جمعية أپولو

(تم التحويل من مدرسة أبولو)

جمعية أپولو الشعرية.

مجلس جمعية أبولو في 1932، برئاسة خليل مطران بك.

شهد الثلث الأول من القرن العشرين ميلاد حركات أدبية جديدة في بعض البلاد العربية، وفي المهجر الأمريكي هدفت إلى الارتقاء بمستوى الأدب العربي. ولاسيما الشعر، وتخليصه من قيود الصنعة والتقليد والمحاكاة التي ارتكس فيها طوال القرون الوسطى، وتوجيهه للتعبير عن مشاهد الطبيعة، وصور الحياة، والعواطف الإنسانية في لغة جميلة، وتعبير حي مؤثر، يزخر بالخيال البديع والصور الأدبية المبتكرة. وسلكت في تحقيق ذلك طريقين:

  1. ـ دراسة الآثار الأدبية والنقدية العربية القديمة في عصور الابتكار والتجديد، واستخلاص القيم الشعورية والجمالية والتعبيرية.
  2. ـ ترجمة الآثار الأدبية والنقدية المتميزة من اللغات الأخرى، ودراستها، وتوظيفها في ابتكار نظريات أدبية ونقدية تزود مسيرة الحياة الأدبية بالصالح المفيد.

وقد لاحت في سماء هذه الحركات الأدبية المجددة معارك نقدية عكست كثيراً من الآراء والاتجاهات، وأسهمت في دفع عجلة الأدب إلى الأمام، وزودته بمقاييس جديدة، وأصبح ينظر إلى الأثر الأدبي من حيث قدرته على التأثير والإيحاء، وترجمته للمشاعر والانفعالات الإنسانية.

ومن هذه الحركات جمعية أبولو أو مدرسة أبولو التي أتت بعد مدرسة الديوان التي أنشأها العقاد والمازني وشكري بأكثر من عشر سنوات.

والفضل في إنشاء هذه الجمعية أو المدرسة يعود إلى الشاعر الأديب أحمد زكي أبي شادي (1892 ـ 1955م) الذي لم تصرفه اهتماماته العلمية عن الأدب، والتفكير في إنشاء مدرسة تحتضنه وتهتم به. وقد أعلن أبو شادي ميلادها في القاهرة في شهر سبتمبر عام 1932م، وصدرت عنها مجلة تحمل اسمها، وتنشر أدبها، وتذيع أفكارها وآراءها، هي مجلة (أبولو).

وفي افتتاحية العدد الأول من أعدادها كتب أبو شادي يقول: "نظراً للمنزلة الخاصة التي يحتلها الشعر بين فنون الأدب، ولما أصابه، وأصاب رجاله من سوء الحال، بينما الشعر من أجل مظاهر الفن لم نتردد في أن نخصه بهذه المجلة، التي هي الأولى من نوعها في العالم العربي، كما لم نتوان في تأسيس هيئة مستقلة لخدمته، هي جمعية أبولو، حبا في إحلاله مكانته السابقة الرفيعة، وتحقيقا للتآخي والتعاون المنشود بين الشعراء، وقد خلصت هذه المجلة من الحزبية، وتفتحت أبوابها لكل نصير لمبادئها التعاونية الإصلاحية...".

وتضمن العدد الأول دستور الجمعية ونظامها وأغراضها، ويهمنا هنا ذكر الأغراض التي تمثلت في ثلاثة أمور:

  1. ـ السمو بالشعر العربي وتوجيه جهود الشعراء توجيها شريفاً.
  2. ـ ترقية مستوى الشعراء أدبياً واجتماعياً ومادياً، والدفاع عن صوالحهم (مصالحهم) وكرامتهم.
  3. ـ مناصرة النهضات الفنية في عالم الشعر.

وحيا شوقي الجمعية والمجلة بقوله:

"ترحيب شوقي"
أبولُّلو، مَرْحباً بِكِ يا أبولو      فإنكِ من عُكاظِ الشِّعرِ ظِلُّ
عُكاظُ، وأنتِ للبلغاءِ سُوقٌ على جنباتِها رحلوا وحَلُّوا
عَسى تأتينَنَا بمعلقاتٍ نروحُ على القديمِ بها نُدِلُّ
لعلّ مواهباً خِفيتْ وضاعَتْ تُذاعُ على يَدَيْكِ وتُسْتغَلُّ



وأسندت الجمعية رياستها إلى أحمد شوقي اعترافاً بأستاذيته وريادته في دنيا الشعر، وعقدت أول اجتماع لها في منزله ( كرمة ابن هانئ ) يوم الاثنين 10/10/1932، قبل وفاته بأربعة أيام فقط، وأخذت صورة تذكارية للمجتمعين بدا فيها شوقي يتوسط الحضور.

وتولى رياستها بعد شوقي خليل مطران (1871 ـ 1949م) الذي لقب بشاعر القطرين، ثم بشاعر الأقطار العربية واستقطبت الجمعية عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء في مصر وغيرها، نذكر منهم مصطفى صادق الرافعي، وأحمد محرم، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه (شاعر الجندول) وكامل كيلاني، وأحمد ضيف، وأحمد الشايب، ومحمود أبو الوفاء، وحسن كامل الصيرفي، وصالح جودت. وكانت جلساتها حافلة بالمناقشات الأدبية والنقدية الرامية إلى البحث في أنجع السبل لتطوير الأدب، ولاسيما الشعر، باعتباره أداة فنية تعبر عن روح الفرد والجماعة.

وأصبحت مجلتها ملتقى لإنتاج كثير من الشعراء والكتاب والنقاد في مصر وخارجها، فنشرت لشوقي، ومطران، ومحرم، والعقاد، والرافعي وزكي مبارك، ومحمد الأسمر، وإبراهيم ناجي، وعبد الحميد الديب، وسيد قطب، ومحمد عبد المعطي الهمشري، ومحمود غنيم، وأبي القاسم الشابي، ومحمد مهدي الجواهري، والتيجاني يوسف بشير، وإيليا أبي ماضي، وإلياس أبي شبكة، وآل المعلوف. واستمرت المجلة في الصدور حتى شهر ديسمبر عام 1934.

وعلى الرغم من أن عمرها لم يتجاوز سنتين وبضعة أشهر فإنها أثرت في الأدب العربي الحديث تأثيراً كبيراً، تمثل في القصائد والدراسات الأدبية والنقدية التي تولت نشرها، ذكر أنها نشرت أكثر من سبعمائة قصيدة، وأربعمائة دراسة تحليلية ونقدية، بالإضافة إلى تخصيص عددين لإحياء ذكرى شوقي وحافظ.

واحتضنت الجمعية إصدار عدد من دواوين أعضائها وكتبهم منها دواوين: الينبوع، وأطياف الربيع، وفوق العباب لأحمد زكي أبي شادي، وديوان الغمام لإبراهيم ناجي، والألحان الضائعة لحسن كامل الصيرفي، وكتاب أدب الطبيعة لمصطفى عبد اللطيف السحرتي.

ويتضح من أعضاء الجمعية ومن كتاب المجلة وشعرائها أنّ الجمعية لا تفرق في قبول عضويتها والانتساب إليها بين المقلد والمحافظ والمجدد، ومن يقف وسطاً بين التقليد والتجديد. ولذلك أنكر بعض الدارسين أن يطلق عليها مدرسة; لأنها تضم أدباء وشعراء لا يخضعون لتيار أدبي واحد، وأصروا على تسميتها بالجماعة أو الجمعية، كما نلاحظ عند الدكتور عبد العزيز الدسوقي في كتابه (جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث). وأرى أن إطلاق المدرسة عليها جائز إذا نظرنا إلى أثرها في تطوير القصيدة الشعرية والتجديد في بنائها الفني والداخلي، واحتضانها لمواهب الشعراء الشباب وتنميتها، والاتجاه إلى تشجيعهم بنشر إنتاجهم، ووضع أهداف محددة سارت على نهجها.

ومما ينبغي أن يشار إليه أن العقاد لم يكن على وفاق مع مدرسة أبولو، وحينما كتب ما كتب في عدد المجلة الأول لم يكن مشيدا ولا مادحاً، بل كان مفنداً ناقداً.

انتقد تسمية الجمعية بهذا الاسم اليوناني (أبولو)، واقترح اسم (عطارد) بديلاً عنه. كتب يقول: "مساهمتي في تحرير العدد الأول من مجلة أبولو ستكون نقداً لهذه التسمية التي لنا مندوحة عنها فيما أعتقد، فقد عرف العرب والكلدانيون من قبلهم، رباً للفنون والآداب أسموه عطارد، وجعلوا له يوماً من أيام الأسبوع وهو يوم الأربعاء ، فلو أن المجلة سميت باسمه لكان ذلك أولى من جهات كثيرة، منها أن أبولو عند اليونان غير مقصور على رعاية الشعر والأدب، بل فيه نصيب لرعاية الماشية والزراعة، ومنها أن التسمية الشرقية مألوفة في آدابنا ومنسوبة إلينا.. وكذلك أرى أن المجلة التي ترصد لنشر الأدب العربي والشعر العربي لا ينبغي أن يكون اسمها شاهداً على خلو المأثورات العربية من اسم صالح لمثل هذه المجلة، وأرجو أن يكون تغيير هذا الاسم في قدرة حضرات المشاركين في تحريرها". ورد عليه أحمد زكي أبو شادي، وذكر أن الجمعية استعرضت عدة أسماء للمجلة قبل اختيار اسم أبولو، ولم تنظر إليه كاسم أجنبي، بل كاسم عالمي محبوب، وأنه لا انتقاص للمأثورات العربية، وأن النقل عن الكلدانيين ليس أفضل من النقل عند الإغريق.

ولكن العقاد لم يقتنع بما قاله أبو شادي، أو أنه أراد ألا يقتنع; لأن الجمعية تضم أدباء وشعراء لا يرتاح إليهم العقاد، وفي مقدمتهم رئيسها شوقي، فوقف منها هذا الموقف الذي تحول فيما بعد إلى سجال نقدي بينه وبين بعض الأدباء المنتسبين إلى الجمعية، كرمزي مفتاح طبيب الأسنان الذي جمع مقالاته النقدية في العقاد وأصدرها في كتابه (رسائل النقد).

وإذا تجاوزنا هذا الأمر، ونظرنا إلى الأسس الفنية والأدبية التي قامت عليها المدرسة أو الجمعية فسنجد أنها دعت إلى الأعمال الأدبية الصادقة التي تعبر عن التجارب الشعورية في صور موحية، وإلى الوحدة العضوية في القصيدة، وإلى اليسر في التعبير والأفكار والأخيلة، والتحرر من القوالب والصيغ المحفوظة، والابتعاد عن التكلف والافتعال، والتغني بالطبيعة والريف الساحر، وظهور الشخصية الأدبية.

وقد لاقت دعوتها قبولاً في أوساط الشعراء الذين انتسبوا إليها وعاشوا في ظلها، وتابعوا إنتاجها وبخاصة عند كوكبة من الشعراء المتميزين كأبي شادي، وأبي القاسم الشابي، وإبراهيم ناجي، وحسن كامل الصيرفي، وإيليا أبي ماضي.

وانفرط عقد المدرسة برحيل رائدها الأول أبي شادي إلى المهجر الأمريكي عام 1946، بعد أن ضاقت به سبل الحياة والعيش في مصر، وأوذي من بعض المنتسبين إلى الأدب.

وأنشأ الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي على أنقاض مدرسة أبولو (رابطة الأدباء)، واستمرت حتى وفاته عام 1953م، ثم غير اسمها إلى رابطة الأدب الحديث، وأسندت رياستها إلى الناقد مصطفى عبد اللطيف السحرتي (1320 - 1403هـ = 1902 - 1983م)، حتى وفاته، ثم تسلم الراية من بعده الأستاذ الدكتور العلامة محمد عبد المنعم خفاجي، ولا يزال حتى إعداد هذا الكتاب للنشر مشرفاً عليها، حفيّا بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش