جفاف نهر الفرات

في ظل السدود التي أقامتها تركيا في مطلع القرن الحادي والعشرين على منابع نهري الفرات ودجلة، ومع التغيرات المناخية وتأثيراتها المتزايدة على بيئة ومناخ العراق، تأتي سياسات الإهمال والإهدار، وسوء التخطيط للمشاريع المستقبلية في قطاع المياه الذي انتهجته مؤسسات ودوائر الدولة خلال الفترات الماضية لتفجر مشكلة جفاف تلقي بظلال مخيفة على المجتمع العراقي.

صبي يلهو في الطمي على قاع نهر الفرات، بالقرب من جبيش، العراق.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

حذرت وزارة الموارد المائية العراقية خلال بيان صادر عنها مؤخرا من أن البلاد تعاني من نقص كبير في المياه قد يؤدي إلى حدوث حالة من الجفاف فيها، وعللت ذلك بأنه نتيجة لسياسات الاحتكار للموارد المائية التي تنتهجها الدول المتشاطئة لنهري دجلة والفرات وفروعهما، إضافة إلى حالة انحسار تساقط الأمطار غير المعتادة التي شهدها فصل الشتاء لعام 2008، والتي أدت إلى حدوث مشكلة الجفاف. وتوضح الوزارة أن كمية مياه الأمطار التي هطلت على البلاد خلال فصل الشتاء المنصرم قد قلت بنسبة 30% عما كانت عليه في الأعوام الماضية؛ وهو ما أثر بوضوح على مستويات المياه في نهري دجلة والفرات وروافدهما، وأدى إلى انخفاض مناسيب المياه فيهما.

 
صياد في قارب صيد محلي في المياه الضحلة لنهر الفرات تحت جسر الهندية.
 
حقل أرز جاف بجوار نهر الفرات الجاف.


يقدر مجموع مساحة البحيرات الكبرى في العراق (الثرثار، والحبانية، والرزازة) بـ 373 ألف هكتار، انخفضت مساحتها إلى النصف في الوقت الحاضر؛ بسبب شحة المياه الواردة إلى البلاد، بعد قيام كل من سوريا وتركيا وإيران ببناء سدود على نهري دجلة والفرات أو تغيير مسار روافدهما المؤدية إلى العراق.

وتقدر كميات المياه المتاحة في العراق بحدود 77 مليار متر مكعب منها 29 مليار متر مكعب من نهر الفرات، لكن الكمية المستغلة فعلا هي فقط 25 مليار متر مكعب، ويؤكد الخبراء أن مجموع كميات المياه المتاحة في العراق ستصل عام 2025 إلى 2.162 مليار متر مكعب.

وتشير بعض الدراسات التي قام بها عدد من الخبراء العراقيين إلى أن خسارة كل مليار متر مكعب من مياه الفرات في العراق تؤدي إلى نقصان 26 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة، كما يتنبئون بخسارة حوالي 40% من هذه الأراضي الزراعية جراء ارتفاع معدلات الملوحة في مياه الفرات.

وتؤكد تلك الدراسات أن موجة الجفاف وتقلص فترات هطول الأمطار أدى إلى تضاؤل كمية المياه الجارية في الأنهار وجفاف الآبار والعيون، وتحول كثير من المجاري المائية إلى مواضع للنفايات ومراتع للحشرات والقوارض، ومصدرا للروائح الكريهة، أي تحولت إلى مجارٍٍ تعاني من الطفيليات والذباب والبعوض، ومرتع لأوساخ الناس، ومخلفات المطاعم القريبة.

وبحسب مسئولين وخبراء في مجال المياه فإن آثار موجة الجفاف ستظهر جلية للعيان في مجالات الزراعة وصيد الأسماك وتوليد الطاقة وانخفاض المناطق الخضراء في المدن ليهدد الأحزمة الخضراء ويزيد من التغيرات المناخية البيئية المحلية ونفس الأمر على عمل المحطات الكهرومائية وأداء السدود القائمة، إذا ما استمرت الدول المجاورة بنفس سياستها المائية خصوصا في ظل جفاف فصل الشتاء فإن العراق محكوم بفقدان نصف موارده المائية على حد تعبيرهم. [2]

 
جامعي القصب في منطقة الأهوار.
 
قطيع من الجمال عبر صحراء كانت في السابق وافرة بالمياه والنباتات التي اختفت بفعل الجفاف في العراق.


في عام 1987، وقعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسوريا معدلاً سنوياً من 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت بأكثر من النصف منذ أوائل 2021، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين.

ينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مروراً بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقاً، وصولاً إلى العراق. من تركيا إلى سوريا فالعراق، يغطي النهر 2800 كيلومتر. يلتقي في العراق بنهر دجلة ليشكلا سوياً شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج.[3]

وفي سوريا، بني سدان أساسيان على نهر الفرات هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي. يغطي السدان 90% من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما.

يحذر مدير سد تشرين منذ 13 عاماً حمود الحماديين من "انخفاض تاريخي ومرعب" في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه عام 1999. ومنذ ديسمبر 2020، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه الحماديين بالمنسوب الميت، ما يعني أن تتوقف "العنفات بشكل كامل" عن العمل. وعدا عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عدة عن العمل، وفق الحماديين الذي نبّه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر. ويقول "نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية".

 
صورتان ساتليتان العليا في 5 مايو 2021، والسفلى في 7 مايو 2021، تظهران تراجع منسوب المياه في سد تشرين وسط-شمال سوريا. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.
 
صورتان ساتليتان العليا في 25 أغسطس 2021، والسفلى في 25 أغسطس 2021، تظهران تغير مستوى المياه في بحيرة الأسد على سد الطبقة في سوريا. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.
 
ثلاث صور ساتلية التقطت من اليمين إلى اليسار في 21 أغسطس 2019، 25 أغسطس 2020، 25 أغسطس 2021، تظهر تدفق نهر الفرات في وسط سوريا عبر بحيرة تشرين وسد تشرين وبحيرة الأسد وسد الطبقة. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.

في سد الطبقة، تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالى خمسة أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضاً. وفي كامل شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة سبعين% لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، على ما يقول مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سوريا ولات درويش لوكالة الأنباء الفرنسية.

في سوريا، يمر الفرات بغالبيته في مناطق تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، لكنها تعد خصماً أساساً لتركيا التي تصنف أبرز مكوناتها وحدات حماية الشعب الكردية، مجموعة إرهابية. وشنت أنقرة وفصائل سورية موالية لها منذ 2016 ثلاث هجمات عسكرية في سوريا استهدفت المقاتلين الأكراد.

وتتهم الإدارة الذاتية أنقرة بعرقلة تدفق نهر الفرات إلى سوريا وباستخدام المياه كسلاح للضغط عليها. واتهمت دمشق أيضاً تركيا التي تدعم منذ بداية النزاع أطرافاً في المعارضة السورية، بحجز مياه نهر الفرات وعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة في 1987.

إلا أن مصدراً دبلوماسياً تركياً قال إن بلاده "لم تقدم يوماً على خفض نسبة تدفق المياه.. لأسباب سياسية أو أي أسباب أخرى". وأوضح "تواجه منطقتنا أسوأ فترات الجفاف بسبب التغير المناخي"، مشيرا إلى تسجيل "أدنى مستوى تساقط أمطار منذ 30 عاما على الأقل" هذا العام في جنوب تركيا.

ويُشكك الباحث في الشأن السوري نيكولاس هيراس في نية تركيا استخدام نهر الفرات كسلاح لصالحها، إذ من شأن ذلك أن يعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة الداعمة للأكراد وحليفتها على النطاق الأوسع، ومع روسيا أبرز داعمي دمشق، لكن في الوقت ذاته شريكتها في اتفاقات تهدئة عدة في سوريا. ويقول هيراس إن "سلاح المياه الأسهل، والذي استخدمته أنقرة مرارا، هو محطة علوك" الواقعة في منطقة تحت سيطرتها منذ 2019.

وأحصت الأمم المتحدة انقطاع المياه عن محطة علوك 24 مرة منذ العام 2019 ما ينعكس على حياة 460 ألف شخص يستفيدون منها في محافظة الحسكة. حتى وإن كانت الكارثة التي تهدد شمال سوريا وشمال شرقها ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، فإن تركيا قادرة على الاستفادة من الأمر لمصالحها الجيوسياسية، وفق ما يرى الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش. ويقول "خلال فترات الجفاف، تستخدم تركيا ما تحتاج من المياه وتترك الفضلات للأكراد وإن كانت على معرفة كاملة بالتداعيات". ويضيف أن الهدف هو "خنق شمال شرق سوريا اقتصاديا".

في 25 أغسطس 2021، نشرت وكالة الفضاء الأوروبية صوراً ساتلية لبحيرة الأسد وسد تشرين وسد الطبقة في سوريا، توضح تغيراً ملحوظاً في مستويات المياه، مما ينذر بموجات من الجفاف تصيب المناطق الشمالية من سوريا.


جفاف النهر في 2040

 
مزارعو الأرز يحصون حقولهم الجافة في قرية على أطراف النجف. العراق أصبح يستورد المزيد والمزيد من الحبوب.
 
بشيرة محمد، 60 سنة، تجمع الملح من أحواض الصرف في الفرات، بالقرب من الديوانية. الملح أصبح مصدر الرزق الوحيد لعائلتها بعد أن جفت مزارع الأرز التي كانوا يملكونها.

كشف تقريران أعدتهما منظمات دولية متخصصة أن العراق سيخسر واردات نهري الفرات ودجلة بالكامل بحلول عام 2040. وقال مصدر مسؤول في وزارة الموارد المائية العراقية لصحيفة الصباح إن التقرير المعد من قبل المنظمة الدولية للبحوث تحدث عن تناقص حاد بالحصص المائية الواصلة ضمن حوض نهر الفرات التي ستصل الى 32 مليارا و140 مليون متر مكعب في الثانية بحلول عام 2040 مقابل احتياجات العراق التي ستبلغ حينها 23 مليار متر مكعب. وأضاف أن حاجة كل من سورية وتركيا ستصل الى 30 مليار متر مكعب، منوها بأن الواردات النهائية للنهر لن تكفي لتغطية الاحتياجات الكلية لها، الأمر الذي يؤدي الى خسارة العراق موارد النهر بالكامل.

وأشارت الصحيفة الى أن واردات نهر الفرات الحالية ضمن آخر رصد لمحطة حصيبة أواسط الشهر الماضي بلغت 5 مليارات و700 مليون متر مكعب وهي تمثل نسبة 42 بالمائة من المعدل العام بعد إكمال سد أتاتورك في تركيا ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول الهادف لتشييد 22 سدا على حوضي دجلة والفرات. [4]

ويعيد فيم زفننبرگ من منظمة باكس الهولندية للسلام تراجع منسوب نهر الفرات في سوريا إلى مشاريع زراعية ضخمة وضعتها الحكومة التركية، وقد فاقم التغير المناخي الوضع سوءاً. وقد أطلقت تركيا في التسعينيات مشاريع زراعية ضخمة في جنوب البلاد، وبات عليها اليوم وجراء تراجع نسبة الأمطار أن تفعل المستحيل للحفاظ على كميات المياه ذاتها اللازمة لمشاريع الري. وقد يكمن الحل باستغلال كبير لمياه الأنهر. ويقول زفننبرگ "الجفاف قادم لا محالة"، مشيرا إلى أن صورا عبر أقمار اصطناعية تظهر "التراجع السريع في النمو الزراعي الصحي" في كل من سوريا وتركيا.

وقد حمل تقرير صدر في أغسطس 2021 عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة البشر و"بشكل لا لبس فيه" مسؤولية الاضطرابات المناخية التي ضربت العالم وتهدده أكثر وبينها موجات القيظ والجفاف. وحذرت الأمم المتحدة من أن فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط. وقد صنف مؤشر الأزمات العالمية العام 2019 سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط.

في ريف الرقة الشرقي، بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سوريا، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة والمزارعين من جهة ثانية. ويقول المهندس خالد شاهين الذي يعمل في سد الطبقة منذ 22 عاما لوكالة الأنباء الفرنسبة "نحاول تخفيض كمية المياه التي تمر عبر السدود للخروج بأقل الخسائر الممكنة". ويوضح "إذا استمر الوضع على هذا الحال، من المحتمل أن نوقف توليد الكهرباء، وأن نغذي فقط المخابز والمطاحن والمستشفيات".

وكان أكثر من خمسة ملايين شخص يعتمدون على النهر من أجل توفير مياه شرب نظيفة، لكن معظم المحطات التي كانت تتولى عملية تكرير المياه وتنقيتها باتت إما تعمل بشكل متقطع أو توقفت نهائيا. وبات على السكان شراء المياه من صهاريج خاصة، تتم تعبئتها من نهر الفرات لكن من دون تنقيتها، في وقت تتراكم مياه الصرف الصحي ويزداد التلوث.

وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سوريا من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسببت مياه معامل الثلج الملوثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين. ويقول العلي "باتت الناس مضطرة لأن تشرب من المياه الملوثة، ما أدى إلى ازدياد الأمراض بين سكان القرية".

التبعات

الأمن الغذائي

يهدد تراجع منسوب نهر الفرات "المجتمعات الريفية على ضفافه والتي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والري"، وفق ما تشرح الخبيرة السورية في الأمن البيئي مروى داوودي. وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساسا على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.

وأوردت الأمم المتحدة أن إنتاج الشعير قد يتراجع 1.2 مليون طن عام 2021، ما يصعّب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويرجح بالانش أن تكون سوريا تواجه جفافا قد يستمر سنوات لم تشهده منذ آخر موجة جفاف فيها بين العامين 2005 و2010. ويقول "سيضطر المزارعون خلال السنوات المقبلة إلى تقليص المساحات المزروعة" محذرا من أن سوريا كلها "ستشهد نقصا في الغذاء، وسيكون عليها أن تستورد كميات ضخمة من الحبوب".

في العراق أيضاً، حذر المجلس النرويجي للاجئين من أن تراجع تدفق نهر الفرات قد يحرم سبعة ملايين شخص من المياه. ويقول المتحدث باسم المجلس كارل شيمبري "لا يأخذ المناخ الحدود بالاعتبار".

مواجهة الأزمة

ونتيجة لموجة الجفاف فإن وزارتي الموارد المائية والزراعة قررتا السماح بزراعة المحاصيل الإستراتيجية فقط هذا الصيف، مثل الأرز والذرة وعباد الشمس والقطن والخضراوات، كما أصدرت الحكومة تعليمات بتقنين حصص الري لمختلف المحاصيل في مختلف المناطق.

وقد أضر الجفاف الذي شهدته البلاد هذا العام بمحصول الشعير بنسبة أكبر من إضراره بمحصول القمح؛ ونتيجة لذلك قدر بعض خبراء الاقتصاد أن يكون إنتاج هذا المحصول قد انخفض بنسبة 90%، مما انعكس سلبا على قطاع تربية المواشي الذي يعتمد على الشعير بنسبة 60% وقد تسبب ذلك في إفلاس العديد من المزارعين الصغار، مما دفع دوائر الثروة الحيوانية إلى محاولة إيجاد طرق بديلة لتوفير العلف للماشية مثل التبن المدعم بالمواد المغذية.

 
قرب منطقة الأهوار، حيث يقترب نهر الفرات من نهاية رحلته (1,730 ميل) ليصب في الخليج العربي.



 
عبد الرضا جودة يقف في حقل جاف كان يعتاش منه هو وأسرته بالقرب من كربلاء. هذه المنطقة كانت تمتلئ بالماء من بحيرة جفت. جودة قدم من البصرة في 2004 ليعمل في صيد الأسماك وتربية الجاموس في الأراضي الرطبة التي تذكره بمسقط رأسه بالبصرة.
 
قوارب راسية في المياه الضحلة على ضفة نهر الفرات.

من جهتها اتخذت وزارة الموارد المائية العديد من الإجراءات لمواجهة ظاهرة الجفاف وشح المياه، حيث جعلت إدارة تشغيل السدود كافة في العراق مركزية من قبل وزارة الموارد المائية في الحكومة الفيدرالية.

كما اتفق وزير الموارد المائية عبد اللطيف جمال رشيد خلال زيارته لكل من تركيا وسوريا على زيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات لمواجهة شح المياه، وحث إيران على ضرورة زيادة الإطلاقات المائية وبشكل عاجل لتخفيف آثار الجفاف.

ودفعت مشكلة الجفاف وانخفاض مناسيب المياه في العراق بعض الجهات لتقديم مقترحات تضمن ديمومة جريان المياه بشكل طبيعي في أنهار وبحيرات البلاد من خلال عقد اتفاقات مع دول المنبع، أو تلك المتشاطئة، حيث اقترح ممثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في كربلاء العمل بمبدأ المصالح المتبادلة بين الدول، وذلك ببيع النفط إلى دول مجاورة بأسعار تفضيلية مقابل تزويد العراق بالماء لحل مشكلة المياه في نهري دجلة والفرات، وتجنب الأضرار التي لحقت وتلحق بالزراعة نتيجة موجة الجفاف.

ويقول الكربلائي: "كحل جزئي ولفترة محددة لابد أن تتركز اللقاءات مع مسئولي الدول المجاورة على زيادة نسبة مياه نهري دجلة والفرات الواردة إلى العراق والوصول إلى حل توافقي مع تلك الدول لحل هذه المشكلة"، مشيرا إلى أن الدول تعمل بمبدأ المصالح المتبادلة، وعلى العراق العمل بهذا المبدأ، وتقديم تسهيلات للدول المجاورة.

في 10 مارس 2021، حذر مسؤولون في شمال سوريا من كارثة إنسانية من جراء زيادة التراجع في منسوب المياه في سد الفرات بسوريا، مع استمرار تركيا في خفض كميات المياه المتدفقة لنهر الفرات. ونقلت وكالة هاوار عن رئيس اتحاد الفلاحين في الرقة، محمد السالم، أن المنطقة ستواجه "كارثة إنسانية حقيقية إذا استمرت تركيا بحرب المياه وتكرار حسرها لمياه نهر الفرات، الذي يروي مئات آلاف الهكتارات فيها، وخاصة هذا العام الذي يُعد عام جفاف بسبب قلة الأمطار الموسمية التي هطلت على المنطقة، وأثرت بشكل كبير على الزراعة البعلية". وحذر السالم من تردي الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، في المنطقة التي يعتمد فيها أكثر من 85% من سكانها على الزراعة، بسبب عدم قدرة الفلاحين على زراعة أراضيهم بالمحاصيل الصيفية الاستراتيجية، وخاصة القطن، الذي يحتاج إلى الري بكميات كبيرة ومتواصلة.[5]

وترك انخفاض منسوب مياه نهر الفرات آثاراً على جميع نواحي الحياة، فعدا تأثر الزراعة والثروة الحيوانية إلى حد كبير، تشهد المنطقة حاليا أزمة كهربائية، نتيجة توقف مجموعات التوليد الكهرومائية في سد الفرات التي تغذي سوريا بشكل عام بالكهرباء، مما أجبر مديرية الكهرباء في الطبقة على إيقاف مجموعات التوليد، وقطع الكهرباء حوالي 12 ساعة يومياً.

ونقلت هاوار عن الرئيس المشترك لمركز كهرباء تل تمر (التابعة لمحافظة الحسكة) فهد سمعيلة، أن سبب زيادة التقنين الكهربائي في المنطقة هو قطع تركيا المياه عن سد الفرات، إذ باتت الكمية التي تضخ للسد أقل من النصف، وهي ليست كافية لتوليد الكهرباء. وأشار سمعيلة إلى أن كمية المياه الآن هي 200 متر مربع في الساعة من أصل 500 متر مربع.

وحذر سمعيلة من كارثة إنسانية، إذا استمر منسوب المياه في الانخفاض، لا سيما أن المنطقة مقبلة على فصل الصيف.

وكانت الإدارة العامة لسدود الفرات في سوريا دانت "الممارسات التركية وتلاعبها بمنسوب مياه الأنهار وتدفقها واستخدامها كورقة ابتزاز"، مشيرة إلى أن هذا يعد انتهاكا للقانون الإنساني وجريمة حرب. وأشارت الإدارة في بيان لها، إلى أن ثمة انخفاضا يوميا في بحيرة الفرات بمعدل 4 سم باليوم ويتم استهلاكه في توليد الطاقة الكهربائية على أساس وارد 500 متر مكعب، وعند تشغيل الري سيصل الاستنزاف لأكثر من 5 سم باليوم، فيما سيبلغ مدى الانخفاض خلال شهر أكثر من 1.5 متر يوميا، وبالتالي ستصل بحيرة الفرات إلى منسوب 300 متر، وهو منسوب حرج يؤدي إلى توقف سد الفرات عن توليد الطاقة الكهربائية".

وحسب البيان الذي نشرته مطلع مارس 2021 دعت الإدارة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحكومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروپي، إلى التدخل والضغط على تركيا للالتزام بالقانون الدولي والتوقف عن سرقة المياه والتلاعب بمنسوبها.


في 8 يونيو 2021، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، المهندس علي راضي، إن بلاده اقتربت من التوقيع مع تركيا على اتفاق يضمن حقوق العراق المائية التي تضررت بفعل بناء سدود جديدة في تركيا.[6]

وأوضح المتحدث أن منسوب تدفق المياه إلى نهري دجلة والفرات تراجع بين نهاية أبريل وبداية يونيو بنسبة 50%، مقارنة بالفترة نفسها في 2020، بسبب التغير المناخي وقلة الأمطار، إضافة إلى "عوامل فنية أخرى"، من ضمنها توسّع مشاريع بناء السدود في بلدان المنبع، تركيا وإيران، من دون اتفاق مسبق مع العراق على تشغيلها. وقال راضي إن "المفاوضات في مراحلها النهائية ونأمل توقيع الاتفاق النهائي في الفترة القريبة"، مشددا على أن العراق يركز فيها على حقوقه التاريخية، التي تأثرت بتوسع تركيا في إنشاء السدود ومشاريع السقي.

وكشف أن وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني "سيزور إيران في الأيام القليلة المقبلة (باعتبارها من دول المنبع) لمناقشة حقوق المياه العراقية، وتقاسم الضرر في فترات الجفاف". وكانت وزارة الموارد المائية العراقية حذرت، في مارس، من نقص المياه الواردة إليه بمقدار 11 مليار متر مكعب بحلول 2035، إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع تركيا وسوريا وإيران بشأن قواعد ملء السدود

وكان الرئيس العراقي برهم صالح أوضح، قبل أيام، أن ملف المياه يستوجب حواراً صريحاً بين العراق وتركيا وإيران وسوريا، وذلك في وقت يتراجع فيه منسوب المياه في نهري دجلة والفرات بسبب بناء سدود في كل من تركيا وإيران. وقال صالح في كلمة بمناسبة اليوم العالمي للبيئة ونقلها مكتبه الإعلامي: "بناء السدود على دجلة والفرات أدى لنقص متزايد في المياه بات يهدد إنتاجنا الزراعي وتوفير مياه الشرب، وقد يواجه البلد عجزا يصل إلى 10.8 مليار متر مكعب من المياه سنويًا بحلول عام 2035".


في 17 يوليو 2021، وقع وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني مع نظيره السوري تمام رعد محضراً مشتركاً لتنظيم ملف المياه بين البلدين. وأوضح بيان لوزارة الموارد المائية العراقية أن المحضر تضمن "الاتفاق على تبادل البيانات التي تخص واردات نهري دجلة والفرات بشكل دوري وفي حالات الطوارئ".

وأضاف أن "الاتفاق تضمن أيضا تفعيل أعمال اللجان الفنية وتوحيد المواقف بشأن الكميات الواردة من المياه عند الحدود التركية السورية"، مشيرا الى أن "الجانبين اتفقا على تفعيل التعاون المشترك وتبادل الخبرات وتكثيف عقد الاجتماعات الفنية والإدارية بين الجانبين وتقاسم الضرر الناتج عن انخفاض الواردات المائية وتأثير التغيرات المناخية".[7]

وفي سياق متصل، كشف القنصل التركي في الموصل محمد كوجوك صقالي، أن وفداً من وزارة الموارد المائية التركية سيزور العراق قريباً، لدراسة وضع الماء من سد الموصل إلى البصرة. وقال صقالي لوكالة الأنباء العراقية إن "ملف المياه مهم جدا بين العراق وتركيا"، مضيفا أن الرئيس رجب طيب أردوغان عين شخصا مختصا في هذا المجال وهو البروفيسور فيصل أوغلو. وتابع أنه تم تشكيل فريق عمل تركي كبير جدا يمثل جميع المختصين في مجال المياه، هدفه "حل مشكلة المياه في العراق، واستخدامه بشكل جيد وملائم من قبل تركيا والعراق".

وذكر القتصل التركي أن وفدا من وزارة الموارد المائية العراقية اتجه قبل أسبوعين الى تركيا، وأنه تم تنفيذ دراسات على نهر دجلة في تركيا. ونوه إلى أن "المياه خلال العام الجاري قليلة جداً في العراق وفي تركيا لأن المطر كان قليلاً"، مؤكداً أن "تركيا لم تقطع المياه أبداً".

جفاف الفرات من علامات يوم القيامة

 
نهر الفرات، مارس 2021.

يُروى حديث عن الرسول  ، هو من أحاديث الفتن و أشراط الساعة ، ألا وهو حديث انحسار الفرات عن جبل من ذهب.[8]

روى البخاري في صحيحه في كتاب الفتن ( 8 / 100 ) باب خروج النار ، و مسلم في كتاب الفتن ( برقم 2894 ) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يُحْسَر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا أنجو.

و في رواية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً . نفس المراجع السابقة، ورواه أيضاً أبو داود ( برقم 4313 ) والترمذي ( برقم 2572 ). وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل رضي الله عنه قال: كنت واقفاً مع أبي بن كعب، فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا؟ قلت: أجل، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوشك الفرات أن ينحسر عن جبل من ذهب ، فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله ، قال: فيقتتلون عليه ، فيقتل من كل مائة تسعة و تسعون. مسلم ( برقم 2895 ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى ينجلي فراتكم عن جزيرة من ذهب، فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون. رواه حنبل بن إسحاق في كتابه الفتن ( ص 216 ) بسند صحيح .

أخرج هذا الحديث بالإضافة إلى الإمامين البخاري و مسلم ، كل من عبدالرزاق في مصنفه ( 11/ 382 ) عن أبي هريرة، والإمام أحمد في مسنده ( 2 / 306 ) عن معمر ، و في ( 2 /332 ) من طريق زهير، وكذلك في ( 5 /139 140 ) عن طريق كعب. وأبو داود في سننه ( 4/ 493) والترمذي في سننه ( 4 / 699 )، وابن ماجة في سننه ( 2 / 1343 ). كما أورده كل من الإمام أبي عمرو الداني في كتابه السنن الواردة في أكثر من موضع. وأيضاً أورده الإمام الحافظ نعيم بن حماد في الفتن في أكثر من موضع، وأورده ابن كثير في كتابه النهاية في الفتن والملاحم.

وقد جاءت ألفاظ أخرى شاذة للحديث المذكور، وهي: ليحسرن الفرات عن جبل من ذهب حتى يقتتل عليه الناس، فيقتل من كل عشرة تسعة. أخرجه ابن ماجة في سننه ( 2 / 1343 )، والإمام أحمد في مسنده ( 2 / 261 ، 346 ، 415 ). قال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات: زوائد ابن ماجة ( 2 / 306 ). والحديث أورده الحافظ في الفتح ( 13 / 81 )، وقال: وهي رواية شاذة، والمحفوظ ما تقدم من حديث أبي هريرة عند مسلم، وشاهد من حديث أبي بن كعب: من كل مائة تسعة وتسعون. وقال الألباني عنه: حسن صحيح دون قوله: من كل عشرة تسعة، فإنه شاذ. صحيح ابن ماجة ( 2 / 377 ).

وكذلك وردت رواية أخرى عند نعيم بن حماد في الفتن ( برقم 921 ) من طريق آخر عن يحيى بن أبي عمرو عن أبي هريرة مرفوعاً، وفيه: من كل تسعة سبعة، وهو منقطع لأن يحيى روايته عن الصحابة مرسلة ، كما في التقريب ( ص 378 )، و شيخ نعيم مبهم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضا

المصادر

  1. ^ CAMPBELL ROBERTSON (2009-07-13). "Iraq Suffers as the Euphrates River Dwindles". New York Times.
  2. ^ اسلام أونلاين
  3. ^ "الانحسار الكبير لمنسوب نهر الفرات يهدد مناطق واسعة من سوريا بالجفاف". فرنسا 24. 2021-08-30. Retrieved 2021-08-30.
  4. ^ وكالة الأنباء الروسية
  5. ^ "سوريا .. تحذيرات من "كارثة إنسانية" نتيجة خفض مياه نهر الفرات". روسيا اليوم. 2021-03-10. Retrieved 2021-03-10.
  6. ^ "العراق: اتفاق قريب مع تركيا لضمان حقوقنا المائية بعد تراجع المنسوب للنصف". سپوتنيك نيوز. 2021-06-08. Retrieved 2021-06-08.
  7. ^ "اتفاق عراقي سوري بشأن المياه ووفد تركي إلى العراق قريبا لدراسة الملف". روسيا اليوم. 2021-07-17. Retrieved 2021-07-17.
  8. ^ "حديث انحسار الفرات عن جبل من ذهب". موقع "صيد الفوائد".