حصار الفالوجا

حصار الفالوجا، وقع في أكتوبر 1948 حيث حاصرت القوات اليهودية لواء مصري كان متمركزاً في قرية عراق المنشية، بالقرب من الفالوجا. كان اللواء بقيادة الأميرالاي سيد محمود طه، ويضم كبار ضباط الجيش المصري والعديد من الضباط الأحرار، ومن بينهم الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر. استمر الحصار حتى نهاية فبراير 1949 حيث قام رجال متطوعين من الإخوان المسلمين بالاشتباك مع القوات الإسرائيلية التي كانت تحاصر اللواء المصري. بعد الهدنة الشاملة، وانسحاب الجيش المصري في فبراير 1949 تم استيلاء اليهود ـ بموجب الهدنة ـ على البلدة، ثم قاموا بتطهير عرقي شمل من تبقى من سكان البلدة استمر إلى أبريل من نفس السنة.

أعمال قتال الجانبين في جيب الفالوجا ديسمبر 1948.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

 
جمال عبد الناصر في زيه الميداني في الفالوجا أثناء حصار الفالوجا 1948.

في فجر يوم 15 مايو 1948، وهو اليوم الذي أنهت فيه بريطانيا احتلالها لأرض فلسطين اندفعت الجيوش المصرية تتسابق في الدخول إلى فلسطين. وكانت الخطة أن يطوقوا تل أبيب بعد أيام قليلة ناسين أو متناسين ما تتطلبه تحركات الجيوش من تخطيط وإعداد وحماية وتأمين لطرق المواصلات. اندفعت القوات المصرية شمالاً على الطريق الساحلي لفلسطين إلى إشدود مقتربة من تل أبيب ثم اتجهت شرقاً واحتلت خط المجدلالفالوجا-عراق المنشيةبيت جرين-الخليل لتفصل الشمال حيث يتمركز اليهود عن جنوب النقب حيث توجد المستعمرات اليهودية تحاصرها القوات المصرية. وبعد الهدنة استغل اليهود نقطة ضعف خطوط المواصلات الجيش المصري وهي طولها التي ظلت دون حماية ولا حراسة فقاموا بتقطيعها فارتبكت القوات الأمامية وانزعجت واضطرت القيادات إلى تقصير خطوطها وأمرت بانسحاب قواتها بل تقصير خطوطها وأمرت بانسحاب قواتها بل وانسحبت بعض القوات دون أوامر ودون خطة مرسومة مما أضعف الروح المعنوية للجيش.[1]

وكانت القوات التي ثبتت في مواقعها دون أن تنسحب هي قوات موقع الفالوجا – التي تقع في الخط الفاصل بين شمال وجنوب إسرائيل مما يدل على أهميتها الاستراتيجية البالغة – بقيادة اللواء سيد طه وكانت تقدر بلواء من المشاة بأسلحتها المساعدة أي بحوالي أربعة آلاف جندي أو بما يعادل ثلث الجيش المصري كله الموجود في أرض فلسطين في ذلك الحين.

تقع قرية الفالوجا إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة على بعد 30 كم منها، وهي رقعة كثيرة التلال في السهل الساحلي لفلسطين وعلى مقربة منه يقع وادي الفالوجا، وتعد القرية مركز شبكة طرق اقيمت في موقع كان يعرف بزريق الخندق، وقد بدل اسمها إلى الفالوجة تكريما شهاب الدين الفالوجي الصوفي العراقي الذي جاء إلى فلسطين من العراق في القرن الرابع عشر. وقد زار الرحالة الصوفي "مصطفى البكري الصديقي" مقام الشيخ الفالوجي بعد مروره ببيت جبرين في اواسط القرن الثامن عشر كان في القرية عشية النكبة مسجد يضم ثلاث أروقة تعلوها قبب كان في احدها مقام الشيخ الفالوجي ومدرسة للبنين فتحت أبوابها سنة 1919، وأخرى للبنات فتحت أبوابها سنة 1940 ومجلس بلدي وسوق تجارة أسبوعي وعدة آبار للمياه وقد وقعت فيها معركة الفالوجة عام 1948، والتي شارك فيها الجيش المصري ضد الغزاة الإسرائيليين.


الحصار

 
الأميرالاي سيد محمود طه قائد اللواء، أثناء الاستقبال الجماهيري لأفراد اللواء عقب عودتهم إلى مصر.[2]

رفض قائد القوات المصرية في الفالوجا اللواء سيد طه، الذى اشتهر باسم "الضبع الأسود" أي فكرة للتسليم. والحقيقة أن صمود القوات المصرية في هذه المنطقة يرجع إلى هذا القائد البطل الذي كان لروحه العالية وموقفه المشرف صدى كبير في رفع معنويات جنوده وصمودهم لمصاعب الحصار وتحملهم لمتاعبه. فقد استمر الحصار لمدة طويلة واضطرت القوات المحاصرة إلى أن تنقص تعيناتها إلى ربع الكمية المقررة بل واستعاضوا عنها "بالدشيشة والبلبلة" يصنعونها من القمح الذي يجدونه في البلدة المحاصرة.[3]

وعندما طال الحصار وساءت الأحوال الصحية للجنود وكثر الجرحى لجأت الحكومة المصرية إلى القيادة العامة للجيوش العربية وكان يتولاها الملك عبد الله ملك الأردن تعاونه هيئة مستشارين من جميع الدول العربي فتدخل الفريق جلوب باشا الضابط الإنجليزي وقائد الفيلق العربي الأردني ووضع خطة تنحصر في أن يقوم الجيش الأردني بإشغال قوات اليهود بمناوشتها عند بيت جبرين وفي هذه الأثناء يقوم قائد الفالوجا بتدمير أسلحته الثقيلة ثم ينسحب هو وجنوده الأربعة آلاف متسللاً على الأقدام من طرق سرية وأن يتم هذا كله تحت إشراف ضباط إنجليز بقيادة ميجور "لوكت" وهو من قادة الجيش الأردني.

ووصل الضباط الإنجليز إلى الفالوجا وعرضوا خطتهم على فائدتها سيد طه الذي اكتشف على الفور إنها ليست إلا كميناً نصبه جلوب للقوات المصرية المحاصرة حتى يأسرهم اليهود كلقمة سائغة بعد أن عجزوا عن هزيمتهم. فقام بطرد الضباط الإنجليز من معسكره شر طردة وصمم على موقفه السابق وهو الصمود لآخر طلقة وآخر رجل ولكن الموقف كان شديد الخطورة فقد أوشكت جميع التعينات على النفاذ.

طلب سيد طه قائد الفالوجا الإمدادات بعد أن أصبح الموقف حرجاً لنفادها وحاول الجيش المصري إمداد القوات المحاصرة عن طريق الطيران إلا أنه فشل في ذلك بسبب ضيق حلقات الحصار ثم حاول مرة أخرى إمداده عن طريق غزة فلم يتمكن من ذلك بسبب سيطرة اليهود على الطريق وتحكم قواتهم في منافذه. فاتصلت قيادة الجيش المصري المحاصر في الفالوجا بالمؤن اللازمة ورأت قيادة القوات الخفيفة أن خير من يقوم بهذا العمل هم متطوعو الإخوان المسلمين.

ونجح المتطوعون في إدخال مئة صندوق من المؤن إلى القوات المحاصرة على 53 جمل ودعاهم قائد القوات المصرية إلى وليمه ذبح خلالها خمسون جمل من جمالهم وترك لهم 3 فقط وأحس اليهود من الوليمة أن هناك شيئاً يحدث داخل معسكر القوات المحاصرة فشن هجوماً هو الأعنف منذ بدء الحصار ولكن شجاعة الجنود وقائدهم الضبع الأسود ردت اليهود على أعقابهم.

جهود فك الحصار

توالت رسائل طلب المدد والنجدة من قائد قوات الفالوجة إلى القيادة العامة للجيش، جرّاء النقص الخطير في المواد الغذائية وقطع الغيار والذخيرة "لم يبق من التعيينات إلا ما يكفي لأربعة أيّام بالمعدل المخفض بواقع الربع. مطلوب ذخيرة بكميات وافرة، وأدوية، وبنسلين، ويود، وأربطة، ونوشادر. كذلك قطع غيار الأسلحة، وبالأخص إبر ضرب النار للبرن والفيكرز والبنادق" (8 نوفمبر 1948).[4]


بعدها بيومين، تلّقت القيادة المصرية هذه الرسالة: "لا زالت المعركة دائرة بمنتهى الشدة مدة 36 ساعة. موقعنا أصبح خطيرًا جدًا رغم دفاعنا المستميت، وخسائرنا كثيرة، الذخيرة تتلاشى بسرعة، خسائر الأسلحة كبيرة، أصبحت أشكّ في إمكان الدفاع أكثر من ذلك"، وهذه الرسالة أيضًا: "لا توجد أربطة ولا أدوية لإسعاف الجرحى. أنا مصمّم على إرسال الأدوية والذخيرة بالإسقاط من الجو، المعركة مستمرة". وفي 13 تنوفمبر: "مطلوب ذخيرة بكميات كبيرة باكرًا، نبّهوا الطائرات لإلقائها وسط الفالوجة، أرسلوا ذخيرة صغيرة وهاون بنوعية وطلقات إشارة".

أمّا الصاغ جمال عبد الناصر، فكتب في دفتر يومياته، ومنذ الأيام الأولى للحصار، وتحديدًا في الرابع من نوفمبر، أنّ "الذخيرة نفدت تقريبًا، الهاون 3 ليس له ذخيرة، الهاون 4.2 بوصة تبقى منه 130 طلقة فقط. أما الطعام فهو لحم ورز باستمرار للضباط، ولحم وعدس للجنود". ثم بعدها بخمسة أيام فقط يكتب بأنّ "الطعام عبارة عن أرز وشوربة فقط".

في هذه الظروف الصعبة، كان الأميرالاي سيد محمود طه (الملقّب بـضبع الفالوجة أو الضبع الأسود لصموده وشجاعته في المعركة، وبسبب معرفته بظروف قواته، وبأن المقاومة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد) يحثّ القائد العام لقوات فلسطين، اللواء أحمد فؤاد صادق، على إرسال النجدات وإيجاد طريقة لتخليص جنود الفالوجة وأهلها من الحصار المحكم. كان أحيانًا يظهر واقعيًا إلى درجة التردد، ولكن سرعان ما يعود إلى بسالته فيصبح مستعدًا للموت وهو راضٍ بمصيره المحتوم، وذلك بعد أن يشير عليه ضباطه الشبان بأن لوجودهم في الفالوجة الفضل الأول في تعطيل تقدم الجيش الصهيوني إلى الحدود المصرية. أو بعد تلقيه رسالة من اللواء صادق، والذي يشيد دائمًا بصموده وضباطه وجنوده، ويستنهض همة "الضبع الأسود"، في إشارة إلى شرف الجيش المصري، وماذا سيكتب التاريخ العسكري عن هذا الصمود الأسطوري.

بعد اللقاء الذي حدث بين قائد لواء الفالوجة وقائد القوات الإسرائيلية في النقب، ازدادت حدة وقوة الهجمات على جيب الفالوجة. في اليوم التالي، أصدر قائد عمليات المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، يتسحاك رابين، أمرًا عسكريًا هدفه القضاء على جيب الفالوجة، وذلك بواسطة قطع الاتصال بين عراق المنشية والفالوجة، وقصف جوي مستمر على القريتين، وقصف مدفعي مباشر ومن كل أنواع المدافع المتوفرة (كما جاء في الأمر)، وتنفيذ دوريات عنيفة على القريتين، واستعمال الدعاية بكافة أنواعها من أجل تخويف ومن ثم إقناع المحاصرين بالاستسلام للجيش الإسرائيلي.

كان هذا الأمر يقضي بأن ينفّذ القصف المدفعي الشديد ليلا، وكذلك تنفيذ دوريات لسيارات الجيب المصفحة في طريق الفلوجة-عراق المنشية، وعلى كافة حدود الفالوجة، وتنفيذ هجمات على عراق المنشية من جهة الشارع المؤدي إلى بيت جبرين. أما في النهار، فيتم إطلاق النار بواسطة الأسلحة الخفيفة، ومحاولة قنص العدد الأكبر من سكان القريتين. في ساعات بعد الظهر، يتم قصف الفالوجة بواسطة الطائرات القاذفة الثقيلة. ويتلخص الأمر بضرورة احتلال أي مخفر تخليه القوات المصرية حول القريتين، مهما كلف الثمن.

وبفعل هذا الأمر، بقي الضرب والقصف مستمرّين طوال الأيام القادمة، وخاصة في ساعات الليل، حيث كان القصف المدفعي مكثفًا، بينما يحجم المصريون عن الرد من أجل المحافظة على الذخيرة، إلا فيما ندر، أو لمنع احتلال موقع أو جسر أو طريق، حتى لا يتم الفصل بين القريتين، إذ فهمت القيادة المصرية منذ بداية الهجمات أن الهدف الصهيوني هو احتلال جسر يربط بين الفالوجة وعراق المنشية، ولذلك تم تقوية وتحصين موقع الجسر.

كانت ليلة 16-17 نوفمبر 1948 من أعنف الفترات التي مرت على القوات المصرية في الفالوجة، وقد وصفها الأميرالاي سيد محمود طه في دفتر يومياته هكذا "ليلة الأمس أصعب وأقسى ليلة واجهتها الفالوجة، استمر قصف العدو بالطائرات لمدة 12 ساعة متواصلة، من الساعة السابعة مساء حتى السابعة صباحًا تقريبًا. بدأ القصف الجوي بطائرات ذات محرك واحد، حيث أسقطت هذه 300 قنبلة فوسفورية تسببت بحرائق في القرية. في الساعة العاشرة، بدأت قاذفات ذات محركين وحتى أربعة محركات بقصف القرية. عدد الطلعات الجوية لهذه القاذفات، وصل إلى 19 طلعة، ألقي خلالها أكثر من 180 من القنابل الثقيلة. خلال الهجوم الجوي تم تفعيل مدافع العدو الثقيلة وأسلحته الخفيفة بدون توقف. هدمت بيوت كثيرة، وسقط الكثير من الضحايا".

وعن الليلة التي تلتها كتب السيد طه في يومياته: "الليلة الفائتة كانت أصعب وأقسى من سابقتها، استمرت هجمات العدو كل الليل، وأسقطت الطائرات على الفلوجة أكثر من 1000 قنبلة. لم يظلم العدو أيّة نقطة في الفالوجة، حيث أنّه وزّع قذائفه بالتساوي في كل زواياها، بحيث لم تبق قطعة أرض بدون أن تصيبها القنابل. مع ذلك، كانت خسائرنا في الأرواح طفيفة. دمرت طائرات العدو مضخة الماء التي أصلحت في الأسبوع الماضي".

تؤكد المصادر الصهيونية هذه المعلومات، فحسب هذه المصادر كان عدد الطلعات الجوية، في الليلتين المذكورتين في يوميات قائد لواء الفالوجة، 73 طلعة، أسقطت خلالها 1136 قنبلة فوسفورية بوزن إجمالي مساوٍ لـ3408 كيلوغرامات.

عملية دمشق الوهمية لفك الحصار

لا دخل لدمشق أو لسوريا بهذه العملية، إلا اسمها أو بالأحرى رمزها. وهذه العملية هي خطة وضعتها قيادة الجيش الأردني لتخليص لواء الفالوجة من الحصار.

بدأت فكرة العملية بعد توجه العميد سعد الدين صبور، والعقيد حسين سري عامر، أركان حرب سلاح الحدود، والمقدم حسين أحمد مصطفى إلى عمان من أجل أن تساهم هذه في مساعدة اللواء المصري المحاصر، وذلك بأن تقوم بتوصيل إمدادات إلى الفالوجة، وأن تعمل على تدبير قوة من الجيوش العربية تهاجم القوات الصهيونية، بهدف إلهائها عن الجند المحاصرين، وبذلك تتوفر الفرصة لفتح الطريق أمام القوات المصرية المتواجدة في جيب الفالوجة وسحبها خارج الحصار. والسبب في التوجه إلى الأردن بالذات، هو أن الملك عبد الله بن الحسين، كان القائد العام للقوات العربية التي تحارب في فلسطين، وقام الملك عبد الله وبعد لقائه الوفد المصري بتحويلهم إلى قائد الجيش الأردني، غلوب باشا.

كانت الخطة الموضوعة من قبل غلوب باشا بعد لقائه الوفد تقضي بأن تعزّز القوات المصرية العاملة في بيت لحم والخليل والظاهرية، بكتيبة عراقية وأربعة مدافع من نوع هاوتزر، على أن يتم وضع جميع القوات المصرية والأردنية والعراقية الموجودة في هذه المنطقة، تحت قيادة الأميرالاي سعد الدين صبور، رئيس هيئة المستشارين العسكريين المصريين في عمان. وتقوم هذه القوات بمهاجمة القوات الإسرائيلية في بيت جبرين والدوايمة، وكذلك يتم تقوية دفاعات الظاهرية لتتمكن من صد أي هجوم إسرائيلي من جهة بئر السبع. في نفس الوقت تتسلل جماعة من القوة الخفيفة الموجودة في بيت لحم إلى الفالوجة، ومعها 300 رطل من المتفجرات وبعض الذخائر من أجل استعمالها في تدمير الأسلحة والمعدات المصرية الثقيلة، حتى يتسنّى خروج القوات من الفالوجة بدونها. وتقوم القوات المحاصرة بالانسحاب مشيًا على الأقدام باتجاه الجنوب الشرقي نحو خربة الأمير، وعليها أن تتجنّب المناطق اليهودية خلال سيرها حتى الظاهرية. وخلال انسحابها تقوم القوات الجوية المصرية بحمايتها في وجه أي هجوم إسرائيلي محتمل.

من أجل تنفيذ هذه الخطة، عقد الأميرالاي سعد الدين صبور، مؤتمرًا عسكريًا في بيت لحم، بتاريخ 18 نوفمبر 1948 عند الساعة 11:00. حضر المؤتمر قائد الفوج العراقي العقيد الركن أنيس وزير، والميجور لوكيت آمر القوة الأردنية في بيت لحم وترقوميا، وقادة الوحدات المصرية التي ستشارك في العملية، وعلى رأسهم: العقيد أحمد سيف خليفة، والمقدم عبد الجواد طبالة قائد الوحدة الخفيفة في بيت لحم، والرائد حسين أحمد مصطفى، والعقيد حسين سري عامر، والنقيب معروف الحضري.

سقوط العملية دمشق

قرّر المؤتمر أن تنفّذ خطة "دمشق" على النحو الآتي: يقوم النقيب معروف الحضري برفقة الميجور لوكيت، ومساعده الصول فورستال، وضابط صف أردني، بدراسة الطريق أو الطرق المحتملة لإخراج اللواء المصري المحاصر عن طريق الظاهرية، على أن تنفذ هذه المهمة بعد غروب شمس يوم 19 نوفمبر 1948. في المرحلة الثانية وعند وصول هؤلاء إلى الفالوجة، تعرض الخطة على الأميرالاي سيد محمود طه بيك، وإذا وافق عليها يتم تفجير الأسلحة والمعدات الثقيلة على يدي 500 فدائي من الإخوان المسلمين، ويبقى الميجور لوكيت معهم لتنفيذ الأمر. وفي النهاية، تخرج القوة المحاصرة إلى خارج الفالوجة، على أن تقوم القوات الأردنية في ترقوميا، والقوات المصرية في الخليل والظاهرية وخربة العوا وخربة الوبيدا والمكونة من الإخوان المسلمين، وقوات الجهاد المقدس الفلسطينية، بتنفيذ غطاء لهذه القوات يمكنها من الاستمرار في انسحابها أن شعر بها الإسرائيليون.

استطاع الحضري ولوكيت ومرافقيهما الوصول إلى نطاق الأسلاك الشائكة في عراق المنشية قبل بزوغ الفجر بساعة ونصف، حسب الموعد المقرر في الخطة، وهناك قابلهم النقيب عبد الخالق أبو السبع، وأخذهم معه إلى العقيد حسين كامل قائد الكتيبة السادسة مشاة، والتي تدافع عن عراق المنشية، والصاغ جمال عبد الناصر، رئيس أركان حرب الكتيبة السادسة. وتوجهوا معا إلى الفالوجة بعد الظهر في سيارة مدرعة، وكان في انتظارهم الأميرالاي سيد طه وعدد كبير من الضباط، من بينهم الضابط زكريا محيي الدين، والرائد صلاح سالم، والمقدم رزق الله عطية رزق الله رئيس أركان حرب اللواء الرابع، أي لواء الفالوجة، وقائد الكتائب الثلاثة المحاصرة.

استلم السيد طه رسالة الأميرالاي سعد الدين صبور، وبعد أن قرأها وعرف فحواها، طلب من الحضري والآخرين أن يخرجوا ليختلي بضباطه وأركان حربه. خلال تباحث ضباط الفالوجة مع قائدهم، عاد النقيب معروف الحضري إلى الظاهرية، وأحضر معه في فجر اليوم التالي، الموافق 21 نوفمبر 1948، قافلة من الجمال مكونة من 45 جملًا محملة بالمؤن والأدوات الجراحية والأدوية والذخيرة (77 ألف طلقة رصاص، و88 قذيفة مدفع 25 رطلا، و240 طلقة مدفع 6 أرطال). بعد عودته، التقى مجددًا بقائد الفالوجة وضباطه، ومعه الميجور لوكيت ومرافقيه.

خلال النقاش، الذي أجراه ضباط اللواء الرابع المصري، كانت الأسئلة المطروحة هي: لماذا لم يحمل الرسول الإنجليزي ما تيسر من ذخيرة أو تموين أو دواء للفالوجة؟ من قال له ولصبور إن قوات الفالوجة بحاجة إلى خبراء في تدمير الأسلحة؟ كيف يمكن ضمان سلامة انسحاب 4000 جندي؟ أهي خطة بريطانية بالاتفاق مع اليهود؟ هل يمكن التسلل عبر خربة الأمير، كما في الخطة، المليئة بالصهاينة؟

أرسلت كل هذه التساؤلات للواء أحمد فؤاد صادق، والذي كان رده حاداً وقاطعاً، أنْ "اطرد السكير لوكيت من مواقعك، فهذا ليس مشرّفًا لجيشنا، بل كارثة حقيقية. دافع عن مواقعك حتى آخر طلقة وآخر رجل، فذلك ما يناسب جنود مصر". وأرسل إلى القاهرة هذه الرسالة: "لو كانت قوات اللواء الرابع المشاة قد انسحبت ليلًا من الفالوجة لحدث بها ما أتوقعه من دمار، ولضاعت هذه القوة وضاع شرفها وشرف مصر كلها. ابعدوا عنا الكابتن غلوب".

أما السيد طه فقد قام بطرد الميجور لوكيت، وأبلغه برفضه للخطة التي ستعرض قواته للخطر، وبأنّ القيادة العامة المصرية تشاركه نفس الرأي.

عملية القاهرة لتدمير قوات الفالوجة

كان اللواء أحمد فؤاد صادق والأميرالاي سيد محمود طه محقين في رأيهما، حيث كانت المخابرات العسكرية الإسرائيلية تصلها كل البرقيات المرسلة بين لواء الفالوجة والقيادة العامة للجيش المصري، بعد أن استطاعت تفكيك الشفرة المصرية المستعملة خلال حرب 1948. ولذلك، كانت تعرف بتفاصيل "خطة دمشق"، وعليه أعدت من طرفها خطة عسكرية هدفها القضاء على قوات الفالوجة حال خروجها من القريتين المحاصرتين، خاصة أن هذه القوة ستكون بدون أسلحة ثقيلة. أطلق على هذه الخطة "عملية القاهرة".

كانت الخطة تقضي بوجوب إحكام الحصار حول جيب الفالوجة، والانقضاض على قواته حال محاولتها خرق الحصار، وعزل القوات العربية في منطقة الخليل عن القوات المتواجدة في بيت لحم، وصدّ الهجمات المحتملة من اتجاه الدوايمة والقبيبة وبيت جبرين، أو من بير عسلوج، أو حتى من المنطقة الجنوبية الغربية للجبهة المصرية. ومواصلة الضغط على القوات العربية لتهديد منطقة الخليل وقطع طريق بيت لحم - الخليل بواسطة احتلال مواقع قريبة منه، وهي موقع الحادر قرب برك السمان وموقع الرأس.

كانت الخطة الإسرائيلية تحتاج قوات كبيرة لتنفيذها، ولذلك كان على الألوية گڤعاتي ويفتاح وگولاني وهنيگيف واللواء الثامن المدرع، مهاجمة جيب الفالوجة، بالإضافة إلى لواء إسكندروني وقوات الحرس الوطني المتواجدة في النقب. أمّا منطقة الخليل، فتتم مهاجمتها عن طريق لواء هرئيل والذي عليه احتلال موقع الحادر. كذلك تتم مشاركة القوات الجوية الإسرائلية بواسطة سرب مقاتلات وسرب قاذفات ثقيلة.

لم تخرج الخطة إلى حيز التنفيذ، بسبب رفض الأميرالاي سيد محمود طه لخطة دمشق. وقد أكّدت قيادة الجيش المصري ورئيس هيئة أركانها الفريق عثمان المهدي، على صحة رأي السيد طه برفض الخطة التي عرضت عليه، بعد مؤتمر عقدته قيادة الجيش خصيصًا لذلك بين 2-4 ديسمبر 1948. وقد توصل المؤتمر إلى نتيجة مفادها أن عملية تخليص قوات الفالوجة من الحصار، هي عملية محفوفة بالمخاطر الكبيرة، ولذلك يقرر في شأنها أصحاب الشأن المباشر وهم السيد محمود طه، واللواء أحمد فؤاد صادق، قائد القوات المصرية في فلسطين.

من الجدير ذكره هنا أنّ النقيب معروف الحضري كان قد حاول إدخال قوافل تموينية أخرى للفالوجة ولكن محاولاته فشلت، حيث أنّ الإسرائيليون عرفوا بالأمر. ولذلك، قامت باعتراض القافلة في خربة الوبيدا في ليلة 24-25 نوفمبر 1948، فانسحبت القافلة ولم تنجح في الوصول إلى هدفها، وكانت هذه المحاولة الأخيرة للنقيب الحضري، لإيصال قوافل إمدادات للفالوجة، إذ أصبح الصهاينة يستهدفون قوافل الجمال، حتى لا يتمكن أحد من إيصال معونات للجند المصريين المحاصرين في جيب الفالوجة.

قامت قيادة الجيش الإسرائيلي في بداية نوفمبر 1948، بتبديل لواء گڤعاتي المتواجد في النقب بلواء إسكندروني الذي تواجد في منطقة الساحل شمال تل أبيب، وذلك حتى يأخذ سكندروني مهمة تطويق الفالوجة وعراق المنشية، ومنع وصول أي إمدادات إليهما، بل وتنفيذ هجمات دائمة بواسطة القوات الراجلة وسيارات الجيب، من أجل تضييق الخناق أكثر فأكثر على الجنود المصريين المحاصرين في جيب الفالوجة، ومن ثم تنفيذ خطة هجومية شاملة على قرية عراق المنشية واحتلالها والتمركز داخلها، من أجل استعمالها لقصف قرية الفالوجة حتى استسلام كل الجنود المصريين وقائدهم العنيد، والذي رفض أن يستسلم مقابل حياته وحياة جنوده، بل آثر الدفاع حتى آخر جندي وآخر رصاصة.

كانت خطوط الدفاع المصرية داخل الجيب مكوّنة من منطقتين رئيستين: في الفالوجة، حيث تتواجد القوات المدرعة وبطاريات المدفعية، وراجمات القنابل الثقيلة، وكتيبتين كاملتين من اللواء الرابع المحاصر. أمّا في عراق المنشية فتمركزت هناك الكتيبة السادسة بنادق مشاة، مدعمة بسرية من المناضلين الفلسطينيين. كانت كل منطقة دفاعية محصنة بشكل منفرد عن الأخرى، وتحيطها الأسلاك الشائكة من كل النواحي. أمّا الشارع الواصل بين القريتين فقد كان يحرسه مخفران عسكريان يقعان جنوب الشارع، هما مخفر الجسر - وكان الأكثر تحصينًا بينهما - وهو الأقرب إلى الفالوجة منه إلى عراق المنشية، والآخر هو مخفر الشارع، الذي كان تحت سيطرة فصيل من السودانيين. كانت وظيفة هذين المخفرين هي منع فصل قرية عراق المنشية عن الفالوجة وبالعكس.

كانت قرية عراق المنشية محاطة بالأسلاك الشائكة من جميع الجهات، بل وكان هناك أكثر من جدار واحد من الأسلاك في بعض المناطق التي يسهل الهجوم على القرية من خلالها. الناحية الشمالية للجدار الشائك كانت مزروعة بالألغام، حيث أنّها كانت من ناحية مستعمرة "جت". كذلك، كانت القرية محاطة بالخنادق التي حفرها الجنود المصريون، كما قام هؤلاء بحفر خنادق غير مرئية لطائرات الاستطلاع الصهيونية، خلف الصف الأول من البيوت، وذلك لمفاجأة أي جنود مشاة يتمكنوا من الدخول إلى القرية.

كانت قرية عراق المنشية محصنة بطريقة تشير إلى المعنى من ورائها: الموت في المعركة أو النصر على العدو، حيث أنّ الجنود المصريين في الخنادق سيكونون معرضين إلى هجمات مكثفة وعنيفة في حالة دخول الجنود الصهاينة إلى القرية.

اختارت القيادة العسكرية الإسرائيلية عراق المنشية لتنفيذ هجومها على الجيب، وليس قرية الفالوجة، كون هذه هي الأكثر تحصينا وعدة وعتادًا، مع أن عراق المنشية كانت قد كبدت لواء شموني الإسرائيلي المدرع، هزيمة ساحقة في بداية حملة يوآڤ.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التحضير للهجوم على عراق المنشية، عملية حيسول

تم اختيار اسم حيسول، أي تصفية بالعربية، ومعناه "تصفية جيب الفالوجة". كانت خطة هذه العملية معدة منذ نوفمبر 1948، إلا أنّ تنفيذها تقرر أن يكون خلال حملة كبيرة شاملة ضد الجيش المصري في فلسطين، وهي حملة حوريڤ، والتي بدأت في ليلة 22-23 ديسمبر 1948، بحيث تبقى قوات إسكندروني في مواقعها، وتستمر في تشديد الحصار على الفالوجة ومنع أي محاولة لنجدة لواء الفالوجة، سيقوم بتنفيذها أي من الجيوش العربية، خلال انشغال وحدات الجيش الصهيوني بحملة حوريڤ. ولما لم يتم تقديم أية مساعدة للجيش المصري خلال الحملة، ولأنّ هذه الحملة تقدمت حسب الخطة الموضوعة لها، صدرت الأوامر بضرورة تنفيذ عملية حيسول، من أجل القضاء على وحدات الجيش المصري المحاصرة، وتصفية ما يسمى بجيب الفالوجة إلى الأبد، على أن ينفذ الهجوم في ليلة 27-28 ديسمبر 1948.

من أجل وضع الخطة النهائية لعملية حيسول، قامت وحدات من إسكندروني بتنفيذ جولات استطلاعية حول قرية عراق المنشية بهدف الوصول إلى نقطة الضعف التي يمكن من خلالها اختراق خطوط الدفاع المصرية القوية. وقد نفّذت هذه الجولات في الليلتين اللتين سبقتا ساعة الصفر، أي ليلة 25-26 وليلة 26-27 ديسمبر، وخلال هذه الجولات قامت إحدى الوحدات بإطلاق قذيفة فيات على القوة المصرية المتواجدة عند الجدار الشرقي، ولكن هذه ردت بإطلاق رصاصتين فقط. وحدة صهيونية أخرى أطلقت قذيفة فيات على قوة مصرية أخرى، والتي لم تردّ بالمرة على النيران الصهيونية، ما صعّب على "إسكندروني" معرفة المنطقة المحصنة جيدًا. في الليلة الثانية، تم تنفيذ رصد دقيق لتحركات الجيش المصري من كافة جهات عراق المنشية، إلا أنّ الوحدات التي نفذت هذه الطلعات لم تشعر بأي حركة تشير إلى ما يوجد داخل الأسلاك الشائكة. ولذلك، تم تنفيذ جولات استطلاعية خلال نهار 27 ديسمبر، وبعد هذه الجولات اعتقد قائد لواء إسكندروني بأنهم توصّلوا إلى الحل الأمثل لاحتلال القرية العربية.

خلال هذه الجولات الاستطلاعية، كانت عراق المنشية تتعرض لهجمات من الطائرات والمدفعية الصهيونية، ففي 25 ديسمبر، "حلّقت طائرة معادية، وضربت الفالوجة بحوالي 65 قنبلة، وضرب العدو عراق المنشية بمدافع الهاون والأسلحة الخفيفة، ضرباً شديداً لمدة ساعة"، كما وصف ذلك جمال عبد الناصر في يومياته. واستمر في الوصف "في يوم الأحد 26 ديسمبر، حلّقت طائرة في المساء وضربت عراق المنشية، وحلقت طائرات وضربت الفالوجة، النشاط مزداد جدا بالنسبة للعدو، الطائرات تحلّق كل الليل وتضرب القنابل. سقطت قنبلتا هاون على مجموعة من الأهالي فجرح 12 ومات 3. في يوم الإثنين 27 ديسمبر، كان هذا اليوم عصيبا جدا، وبدأت شدته في الساعة 08:30، عندما حلقت فوقنا خمس طائرات معادية، وضربت البلدة بالقنابل الثقيلة جدًا. في الساعة 09:00، بدأ العدو بضرب عراق المنشية بالمدفعية الثقيلة، وكان الضرب شنيعًا حتى أنّنا فضّلنا عليه ضرب الطائرات، واستمر هذا الضرب حتى الساعة 22:00، وكان المعدل طلقة كل دقيقة. في الساعة 16:00 حلقت ست طائرات معادية وضربت البلدة بقنابلها الثقيلة".

صحيح أنّ الهجمات الإسرائيليةعلى عراق المنشية والفالوجة كانت تنفذ بشكل يومي (أو ليلي) منذ أكثر من شهرين ونصف، إلّا أن كثافة النيران في هذه الأيام كانت أقوى وأشد، وتشير إلى احتمال تنفيذ هجوم كبير على جيب الفالوجة.

القوات التي كان عليها تنفيذ الهجوم والمشاركة فيه هي: كتيبتان قوات راجلة وهما الكتيبة الثالثة والخامسة من إسكندروني، وسرية سيارات جيب، وسرية أسلحة مساعدة من الكتيبة الرابعة لنفس اللواء، وبطاريتي مدفعية 75 مم، وبطارية عيار 65 مم، وبطارية سلاح مضاد للدبابات، و6 راجمات 6 إنش، وبطارية راجمات 120 ملم.

كانت خطة عملية "حيسول" تقضي بأن ينفذ قصف مدفعي كثيف خلال اليوم الذي يسبق الهجوم، والاستعانة بسلاح الجو في تكثيف هجماته خلال نهار 27 ديسمبر. مع انتهاء القصف المدفعي يتحول قسم من الأسلحة إلى الكتيبة الخامسة، والتعاون مع الكتيبة الثالثة والتي كان عليها اقتحام خطوط الدفاع المصرية من الجهة الجنوبية الغربية للقرية. على الكتيبة الثالثة، بعد الاقتحام، أن تتمركز على التل الذي يقع في الناحية الشمالية لعراق المنشية. تقوم سرية من الكتيبة الخامسة باحتلال المخفر المصري والمسمى مخفر الطريق الذي تصل عراق المنشية بالفالوجة، وتقوم وحدة خبراء متفجرات بتفجير الجسر الواصل بين القريتين، وتلغيم أطرافه من الجهتين، وذلك لمنع وصول أي نجدة من الفالوجة لعراق المنشية.

أمّا السرية الثانية للكتيبة الخامسة/إسكندروني، فتقوم بمهاجمة القرية من الناحية الشرقية للقرية، وهي الناحية التي تم منها الهجوم الفاشل خلال حملة "يوآڤ"، وذلك بقصد التمويه عن الهجوم المركزي. كان على سرية من الكتيبة الثانية أن تتقدم باتجاه القرية من بيت جبرين، وبذلك تتحول إلى قوة احتياط وتدخل المعركة، هي وسرية سيارات الجيب عند وقوع أي طارئ.

في الساعة 20:30، خرجت السرية الأولى من الكتيبة الخامسة من مواقعها باتجاه مخفر الطريق لاحتلاله وتدمير الجسر الذي يربط قريتي جيب الفالوجة. في الساعة 20:40 انطلقت السرية الثانية من الكتيبة الخامسة إلى مهمتها في تنفيذ هجوم تمويهي على الناحية الشرقية لقرية عراق المنشية.

في الساعة 22:55 من ليلة 27-28 ديسمبر 1948، هاجمت السرية الإولى من الكتيبة الخامسة "مخفر الطريق"، ولكنها ووجهت بنيران شديدة من راجمات عيار 2 إنش، ورشاشات متوسطة وخفيفة، بصورة لم تتوقع السرية حدتها. أصيب خبير المتفجرات الذي كان عليه أن يفجر الأسلاك الشائكة حول المخفر المصري بواسطة "البونچولور" (عبوة ناسفة على شكل أنبوب)، وذلك قبل أن يضع العبوة الناسفة، وكذلك خبير المتفجرات الذي حاول أن يحل محله. تقدم فصيلان من السرية إلى الاسلاك الشائكة في محاولة لتنفيذ التفجير إلا أن النيران المصرية أصابت قائدي الفصيلين فقتلا على الفور، ما صعّب المهمة على باقي الجنود، فتقدم الفصيل الثالث لينفذ اقتحام الأسلاك الشائكة، إلا أنّ النيران المصرية كانت قوية جدًا، فأوقعت خسائر فادحة في صفوف القوة المهاجمة، إذ وصل عدد القتلى إلى 14 والجرحى 20 خلال فترة قصيرة، مما تسبب في انسحاب السرية الأولى، وفشل الخطة في قطع الطريق المؤدية إلى الفالوجة.

قرّر قائد لواء إسكندروني أن يستمر في خطته، رغم الخسارة الفادحة للقوة التي هاجمت مخفر الطريق، ولذلك طالب السرية الثانية للكتيبة الخامسة، بأن تنفّذ هجومها التمويهي من الناحية الشرقية لعراق المنشية، بحيث يعتقد المصريون أن الهجوم على مخفر الطريق هو هجوم تمويهي عن الهجوم المركزي الذي ينفذ من الناحية الشرقية للبلدة.

تقدّمت السرية الثانية باتجاه الأسلاك الشائكة من الناحية الشرقية لعراق المنشية، إلا أنّها تعرّضت لنيران مدفع رشاش من نوع فيكرز ورشاش من نوع "برن"، كانت نيران هذين المدفعين شديدة إلى درجة منعت جنود السرية من التقدم نحو الأسلاك الشائكة، ولم يكتفِ المصريون بذلك بل صاروا يقصفون القوة المهاجمة براجمات القنابل عيار 2 إنش، ما أدّى إلى تجمدها في مكانها ومن ثم تنفيذ انسحاب عند الساعة 23:40، بعد أن أطلقت نيرانًا كثيفة من كافة أسلحتها باتجاه الجنود المصريين.

أما الكتيبة الثالثة/"إسكندروني"، فقد استمرت في تنفيذ الخطة المنوطة بها، أذ أنها فتحت نيران مدفعيتها ومدافعها الرشاشة لمدة 15 دقيقة على الجنود المصريين المتواجدين في الناحية الجنوبية الغربية لقرية عراق المنشية، وفي الساعة 01:15 من ليلة 26-27 ديسمبر 1948، تقدمت السرية الأولى منها، بهدف تنفيذ الاقتحام واستطاعت احتلال كل مواقع الجيش المصري في الناحية الجنوبية الغربية بعد معركة قصيرة، حيث أن الفصيل الثاني السوداني انسحب من مواقعه، مما مكن السرية الأولى من الكتيبة الثالثة/ألكسندروني من اقتحام القرية والبدء بعملية تمشيط وإطلاق نار شديد على كل المواقع المصرية المقابلة لها.

تقدمت السرية الثانية من الكتيبة الثالثة/"إسكندروني" من الثغرة التي فتحتها السرية الأولى، بدعم من نيران الراجمات القوية، وبدأت بمهاجمة القوات المصرية المتمركزة إلى جنوب شارع عراق المنشية- الفالوجة، وهنا تعرضت لمقاومة شديدة من الجنود المصريين، عند محاولتها التقدم إلى الطرف الجنوبي الشرقي للبلدة، ورغم ذلك حققت نجاحات واحتلت بعض البيوت في البلدة، وصار يظهر أنّ إسكندروني تسيطر على الموقف، وأن الارتباك المصري بهذا الهجوم المفاجئ بدأ يتحول إلى فوضى، من شأنها أن تؤدي إلى خسارة عراق المنشية.

في هذه الأثناء، بدأ المصريون في تنظيم أنفسهم لهجوم مضاد، فتوجه فصيلان من الكتيبة السادسة المصرية لسد الثغرة التي فتحتها القوات الصهيونية، وفصيل من السرية الثانية بدأ بقذف المهاجمين بمدافع الهاون عيار 4،2 إنش. وفصيل من السرية الرابعة للكتيبة السادسة المصرية انطلق إلى موقع الحلة عن طريق المعاونة. وتم الاتصال بالفالوجة لتضرب الخط الذي احتلته "إسكندروني" بالمدفعية، وإرسال سرية مشاة وفصيل حمالات "برن" وفصيل مدفعية "هاون".

بعد الثالثة صباحاً، صارت المقاومة تؤتي ثمارها، إذ أعلنت السرية الأولى من إسكندروني عن وقوع خسائر في الأرواح، ولذلك أرسلت سيارات الجيب لأخذ الجرحى خارج القرية المهاجمة. في الساعة 03:20، دخلت السرية الثالثة للكتيبة الثالثة/إسكندروني إلى عراق المنشية من الثغرة التي حدثت في خطوط الدفاع المصرية، وبدأت في الاتجاه شمالا حسب الخطة من أجل احتلال التل الواقع شمال القرية، وبدأت بتحضير خط دفاع باتجاه بناية المدرسة الواقعة شمال الشارع الغربي للقرية، وذلك بهدف صد أي هجوم يأتي من الفالوجة. وتحضرت للهجوم على التل في ساعات الفجر الأولى بعد أن تنجح السرية الأولى في التمركز داخل القرية.

في هذه الاثناء، تمكنت السرية الأولى من احتلال كل الوادي الواقع شرقي القرية. أمّا السرية الثانية، فاستطاعت السيطرة على أغلب بيوت القرية جنوب الشارع، وخلال ذلك ووجهت بمقاومة شديدة واشتباكات وجهًا لوجه مع الجنود المصريين الذي قرروا الحرب حتى آخر جندي.

في الساعة 04:00، بدأت مدافع الفالوجة بإطلاق قذائفها باتجاه القوات المهاجمة، إلا أنّها قوبلت بنيران المدفعية الصهيونية الشديدة، ما أدّى إلى توقفها لفترة، ومن ثم تجدد القصف المصري بشدة عند ساعات الفجر الأولى.

في الساعة 04:30، بدأت السرية الثالثة من إسكندروني بهجومها على التل الذي تريد احتلاله، إلّا أنها ووجهت بنيران مصرية شديدة جدا، ما أدّى إلى تراجعها بعد وقوع إصابات بين جنودها. بعد ساعة حاول فصيل آخر من نفس السرية أن يقتحم التل، إلا أنّه ووجه أيضًا بنيران المدافع الرشاشة المصرية الكثيفة، فاضطر إلى الانسحاب إلى موقع السرية الثالثة.

في الساعة 05:30، اشتد الضغط على السرية الثانية من إسكندروني، حيث أنّ الجنود المصريين في عراق المنشية بدأوا هجوما مضادًا شديدا بعد خروجهم من خنادقهم، فكانت معركة شديدة وقاسية على الصهاينة، ما اضطرّ قائدهم إلى طلب المساعدة من السرية الأولى ولكنها لم تستطع تقديم المساعدة بسبب تعرضها أيضًا إلى هجوم شديد.

في الساعة 07:00 صباحاً، خرجت من الفالوجة 12 مدرعة مع مدفع عيار رطلين وحاملات مدافع رشاشة برن، باتجاه عراق المنشية. تقدمت المدرعات وهي تطلق قذائفها ورشاشاتها باتجاه القوات المهاجمة، ولم تستطع القوات الصهيونية من إيقاف هذه المدرعات، والتي سرعان ما وصلت إلى عراق المنشية، ودخلت إلى الشارع الرئيسي وحاصرت السرية الثانية والثالثة من "إسكندروني"، وركزت هجومها الأساسي نحو السرية الثالثة، والتي حاولت احتلال التل الشمالي للقرية.

كل المحاولات من أجل نجدة القوات الصهيونية داخل عراق المنشية فشلت، بسبب شدة النيران المصرية على وحدات الدعم قبل وصولها إلى القرية، وبذلك أصبح وضع وحدات "إسكندروني" حرجًا إلى درجة كبيرة. وبعد معركة شرسة، أعطيت الأوامر بالانسحاب إلى خارج القرية في الساعة 09:30، فانسحبت السرية الأولى والسرية الثانية، أمّا السرية الثالثة فلم تستطع الانسحاب بسبب تطويقها الكامل من قبل القوات المصرية.

استمرت المعركة حتى الساعة 10:30، وانتهت بالقضاء على كل جنود السرية الثالثة من الكتيبة الثالثة /إسكندروني، حيث قتلوا جميعًا وعددهم 89 جنديًا وتم أسر خمسة آخرين.


تكريم اللواء

بعد عوده الجيش المصرى من حرب 1948 احتفل الشعب جميعا بعودة قواته وتبارت جميع هيئات وطوائف الشعب فى الاحتفال بهم بل إن الملك الفاروق نفسه أقام لهم حفلا كبيراً وسلم عليهم فرداً فرداً وتوجد صورة للفاروق يصافح أبناء جيشه ومنهم عبد الناصر. وحرصت أم كلثوم على أن تقيم لهم وليمه ببيتها وأن تحفى حفلة لهم بنادى الضباط، وأقامت أم كلثوم حفلا خاصا لمن حوصروا فى الفالوجه فى حديقة فيلتها.

أما "الضبع الأسود" فقد حمل على الاكتاف عند عودته إلى مصر، ومن بين من حمله كان الصاغ جمال عبد الناصر، الذي أصبح رئيسا للجمهورية المصرية فيما بعد. وبقي الأميرالاي سيد طه يذكر في الوجدان الشعبي الفلسطيني، إذ نظم له الشاعر الشعبي عبد العزيز كتكت من الفالوجة، قصيدة جاء فيها:

محمود طه حماة الدار

يا ما ذبح من الكفار

بالقنبلة وقيزان النار

ولما أصبحوا مكوّمين.

مرئيات

الملك فاروق يكرم مقاتلي الجيش المصري الذين حُصروا بالفالوجة

انظر أيضاًَ

المصادر

  1. ^ حصر الفالوجا، الملكية المصرية
  2. ^ أبطال الفالوجة، تراث مصري، فيسبوك
  3. ^ حصر الفالوجا، إخوان ويكي
  4. ^ فراس السعافين (2020-07-28). "الفالوجة: 72 عاما على النكبة: صمود رجال "الضبع الأسود" في الفالوجة (2/2)". فلسطين في الذاكرة.