تاريخ اليمن

عُرفت اليمن منذ القدم بالعربية السعيدة (ARABIA FELIX)، وقد اشتق اسمها من ( اليُمن ) وهو الرخاء والبركة. وتمتد على رقعة جغرافية واسعة تقع جنوب الجزيرة العربية .

The Bar'an temple in Marib. Built in the 8th century BCE and performed its function for nearly 1000 years.
Sabaean inscription addressed to the moon-god Almaqah, mentioning five South Arabian gods, two reigning sovereigns and two governors, 7th century BCE.
A Griffon from the royal palace at Shabwa, the capital city of Hadhramaut.

وقد عرفت اليمن أطوار التاريخ قديمه ووسيطه وحديثه ومعاصره في حلقات متصلة وانسجام متكامل، وكان لها في التاريخ القديم حضورٌ مميزٌ استحق ذكراً في كتاب الله العزيز، وتدويناً في المصادر الجغرافية منذ القديم وحتى الآن.

وفي تاريخ الإسلام والمسلمين كان لليمن وأهل اليمن إسهامات بارزة في نواحي الحياة الثقافية والعسكرية والإدارية.

واليوم يُعرف اليمن رسمياً باسم (الجمهورية اليمنية)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ القديم

 
"Bronze man" found in Al Bayda' (ancient Nashqum); 6th-5th century BCE. Louvre Museum.

ولمعرفة تاريخ اليمن القديم لابد للقارئ أن يلغي من ذهنه الحدود السياسية المعاصرة لشبه الجزيرة العربية ويتصورها وحدة جغرافية مترابطة، فلم تعرف شبه الجزيرة العربية لا عرب الجنوب ولا عرب الشمال ولا عرفت شمال الجزيرة ولا جنوبها ، ولم تورد النقوش ذكراً لقحطانية ولا لعدنانية ، بل كانت كل شبه الجزيرة مسرحاً لأحداث تاريخية متنوعة فقامت الممالك والحضارات واتسعت بذاتها أو نفوذها داخل شبه الجزيرة طالما توفرت لها القوة والنفوذ داخل شبه جزيرة العرب. أما التقسيم الشائع في الكتابات الحديثة لشبه الجزيرة العربية بين شمال وجنوب فينحدر من العصر الإسلامي، ومع ذلك وبسبب الانسجام القائم على التنوع الحيوي في منطقة جنوب شبه الجزيرة وبسبب تواصل حلقات تاريخها السياسي والحضاري فقد جعلت المصادر كل جنوب شبه الجزيرة قسماً واحداً بينما فصلت شمال الجزيرة إلى عدة أقسام ومع ذلك فلم تكن حدود الشمال والجنوب حتى في العصر الإسلامي محددة بدقة إلا أن المؤرخ والجغرافي اليمني أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني صاحب (صفة جزيرة العرب) (توفي بعد سنة 360 هـ )قد جعل حدود جنوب شبه الجزيرة تبدأ من الكعبة بمكة جنوباً، وهو تقسيم ينحدر من العصر الإسلامي كما نرى .

أما الإغريق قديماً فقد نظروا إلى ما سموه العربية السعيدة وهى صفة شاعت عن بلاد اليمن، ورأوا أنها تبدأ بعد عشرة كيلومترات من العقبة جنوباً ، وما نود عرضه هنا هو رسم إطار زمني لعصر ما يصطلح عليه بالتاريخ اليمني القديم أو فترة تاريخ الحضارة الراقية في اليمن القديم، وهي تمثل حيناً من الدهر برز فيها سكان بلاد اليمن من غسق التاريخ إلى ضحاه، ودلت على دورهم التاريخي لُقَىً أثرية مميزة وشواهد كتابية معلومة، ضمت حروفاً أبجدية خاصة: صوتاً ورسماً ، وتومئ إلى حضارتهم قرائن خارجية ثابتة تدل على أن أمماً أخرى في ذلك الزمان تناقلت طرفاً من أخبارهم وتبادلت شيئا من سبل معاشهم .

ويمكن تقسيم الإطار الزمني لتاريخ اليمن القديم إلى عصرين رئيسين، ويستند هذا التقسيم إلى معطيات تاريخية وجغرافية ليس هنا محل تفصيلها، ومع ذلك فإن العصرين يتداخلان ومن الصعب رسم حد فاصل بينها، فقد تزامنت فترات من العصرين، كما لم يكن الانتقال من الأول إلى الثاني انقطاعاً، وإنما امتداداً واستمراراً، والعصور التاريخية ليست مسارات زمنية مختلفة ، وإنما هي في حقيقة الأمر مظاهر مختلفة لمسار زمني واحد .


العصر الأول

 
أسد برونزي يمتطيه رجل، من عصر القتبانيون حوالي 75-50 ق.م.

تدل أقدم المعلومات المعتمدة على حضارة يمنية راقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلومات بذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعل واسطة العقد في هذا العصر ، ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخ اليمني، وسبأ عند النسابة هو: أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصلين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعاً، كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال: تفرقوا أيدي سبأ ،والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي في الأصل أرض سبأ، كما أن أبرز رموز اليمن التاريخية سد مأرب قد اقترن ذكره بسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سبباً في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب.

سبأ

 
Sabaean gravestone of a woman holding a stylized sheaf of wheat, a symbol of fertility in ancient Yemen

دولة سبأ في العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حيناً وتنفصل عنها حيناً آخر، مثل دولة معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير.

وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب ، وتمتد إلى الجوف شمالاً، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبأ في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى ، بل قد تشمل اليمن كله . وكانت مأرب عاصمة سبأ، وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأرب الصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها، ويرجح أن التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن أحمد الهمداني قبل ألف عام، والذي ورد ذكره بالاسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة .

معين

أما دولة معين فقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد في الجوف، بعد أن تمكنت مناطق الجوف بقيادة مدينة يَثُل = براقش العاصمة الدينية من السيطرة على طريق اللبان التجاري بمساندة حضرموت وقتبان، ثم اتجه المعينيون شمالاً، وأقاموا المحطات التجارية والمستوطنات المعينية على طرق القوافل التجارية مثل قرْية في وادي الدواسر على الطريق بين نجران والبحرين أي شرق الجزيرة ، ومثل ددان في وادي القرى على الطريق بين نجران وغزة،

ومن قرنو عاصمة الدولة المعينية انطلق أهل معين يرتادون الأسواق العالمية في فلسطين ومصر واليونان وغيرها، وقد عثر بمصر على قبر تاجر معيني نقش اسمه زيد إلا بن زيد وكان يتاجر بالمر والقرفة في مصر أيام بطليموس الثاني حوالي 264 ق،م،

وكان العالم القديم يعرف المعينيين، وقد ذكرهم مؤلفو اليونان في كتبهم وسموا اللبان باسمهم، على أن تلك المصادر لا تقصر الذكر على المعينيين، وإنما تذكر معهم أيضاً في اليمن: السبئيين والحضارمة والقتبانيين، وكان أول ذكر لقتبان قد ورد في نقش الملك كرب إل وتار السبئي، وكانت حينها موالية لسبأ التي خلصتها من سيطرة أوسان، على أن قتبان مثل معين استطاعت أن تخرج عن سيطرة سبأ في القرن الخامس قبل الميلاد، وأن تمد نفوذها على حساب سبأ متحالفة مع حضرموت.

العصر الثاني

في أواخر العصر الأول، وخاصة في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، أتى على أهل اليمن حين من الدهر قللوا فيه من اهتمامهم بالزراعة، واعتمدوا كثيرا على الرخاء الذي تدره عليهم القوافل التجارية، وغلب عليهم التنافس على المال والجاه ، فأصبح في اليمن خمس دول في آن واحد هي سبأ وقتبان ومعين وحضرموت وحمير ، أصبحت عواصمها باستثناء حمير أشبه ما تكون بدول مدن القوافل التي يخضع ازدهارها وسقوطها للأوضاع التجارية والأطماع السياسية، كما حدث للبتراء ولتدمر والحضر في شمال الجزيرة،

وتمكن البطالمة الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك من التعرف على أسرار الملاحة في البحر الأحمر ومواقيت حركة الرياح الموسمية في المحيط الهندي، فشرعوا يتجرون بحراً دون وساطة اليمنيين الذين كانوا يسيطرون على طريق اللبان البري وتحول النشاط التجاري بين حوض البحر المتوسط وحوض المحيط الهندي تدريجياً من الطريق البري إلى الطريق البحري، فبدأ يخف عطاء الطريق البري وتأثرت به الدول اليمنية القديمة كثيراً، مما أضعف من قوتها وأنقص هيبتها، فطمع بها الناس دولاً وقبائل ، فكانت حملة أليوس جالوس الرومانية التي أخفقت عند أسوار مأرب عام 224 ق،م، في محاولة للسيطرة على الطريق البري والاستيلاء على بلاد اللبان،

 
Ruins of سد مأرب

كما طمعت القبائل البدوية المنتقلة في الصحراء بحواضر الدول اليمنية ومحطاتها التجارية، خاصة بعد أن تضرر أهل البادية أنفسهم نتيجة نقص مواردهم التي كانوا يجنونها من الطريق كجمالة أو حماة قوافل، فكانوا يهاجمون المحطات والمدن كلما مسهم جوع وآنسوا من تلك المدن ضعفاً، وساعدهم على ذلك اتخاذهم الفرس سلاحاً فعالاً في غزواتهم حيث كانوا ينقضون بسرعة وقوة على ثغور تلك الدول ثم يعودون فارين إلى قلب الصحراء مما اضطر كثيراً من سكان الوديان على أطراف الصحراء إلى هجر ديارهم والاحتماء بالمرتفعات في الداخل، وقد ساعد هذا الوضع على نمو قوة جديدة هي حمير التي حاولت الاستفادة من انتعاش الملاحة والتجارة على البحر الأحمر، فأقامت لها موانئ عليه وبنت لها أسطولاً ، وكانت حمير آخر دول اليمن القديم ظهوراً، ويرجح أن ذلك اقترن ببداية التقويم المعروف بالتقويم الحميري الذي يبدأ حوالي 115ق،م، كما أسست عاصمتها ظفار في قلب المرتفعات اليمنية بعيداً عن الصحراء وهجمات البدو، وذلك في قاع الحقل بسند جبل ريدان، كما ازدهرت مدن الهضبة اليمنية في القيعان، بعد أن كانت مدن الوديان الشرقية تحجب عنها المكانة والسمعة، وزادت سلطة الأقيال بعد أن قلت هيبة هؤلاء من منافسة السلطة التقليدية فيها، وإعلان نفسه ملكاً على سبأ، ودخلت اليمن في فترة من الصراع على اللقب الملكي في سبأ، وهو صراع وإن أشبه صراع ملوك الطوائف ،إلا أنه كان تعبيراً عن الانتماء المشترك والوحدة عبر حرص الملوك جميعاً وخاصة ملك حمير في ظفار-آخر دول اليمن القديم كما أسلفنا- على أن يكون لقبه ملك سبأ وحمير ملك سبأ وذي ريدان ومثله كان بنو همدان في ناعط وبنو بتع في حاز وبنو مرثد في شبام وذو جرة في نِعض بالإضافة إلى سبأ في مأرب وقتبان في تمنع وحضرموت في شبوة، وكانت دولة معين في هذا العصر قد انتهت وضمت إلى سبأ في القرن الأول قبل الميلاد وبدأ الضعف يدب في قتبان خاصة تحت ضربات دولة حضرموت، منذ مطلع القرن الأول الميلادي، ثم ما لبثت أن انتهت في القرن الثاني الميلادي، وضم ما تبقى منها إلى حضرموت، وفي القرن نفسه انتهى حكم الأسرة التقليدية السبئية في مأرب، علماً بأن مأرب نفسها لم تفقد أهميتها كعاصمة أو مدينة حينذاك، ومما زاد في الصراع حدة بروز دولة أكسوم في الحبشة وهي الدولة التي قامت نتيجة استيطان يمني دام قروناً هناك، وساعد انتعاش الملاحة في البحر الأحمر على ازدهارها، ودخلت مع حكام اليمن في صراع أو تحالف حسب ما تقتضيه ظروفها، على أن فترة النزاع ما لبثت أن تبلورت في محاولة توحيد السلطة وإقامة دولة مركزية واحدة، وكان أول من قام بهذه المحاولة الملك شَعِر أوتر بن علهان نهفان الذي حمل لقب ملك سبأ وذي ريدان ، واتخذ من مأرب عاصمة له ومد نفوذه إلى كثير من بقاع اليمن بما فيها حضرموت، وذلك في أواخر القرن الثاني بعد الميلاد، كما حاولت ظفار ومأرب توحيد قواهما ضد الحبشة ، بل وتوحيد السلطة إبان حكم الملك الشهير إل شَرَحْ يحضب الذي شاركه الحكم أخوه يأزل بيِّن وكان ذلك في أواخر النصف الأول من القرن الثالث الميلادي.

حمير

 
تمثال Ammaalay، القرن الأول ق.م.، اليمن

كان سد مأرب خلال عمره الطويل يتصدع بين الحين والآخر لأسباب عديدة منها : السيول الكبيرة التي تنتج عن أمطار غزيرة وفيضانات، مما يدخل عموما في الكوارث الطبيعية، ومنها الزلازل، ومنها الإهمال، وضعف السلطة المركزية،

وقد جرت العادة أن يهب الناس عندما يحدث ذلك إلى مكان السد بغية العمل والتعاون في إصلاح ما تهدم منه ، وتتولى تنسيق عملهم وتمويلهم سلطة مركزية قوية تجمع الإرادة وتحشد الإمكانات اللازمة، كما حدث في عهد شرحبيل يعفر عام 450 م، وفي عهد أبرهة عام 542 م ، والذي تمكن ومن معه من أهل اليمن من إصلاحه، ودُوِّن ذلك في نقش كبير فصلت فيه نفقات إصلاحه، والجموع التي شاركت فيه وذكرت فيه أيضا الوفود الأجنبية من فارس والروم والغساسنة والمناذرة التي وصلت للمشاركة في الحفل الذي أقيم بتلك المناسبة، غير أن تفجر السد الأكبر والأخير لم يكن عادياً، بل كان خارقاً للعادة، وكارثة كبرى أتت على معظم بنيان السد، وجرفت معظم منشآت الجنتين، فكان أن شُلَّ نظام الري بأجمعه، وبدلت صورة الحياة في تلك الأرض تماماً، وقد ذكر القرآن الكريم العبرة الإلهية والسبب في ذلك ، قال تعالى:( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل)

إلا أن تفجر السد النهائي يرجح أنه قد وقع في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، وبعده يحدث النزوح لأهل اليمن باتجاه الشمال فيؤسسون لهم هناك مستقرات جديدة كما فعل الأوس والخزرج في يثرب وهم فرع من الأزد، أو كما فعل فرع آخر من الأزد في جهات حوران من بلاد الشام وأسس دولة الغساسنة كما كان هناك المناذرة باتجاه العراق، وقد لعبت كل تلك المستقرات اليمنية دوراً في صياغة الشخصية العربية بعدئذ لكل شبه الجزيرة العربية،

وكان آخر من حكم من ملوك حمير قبل دخول الحبشة إلى اليمن عام 525 للميلاد رجل اسمه أسأر يثأر من العائلة اليزنية، واشتهر بذي نواس، ويقال إنه تسمى يوسف بعد أن اعتنق اليهودية، ربما كرد فعل لتغلغل النفوذ الروماني عبر المسيحية التي كانت نجران قلعة من قلاعها، وكان أهل الحبشة يدينون بالنصرانية، ويشرفون على النشاط المسيحي في اليمن، حيث دان أقوام بالمسيحية منذ أن دخلت إليه في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي، ومن أولئك نصارى نجران،

 
A funerary stela featuring a musical scene, 1st century AD
 
Himyarite King Dhamar Ali Yahbur II

وكان النفوذ الحبشي قد اشتد في اليمن، فاشتبك ذو نواس معهم في معارك طاحنة، كانت الغلبة فيها أول الأمر لذي نواس، حيث ألحق بهم الهزائم تلو الهزائم ، وانتهت بحرق كنائسهم وتعقبهم في كل مكان، ولم يشأ أهل نجران أن يتركوا دينهم ويعتنقوا بدلاً منه دين ملكهم، فما كان من هذا الملك إلا أن دمر كنائسهم وأحرقها وقتل المؤمنين منهم بالنصرانية وألقاهم في الأخدود، ويجد المرء ما يوافق تلك الحادثة في سورة البروج من القرآن الكريم ، وانسحب الأحباش بعد هزائمهم في تلك المعارك ليعودوا من جديد بعد سنوات لغزو اليمن وتمكنوا بمساعدة إمبراطور الروم من إلحاق الهزيمة بذي نواس واحتلال اليمن ، وكان ذلك عام 525 للميلاد.

وولي اليمن نيابة عن نجاشي الحبشة شخص يدعى أبرهة وهو الذي تهدم سد مأرب في زمنه كما أسلفنا وأصلحه، لكن أبرهة استبد بالأمر في اليمن وخلع طاعة النجاشي وسمى نفسه ملكاً على اليمن ، وقام بغزوات عديدة لإخضاع القبائل المتمردة عليه في الداخل، وبأخرى لمد نفوذه في الجزيرة، على أن دولته لم تدم طويلاً إذ أن الفرس بدءوا يتحينون الفرصة للسيطرة على اليمن في إطار صراعهم الطويل مع الروم، وتنافس الطرفان على كسب مناطق نفوذ لهما، فكان أن أرسل الملك الساساني عن طريق ملوك الحيرة قوات فارسية إلى اليمن، تمكنت بالتعاون مع قائد يمني من ذي يزن اشتهر باسم سيف من تقويض نفوذ الأحباش في اليمن وطردهم،

على أنه مما بقي عالقاً في أذهان أهل اليمن وتواتر أخبارهم قصة حملة أبرهة الفاشلة على مكة، وهي الحملة التي قصد منها هدم الكعبة واتخاذ القليس في صنعاء كعبة يحج إليها الناس بدلاً منها، وقد أشار القرآن إلى هذه القصة في سورة الفيل،

أكسوم


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفترة الساسانية (570-630م)

أرسل الملك الفارسي كسرى الأول قوات بقيادة وهريز، الذي ساعد البطل شبه الأسطوري سيف بن ذي يزن على طرد الاحتلال الحبشي من اليمن. أصبح جنوب الجزيرة العربية من الأملاك الفارسية تحت تابع يمني وبذلك دخل اليمن في دائرة نفوذ الامبراطورية الساسانية. وفي وقت لاحق، أُرسِل جيش آخر إلى اليمن، وفي 597/8 أصبح جنوب الجزيرة العربية مقاطعة في الامبراطورية الساسانية تحت إمرة ساتراپ فارسي. وقد كان اليمن مقاطعة فارسية بالإسم ولكن بعد أن اغتال الفرس ذي يزن، فقد انقسم اليمن إلى عدد من الممالك المستقلة.

هذا التطور كان نتيجة السياسة التوسعية التي اتبعها الملك الساساني كسرى الثاني پرويز (590–628)، الذي كان يهدف إلى تأمين المناطق الحدودية الفارسية مثل اليمن ضد التوغلات الرومانية/البيزنطية. إثر وفاة كسرى الثاني في 628، اعتنق الحاكم الفارسي للجنوب العربي، باذان الإسلام واتـَّبـَع اليمن الدين الجديد.

التاريخ الاسلامي

 
The Age of the Caliphs

بدأ محمد صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة للإسلام في مكة، في عام 613 للميلاد، أي قبل بدء التاريخ الهجري الإسلامي باثني عشر عاماً، ولا شك أن أصداء دعوة الإسلام وبسبب العنت الكبير الذي لاقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه قريش قد وصلت فيما وصلت إلى اليمن والتي كانت في تلك الأثناء منقسمة ومجزأة بين قوى قبلية هي: حمير، وحضرموت، وكندة، وهمدان، وبين حكم فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جيب في نجران للنفوذ الروماني الحبشي وهو الجيب الذي كان فيه نصارى نجران هناك، وقد بدأ أفراد من قبائل مختلفة كالأشاعر ودوس وهمدان والأزد يستجيبون لهذا الدين وينشطون للدعوة له.

لكن مجموع أهل اليمن دخل الإسلام بين العام السادس للهجرة وعام الوفود في السنة العاشرة، وبعد جهد دعوي سلمي في معظم جهات اليمن وهي مناطق: حمير وكندة وحضرموت ومناطق الحكام من الفرس في صنعاء وآخر عسكري في الجهات الشمالية من تهامة وتلك التي يقطنها بدو غير مستقرين، وهم الذين وجهت إليهم سرايا لهدم صنم أو لقتال من بقي منهم على الشرك، وكللت تلك الجهود باستجابة أهل اليمن إلى الإسلام ـ باستثناء نصارى نجران ـ رغبة في دينه ورهبة من قوة المسلمين الجديدة النامية في المدينة ، وهي القوة التي قدمت نفسها مسنودة بتعاليم السماء كحليف قوي لكل من أراد الانضمام إليها، وتشير الكتب التي عاد بها من ذهب إلى المدينة ليعلن إسلامه إلى أنه قد نظر إلى جماعة المسلمين كقوة نامية يمكن الاحتماء بها .

فقد حملت تلك الكتب إقراراً من الرسول(ص) لهؤلاء وهؤلاء بما ادعوه من ملكيات هنا وهناك أو لما ادعوه من زعامات على هذه الجهة أو تلك، بل إن هذه النظرة النفعية غير الروحية للإسلام وجماعته في المدينة هي المسئولة عما جرى من ردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل الجزيرة العربية، إلا من رحم ربك ممن ثبت على الإسلام وآمن بتعاليمه وبنصرة الله لدينه. بدخول أهل اليمن في الإسلام يبدأ عصر جديد هو عصر الانتماء إلى أمة الإسلام التي وإن اعترفت بالحدود والقوميات إلا أنها تشمل جميع المسلمين حيثما وجدوا، وبهذا الانتماء كان لابد أن تكون هناك علاقة جديدة بالمدينة، مدينة الرسول التي أخذت فيها نواة الدولة الإسلامية تتبلور وتشكل عاصمة لديار الإسلام، فأرسل الرسول من قبله ولاة على بعض جهات اليمن وثبت بعض قياداتها القبلية على ما هي عليه وأعاد تنظيم الأوضاع القبلية برئاسات قديمة وجديدة وربط كل ذلك بالواجبات الإسلامية التي ينبغي أن تدفع إلى المدينة من قبل المسلمين وغير المسلمين، بعد أن قسم اليمن إدارياً إلى مخاليف ثلاثة هي: الجند وصنعاء وحضرموت.

اليمن والردة

في النقاشات الفقهية الكثيرة حول الردة القديمة والمعاصرة لم يعد من السهل الوقوف على رأي شرعي نهائي يحدد متى يكون المسلم قد ارتد هل بتركه كل الدين أو جزء منه أو بوقف ولائه لدولة الإسلام مع بقائه على الدين ؟ ومع ذلك فإن اصطلاح الردة أو حركة الردة قد أوردته المصادر ليصف الوضع الذي نشأ في الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الوضع الذي تتفاوت تفاصيله من منطقة لأخرى، لكنه في كل حال كان وضعاً رفض فيه قسم من القبائل مجدداً تعاليم الإسلام وعادت إلى عبادة أصنامها ورفضت سلطة الخليفة الأول للمسلمين عليها، وقسم آخر أراد البقاء على الإسلام ورفض سلطة الخلافة في المدينة والواجبات تجاهها فقالوا: نؤد الصلاة ولا نؤد الزكاة. ولم تشذ القبائل اليمنية كثيراً عن هذا الوضع العام إثر وفاة الرسول(ص) ، فسواء أكانت الردة ارتداداً عن الإسلام أو رفضاً لسلطة المدينة أو قريش كما قالوا، فإن الثابت في كل الأحوال هي ثبوت صفة الردة على كثير من قبائل اليمن، إذ ثبتت قلة من أهل اليمن على الإسلام وهي التي شاركت جيوش الخلافة فيما بعد في القضاء على حركات الردة خاصة في حضرموت وكندة. ولا ينبغي النظر إلى ردة أهل اليمن بتشنج عاطفي وطني أو ديني ، بل بموضوعية وعقل يتفهمان الموقف في ظروفه التاريخية، فالرسول الكريم بجماعته الإسلامية وشخصيته النافذة تمكن من إدخال الناس في الإسلام رغبة ورهبة، وربطت كثيراً من القبائل إسلامها بمنافع تجنيها من الإسلام كعقيدة أو قوة مادية، ولذلك لا غرابة أن يسمى العام العاشر بعد هزيمة قريش عام الوفود ، أي عام الوفود التي وفدت إلى المدينة لإعلان الإسلام، وقد أظهرت المصادر أن معظم القبائل لم تسلم بشكل نهائي لهيبتها قريشاً، لكن بعد هزيمة قريش وسقوط هيبتها ، فلابد من الاعتراف بالقوة الجديدة وهي قوة الإسلام والمسلمين .

وبوفاة الرسول(ص) تختفي الشخصية النافذة المُجَمِّعَة والمُوحِّدَة وينظر القوم إلى الخلافة على أنها توريث غير مسبوق لسلطة أقروها في شخص الرسول(ص) ولا يريدون إقرارها لغيره، كما ظهر ذلك في بعض شعرهم.

وبهدوء وموضوعية يمكن تفهم حركة الردة في اليمن وغير اليمن على ضوء التجربة الضخمة التي شيد بداياتها الرسول الكريم وأنشأ نواة لدولة مركزية في المدينة، تخضع لمبادئ الإسلام، وعلى ضوء الزمن القصير الذي لا يمكن معه تصور رسوخ المبادئ الإسلامية أو معنى الاحتكام إلى سلطة واحدة في مساحة جغرافية بمساحة شبه جزيرة العرب ، وهما أمران خطيران بالقياس إلى تعدد الآلهة والوضع القبلي المشرذم سياسياً في كل أنحاء الجزيرة. أما صحابة الرسول(ص) الأوائل الذين تشربوا منه مباشرة تعاليم الإسلام واختبروا في مواقع كثيرة ليصفوا إسلامهم، فقد ثبتوا على الإسلام وألهم الخليفة أبو بكر رأيا سديداً في قتال المرتدين ، فهو لم يقبل كغيره من بعض الصحابة الأخيار بأن لا يقاتل من يشهد بأن لا إله إلا الله، بل أصر على ضرورة الخضوع لعاصمة الإسلام المدينة قائلا: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه. وقد لعبت جيوش الخلافة ومن ثبت معها على الإسلام دوراً في الحفاظ على الإسلام كدين وعلى دولة الإسلام التي رسختها بعدئذ خلافة عمر المهابة والنعم التي حصل عليها المسلمون وهم يفتحون الأرض شرقاً وغرباً، وعليه فلا وطنية ولا انتهازية في حركة الردة، بل مرحلة تاريخية من مراحل تثبيت الإسلام في النفوس يمكن تفهمها على ضوء الأوضاع التي سبقت الإسلام وما ارتبط بإسلام البعض من تصورات نفعية تصححت مع الزمن وحسن إسلام الناس بعدئذٍ ، أما ما يخص حركة الأسود العنسي عبهلة بن كعب في اليمن والتي لا يمكن إدراجها ضمن حركة الردة لعدم ثبوت إسلام الأسود العنسي أولاً ولوقوعها زمنياً في حياة الرسول ثانياً، فهي الأخرى حركة تمثل صداماً بين سياسات الرسول الكريم في اليمن والهادفة إلى ربط اليمن بالإسلام وعاصمته المدينة وبين طموح الأسود العنسي في الإستيلاء على مقاليد الحكم من يد الأبناء بالتعاون مع بعض القبائل المنافرة للأبناء، وقد لعب الزمن الذي وقعت فيه حركة الأسود وتبدلات الأحلاف القبلية على أساس وجود قوة جديدة هي قوة الإسلام دوراً في الإطاحة بطموح الأسود السياسي، فتمكن لفترة ضمن الأوضاع الجديدة من السيطرة على صنعاء لكنه خسر الجولة في النهاية وانتصر الحلف الموالي لسياسات الرسول في اليمن .

وبالقضاء على حركة الأسود العنسي وحركة الردة في اليمن يبدأ دور جديد لأهل اليمن في الفتوحات وبناء الخلافة الإسلامية في كل بلاد الإسلام، فكانت لهم الإسهامات العظيمة في فتح فارس وبلاد الشام ومصر والمغرب العربي والأندلس كجيوش وقيادات مشهورة، ونحن ننظر إلى تلك الأدوار البارزة على أساس أن اليمن وأهل اليمن جزء من دار الإسلام، ولا يجب أبداً النظر إلى ذلك الدور على أساس قطري أو جهوي فهو قديماً والآن مخالف لطبائع الأمور والأصل هو النظر إلى وحدة ديار العرب وديار الإسلام وما اليمن إلا وحدة إدارية من وحداته الكثيرة برز أهلوه في مسطح العالم الإسلامي كغيرهم من الأقوام حيث تمازجت الأنفس والأخلاق ونشأ عن ذلك بعدئذٍ ما يعرف بالحضارة العربية الإسلامية .

وفي زمن الخلافة الراشدة كان اليمن بمخاليفه وتقسيماته الإدارية الخاصة به حيناً والمرتبطة مع بعض بلاد الحجاز أو كلها حيناً آخر ولاية أو ولايات تابعة للخلافة الإسلامية، ولم تشهد أحداثاً جساماً إلا ما كان في زمن الفتنة وهو صراع أقطاب قريش على السلطة بعد مقتل الخليفة عثمان إذ نجد مشاركة لليمنيين في جميع ميادين الصراع على السلطة في العراق والشام والحجاز، وشاركوا في القتال في كل من معارك الجمل وصفين والنهروان، مدفوعين بقناعات في الوقوف إلى جانب هذا الفريق أو ذاك خاصة والوقت وقت فتنة عميت فيه الأبصار والقلوب، أما في اليمن فكان نصيبها من الصراع بين على ومعاوية بعد مقتل الخليفة عثمان هو وصول الوالي بسر بن أبى أرطأة من قبل معاوية فتتبع شيعة على في اليمن بالقتل والمطاردة، ثم فر أمام والي علي بن أبى طالب جارية بن قدامة السعدي الذي تتبع هو الآخر عثمانية اليمن وأعوان معاوية بالقتل والتشريد، ثم غادر اليمن إلى العراق بعد سماعه بمقتل الخليفة على بن أبي طالب والذي مهد مقتله للوصول مع الحسن بن على إلى ذلك الاتفاق مع معاوية وبأن تصير الأمور شورى بين المسلمين بعد معاوية بن أبي سفيان وبهذا الاتفاق الذي حصل عام 40 للهجرة والذي عرف بـ(عام الجماعة) تمهد الطريق لبني أمية لإرساء خلافتهم وحكم المسلمين زمناً ناهز القرن .

اليمن في العصر الأموي

لا تسعفنا مصادر التاريخ الإسلامي العامة في رسم صورة واضحة لأوضاع اليمن في الزمن الأموي، إذ يبدو أن انتقال مركز الثقل السياسي إلى الشام وما رافق ذلك من أحداث عامة متنوعة هناك بالإضافة إلى الفتوحات في المغرب والأندلس قد غطى على الأحداث المحتملة التي جرت في اليمن خلال ما يقارب القرن من الزمان، وربما تعلق الأمر ـ بعد خروج معظم أهل اليمن للجهاد ـ بفترة هدوء تنفس فيها أهل اليمن الصُعَدَاء ، حتى إذا انصرم قرن من الزمان ، تبدأ الأحداث ثانية بالظهور، ولذلك فإن المصادر التاريخية لهذه الفترة لا تجود إلا بذكر أسماء الولاة ومددهم في اليمن في الفترة من 41 ـ 132 هـ وهو زمن خلافة بني أمية في اليمن والتي قطعتها خلافة ابن الزبير في الأعوام 64 ـ73 هـ ، فقد ولي اليمن أكثر من خمسة وعشرين والياً بمدد مختلفة لعل أطولها ولاية يوسف بن عمر الثقفي الذي ولي اليمن ثلاث عشرة سنة ابتداءً من خلافة هشام بن عبد الملك 105هـ وقد استأثر الثقفيون عامة بثقة بني أمية فأكثروا من توليتهم ولايات مختلفة من بينها اليمن، وأحدهممحمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج وهو الذي استنابه عنه في اليمن وأبرز ما تذكره المصادر في زمن محمد بن يوسف هذا هو أنه هم بحرق المجذومين بصنعاء ، إذ جمع حطباً عظيما لأجل ذلك ، بيد أن منيته عاجلته قبل تنفيذ الحرق، ولا تعطي المصادر أسباباً لكثرة العزل والتولية خاصة وقد طرأ على إدارة الولايات نمط جديد من التولية يجوز بمقتضاه للوالي أن يرسل من ينيب عنه إلى ولايته فيما يستقر هو بجانب الخليفة أو حيث شاء وهو ما يفيد التكريم بالمناصب والموافقة على جناية منافعها دون تجشم عناء المسئولية، ولنا أن نتصور أن مهمة هؤلاء الولاة كانت الحفاظ على مخاليفهم من جهة الأمن والاستقرار وفض الخصومات والولاء للخلافة وتقديم الزكاة والأعشار وسائر المدفوعات الأخرى، لترسل إلى عاصمة الخلافة بعد الصرف منها على شؤون الولايات، وبهذا الصدد تذكر المصادر أن بحيرا بن ريشان الحميري وهو من القلائل من أهل اليمن الذين تولوها من قبل يزيد بن معاوية قد قبل ولاية اليمن على مال يؤديه للخلافة كل عام ولعله أساء السيرة في أهل اليمن لجمع الأموال لنفسه والخلافة حتى يستحق وصف المصادر له بأنه كان عاتياً متجبرا .

ثم إن اليمن في خلافة ابن الزبير 64ـ73 هـ خرجت من حظيرة الدولة الأموية واستطاع ابن الزبير أن يرسل إليها الولاة من قبله، وهم الذين سرعان ما كان يتم استبدالهم أيضاً حتى أن فترة بعضهم لم تتجاوز الشهور، ولذلك تميزت اليمن بالاضطراب زمن خلافة ابن الزبير ، وربما كانت أبرز الأحداث في فترة الخلافة الأموية وتداخلها مع خلافة ابن الزبير المغمورة الذكر في المصادر والأبحاث الحديثة هي خروج عباد الرعيني ضد الوالي يوسف بن عمر الثقفي ولكن الأخير قتله هو وأعوانه في عام 107 هـ ، أما في أواخر الدولة الأموية فقد غلب الخوارج على اليمن وهم الذين كانوا في حرب متواصلة ضد الدولة الأموية، وكان زعيمهم عبد الله بن يحيى الحضرمي الملقب بطالب الحق والذي ثار بحضرموت وتمكن بمن معه من رجال من دخول صنعاء وإلقاء الخطب الدينية المؤثرة فيها واستمر زحف الخوارج شمالاً باتجاه مكة فسقطت بأيديهم ووليها أبو حمزة الخارجي نائب عبد الله بن يحيى الحضرمي ثم استولى بعد ذلك على المدينة وبعدها شخصت أبصار خوارج اليمن نحو الشام فساروا باتجاهها إلا ان مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية أعد لهم جيشاً خاصاً قابلهم بوادي القرى وأخذ يلحق بهم الهزائم ويطاردهم حتى وصل إلى حضرموت منطلقهم الأول حيث كان آخر نفس لهم، إلا أن عبد الملك السعدي قائد قوات مروان بن محمد قتل في الجوف في طريقه إلى مكة لرئاسة موسم الحج .

ثم عين مروان بن محمد والياً جديداً على اليمن هو الوليد بن عروة ، وكان هذا آخر ولاة بني أمية فقد تسارعت الأحداث على الخلافة الأموية وآخر خلفائها، وبدأت الجيوش العباسية زحفها من خراسان في العام 129هـ لتصل إلى الكوفة في العراق عام 132هـ حيث أعلنت خلافة بني العباس وهزم مروان بن محمد في موقعة الزاب الشهيرة وطورد هو بعدئذٍ ليلقى مصرعه في بوصير بصعيد مصر قرب إحدى الكنائس، ثم يبدأ عهد الخلافة العباسية .

اليمن في العصر العباسي

يقسم المؤرخون خلافة العباسيين إلى عصرين: عصر قوة أول وعصر ضعف ثان. وفي العصر الأول تمكن العباسيون من بسط سيادتهم على كل رقعة الخلافة باستثناء الأندلس وأجزاء من شمال أفريقيا، كما تمكنوا من القضاء على الثورات التي هاجت ضدهم، أما في العصر الثاني فقد أدى الضعف المتنوع الأسباب إلى خروج كثير من الأقاليم عن سيطرتهم، وسنجد آثار العصرين في اليمن ، ففي العصر الأول سار العباسيون من جهة نظام الحكم سيرة الأمويين قبلهم وأرسلوا الولاة إلى اليمن بمخاليفه المتعددة أو مضموماً إليها الحجاز، كما تفاوتت مددهم قصراً وطولاً واستمر كذلك نظام الاستنابة، ومجمل القول :إن اليمن وفي العصر العباسي الأول عرفت ولاةً عباسيين أقوياء تمكنوا من ضرب الثورات التي قامت ضدهم خاصة في حضرموت زمن الوالي معن بن زائدة الشيباني الذي ولي اليمن لأبي جعفر المنصور وجهات تهامة والساحل زمن الوالي حماد البربري الذي ولي اليمن لهارون الرشيد ، والذي عانى من ثورة قام بها الهيصم بن عبد الصمد الحميري استمرت فترة طويلة، وقد بدأت أولاً نخوة على العار ضد الوالي العباسي لتتحول بعدئذ إلى ثورة للإطاحة بالوجود العباسي في اليمن، وقد استعمل حماد البربري الشدة والخداع في القضاء على هذه الثورة بموافقة هارون الرشيد كما يبدو والذي أُثِرَ عنه أنه قال لواليه حماد -بعد أن أطلعه الأخير على أوضاع أهل اليمن-: أسمعني أصواتهم إلى هنا. وقد صمَّ الرشيد أذنيه عن كل شكايات أهل اليمن من ظلم حماد، ومع ذلك تذكر المصادر إن عهد حماد كان عهد استقرار وأمان وخصب وعمار، كما يذكر بالخير أيضاً الوالي محمد بن خالد البرمكي الذي قام بجر غيل إلى صنعاء عرف بغيل البرمكي، أما الأكثر من ولاة بني العباس فقد اشتهروا بالظلم وفساد الذمة والشذوذ وهو ما سيمهد عند ضعف الدولة العباسية لتكون اليمن مركزاً لنشوء الدويلات المنفصلة أو المستقلة عن الخلافة العباسية ، ويمكن أن نقرر أنه حتى أوائل القرن الثالث الهجري كانت اليمن ولاية تابعة للدولة العباسية مباشرة حتى مع وجود دولة بني زياد التي ساهم المأمون في إنشائها في تهامة عام 203 هـ .

وقد عانت اليمن مثل غيرها من بقاع العالم الإسلامي من المجابهات الدموية بين العباسيين وبني عمومتهم العلويين الذين قاموا بثورات متكررة للإطاحة بحكم بني العباس بحجة أن بني العباس مغتصبون للخلافة وأن الأحق بها هم العلويون .

وقد جرب أحد العلويين حظه في اليمن للحصول على نطاق جغرافي يحكمه وهو إبراهيم بن موسى الذي تنعته المصادر بالجزار، ويكفي لقبه هذا دليلاً على كثرة سفكه الدماء بين أهل اليمن، ومع أنه حورب من القوى المحلية وولاة العباسيين، إلا أنه وهو يفر في جهات اليمن مهزوماً أمام القوى المحلية وجيوش العباسيين يتم تعيينه والياً رسمياً على اليمن من قبل الخليفة العباسي المأمون الذي كان كما يبدو يجهل سيرته في اليمن، لكن كان للتعيين صلة برغبة المأمون في جعل الخلافة من بعده علوية، إذ عين المأمون أخا إبراهيم الجزار هذا علي بن موسى الملقب بعلي الرضا وليا للعهد، ولبس المأمون اللون الأخضر شعار العلويين، وقد أدت هذه الخطوة المختلف على تفسير دوافعها بين المؤرخين من قبل المأمون إلى ردود أفعال عند باقي العباسيين وأعوانهم من الخراسانية في بغداد انتهت بعزل المأمون عن منصبه وتعيين عمه إبراهيم بن المهدي خليفة بدلاً عنه، ولما تدارك المأمون موقفه بموت أو بسم علي الرضا هذا عاد إلى بغداد عباسياً بلونه الأسود، وهذا الاضطراب الذي شهدته بغداد شهدته كذلك اليمن، أولاً لتثبيت سلطة إبراهيم الجزار الشرعية، ثم لعزله وإقصائه بعد انقلاب المأمون على العلويين .

هذه الأحداث التي وقعت مطلع القرن الثالث الهجري غذَّت القوى المحلية برغبات في الانفصال عن الخلافة العباسية وهم يشهدون غيرهم من الولاة والمتطلعين إلى السلطة يحاولون الانفصال والاستقلال، ويبدو أن الخلافة العباسية قد أدركت توثبات أهل اليمن نحو الاستقلال من جراء الثورات الكثيرة التي كانت تقع في المرتفعات والسهول، فقامت بدعم حكم في جهات تهامة هو حكم آل زياد السني في العام 203هـ كي تضمن على الأقل بقاء الطرق التجارية البحرية بعيدة عن تقلبات الأحوال السياسية في المرتفعات وهي التقلبات والصراعات العنيفة على السلطة، بين زعامات قبلية ومذهبية ستستغرق ما يناهز الأربعة القرون ابتداءً من نشوء الدولة الزيادية في تهامة وانتهاءً بوقوع اليمن تحت الحكم الأيوبي في عام 569هـ .

أمَّا القوى التي شاركت في الصراع على السلطة في أقاليمها أو حاولت الاستيلاء على كل اليمن متمكنة من ذلك لبعض الوقت ، فكانوا:

  • آل زياد في زبيد في الفترة من 203 – 409 هـ/ 819 – 1019م ،
  • آل يعفر الحواليين الحميريين ، وكانوا على المذهب السني ومراكزهم: صنعاء وشبام في الفترة من 225 –393 هـ/ 8391003م ،
  • الأئمة الزيديِون في دولتهم الأولى ، نسبة إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي خالف الإمام جعفر الصادق في مبدأي التقية والاستتار وأسس لمبدأ الثورة على الظلم متى ما وجد هذا الظلم وهو شرط الخروج والثورة ، ويتميز المذهب الزيدي باعتداله، وانفتاحه على المذاهب الأخرى وبجعل الاجتهاد ضرورة دائمة وهو ما أدى إلى إثراء المذهب الزيدي بالفكر وظهر له في الفترات التاريخية المتأخرة علماء كبار أجلاء في أوقات كان فيه الجمود يضرب أطنابه في مسطحي العالمين العربي والإسلامي، ويعد المذهب الزيدي عامة أقرب المذاهب الشيعية إلى السنة، التي تأخذ عليهم حصرهم الإمامة في أولاد الحسن والحسين ومع ذلك فإنهم يجوزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل كما ينبذون مبدأ العصمة والتقية ويجيزون الخروج على الظلم، كما يجيزون خروج إمامين في وقت واحد وهو ما أدى في فترات كثيرة من تاريخ الدول الزيدية في اليمن إلى خروج أكثر من إمام دارت بينهم صراعات عنيفة أراقت الدماء وأهلكت الزرع والضرع، لكن مبدأ الخروج هذا رغم ويلاته هو الذي احتفظ للطامحين من الأئمة الزيدِيين بجذوة الثورة مكنتهم من قيادة محاولات متعاقبة لتأسيس حكم علوي وراثي سنصادفها لاحقاً. ولو أن هذا المبدأ فيما بعد قد آل إلى تنافس بين الطامحين لا من أجل رفع الظلم بل لتأسيس ملك وسلطان، وقد اتخذت الدولة الزيدية الأولى بزعامة مؤسس الدولة والمذهب الزيدي في اليمن العلوي يحيى بن الحسين الرسي المنعوت بالهادى إلى الحق، من صعدة مركزاً لها في الفترة 284 –444 هـ/ 897 –1052م ؛
  • الإسماعيليون القرامطة في دولتهم الأولى ومراكزها المذيخرة، ولاعة في الفترة 291 – 321 هـ/ 903 – 933م وهم أيضا شيعة يرون أن الإمامة انتقلت من العلوي جعفر الصادق إلى ابنه الأكبر إسماعيل فشايعوه ودعوا باسمه وحفظوا الإمامة في أعقابه وهم على خلاف المذهب الزيدي يجوزون الاستتار للإمام إذا لم تكن له قوة يظهر بها، كما يؤمنون بالنظر الباطني للأمور ولهم آراء حول العلاقة بين النبوة والإمامة ؛
  • ثم الصليحيون وهم الإسماعيليون أو القرامطة في دولتهم الثانية ، والتي كانت تابعة لحكم الفاطميين في القاهرة ، وقد اتصفت بالتسامح المذهبي فلم تفرض على أحد اتباع ما تذهب إليه من فقه سياسي وشرعي، ومراكزهم جبل مسار في حراز، وصنعاء وجبلة وحصن أشيح في آنس في الفترة 439 –532هـ / 1048 – 1138 م ؛
  • بنو نجاح في زبيد، وهم وارثو الدولة الزيادية وكانوا عبيداً لهم من الأحباش فتمكنوا من السيطرة على الدولة بعدئذٍ وأبقوا على مذهبها السني في الفترة 403 – 555 هـ / 1013 – 1161م ؛
  • بنو زريع في عدن وهم من أتباع الدولة الإسماعيلية في الفترة 470 – 569 هـ / 1078 – 1174 م ؛
  • بنو حاتم في صنعاء وكانوا على المذهب الإسماعيلي في الفترة 494 – 569 هـ/ 1101 – 1174م ؛
  • بنو مهدي الحميريون في زبيد ، نسبة إلى المؤسس علي بن مهدي والذي قضى على حكم النجاحيين وخلفهم في زبيد في الفترة 553 – 569 هـ / 1159 – 1174 م .

وقد وجدت مختلف الطموحات السياسية في أوضاع اليمن القبلية وتصارعها مع بعضها البعض خير وسيلة للحصول على الأعوان الذين رغبوا في الانتقام من بعضهم تحت مسمى القيادات المختلفة، وقد تصارعت القوى المتعاصرة مع بعضها البعض وتبادلت النصر والهزيمة سجالاً وأطيح بأسر حاكمة لتحل محلها أخرى إلى حين ، وتمكن بعضها من السيطرة على ديار بعض فكانت الغلبة أولاً لآل زياد ثم كانت للقرامطة على حساب اليعفريين والزيديين ثم كانت لليعفريين والزيديين في تحالفهم بعد صراع ومجابهات ضد الجزء الخطر من القرامطة وهو علي بن الفضل ثم جاء دور الصليحيين ليتمكن مؤسس الدولة علي بن محمد الصليحي، ، التلميذ النجيب والنابه للداعية الإسماعيلي سليمان الزواحي من الإطاحة بكل القوى القبلية والحاكمة ، وتوحيد اليمن تحت حكمه بل أنه أدخل مكة تحت حكمه، ويخلف بنو نجاح آل زياد في زبيد ويتبادلون النصر والهزيمة مع الصليحيين ، والصليحيون تنقسم دولتهم بعد وفاة المكرم زوج السيدة بنت أحمد الصليحي محمودة السيرة والذكر فتأخذ بالتدريج في الضعف والزوال فيبسط النجاحيون دولتهم في التهائم ، ويقوى آل زريع ولاة الصليحيين في عدن ويؤسسون دولتهم المسيطرة على عدن وأبين وتعز ، ويتداول السلطة في صنعاء وما حولها أسر همدانية كآل حاتم وآل القبيب وآل عمران ، وفي زبيد يحل بنو مهدي كما أسلفنا محل آل نجاح ،وكانت لكثير من هذه القوى المتصارعة في اليمن ارتباطاتها الفعلية أوالاسمية، فآل زياد يدينون بالولاء لبني العباس. واليعفريون حسب أوضاع القوة والضعف تارة يستقلون نهائياً وأخرى يعترفون بالخلافة العباسية أو هي تعترف بهم وتقرهم على أوضاعهم .

والإسماعيليون القرامطة يدينون بالتبعية والولاء للفاطميين في عاصمتهم الأولى المهدية بتونس وفي القاهرة بمصر فيما بعد، ثم ينشق فريق منهم بزعامة علي بن الفضل الحميري ويستقل بالحكم لنفسه ويبقى الفرع الآخر بزعامة منصور بن حوشب الملقب بالمنصور تابعاً للخلافة الفاطمية حتى تعصف منافسات السلطة بالأعقاب ليعلن الحسن بن المنصور عام 321 هـ نبذه للإسماعيلية واعتناقه لمذهب السنة لتسقط سلطته بعدئذ تحت ضربات قوى قبلية محلية موالية لبني العباس، أما دولة الأئمة الزيدية فقد كانت منذ البداية منافسة للحكم العباسي كما أنها كانت تجسيداً لطموح العلويين في الحكم معتبرين أنفسهم أهل حق في قيادة المسلمين، ومتهمين العباسيين باغتصاب السلطة من أهلها، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض هذه الدول كالزيدِيِّة والإسماعيلية (الصليحية) ، بل والزيادية قد قامت على أساس فكري أو مذهبي في إطار صراع الأفكار والمذاهب التي ظهرت في الخلافة الإسلامية عامة، ولا تزال فترة الصراع الطويلة هذه تحتاج إلى مزيد من الدراسات الحديثة لكشف غموضها وفك أسرارها، لأننا نعتقد أن هذه الفترة قد ساهمت إلى حد بعيد قي تشكيل الملامح اليمنية الممتدة إلى اليوم جغرافيا وسكانياً ومذهبياً، وإلى جانب تلك الدول والكيانات الرسمية هناك حشد من أسماء القبائل أو الأسر أو تحالفاتها والتي شاركت في الصراع الدائر بين الطامحين في السيادة والسلطة، وفي حالات نادرة فقط حاولت الخلافة العباسية وهي تحاول استعادة قوتها ومجدها التدخل لإقرار ما تراه مناسباً بحكم كونها الخلافة الإسلامية المهيمنة وقد ساعدها على ذلك كونها ظلت – في زمن الانقسامات والفوضى العسكرية - الغطاء الشرعي والروحي الذي لجأ إليه المتقاتلون أحياناً للحصول على غطاء شرعي أو روحي من خلافة المسلمين وفيما عدا فترات قصيرة من العصر العباسي الثاني وفي أزمنة خلفاء مثل المعتمد حيث حاول أخوه الموفق 278 هـ / 891 م فرض السيطرة العباسية على اليمن ثم محاولات المعتضد 289هـ / 907 م والمكتفي 295 هـ/ 907 م ، كانت الخلافة تنتظر فقط من يفد إليها أو يراسلها بغرض استمدادها الشرعية والغطاء الروحي لما تغلبوا عليه، وقد ظلت الأوضاع تلك على حالها حتى مجيء الأيوبيين إلى اليمن فتغيرت الخارطة السياسية في اليمن لصالحهم .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اليمن في العصر الأيوبي

الأيوبيون أو أيوبيو اليمن: فرع من السلالة الأيوبية حكم في اليمن مابين 1173-1228 م. بعد حملات الناصر صلاح الدين -عام 1173 م- إلى اليمن والتي كللت بالسيطرة على البلاد و القضاء على الإمارات المحلية، أسس قائد الأيوبيين توران شاه (1173-1181 م) -أخو صلاح الدين- سلالة محلية، تم بعد ذلك إكمال السيطرة على مكة و الحجاز. آل الحكم بعدها إلى أخوه الثاني سيف الإسلام طغتكين (1181-1196 م) و ذريته. إنتقل حكم اليمن بعد الأيوبيين إلى الرسوليين -كانو من رجال الأيوبيين- و كان ذلك العام 1229 م.

الدولة الرسولية

الدولة الرسولية (حكمت 626- 858 هـ/ 1229- 1454م) هي أسرة حاكمة مسلمة حكمت اليمن وحضرموت، بعد أن ترك الأيوبيون المقاطعات الجنوبية لولايتهم في جزيرة العرب.

أعلن الرسوليون استقلالهم عن الدولة الأيوبية في مصر في العام 630 هـ/1232م وخطبوا للخليفة العباسي المعاصر لهم بعد أن طلبوا منه أمر نيابة مباشر عنهم في اليمن دون وساطة الأيوبيين، وكانت الخلافة العباسية في نزعها الأخير ولا تملك إلا الموافقة على طلبات من لا يزال يرى في غطائها الروحي أهمية لتوطيد ملكه وهو بالضبط ما احتاج إليه الرسوليون الذين ظلوا على ولاء للخلافة العباسية ويخطبون في مساجدهم لآخر خلفائها المستعصم دهراً طويلاً بعد وفاة دولتهم في بغداد عام 656 هـ/ 1258 م على يد المغول، إذ يذكر الخزرجى مؤرخ بني رسول المعاصر والمتوفى عام 812 هـ/1409م أن المستعصم: " هو الذي يدعى له على سائر المنابر إلى وقتنا هذا من سنة ثمان وتسعين وسبعمئة " أي بعد مائة وستة وخمسين عاماً من انتهاء الخلافة العباسية ، وربما استمر بعد ذلك وإلى بدايات تصدع الدولة .

الدولة الطاهرية

الأئمة الزيديون والعثمانيون

بعد القضاء على الدولة الطاهرية تغيرت الأحلاف وموازين القوى وأخذ الإمام شرف الدين يقاتل حلفاء الأمس من المماليك الذين أسماهم قبلاً " غزاة كرماء ". ويتحالف مع والي الدولة الطاهرية في ثلا، في حين تحالف الأشراف الحمزات مع المماليك نكاية بالإمام شرف الدين، وقد ضعفت معنويات الجند المماليك كثيراً بسبب سقوط دولتهم في مصر على يد الأتراك العثمانيين بعد قليل من القضاء على الدولة الطاهرية في نفس العام 923 هـ/1517م ، مما اضطر المماليك في اليمن إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية، وهكذا دخلت اليمن تحت السيادة العثمانية عبر تبعيتها السابقة للمماليك، لكن العثمانيين أنفسهم لم يصلوا اليمن إلا عام 945 هـ/ 1538 م وهي حملتهم الأولى إلى اليمن بعد أن وضحت لهم أهمية موقع اليمن الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر وبحر العرب، في إطار صراعهم كقوة دولية مع القوة البرتغالية البحرية المتنامية في المحيط الهندي وبحر العرب ،والتي أخذت تحول الطريق التجاري من البحر الأحمر عبر رأس الرجاء الصالح مع ما يتبع ذلك من خسائر في عائدات الموانئ الخاضعة لسيطرة العثمانيين .

أما مصير المماليك في اليمن قبل قدوم العثمانيين فقد آل إلى قوة صغيرة منحصرة في زبيد بعد أن تمكن الإمام شرف الدين بمعارك طاحنة مع المماليك من مطاردتهم مهزومين حتى زبيد. وقد تولى قيادة الحملات الحربية المطهر ابن الإمام شرف الدين، أحد فرسان الحرب المرموقين في هذه الفترة ،والمتصف مع ذلك بالقسوة والجبروت إلى حد أن أباه الإمام شرف الدين برأ إلى الله أمام الملأ من بعض أفعاله. لقد حصر نفوذ المماليك في زبيد، لتقضي عليهم بعدئذ القوة التركية الغازية، وليجد الإمام شرف الدين، الذي كان قد ضم معظم اليمن من عدن إلى صعدة تحت حكمه- نفسه وجها لوجه مع العثمانيين .

وابتداء من هذه الفترة التي تولى قيادتها الإمام شرف الدين وحتى قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962 م تنسحب الأحداث التاريخية الكبرى وزمام المبادرة من المناطق الجنوبية السهلية لليمن لتتركز في الجهات الجبلية الشمالية بزعامة الأئمة الزيديين وأتباعهم في اليمن الأعلى ، وإلى جانب عدد كبير من الأئمة الطامحين تمكنت فقط أسرتان من الأسر الهاشمية من تحقيق السيادة والنفوذ ، وإن كان ذلك بشكل متقطع ، وبين وهن وقوة ، هما: أسرة شرف الدين، وأسرة آل القاسم. وفي فترة الوجود العثماني الأول في اليمن كان الإمام شرف الدين وابنه المطهر رجلا المرحلة ، فخاضا حرباً ضروساً ضد العثمانيين ، كان يمكن أن تكلل بالنجاح سريعاً لولا التنافس على النفوذ داخل أسرة شرف الدين الذي أسهم في طول هذه الحرب وبقاء الأتراك في اليمن ، إذ قامت المنافسات بين الإمام شرف الدين وابنه المطهر وفيما بعد بين المطهر وإخوته لينقسم معسكرهم بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك . وأخذت القوى القبلية تحاول الحصول على مساحة نفوذ تتحكم فيها، إلى جانب منافسات أئمة آخرين لآل شرف الدين، وقد أدت هذه المنافسات والحروب إلى الاستعانة بالعثمانيين لترجيح الكفة ضد المنافسين، ومع ذلك فقد كان الأئمة الزيديون في هذه الفترة إجمالاً هم القوة المهيمنة والمتصدرة لعظائم الأمور ضد هيمنة الأتراك العثمانيين، وكان آل كثير في حضرموت قد استغلوا الفراغ السياسي في جهاتهم وكونوا الدولة الكثيرية بزعامة السلطان بوطويرق 844 – 915 هـ /1438- 1510 م ، وهكذا كانت اليمن في هذه الفترة موزعة بين ثلاث قوى:الأتراك في الجهات الغربية، والأئمة من بيت شرف الدين في الجهات الشمالية، وآل كثير في حضرموت .

وبوفاة المطهر بن شرف الدين زعيم الجبهة الزيدية وقائد المقاومة عام 980 هـ / 1572 م ينتهي دور آل شرف الدين لتعقبهم فترة تدهور للمقاومة ضد الأتراك تستمر ربع قرن ليظهر الإمام القاسم بن محمد ، قائداً لثورة عارمة ضد العثمانيين وليؤسس لجيل جديد آخر من الأئمة الزيديين سيستمر في الحكم بين مد وجزر حتى زمن الثورة الجمهورية عام 1962م، وقد تميز تاريخ الفترة اللاحقة بالنضال الدؤوب من قبل اليمنيين جميعاً بزعامة الأئمة من بيت الإمام القاسم بن محمد الذي تمكن من فرض صلح مع الوالي العثماني محمد باشا يحق للإمام بمقتضاه من حكم المناطق الشمالية لصنعاء على المذهب الزيدي المخالف لمذهب العثمانيين السني الحنفي ، وبعد وفاة الإمام القاسم عام 1029هـ/ 1620 م يخلفه ابنه محمد الملقب بالمؤيد وهو الذي تمكن بعد انتقاض الصلح بين الطرفين من مقارعة الأتراك ليتم طردهم نهائياً من اليمن عام 1045هـ/ 1635 م ولتكون بذلك اليمن أول ولاية عربية تخرج عن فلك الدولة العثمانية ، والتي ستعود إلى اليمن ثانية عام 1266 هـ / 1848 م أي بعد أكثر من قرنين من الزمان .

المملكة المتوكلية اليمنية والاستعمار البريطاني

 
المدينة القديمة في صنعاء

وبخروج الأتراك تمهد الطريق لتوحيد اليمن للمرة الثالثة في الزمن الإسلامي ، وكان الموحد هذه المرة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم أخو المؤيد السالف الذكر، إذ قام بتجهيز الحملات على المناطق الشرقية من اليمن والتي خرجت قبل ذلك مستغلة حالة الضعف والاقتتال بين الأئمة، كما وصلت قوات الإمام إلى يافع لإخضاعها ثانية، وعندما علم الكثيري سلطان حضرموت بما حل بأهل يافع راسل الإمام معلنا الدخول في طاعته، كما دخلت في طاعته جهات ظفار الحبوضي الواقعة اليوم في بلاد عمان. وبهذا الامتداد باستثناء مكة يكون اليمن قد توحد من أقاصي الجنوب والشرق إلى أقاصي الشمال، كما كان الحال أيام الرسوليين والصليحيين ، ونلفت الانتباه إلى أن سبب غياب ذكر بلاد المهرة في الشرق وبلاد عسير بمدنها في الشمال راجع إلى أن بلاد المهرة كانت جزءاً من حضرموت، مثلما كنت بلاد عسير ومدنها تابعة لصعدة كمركز ديني وإداري .

وقد شهد حكم المتوكل على الله إسماعيل الممتد لثلاثين عاماً في معظمه قدراً من الاستقرار السياسي مكن من ازدهار الزراعة والتجارة والفكر والثقافة ليستحق بعدئذٍ وصف المؤرخين له بأنه أفضل عصور اليمن الحديثة على الإطلاق .

وخلف المتوكل إسماعيل في سُدَة الإمامة اثنين من أسرة آل القاسم هما: أحمد بن الحسن الملقب بـ(سيل الليل)، ومحمد بن المتوكل والذي امتد حكمهما لعشر سنوات، ثم اعتلى الحكم طامح جديد من أبناء الجيل الثالث هو محمد بن أحمد بن الحسن المعروف بـ(صاحب المواهب)، نسبة إلى قرية قرب ذمار كان قد اتخذها مقراً لحكمه. وفي زمن صاحب المواهب هذا شهدت اليمن حالات متتابعة من الحروب والانقسامات داخل بيت القاسم لأكثر من ثلاثين عاماً سببها الطموح إلى السلطة والنفوذ وخيراتهما، وقد شكل مبدأ الخروج على الظلم كما يرى المذهب الزيدي غطاءً شرعياً لتحقيق تلك الطموحات في النفوذ والسلطة، وقد أراقت تلك الحروب كما أسلفنا كثيراً من الدماء وأهلكت كثيراً من الزرع والضرع ، وبعد صاحب المواهب عرفت اليمن سلسلة من الأئمة من بيت القاسم وشهد هؤلاء طموحات أئمة آخرين تفاوتوا في القوة والضعف وإحراز المكاسب، بالإضافة إلى تمردات القبائل ، ثم اعتلي عرش السلطة المهدي عباس بن المنصور 1161–1189م الموافق 1748– 1775م وهو الإمام العاشر، وقد تميز المهدي بكفاءات وقدرات أهلته لإعادة مركزية الدولة وحكم معظم مناطق اليمن من صنعاء العاصمة كل الربع الثالث من القرن الثالث عشر الهجري -الثامن عشرالميلادي، ولا يعني هذا أن أحداً لم يخرج عليه، ففي تاريخ الأئمة كان هناك على الدوام من لا يعترف بحكم الإمام المبايع فيدعو لنفسه، بل هناك أئمة يدعون لأنفسهم ، وإلى جانب طموحات الأئمة ، شهد حكمه غارات القبائل على أنحاء من تهامة واليمن الأسفل بقصد السلب والنهب، فعاثت فساداً في الديار الآمنة. لكن الإمام المهدي تمكن بالسياسة حيناً وبالقوة أخرى وبمعاونة أهل العلم وأبرزهم في زمانه وأكثرهم نشاطاً علمياً وسياسياً في سبيل العلم والناس العلامة ابن الأمير المتوفى 1182هـ/1768م والإمام المهدي هذا هو الذي زاره الرحالة الألماني كارستن نيبور عام 1177 هـ/ 1763 م ووصف هيئته ومجلسه الفخم وحاشيته. والمهدي أيضا هو الإمام الذي وصفه الشوكاني رغم إعجابه به، بالفردية والاستبداد، كما اشتهر بنهمه للأرض حتى سطا على أملاك الأوقاف وصير غيولاً تاريخية كالغيل الأسود وغيل البرمكي ملكاً خالصاً له .

وتكاد الفترة الباقية من تاريخ اليمن ، أي من وفاة المهدي حتى قدوم الأتراك للمرة الثانية لا تختلف عن سابقتها لا في طبيعة الحكم فيها ولا في طبيعة الأحداث ، فبينما استمر الانقسام والاقتتال بين الطامحين في السلطة من الأئمة، استمرت القبائل كذلك في نصرة من تأنس فيه السيادة لتفوز معه بخيرات السلطة والحكم ، وفي حالات كثيرة كانت القبائل تستقل بتمرداتها لنفسها متى ما آنست ضعفاً في السلطة المركزية إلى حد محاصرتها للعاصمة صنعاء ، كما أفسح المجال لطامحين آخرين باسم الصوفية أو إقامة الشرع للحصول على مناطق نفوذ تتسع وتنكمش حسب علاقات القوة المتغيرة باستمرار .

وبسبب الضعف الذي آلت إليه الأمور فقد الأئمة كثيراً من المناطق في المخلاف السليماني بعاصمته أبى عريش وبعض تهامة اليمن لصالح الدولة الوهابية السعودية الأولى ، ثم فقدت بعدئذٍ لصالح محمد على باشا في مصر، وهو الذي جاء بقواته إلى الجزيرة للقضاء على دولة الوهابيين السعودية وليوحدها تحت حكمه فوصلت قواته إلى تهامة في اليمن 1220 –1265 هـ/ 1805- 1848 م ، وقد دفع توسع محمد علي وطموحه في التوحيد بريطانيا إلى احتلال عدن لصد طموحات محمد علي ولتأمين الطرق البحرية إلى الهند درة التاج البريطاني كما كانت تسمى ، وقد سلم محمد علي ـ بعد تكالب الأوربيين عليه وهزيمته ـ جميع ذلك بعد انسحابه 1256 هـ/ 1840 م لحلفائه أشراف المخلاف السليماني بزعامة الشريف حسين بن علي حيدر وحلفائهم في عسير من آل عائض ، وقد عاصرت هذه الأوضاع طموح آخر الأئمة الذي سيفقد اليمن في عهده استقلاله لصالح بريطانيا والأتراك العثمانيين وهو محمد بن يحيى الملقب بالمتوكل، فقد أقام علاقات طيبة أول الأمر مع القوات المصرية في تهامة ، وبعد رحيلها ذهب إلى مصر باحثاً عن عون عسكري يدخل به صنعاء، ولما كانت الأمور قد تغيرت في غير صالح محمد علي عاد الطامح محمد بن يحيى خالي الوفاض ، لكنه يمم وجهه شطر أشراف المخلاف السليماني الذين كانوا قد استقروا بجهاتهم ضد رغبة السلطة في صنعاء، بل وحدوا من سلطتها بتوسيع أملاكهم في كل تهامة اليمن حتى أن الميناء الحيوي (المخا) كان واقعاً تحت سيطرتهم ، وفي وقت لاحق حاولوا الوثوب على عدن لطرد الإنجليز منها، وقد قام الشريف حسين بن علي حيدرة بدعم طموحات محمد بن يحيى المتوكل كي يخلق لنفسه شرعية في السيطرة على المناطق التي تحت يده وليتمكن من التوسع في إقليم اليمن في كل الجهات لو قدر على ذلك مثله مثل أي قوة يمنية أخرى مرت بنا قبلاً، أمد الشريف حسين الطامح محمد بن يحيى المتوكل بالأموال والعتاد مما مكن المتوكل فعلا من هزيمة الإمام المهدي ودخول صنعاء إماماً جديداً ، لكن هذا الحلف مع أشراف المخلاف السليماني لم يلبث أن انهار لتصادم مصالح الطرفين خاصة وخزانة الإمام المتوكل خاوية بفعل سيطرة الشريف حسين على الموانئ المدرة للمال، فقامت لذلك حرب بين الطرفين اشتركت فيه القبائل اليمنية في عسير ويام وهمدان وباجل وغيرها مدفوعة في الغالب برغبات في الحصول على الأموال، وبعضها ليحمي استقلاله ومنطقته من أطماع هذا فيحتمي بذاك كما فعلت قبائل باجل مثلا، وقد كانت وعود الحصول على الأموال وتوزيع الموجود منها على القبائل في الطرفين عاملاً حاسماً في مواقف القبائل من الفريقين. وقد دارت الدائرة أول الأمر على الشريف حسين وأسر، لكن فُك أسره بعد ذلك فيما كان الإمام المتوكل يحاول الخروج من تطورات الوضع العسكري في تهامة والذي أدى إلى حصره هناك، لكنه تمكن بالحيلة والوعود الكاذبة من الوصول إلى صنعاء تاركا تهامة ثانية في يد الشريف حسين . ثم واجهته صعوبات القضاء على طامحين جدد في صعدة وذمار ادعيا الإمامة مسنودين من قبائل غاضبة على الإمام المتوكل، وهكذا يبدأ فصل جديد من فصول التنافس الدموي بين الأئمة على السيادة والنفوذ والأحقية، كل هذا يحدث والأتراك العثمانيون في الحجاز على مقربة منه يسمعون ويتابعون، وقد دفعت المصالح المتضاربة والمواجهات الأولى بين الإمام المتوكل والشريف حسين من جهة وبين الأخير وجاره أمير عسير محمد بن عائض المتحالف مع المتوكل، دفعت الشريف حسين إلى دعوة السلطات العثمانية لتدخل تهامة، فصدرت الأوامر لوالي الحجاز بقيادة جيش لدخول تهامة، فدخل الجيش الحديدة عام 1265 هـ/1849 م بالتعاون مع الشريف حسين، وقد رأى الإمام المتوكل أن من الحكمة أن لا يترك خصمه يستأثر وحده بعلاقات ودية مع الأتراك، فقرر هو الآخر أن يظهر حسن نواياه تجاههم، وقد ذهب في ذلك إلى حد أنه دعاهم لدخول صنعاء ثانية، وقنع بمرتب شهري يؤدونه له وأعلن في الناس أن أمرهم قد صار إلى الأتراك العثمانيين، وأمام هذا الوضع الجديد والغريب في آن يرسم اليمنيون نقطة مضيئة في تاريخهم ، فقد وقفت القبائل اليمنية موقفا وطنياً وأظهرت غيرتها على الأرض والعرض ، خاصة وأن الأجيال كانت ما تزال تروي فضائع العثمانيين في حملتهم الأولى وبطولات الأسلاف في مقارعتهم الطعان وطردهم من اليمن التي انتزعت بجدارة لقبها المعروف " مقبرة الأناضول ".

تصدى سكان صنعاء وكافة القبائل المجاورة والقادمة للأتراك فضيقوا عليهم الخناق وقتلوهم في الأسواق حتى أنهم لم يتمكنوا من الخروج لشراء حاجياتهم وظلوا محصورين في ثكنتهم ينتظرون الفرج، ومن جانب آخر كان الناس يطاردون الإمام المتوكل لقتله وينعتوه بالخيانة وقد خلعوه وبرئوا منه وعينوا مكانه الإمام المهدي ، وهو نفس الإمام الذي انهزم أمام المتوكل قبل ما يزيد قليلا عن الأربع سنوات، ويقوم الإمام الجديد بالقبض على المتوكل وقطع رأسه ثم فاوض الأتراك في كيفية الخروج من صنعاء إلى الحديدة بأمان ليستقروا هناك، فخرجوا خاسئين منكسي الرؤوس يوم عيد الفطر ، الأول من شهر شوال 1256هـ/18 أغسطس 1849م، فكان هذا الخروج الذليل للأتراك للناس عيدا فوق عيد، ومع ذلك فلا بد من القول أنهم خرجوا فقط من صنعاء ولم يخرجوا من اليمن كله .

ولم يعمر الإمام المهدي في السلطة طويلا فقد خلع بعد عدة أشهر ليأتي إمام جديد ولتدخل صنعاء وما حولها في فترة فوضى واضطراب يتنازع السلطة فيها أئمة صغار ولتعم فوضى القبائل وهو ما مهد الطريق لعودة الأتراك العثمانيين ثانية إلى صنعاء .

وهكذا تفقد اليمن رسمياً استقلالها بوجود قوتين أجنبيتين هما بريطانيا في عدن والعثمانيين في صنعاء وبحكم العداء بين هاتين القوتين فقد رسمت العلاقات بينهما خريطة اليمن السياسية ، ووقع الجانبان معاهدة في العام 1914 م رسمت فيها حدود نفوذ بين القوتين الأجنبيتين، وهكذا ينشطر اليمن لأول مرة في التاريخ ، وتنشأ تسمية الجنوب العربي التي ابتدعها الإنجليز لإعطاء الجزء الذي يسيطرون عليه شخصية اعتبارية مستقلة وتابعة لهم، وأخذ الإنجليز يشجعون في الجهات الجنوبية والغربية من اليمن الاتجاهات القبلية والعشائرية وينشئون السلطنات ويسمحون لها بقدر من الاستقلال الذاتي تحت مظلتهم ،أما الأتراك فلم يستفيدوا لا من تجربتهم السابقة ولا من تجارب الإنجليز في كيفية التعامل مع الجزء الشمالي الذي يخضع لسيطرتهم فطفقوا ثانية يحاولون إرساء حكم مركزي تتريكي، خاصة بعد وصول القوميين الأتراك جمعية الاتحاد والترقي إلى السلطة في استنبول عام 1908م، سبب لهم المتاعب وأثار في وجوههم الثورات في مختلف مناطق البلاد تارة بقيادة القبائل وأخرى بقيادة جيل جديد طامح من الأئمة الزيديين الذين برز منهم في الفترة بين الاحتلال العثماني الثاني ونهاية الحرب العالمية الأولى الإمام المتوكل محسن والإمام الهادي شرف الدين والإمام المنصور محمد بن حميد الدين وابنه المتوكل يحيى ، الذي تزعم اليمنيين لمقارعة الأتراك ، بل وتمكن من حصار صنعاء وأجبر الأتراك أخيراً في الصلح المشهور بصلح دعّان عام 1329 هـ/ 1911 م ، ضمن بنود كثيرة على الاعتراف به حاكماً وحيداً للطائفة الزيدية في اليمن مقابل اعتراف الإمام بالسيادة العثمانية على اليمن، وهو ما جعل حرب الإمام للأتراك تبدو وكأنها فقط لنيل الاعتراف بسلطته الدينية والسياسية على المناطق التي ينتشر فيها المذهب الزيدي ، وقد نفرت إثر ذلك قبائل يمنية عن الإمام متهمة إياه بأنه صار حليفا للأتراك واتجهت إلى منافسه محمد الإدريسي في صبيا بعسير، حيث كان محمد الإدريسي قد استثمر مكانة أسرته الدينية ليؤسس دولة الأدارسة في أعالي الشمال الغربي لليمن ، وليبدأ بلعب دور في أحداث التاريخ اليمني، ملفتاً بطموحه السياسي الوثاب نظر كل من الإمام يحيى والأتراك .


كان الإمام يحيى في الحرب العالمية الأولى قد وقف على الحياد، فلا حارب الأتراك في جهاته مستغلاً الظرف، ولا شاركهم مع باقي قبائل اليمن الأسفل في حربهم القصيرة ضد المحميات في الجنوب والتقدم إلى لحج . وقد ضمنت له هذه السياسة الحفاظ على قواته التي سيستخدمها بعدئذ ضد جبهات متعددة . وقد قام الإنجليز رغم انتهاء الحرب واستعداد الأتراك للخروج من اليمن بالاستيلاء على تهامة حتى الحديدة ؛ لكي تكون مناطق مقايضة مع الإمام يحيى الذي أدرك الإنجليز- وبحكم طبيعة الأمور في اليمن - أن الإمام سيتطلع إلى تحرير الجزء المحتل من قبلهم وبسط سيطرته عليه.

وقد أخذ الإمام يحيى فعلاً وبعد خروج الأتراك من اليمن يتطلع إلى السيطرة على المناطق التي أخلاها الأتراك، بل ويتطلع إلى بسط سيطرته على المحميات في جنوب اليمن ، لكن الإنجليز - وجرياً على سياستهم المشهورة ((فرق تسد))- قاموا عام 1921م بتسليم ما احتلوه من المناطق التهامية إلى حليفهم الإدريسي والذي وقف إلى جانبهم في الحرب بموجب معاهدة صداقة عقدت بينه وبين الإنجليز عام 1915 م. وهكذا وجد الإمام الذي أعلن قيام (المملكة المتوكلية اليمنية) نفسه محاطاً بالخصوم في الشمال والجنوب والغرب ، ومحروماً من الموانئ المدرة للمال جراء نشاطها التجاري، بالإضافة إلى تمردات القبائل الرافضة للفردية المطلقة ولسياسة أخذ الرهائن والتعسف في جباية الأموال. وقد واجه سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى كقائد عسكري لقوات أبيه تمردات القبائل في حاشد وتهامة والبيضاء ببأس واقتدار، كما تمكنت قوات أخرى للإمام من دخول الحديدة بعدئذٍ دون قتال، وذلك بعد موت الأمير محمد الإدريسي المؤسس للإمارة الإدريسية ، لتحل مشاكل خلافة السلطة في الأعقاب وليتسلم الحكم في الإمارة حسن الإدريسي عم محمد المؤسس ، والذي لم يكن بنفس حماس وحنكة المؤسس ، مما مكن قوات الإمام من التقدم شمالاً لتحاصر مدينتي صبيا وجيزان ، أهم مدينتين ضمن الإمارة الإدريسية، ولقد رفض الإمام الاعتراف بالإمارة الإدريسية مقابل الدخول في حماية الإمام ، بحجة ان الأدارسة المنحدرين أصلاً من المغرب العربي دخلاء على البلاد التي كانت دوما جزءاً من البلاد اليمنية التي حكمها أجداده. وقد دفع هذا الموقف الحاسم من الإمام الأدارسة إلى الالتجاء بآل سعود الذين قامت دولتهم في نجد والحجاز على أنقاض دولة الشريف حسين وأبنائه، فعقد معاهدة حماية بين آل سعود والأدارسة عام 1926م بسط السعوديون على إثرها سلطتهم على بلاد عسير، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الإمام ، مما أدى إلى مواجهات واشتعال حرب بين الطرفين عام 1934م انتهت بتوغل القوات السعودية داخل الأراضي اليمنية وعجز قوات الإمام عن استعادة أجزاء عسير و كانت نتيجة ذلك الوضع العسكري توقيع الاتفاقية بين الطرفين وعرفت واشتهرت بمعاهدة الطائف

وفي مواجهة الإنجليز في جنوب اليمن كان الإمام يحاول- ضمن بسط سيطرته على البلاد اليمنية- أن يبسط سيطرته على المحميات الجنوبية فدخلت قواته الضالع للضغط على بريطانيا؛ كي تسلمه الحديدة، وليعلن عدم اعترافه بخط الحدود الذي رسمته اتفاقية بين قوتين غازيتين على أرض ليست لهما. وقد رأى الإمام أن يستعين بإيطاليا التي تحتفظ بمستعمرات في الساحل الأفريقي المقابل، فعقد اتفاقية صداقة معها عام 1926م ولم يفت الإنجليز مغزى هذه الاتفاقية ، التي شجعت الإمام على دخول العواذل العليا والسفلى إلى جانب تدعيم قواته في الضالع والبيضاء ، كما عقد معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في العام 1928م .

فكان رد فعل الإنجليز على تحركات الإمام هذه هو الحرب التي اشتعلت بين الطرفين عام 1928م ، استخدم فيها الإنجليز الطائرات الحربية التي ألقت على الناس منشورات تهديد وقنابل دمار ألحقت الضرر في جيش الإمام وفي المدن الآمنة التي ألقيت عليها، وقد انتهت هذه الحرب بهزيمة الإمام وإجباره الدخول في مفاوضات انتهت هي الأخرى بمعاهدة الصداقة والتعاون المتبادل بين اليمن وبريطانيا 11 فبراير 1934 م

وقد انسحب الإمام فيما بعد من مناطق المحميات التي دخلها، ومع أن الإمام رفض الاعتراف بخط الحدود الذي رسمته اتفاقية بريطانيا وتركيا ، إلا أنه اضطر للتسليم بالوجود البريطاني في عدن لمدة أربعين عاماً قادمة ، وهي مدة الاتفاقية ، على أن يتم بحث موضوع الحدود قبل انتهاء مدة هذه الاتفاقية. لقد كان الإمام يحيى إماماً كأسلافه من الأئمة في عهودهم الأولى والطويلة، حيث كانت طبيعة الحكم المبرر بالدين والنسب تقوم على الفردية المطلقة المفضية إلى الاستبداد ؛ إذ لا حكومة ولا مؤسسات حكم. لقد اعتبر الأئمة الناس رعايا وفي خدمة من أرادهم الله أئمةً وحكاماً للمسلمين، واعتبر الخارج عن الإمام خارجاً عن طاعة الله.

لقد أمضى الأئمة معظم سني حكمهم في الحفاظ على الحكم وخوض الحرب ضد الطامحين من أئمة آخرين، وضد القبائل المتمردة والشخصيات الطامحة للاستقلال بمناطقها، وهو ما يتطلب الحصول على الأموال الكثيرة للإنفاق على القبائل المقاتلة ضد الخصوم، وللحصول على زينة الحياة الدنيا ورغدها، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى التعسف في فرض الضرائب على المواطنين، وإطلاق أيدي الجباة في رقاب الناس وأرزاقهم، أما ما يحتاجه الناس وما يطمحون إليه ، ماذا يحتاجون وكيف يجب النهوض بمستوى معيشتهم، فقد كانت من سقط المتاع الذهني، ولم يكن ليشغل الأئمة أنفسهم في جل أحوالهم إلا بواجبات المواطنين تجاههم ، أما مفردات الحرية والتحديث والتطوير الشامل للبلاد والعباد ، والارتفاع بمستوى حياة الناس المعيشية فقد كانت مفردات غريبة على طبيعة الحكم الديني ، ستتألق فيما بعد عند الغيورين من أهل اليمن والطامحين بإحداث تغييرات في حياة المجتمع والسلطة السياسية ، وقد كانت المقارنات بين حال اليمن وحال البلاد الأخرى تقذف باليمن بعيداً في أزمنة التاريخ الأولى ، ولا تمكن من إقامة أي صلة مع عالم القرن العشرين المائج بمختلف التطورات التقنية والعلمية والمذهلة في سرعتها.

لقد أغلق الأئمة أعينهم وصموا آذانهم عن كل هذه المتغيرات ، وأقاموا حاجز عزلة منيع خشية على البلاد من الغرباء حسب زعمهم، بينما هي خشية على السلطة من الضياع، لقد تضافرت ويلات البؤس والفقر والعزلة لتجعل من اليمن واحدة من أكثر بلاد الله تخلفاً وغرقاً في ظلمات الأزمنة البدائية، ومع ذلك فقد كانت المدارس القليلة المتواجدة ومدارس الكتاب والمدارس التي وجدت في جنوب اليمن المحتل وتأثيراتها في مناطق جنوب الشمال، بالإضافة إلى البعثات العسكرية المحدودة نواة مقاومة تضافرت مع بعضها البعض لتنتج طابوراً من الوطنيين الغيورين المطالبين بالتغيير والإصلاح . لقد كانت هزائم الإمام عام 1934 م -كما ذكرنا سلفا- فاضحة لطبيعة الحكم الإمامي، لذا ليس غريباً أن تقوم في العام التالي مباشرة أولى المحاولات لإنشاء معارضة منظمة ضد الإمام . ومع أن المحاولة لم تسفر عن قيام تجمع سياسي من أي نوع ، إلا أنها حشدت قوى المعارضة في الداخل والخارج باتجاه الفكرة ، رافعة شعار الإصلاح ، وقد وجدت كثير من الأصوات الوطنية في مجلة ((الحكمة)) الشهيرة والتي صدرت عام 1938م واستمرت عامين فقط قبل أن يتنبه الإمام لخطرها ويغلقها- وجدت متنفسها للتعبير عن طموحات اليمنيين في الإصلاح والمضي نحو التغيير، لكن التبلور النهائي لميلاد أول منظمة سياسية سرية لم يكتمل إلا عام 1940م حين تشكلت في القاهرة ما عرف باسم (كتيبة الشباب اليمني) ، التي عبرت عن رغبتها في تجذير المعارضة في الداخل للدفع بطموحات المعارضة إلى الأمام، وهي الطموحات التي لم تكن بعد قد تبلورت أهدافها بوضوح كافٍ متفق عليه، وفي العام التالي كانت الرؤية أشمل وأوسع عندما أصدرت قوى المعارضة برنامج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد قدمت هذه المطالب للإمام يحيى ثم لابنه سيف الإسلام أحمد (ولي العهد) في تعز، إلا أن موقف الأول لم يكن بأحسن من الثاني؛ إذ رفضا بنود البرنامج وأخذا يطاردان رموز المعارضة ويتهددونهم بالويلات، بل ويغرون سلطات الاحتلال البريطاني في عدن للضغط على قوى المعارضة ، وقد استجاب الإنجليز لذلك، واستمرت المعارضة قدما في كشف عيوب النظام الإمامي وتصوير تخلفه عن ركب الأمم المتقدمة، فتشكل عام 1944م حزب الأحرار اليمنيين أو ما عرف فيما بعد بـ ((حركة الأحرار)) ، وقد أخذ هذا الحزب عبر المجلات المختلفة يعلن عن طموحاته في التغيير والإصلاح ويكشف عيوب النظام الإمامي البدائي ، وفي عام 1946م شكل الأحرار ((الجمعية اليمنية الكبرى)) في عدن وأصدروا جريدة ((صوت اليمن)) الشهيرة، التي أخذت تفضح ممارسات الإمام الظالمة تجاه الشعب وتطالب بالإصلاح والتغيير ، وقد تضمنت وثيقة مطالب الشعب اليماني ما أرادته القوى الوطنية حول الإصلاح والتغيير ، حيث طالبت لأول مرة بإقامة حكم دستوري شوروي يرفع أغلال الاستبداد عن كاهل الشعب اليمني، وقد وجد الأحرار أنه لا سبيل لتحقيق طموحاتهم الوطنية في ظل نظام حكم الإمام القائم بدؤوا في الإعداد للإطاحة بالإمام و حكمه وذلك من خلال استغلال الشروخ في أركان الحكم والاستفادة من أية تحالفات ممكنة ووجد الأحرار ضالتهم في طموح عبد الله بن أحمد الوزير للإمامة الذي وافق على مطالب الأحرار مقابل عونهم له فقامت حركة 1948م التي نجحت في قتل الإمام يحيى. إلا أنها لم تنجح في الإطاحة بنظامه ، إذ بعد ثلاثة أسابيع فقط تمكن نجل الإمام سيف الإسلام أحمد بن يحيى حميد الدين من الفرار من تعز إلى حجة وهناك تمكن من حشد القبائل إلى صفه مغرياً إياها بإباحة صنعاء لهم للسلب والنهب، وتمكن من دخول صنعاء والقضاء على الحركة وقتل وسجن وتشريد زعمائها،ثم أعلن نفسه إماماً بدلاً عن أبيه، وقد حافظ الإمام أحمد الملقب بالناصر لدين الله على نظام الحكم الموروث برمته، رغم تطلعه إلى عقد معاهدات مع دول خارجية كالاتحاد السوفيتي والصين. بل إنه دخل في الاتحاد الثلاثي المشكل إلى جانب اليمن من مصر وسوريا، إلا أن كل هذه الأمور لم تغير شيئا في الواقع المعاش لحياة الناس، ورغم ما أصاب المعارضة من نكسة ووهن في الأعوام التالية لحركة 1948م، إلا أنها تمكنت من إحياء نشاطها ثانية ، بإنشاء منظمة جديدة في عدن هي الاتحاد اليمني وبفضل الدعم الكبير المعنوي والمادي من مصر بعد ثورة الضباط الأحرار هناك عام 1952م وتزعم عبد الناصر لفترة من فترات النضال العربي ضد التخلف والاستعمار ومن أجل الوحدة العربية ومجابهة إسرائيل، تمكن الأحرار من مواصلة نضالهم من هناك، لقد كانت القاهرة وإذاعة القاهرة مكاناً وأداة لنشاط الأحرار اليمنيين العملي والإعلامي فظهر برنامج جديد للأحرار بعنوان(( آمالنا وأمانينا)) ، وفي عام 1955 م تطور حادث الحوبان الشهير إلى محاولة انقلابية ضد الإمام أحمد في تعز ، وقبل الوطنيون أن يستبدلوا الإمام بأخيه علَّهُ أن يكون أفضل من الإمام أحمد ولكن المحاولة التي قادها الثلاياء آلت بعد أيام إلى الفشل، وتمكن الإمام أحمد من الاحتفاظ بسلطته ثانية، واستمرت المعارضة في نشاطها ضد الإمام الذي حاول شق صفوف الحركة بتبني بعض مقولاتها ، لكن المعارضة أصدرت في العام 1956 م برنامجاً جديداً بعنوان مطالب الشعب أكدت فيه مطالبها السابقة، ومع ذلك ، وبفعل دأب الإمام على شق الصف الوطني، شهدت معارضة الأحرار المنضوية تحت مسمى ((الاتحاد اليمني)) بعض الانشقاقات .

لكن زخم المعارضة استمر في التصاعد داخل البلاد وخارجها عبر التجمعات الوطنية لليمنيين التي تشكلت بشكل خاص وفاعل في كل من الحبشة وبريطانيا، وحشدت المهاجرين اليمنيين نحو فكرة الجمهورية والتخلص من نظام الإمامة العتيق والمتجاوز زمنياً.

وفي السنوات التالية زاد هذا الاتجاه تجذراً في أوساط جماهير أوسع من الشعب اليمني، بفضل انتشار الأحزاب الوطنية السرية بمشاربها الفكرية المختلفة ، وقد ساهم بعض الضباط في التمهيد للثورة حين أرادوا عام 1961م التخلص من الإمام في الحديدة ، إلا أنه نجى من القتل مثقلاً بالجراح التي لازمته حتى وفاته في 19 سبتمبر 1962م ، فخلفه ابنه البدر محمد الذي أعلن تمسكه بخط أبيه في السياسة والحكم. وكانت قناعة القوى الوطنية في البلاد لإحداث التغيير الجذري في طبيعة الحكم قد دفعت بترتيبات الثورة قدماً، وبعد أسبوع فقط من تولي الإمام البدر مقاليد الحكم، أي في 26/سبتمبر 1962م انفجرت الثورة اليمنية المظفرة التي أطاحت بالإمامة جسداً وفكراً . ومع الثورة سقط التبرير الديني لحكم لسلالات، ليحل محله التبرير الجماهيري لحكم القادر على خدمة البلاد والعباد بإخلاص وتفان ، ومن أيٍّ من أبناء الشعب اليمني دون قصر على سلالة أو قبيلة أو مذهب.

لقد أخرجت ثورة سبتمبر بأهدافها الستة المعلنة اليمن من ظلمات العصور البدائية وبراثن الجهل والفقر والمرض إلى رحاب التاريخ المعاصر بمتغيراته المتنوعة، بعد عام فقط من قيام الثورة في شمال اليمن قامت ثورة يمنية أخرى في 14 أكتوبر من عام 1963م تنطلق من جبال ردفان ضد المحتل البريطاني ، لتقض مضجعه، ولتجبره على الرحيل في 30 نوفمبر عام 1967م ، بعد أربع سنوات فقط من اندلاع الثورة، ورغم جلاء الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر من عام 1967م ، وتوحيد السلطنات المتعددة في جنوب اليمن إلا أن أهل اليمن قد شهدوا أول انتكاس قوي لأمانيهم في إعادة توحيد اليمن الذي شطرَّهُ الغرباء . فاليمن طوال تاريخه الذي مر بنا لم يشطر رسمياً إلا من قبل الغرباء، أما ما حدث في اليمن من دول ودويلات تقاتلت على السيادة والنفوذ، فلا يجب أن يكون مستغرباً إن قلنا أن تاريخ تلك الدول والدويلات بما فيه من حروب من أقوى الأدلة على وحدة التراب والإنسان اليمني ، إذ كانت تلك الدول أو الدويلات تتسمى بأسماء أسرية: صليحية ، رسولية ، طاهرية ،كثيرية قعيطية ...الخ داخل اليمن ، وتحاول كل دولة أن تفرض سيطرتها على اليمن بكامله ولا تقبل بوجود جزء منه تحت سلطة دولة أخرى في حين أنها لم تتجه لتجاوز ذلك و الاعتداء على الآخرين خارج نطاق اليمن ، أي أن كل الدول والدويلات اليمنية كانت تعي الحدود الجغرافية و التي تسعى في إطارها لبناء دولة يمنية كبرى قوية، ولم تحاول أي من الدول الموحدة لليمن والقوية أن تتجاوز ما اعتبرته المجال الجغرافي الحيوي لتوسعها لتذهب معتدية إلى بلاد الغير ، وعليه فإن تبادل النصر والهزيمة بين الدول اليمنية المختلفة وداخل إطار جغرافي محدد هو الذي صاغ الوجدان اليمني وحدوده الجغرافية . ولا يجوز أبداً فهم الحروب بين الدول اليمنية على أنها حروب من أجل حدود جغرافية أو بين أقوام لا صلة لبعضهم ببعض، يكفي أن نشير أن اسم اليمن ظل موحداً رغم تنوع أسماء الدول والدويلات ، وهو الاسم الذي شطره لأول مرة -كما ذكرنا -الإنجليز والأتراك في اتفاقية الحدود بينهم عام 1914م، وحاولوا صياغة شخصية خاصة لجزء من اليمن تباين الأخرى، لذلك لا غرابة في أن يبدو هذا التشطير القصير العمر نسبياً نشازاً في تاريخ اليمن ، وهذا الوضع النشاز هو الذي حافظ على مشاعر اليمنيين تجاه الوحدة كمخزون وطني ضاغط على الحكام الذين لم يستطيعوا تجاوزه ، وإن أوهموا أنفسهم بأنهم قادرين، ولذلك كانت الانتكاسة النفسية كبيرة لدى اليمنيين وهم يرون أن الأجنبي الآخر الذي شارك في التشطير يجبر على الرحيل ولا تتم الوحدة بعد رحيله.

لم تتم الوحدة بعد جلاء الإنجليز بفعل تشابك وتعقد الاتجاهات السياسية وهيمنة الإيديولوجيا على طبيعة أنظمة الحكم العالمي آنذاك والمؤثرة على مصائر البلدان الصغيرة والضعيفة، وأخذ الشطران تحت تأثير الأيديولوجيات السياسية و الوضع العالمي القائم يبتعدان سياسياً عن بعضهما فيما أفئدة الجماهير اليمنية في كل اليمن تلتهب شوقاً لإعادة توحيد اليمن، ولم يكتف الشطران بالابتعاد عن بعضهما ، لكنهما خاضا حربين داميتين في الأعوام 72 و 1979م ، وظلت أشواق اليمانيين نحو الوحدة تعبر عن نفسها بأشكال شتى وفي كل اتفاقية عقب كل حرب أو أزمة في العلاقة بين الشطرين إلى أن تحققت الآمال بإعلان الوحدة اليمنية و قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.


المعارضة والثورة والوحدة

لقد كان الإمام يحيى إماما كأسلافه من الأئمة في عهودهم الأولى والطويلة، حيث كانت طبيعة الحكم المبرر بالدين والنسب تقوم على الفردية المطلقة المفضية إلى الاستبداد ، إّذ لا حكومة ولا مؤسسات حكم، لقد اعتبر الأئمة الناس رعايا وفي خدمة من أرادهم الله أئمة وحكاما للمسلمين، واعتبر الخارج عن الإمام خارجا عن طاعة الله، لقد أمضى الأئمة معظم سني حكمهم في الحفاظ على الحكم وخوض الحرب ضد الطامحين من أئمة آخرين، وضد القبائل المتمردة والشخصيات الطامحة للاستقلال بمناطقها، وهو ما يتطلب الحصول على الأموال الكثيرة للإنفاق على القبائل المقاتلة ضد الخصوم، وللحصول على زينة الحياة الدنيا ورغدها، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى التعسف في فرض الضرائب على المواطنين، وإطلاق أيدي الجباة في رقاب الناس وأرزاقهم، أما ما يحتاجه الناس وما يطمحون إليه ، ماذا يحتاجون وكيف يجب النهوض بمستوى معيشتهم، فقد كانت من سقط المتاع الذهني، ولم يكن ليشغل الأئمة أنفسهم في جل أحوالهم إلا بواجبات المواطنين تجاههم ، أما مفردات الحرية والتحديث والتطوير الشامل للبلاد والعباد ، والارتفاع بمستوى حياة الناس المعيشية فقد كانت مفردات غريبة على طبيعة الحكم الديني ، ستتألق فيما بعد عند الغيورين من أهل اليمن والطامحين بإحداث تغييرات في حياة المجتمع والسلطة السياسية ، وقد كانت المقارنات بين حال اليمن وحال البلاد الأخرى تقذف باليمن بعيدا في أزمنة التاريخ الأولى ، ولا تمكن من إقامة أي صلة مع عالم القرن العشرين المائج بمختلف التطورات التقنية والعلمية والمذهلة في سرعتها، لقد أغلق الأئمة أعينهم وصموا آذانهم عن كل هذه المتغيرات ، وأقاموا حاجز عزلة منيع خشية على البلاد من الغرباء حسب زعمهم، بينما هي خشية على السلطة من الضياع، لقد تضافرت ويلات البؤس والفقر والعزلة لتجعل من اليمن واحدة من أكثر بلاد الله تخلفا وغرقا في ظلمات الأزمنة البدائية،

ومع ذلك فقد كانت المدارس القليلة المتواجدة ومدارس الكتاب والمدارس التي وجدت في جنوب اليمن المحتل وتأثيراتها في مناطق جنوب الشمال، بالإضافة إلى البعثات العسكرية المحدودة أنويه مقاومة تضافرت مع بعضها البعض لتنتج طابورا من الوطنيين الغيورين المطالبين بالتغيير والإصلاح،

لقد كانت هزائم الإمام عام 1934 م كما ذكرنا سلفا فاضحة لطبيعة الحكم الإمامي، لذا ليس غريبا ان تقوم في العام التالي مباشرة أولى المحاولات لإنشاء معارضة منظمة ضد الإمام ، ومع أن المحاولة لم تسفر عن قيام تجمع سياسي من أي نوع ، إلا أنها حشدت قوى المعارضة في الداخل والخارج باتجاه الفكرة ، رافعة شعار الإصلاح ،وقد وجدت كثير من الأصوات الوطنية في مجلة الحكمة الشهيرة والتي صدرت عام 1938م واستمرت عامين فقط قبل ان يتنبه الإمام لخطرها ويغلقها، وجدت متنفسها للتعبير عن طموحات اليمنيين في الإصلاح والمضي نحو التغيير، لكن التبلور النهائي لميلاد أول منظمة سياسية سرية لم يكتمل إلا عام 1940م حين تشكلت في القاهرة ما عرف باسم كتيبة الشباب اليمني ، التي عبرت عن رغبتها في تجذير المعارضة في الداخل للدفع بطموحات المعارضة إلى الأمام، وهي الطموحات التي لم تكن بعد قد تبلورت أهدافها بوضوح كاف متفق عليه، وفي العام التالي كانت الرؤية أشمل وأوسع عندما أصدرت قوى المعارضة برنامج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد قدمت هذه المطالب للإمام يحيى ثم لابنه سيف الإسلام أحمد ولي العهد في تعز، إلا أن موقف الأول لم يكن بأحسن من الثاني، إذ رفضا بنود البرنامج وأخذا يطاردان رموز المعارضة ويتهددوهم بالويلات، بل ويغرون سلطات الاحتلال البريطاني في عدن للضغط على قوى المعارضة ، وقد استجاب الإنجليز لذلك،

واستمرت المعارضة قدما في كشف عيوب النظام الإمامي وتصوير تخلفه عن ركب الأمم المتقدمة، فتشكل عام 1944م حزب الأحرار اليمنيين أو ما عرف فيما بعد ب حركة الأحرار ، وقد أخذ هذا الحزب عبر المجلات المختلفة يعلن عن طموحاته في التغيير والإصلاح ويكشف عيوب النظام الإمامي البدائي ، وفي عام 1946م شكل الأحرار الجمعية اليمنية الكبرى في عدن وأصدروا جريدة صوت اليمن الشهيرة، التي أخذت تفضح ممارسات الإمام الظالمة تجاه الشعب وتطالب بالإصلاح والتغيير ، وقد تضمنت وثيقة مطالب الشعب اليماني ما أرادته القوى الوطنية حول الإصلاح والتغيير ، حيث طالبت لأول مرة بإقامة حكم دستوري شوروي يرفع أغلال الاستبداد عن كاهل الشعب اليمني، وحتى وجد الاحرار انه لاسبيل لتحقيق طموحاتهم الوطنية في ظل نظام حكم الامام القائم بدأوا في الاعداد للاطاحة بالامام و حكمه وذلك من خلال استغلال الشروخ في اركان الحكم و الاستفادة من اية تحالفات ممكنة ووجد الاحرار ضالتهم في طموح عبدالله بن احمد الوزير للامامة الذي وافق على مطالب الاحرار مقابل عونهم له فقامت حركة 1948م التي نجحت في قتل الإمام يحيى، الا انها لم تنجح في الإطاحة بنظامه ، إذ بعد ثلاثة أسابيع فقط تمكن نجل الإمام سيف الإسلام احمد بن يحيى حميد الدين من الفرار من تعز إلى حجة وهناك تمكن من حشد القبائل إلى صفة مغريا إياها بإباحة صنعاء لهم للسلب والنهب، وتمكن من دخول صنعاء والقضاء على الحركة وقتل وسجن وتشريد زعمائها،ثم أعلن نفسه إماما بدل أبيه، وقد حافظ الإمام احمد الملقب بالناصر لدين الله على نظام الحكم الموروث برمته، رغم تطلعه إلى عقد معاهدات مع دول خارجية كالاتحاد السوفيتي والصين ، بل انه دخل في الاتحاد الثلاثي المشكل إلى جانب اليمن من مصر وسوريا، إلا أن كل هذه الأمور لم تغير شيئا في الواقع المعاش لحياة الناس،

ورغم ما أصاب المعارضة من نكسة ووهن في الأعوام التالية لحركة 1948م، إلا أنها تمكنت من إحياء نشاطها ثانية ، بإنشاء منظمة جديدة في عدن هي الاتحاد اليمني وبفضل الدعم الكبير المعنوي والمادي من مصر بعد ثورة الضباط الأحرار هناك عام 1952م وتزعم عبد الناصر لفترة من فترات النضال العربي ضد التخلف والاستعمار ومن أجل الوحدة العربية ومجابهة إسرائيل، تمكن الأحرار من مواصلة نضالهم من هناك، لقد كانت القاهرة وإذاعة القاهرة مكانا وأداة لنشاط الأحرار اليمنيين العملي والإعلامي فظهر برنامج جديد للأحرار بعنوان آمالنا وأمانينا ،

وفي عام 1955 م تطور حادث الحوبان الشهير إلى محاولة انقلابية ضد الإمام أحمد في تعز ، وقبل الوطنيون ان يستبدلوا الإمام بأخيه عله يكون أفضل من الإمام أحمد ولكن المحاولة التي قادها الثلايا آلت بعد أيام إلى الفشل، وتمكن الإمام أحمد من الاحتفاض بسلطته ثانية، واستمرت المعارضة في نشاطها ضد الإمام الذي حاول شق صفوف الحركة بتبني بعض مقولاتها ، لكن المعارضة أصدرت في العام 1956 م برنامجا جديدا بعنوان مطالب الشعب أكدت فيه مطالبها السابقة، ومع ذلك ، وبفعل دأب الإمام على شق الصف الوطني، شهدت معارضة الأحرار المنضوية تحت مسمى الاتحاد اليمني بعض الانشقاقات ، لكن زخم المعارضة استمر في التصاعد داخل البلاد وخارجها عبر التجمعات الوطنية لليمنيين التي تشكلت بشكل خاص وفاعل في كل من الحبشة وبريطانيا، وحشدت المهاجرين اليمنيين نحو فكرة الجمهورية والتخلص من نظام الإمامة العتيق والمتجاوز زمنيا، وفي السنوات التالية زاد هذا الاتجاه تجذرا في أوساط جماهير أوسع من الشعب اليمني، بفضل انتشار الأحزاب الوطنية السرية بمشاربها الفكرية المختلفة ، وقد ساهم بعض الضباط في التمهيد للثورة حين أرادوا عام 1961م التخلص من الإمام في الحديدة ، إلا انه نجى من القتل مثقلا بالجراح التي لازمته حتى وفاته في 19 سبتمبر 1962م ، فخلفه ابنه البدر محمد الذي أعلن تمسكه بخط أبيه في السياسة والحكم، وكانت قناعة القوى الوطنية في البلاد لأحداث التغيير الجذري في طبيعة الحكم قد دفعت بترتيبات الثورة قدما، وبعد أسبوع فقط من تولي الإمام البدر مقاليد الحكم، أي في 26/سبتمبر 1962م انفجرت الثورة اليمنية المظفرة التي أطاحت بالإمامة جسدا وفكرا ، ومع الثورة سقط التبرير الديني لحكم لسلالات، ليحل محله التبرير الجماهيري لحكم القادر على خدمة البلاد والعباد بإخلاص واتفان ، ومن أي من أبناء الشعب اليمني دون قصر على سلالة أو قبيلة أو مذهب، لقد أخرجت ثورة سبتمبر بأهدافها الستة المعلنة اليمن فعلا منظلمات العصور البدائية وبراثن الجهل والفقر والمرض إلى رحاب التاريخ المعاصر بمتغيراته المتنوعة،

بعد عام فقط من قيام الثورة في شمال اليمن كانت ثورة يمنية أخرى في 14 أكتوبر من عام 1963م تنطلق من جبال ردفان ضد المحتل البريطاني ، لتقض مضجعه، ولتجبره على الرحيل في 30 نوفمبرعام 1967م ، بعد أربع سنوات فقط من اندلاع الثورة،

ورغم جلاء الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر من عام 1967م ، وتوحيد السلطنات المتعددة في جنوب اليمن ، إلا ان أهل اليمن قد شهدوا أول انتكاس قوي لأمانيهم في إعادة توحيد اليمن الذي شطره الغرباء ، فاليمن طوال تاريخه الذي مر بنا لم يشطر رسميا إلا من قبل الغرباء، أما ما حدث في اليمن من دول ودويلات تقاتلت على السيادة والنفوذ، فلا يجب ان يكون مستغربا إن قلنا أن تاريخ تلك الدول والدويلات بما فيه من حروب من أقوى الأدلة على وحدة التراب والإنسان اليمني ، إذ كانت تلك الدول أو الدويلات تتسمى بأسماء أسرية ، صليحية ، رسولية ، طاهرية ،كثيرية قعيطية،الخ، داخل اليمن ، وتحاول كل دولة ان تفرض سيطرتها على اليمن بكامله ولا تقبل بوجود جزء منه تحت سلطة دولة اخرى في حين انها لم تتجه لتجاوز ذلك و الاعتداء على الاخرين خارج نطاق اليمن ، أي ان كل الدول والدويلات اليمنية كانت تعي الحدود الجغرافية و التي تسعى في اطارها لبناء دولة يمنية كبرى قوية، ولم تحاول أي من الدول الموحدة لليمن والقوية ان تتجاوز ما اعتبرته المجال الجغرافي الحيوي لتوسعها لتذهب معتدية إلى بلاد الغير ، وعليه فإن تبادل النصر والهزيمة بين الدول اليمنية المختلفة وداخل إطار جغرافي محدد هو الذي صاغ الوجدان اليمني وحدوده الجغرافية ، ولا يجوز أبدا فهم الحروب بين الدول اليمنية على أنها حروب من أجل حدود جغرافية أو بين أقوام لا صلة لبعضهم ببعض، يكفي ان نشير ان اسم اليمن ظل موحدا رغم تنوع أسماء الدول والدويلات ، وهو الاسم الذي شطره لأول مرة كما ذكرنا الإنجليز والأتراك في اتفاقية الحدود بينهم عام 1914م، وحاولوا صياغة شخصية خاصة لجزء من اليمن تباين الأخرى، لذلك لا غرابة في أن يبدو هذا التشطير القصير العمر نسبيا نشازا في تاريخ اليمن ، وهذا الوضع النشاز هو الذي حافظ على مشاعر اليمنيين تجاه الوحدة كمخزون وطني ضاغط على الحكام الذين لم يستطيعوا تجاوزه ، وإن أوهموا أنفسهم بأنهم قادرين، ولذلك كانت الانتكاسة النفسية كبيرة لدى اليمنيين وهم يرون ان الأجنبي الآخر الذي شارك في التشطير يجبر على الرحيل ولا تتم الوحدة بعد رحيله.

لم تتم الوحدة بعد جلاء الإنجليز بفعل تشابك وتعقد الاتجاهات السياسية وهيمنة الإيديولوجيا على طبيعة أنظمة الحكم العالمي آنذاك والمؤثرة على مصائر البلدان الصغيرة والضعيفة ، واخذ الشطران تحت تأثير الأيديولوجيات السياسية و الوضع العالمي القائم يبتعدان سياسيا عن بعضهما فيما أفئدة الجماهير اليمنية في كل اليمن تلتهب شوقا لإعادة توحيد اليمن، ولم يكتف الشطران بالابتعاد عن بعضهما ، لكنهما خاضا حربين داميتين في الأعوام 72 و 1979م ، وظلت أشواق اليمانيين نحو الوحدة تعبر عن نفسها بأشكال شتىو في كل اتفاقية عقب كل حرب او ازمة في العلاقة بين الشطرين الى ان تحققت الامال باعلان الوحدة اليمنية و قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.

انظر أيضاً


بيبليوگرافيا

  • Alessandro de Maigret. Arabia Felix, translated Rebecca Thompson. London: Stacey International, 2002. ISBN 1-900988-07-0
  • Andrey Korotayev. Ancient Yemen. Oxford: Oxford University Press, 1995. ISBN 0-19-922237-1[1].


المصادر

المراجع

قراءات إضافية

  • Alessandro de Maigret. Arabia Felix, translated Rebecca Thompson. London: Stacey International, 2002. ISBN 1-900988-07-0
  • Andrey Korotayev. Ancient Yemen. Oxford: Oxford University Press, 1995. ISBN 0-19-922237-1[2].


وصلات خارجية