلامات الطميية التي تعود لزمن كتابتها للفهرسة. وتعود كل الألواح إلى الفترة بين ح. 2500 ق.م. وتدمير المدينة ح. 2250 ق.م.[4] وهم أكبر وأقدم مجموعة من الألواح تُكتشف حتى الآن في الشرق الأدنى القديم.[5] اليوم، الألواح محفوظة في المتاحف السورية في حلب ودمشق وإدلب.

لوح طيني من نصوص إبلا، عثر عليه في إبلا، سوريا
القصر الملكي في إبلا: in primo piano il piccolo locale denominato الأرشيف الكبير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المكتبة الملكية

 
مشهد تخيلي لمكتبة إبلا.

كانت أهم الاكتشافات في مدينة إبلا هي مكتبة القصر الملكي التي احترقت حين غزاها الملك الأكادي نارام سين، وبالنار التي كانت دماراً للمدينة شويت الرقم الطينية وأصبحت مقاومة للعوامل الجوية، وبفضلها تعرفنا على حقبة غامضة من الزمن تمتد بين عامي 2400 و2250 ق.م. وكانت الرقم المكتوبة بالأحرف المسموارية، ليست سومرية ولا أكادية ولا أي لغة معروفة، وبعد الدراسة والمقارنة وجد انها لغة جديدة خاصة بمملكة إبلا، واتضح أنها أقدم من رقم ماري بـ400 سنة ومن رقم أوغاريت بـ1000 سنة.[6]

والمكتبة ذات أرشيف منظم ومنسق بشكل جيد وبلغ تعداد الرقم الموجودة بها حوالي سبعة عشر ألف وخمسمائة رقيم وكسرة طينية مكتوبة باللغة الإبلائية، كان كل رف مخصص لموضوع وتتراوح أحجام الألواح ومساحتها وشكلها، وشكل اللوح يوحي بمضمونه، فالصلوات والأدعية كانت على ألواح مستديرة صغيرة، والأساطير على ألواح مستطيلة، والوثائق التاريخية على ألواح متوسطة ومستديرة أو مربعة مع زوايا مستديرة. كما وجد الباحثون أن سجلات المكتبة تحتوي على مواضيع سياسية وثقافية واقتصادية وقانونية وفنية وعلمية ودينية ونصوص إدارية. وتقارير عن تصدير كميات من الأثاث والمعادن والنسج واللازورد، وقوائم بأسماء أشخاص فرضت عليهم ضرائب. إضافة إلى نصوص لغوية ومعلومات عن الطيور والأسماك وأسماء مدن وشخصيات ونصوص تشريعية وتاريخية وأوامر ملكية ومراسيم وكتب رسمية ووثائق زواج. بالإضافة لفهارس لتعليم اللغة السومرية الأكادية ونصوص قواعد لغوية تشبه المعاجم، وبذلك يكون أقدم قاموس لأكثر من لغتين عثر عليه في إبلا. وتعتبر قوانين حمورابي أقدم القوانين إلا أن قوانين إبلا المشابهة لها وضعت قبلها، كما اكتشف في إبلا قصيدة تعود إلى عام 2400 ق.م. وهي أقدم من قصيدة بلاد الرافدين التي تعود إلى عام 2200 ق.م.


السياق والأهمية

تعتبر الألواح ثروة معلوماتة عن سوريا وكنعان في العصر البرونزي المبكر،[7] وتشمل أول مصادر معروفة عن "الكنعانيين، "أوغاريت"، و"لبنان".[5] يظهر محتوى الألواح أن إبلا كانت مركزاً تجارياً هاماً. وكانت تركز بصفة رئيسية على السجلات الاقتصادية، وتسجل العلاقات التجارية والسياسية لإلبا مع مدن الشام الأخرى وتسجل أهمية المدينة وأنشطتها التصديرية. على سبيل المثال، تظهر الألواح أن إلبا كانت تنتج للمدينة مجموعة متنوعة من الجعة، إحداها كانت تحمل اسم "إلبا".[4] كما كانت إلبا مسئولة عن تطوير منظومة شبكة التجارة المتطورة بين المدن-الدويلات في شمال سوريا. هذه المنظمة جمعت الإقليم في تجمع تجاري، الأمر الذي يظهر جلياً في النصوص.[5]

تتضمن النصوص قوائم ملوك لمدينة إلبا، المراسيم الملكية، الأوامر الملكية، والمعاهدات. وتحتوي على فهارس جغرافية بقوائم أسماء الأماكن، وتشمل نسخة لقائمة اسم المكان الموحد التي عُثر عليها أيضاً في أبو صلابيخ (قد تكون إريش القديمة) حيث يرجع تاريخها إلى حوالي 2600 ق.م.[8] النصوص الأدبية تضم أناشيد وصلوات وملاحم وأمثال.

تحتوي الكثير من الألواح على النقوش السومرية والإبلاوية مع نسخ لقوائم كلمات ثنائية تستعرض الكلمة ومقابلها باللغة الأخرى. سمح هذا التركيب للباحثين المعاصرين بتوضيح فهمهم للغة السومرية، في الوقت الذي كانت لا تزال حية، لأنه حتى اكتشاف الألواح لم يكن هناك قواميس ثنائية اللغة تحتوي اللغة السومرية ولغات أخرى، مما ترك النُطق والجوانب الصوتية الأخرى غير واضحة. الألواح الوحيدة في إلبا التي كتبت باللغة السومرية فقط هي القوائم المعجمية، والتي من المرجح أنها كانت تستخدم لتدريب الكتبة.[4] تحتوي الأرشيفات على آلاف الكتب المنسوخة، قوائم لتعليم المصطلحات المناسبة، وألواح نقش للطلبة، مما يوضح أن إبلا كانت مركزاً تعليمياً هاماً متخصص في تدريب الكتبة.[5] بالإضافة إلى القواميس الموضوعة على أرفف بشكل منفص، كان هناك نظم كتابة مقطعية للكلمات السومرية مع نطقها بالإبلاوية.


علم الآثار التوراتي

هناك جدل مرتبط بتطبيق نصوص إبلا على أماكن أو أشخاص محددين في التوراة، والذي تركز عما إذا كانت الألواح قد احتوت على إشارات إلى، أو أكدت، وجود إبراهيم وداود وسدوم وعمورة بين المراجع التوراتية الأخرى.[5] زعمت الإدعاءات المثيرة التي أدلى بها جوڤاني پتيناتو والتي رافقها تأخير في نشر النصوص الكاملة، وسرعان ما أصبحت أزمة أكاديمية غير مسبوقة.[2] كما زاد السياق السياسي للنزاع الإسرائيلي العربي المعاصر من إلتهاب الجدل، محولاً إياه إلى جدل حول "دليل دحض أو إثبات" المزاعم الصهيونية في فلسطين.[5]

ومع ذلك، فقد قدمت الكثير من وسائل الإعلام الأولية تقارير مثيرة حول الروابط الإبلاوية المفترضة بالكتاب المقدس، إستناداً إلى التخمينات والتكهنات الأولية لپتيناتو وآخرين، إلا أنها الآن مرفوضة على نطاق واسع، لكونها مولـَّدة حسب "مزاعم استثنائية لا أساس لها" وكميات كبيرة من التضليل التي تم تسربيها للجمهور".[9] توافق الآراء الحالي حول دور إبلا في علم الآثار التوراتي، بالمعنى الدقيق للكلمة، أنه محدود.[2]

النصوص المكتشفة

اكتشافات عام 1974

عثر في شهر آب عام 1974 في الغرفة ذات الرقم L.2586 الواقعة في الجناح الشمالي الشرقي من القصر الملكي على 42 لوحاً وقطعة باللغة المسمارية. ومن دراسة هذه اللوحات تبين أنها ذات طبيعة إدارية، ومعظمها إيصالات تزودنا بمعلومات تاريخية واقتصادية ذات قيمة. إذ تذكر إحدى اللوحات مثلاً تسلم منسوجات من أحد الأشخاص، أما تاريخها فهو: «سنة الحملة على گارمو Garmu». ومن ذلك معلومات عن صناعة النسيج وعن حملة عسكرية. ويتكرر ذكر مدن كيش وتوتول وماري في المحفوظات.

اكتشافات عام 1975

عثرت البعثة الإيطالية في آب 1975 في الغرفة ذات الرقم L.2712 على نحو ألف لوح وكسرة، كما عثرت في الغرفة ذات الرقم L.2769 الواقعة في الطرف الغربي من القصر الملكي على نحو أربعة عشر ألف لوح وقطعة، وتعدّ هذه الغرفة المكتبة الملكية. كذلك عثر في الغرفة ذات الرقم L.2764 على بعض القطع والكسرات. وبذلك فاق عدد الألواح والكسرات التي عثر عليها في عام 1975 خمسة عشر ألفاً معظمها وثائق إدارية واقتصادية، ومن بينها قوائم بأسماء الموظفين وقوائم بالمخصصات اليومية والشهرية للأسرة المالكة ولموظفين في الدولة ولمواطنين إبلاويين. وتشتمل هذه المخصصات على كميات من الخبز والجعة والخمر والزيت ولحم الغنم والخنازير. كذلك تذكر القوائم مخصصات لسعاة كانوا يسافرون إلى مدن صديقة، وتقدمات للمعابد والآلهة، والأموال التي كانت تؤديها الدول الأخرى لإبلا. وهناك الكثير من النصوص التي تتحدث عن الزراعة وتربية الحيوان والصناعة والتجارة.

وتحتل النصوص التاريخية والحقوقية في هذه المحفوظات المرتبة الثانية من حيث الأهمية. وهي تشمل الأوامر والمراسيم الملكية والرسائل والتقارير الحربية والمعاهدات. وأهمها المعاهدة التجارية بين إبلا وآشور، ومعاهدة السلام بين إبلا وأبرسال، التي هي أقدم معاهدة سلام في التاريخ. كما تشمل النصوص الحقوقية مجموعات قانونية وعقود ميراث وبيع وشراء. وتليها في الأهمية النصوص المعجمية التي تدل على مكانة إبلا الثقافية والحضارية، ومن بين تلك النصوص المعجمية قوائم الرموز المسمارية ونصوص القواعد والمعاجم ثنائية اللغة (باللغتين السومرية والإبلوية)، وهي أول المعاجم الثنائية اللغة المعروفة في التاريخ. وتحتل النصوص الأدبية المركز الرابع في هذه المحفوظات وهي تشتمل على عشرين أسطورة على الأقل، وبعضها من عدة نسخ، وعلى ترنيمات وابتهالات للآلهة تلقي ضوءاً جديداً على المعتقدات الدينية في المشرق في الألف الثالث قبل الميلاد.

اكتشافات عام 1976

عثر على هذه المحفوظات في الغرف رقم L.3769 وL.2875 وL.3764 وهي تضم نحو 1600 لوح وكسرة. إن العدد الإجمالي للألواح التي عثر عليها يزيد على سبعة عشر ألف لوح وكسرة، وهي ذات أشكال مختلفة كتبت بقلم خاص، ربما كان من العظم، ولكن عدد النصوص يقدّر باثني عشر ألف نص. وكان اللوح يكتب ويجفف تحت أشعة الشمس، ولكن الحريق الكبير الذي التهم القصر الملكي بعد هجوم نارام-سين على إبلا أدى إلى شي الألواح الطينية المحفوظة فيه.

وتعدّ محفوظات إبلا أكبر المحفوظات التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ويمكن موازنتها بالمكتبات والمحفوظات الأخرى التي تعود للألفين الثاني والأول قبل الميلاد، مثل محفوظات ماري وأُغاريت ومكتبات نينوى وآشور.

مرئيات


انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ Numbers as in R. Biggs, "The Ebla tablets: an interim perspective", The Biblical Achaeologist 43 (1980:76-87); Palace G in the excavation reports.
  2. ^ أ ب ت Moorey, 1991, p.150–152.
  3. ^ Remarked by Hans H. Wellisch, "Ebla: The World's Oldest Library", The Journal of Library History 16.3 (Summer 1981:488-500) p. 488f.
  4. ^ أ ب ت Dumper; Stanley, 2007, p.141.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح Dumper; Stanley, 2007, p.142.
  6. ^ إيبلا، المملكةُ المفقودةُ التي غيّرت تاريخَ العالم، الباحثون السوريون
  7. ^ Four volumes of essays on the Ebla language and the archives were published by the Center for Ebla Research, New York University, as the series Eblaitica, begun in 1988.
  8. ^ Giovanni Pettinato, "L'atlante geografico del vicino oriente attestato ad Ebla e ad Abū Salābikh", Orientalia 47 (1978:50-73).
  9. ^ Chavalas, 2003, P.40–41.

ببليوگرافيا