العمارة القوطية الإنگليزية

العمارة القوطية الإنگليزية English Gothic، هو طراز معماري ازدهر في إنگلترا من ح. 1180 حتى ح. 1520.

Westminster Hall and its hammerbeam roof, pictured in the early 19th century.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

زحف الطراز القوطي من تشارتر وجزيرة فرنسا Ile de France إلى الأقاليم الفرنسية، ثم عبر الحدود إلى إنجلترا، وبلاد السويد، وألمانيا، وأسبانيا، ثم انتقل أخيراً إلى إيطاليا. وكان المهندسون والصناع الفرنسيون يقبلون ما يكلفون به من أعمال في البلاد الأجنبية، وكان الفن الجديد يسمى أينما حل العمل الوعود في فرنسا opus Francigenum، ورحبت به إنجلترا لأنها كانت في القرن الثامن عشر نصف فرنسية، لم تكن القناة الإنجليزية إلا نهراً بين ناحيتين من مملكة بريطانية تشمل نصف فرنسا، وكانت رون العاصمة الثقافية لتلك المملكة. واستمد الفن القوطي أصله من نورمندية لا من إيل دي فرانس، واحتفظ بالضخامة النورمندية في إطار قوطي. وحدث الانتقال من الطراز الرومنسي إلى الطراز القوطي في فرنسا وإنجلترا في وقت واحد تقريباً. ففي الوقت الذي كان العقد المستدق يستخدم في كنيسة القديس دنيس (1140) أخذ هذا الطراز يعود إلى الظهور في كثدرائيتي دراهام وجلوستر. وفي دير الفوارات Fountains Abbey، ومالمسزبري Malmsbury(24). وكان هنري الثالث (1216-1272) يعجب بكل ما هو فرنسي ويحسد المجد المعماري الذي بلغته فرنسا في عهد القديس لويس، وفرض على رعاياه من الضرائب ما أفقرهم ليعيد بناء دير وستمنستر، ولينفق على مدرسة الفنانين-البنائين، والمثالين؛ والمصورين، والمزخرفين، والصياغ-الذين جمعهم قرب بلاطه لينفذوا مشروعاته. وسنقصر وصفنا هنا على الطراز الأول من الطرز التي تنقسم إليها العمارة القوطية الإنجليزية -وهي الطراز الإنجليزي- المبكر (1175-1280)، والطراز المنقوش (1280-1380)، والطراز العمودي (1300-1450). وقد اتخذ هذا الفن من النوافذ والعقود الإنجليزية له اسماً آخر فسمى "بالريشة" . وكانت الوجهات والأبواب في هذا الطراز أبسط من مثيلاتها في فرنسا، وإن كانت كنيستا لنكلن وروشستر قد حوتا بعض التماثيل المنحوتة؛ وحوت منها كنيسة ولز Wells أكثر من هاتين الكنيستين، ولكن هذه لم تكن القاعدة المتبعة، ولا يمكن على كل حالة مقارنة هذه التماثيل، في نوعها وعددها، بالتماثيل المقامة على أبواب كنائس تشارتر، أو أمين؛ أو ريمس. أما الأبراج فكانت تمتاز بالفخامة لا بالإرتفاع، وإن كانت أبراج سالزبري، ونوروك، ولتشفيلد تدل على ما يستطيع البناء الإنجليزي أن يفعله إذا ما آثر الرشاقة والارتفاع على الروعة والفخامة. كذلك عجز ارتفاع الكنيسة من الداخل عن أن يغزى المهندسين الإنجليز، لقد حاولوه أحياناً كما فعلوا في وستمنستر وسلزبري، ولكنهم في الأغلب الأعم كانوا يتركون القبة منخفضة انخفاضاً مقبضاً للنفس، كما تراها في جلوسستر، وإكستر. يضاف إلى هذا أن طول الكثدرائيات الإنجليزية الكبير لم يكن يشجع على بذل الجهود التي تجعل ارتفاعها يتناسب مع هذا الطول، فطول كنيسة ونشستر 556 قدماً، وطول كنيسة إلى Ely، 517، وكنتربري 514، ودير وستمنستر 511، أما كنيسة أمين فطولها 435، وريمس 430، وحتى كنيسة كيلان نفسها لا يزيد طولها على 475. لكن ارتفاع كنيسة ونشستر من الداخل لم يكن يزيد على 78 قدماً، وهو في كنيسة كنتربري لا يزيد على 80، وفي لنكلن لا يتجاوز 82، وفي وستمستر لا يتجاوز 103، أما أمين فترتفع إلى 140 قدماً.

وظل الطرف الشرقي للكنيسة القوطية الإنجليزية هو القبا المربع المعروف في الطراز الإنجليسكسوني، متجاهلاً في ذلك التطور الفرنسي السهل الذي أنتج القبا الكثير الأضلاع أو النصف الدائري. وكان الطرف الشرقي يوسع في كثير من الحالات ليكون مصلى خاصة لعبادة العذراء، وإن كانت عبادة مريم لم تبلغ من الحماسة الدرجة التي بلغتها في فرنسا، وكثيراً ما كان موضع اجتماع القساوسة في الكثدرائية وقصر الأسقف متصلين بالكنيسة يكونان معها "حرم الكنيسة"، وكان يحيط به في العادة سور. وكان انتشار عنابر النوم، وقاعات الطعام، والدير، والطرقات المنعزلة في الأديرة القوطية بإنجلترا واسكتلندا - كما هي الحال في فوانتينز، درايبرج Dayburgh، وملروز Melrose، وتنتيرن، Tintern داخل محيط واحد مما جعلها تكون مجموعة فنية ذات جلالة وروعة.


الخصائص المعمارية

العمارة القوطية الإنگليزية المبكرة

 
مدخل كاتدرائية ساليسبوري (باسنثاء البرج والقبة المستدقة)، أوائل أعمال العمارة القوطية الإنگليزية. Lancet windows are used throughout, and a "pure" image is underlined by the relative lack of embellishing as was found in Romanesque buildings, and less detailed tracery than would be used in later buildings.

ويبدو أن المبدأ الأساسي في العمارة القوطية-مبدأ توازن الضغوط وتصريفها لتقليل ضخامة الدعائم والمساند- وما ينشأ عن هذه الضخامة من قبح المنظر- لم يحز قط قبولاً تاماً في إنجلترا، ولم يعدل سمك الجدران الذي يمتاز به الطراز الرومنسي القديم إلا تعديلا يسيراً في الطراز القوطي الإنجليزي، حتى الحالات التي يتحتم فيها تكييف التصميم ليوائم القاعدة الرومنسية كما حدث في سلزبري. وكان المهندسون الإنجليز ينفرون من المساند المتنقلة نفور المهندسين الطليان. نعم إنهم لجئوا إليها في بعض الأماكن، ولكنهم فعلوا ذلك في غير مبالاة، وكانوا يشعرون بأن دعائم البناء أن يحويها البناء نفسه، لا أن تكون في الزوائد التي تضاف إليه، ولعلهم في هذا على حق، وإن لكثدرائياتهم لقوة وصلابة ورجولة تسمو فوق الجمال إلى العظمة والجلالة، وإن كانت تنقصها الرشاقة التي نشاهدها في روائع الفن الفرنسي.

وبعد أن مضت أربع سنين على مقتل بكت في كنتربري احترق موضع المرنمين في الكثدرائية(1174). وروع أهل البلدة لهذه الكارثة، وأخذوا يضربون الجدران برؤوسهم في غضب وحيرة لأن العلي العظيم لم يمنع حلولها بضريح أصبح قبل وقوعها كعبة الحجاج المتدينين(25). وعهد الرهبان بناء الكنيسة إلى مهندس من أهل سان Sans يدعى وليم، وهو رجل فرنسي ذاع صيته على أثر بنائه لمدينته. وظل وليم يعمل في كنتربري من 1175 إلى 1188، ثم عجز عن العمل لسقوطه من فوق محالة، فواصل العمل "وليم الإنجليزي William the Englishman" وهو رجل "ضئيل الجسم"كما يقول الراهب جرفاز Gervase ولكنه دقيق أمين في أعمال كثيرة مختلفة الأنواع(26). وقد بقيت أجزاء كثيرة من الكثدرائية الرومنسية التي شيدت في عام 1096، وبقيت العقود المستديرة بين الجديدات القوطية بصفة عامة؛ ولكن السقف الخشبي الذي كان يغطى موضع المرنمين قد استبدلت به قبة من الحجر مضلعة، كذلك استطالت العمد فعلت إلى ارتفاعها الكامل الرشيق، ونحتت تيجانها نحتاُ بديعاً، وملئت النوافذ بالزجاج الملون البراق. وإن كثدرائية كنتربري المتجمعة في محيطها الكثدرائي، والتي تشرف مع ذلك على بلدتها الجميلة العجيبة لهي اليوم من أكثر مناظر الأرض إيحاء وإلهاماً للنفوس.

 
The west front of York Minster is a fine example of Decorated architecture, in particular the elaborate tracery on the main window. This period saw detailed carving reach its peak, with elaborately carved windows and capitals, often with floral patterns.

ونشر الأحبار والحجاج الذين لا يحصى عددهم الطراز القوطي في أنحاء بريطانيا بما أقيم من كنائس على نمطها. فأقامت بيتربرو peterborough في عام 1177 رواقاً فخماً ذا عد في واجهة الجناح الغربي من كثدرائيتها؛ وشيد الأسقف هيو دي لاسي Hugh de Lacy في عام 1189 الامتداد الجميل لكثدرائية ونشستر خلف مكان القربان على هذا الطراز. وحدث في عام 1186 زلزال تصدعت منه كثدرائية لنكلن من أعلاها إلى أسفلها، وبعد ست سنين من تصدعها شرع الأسقف هيو يعيد بناءها على تصميم قوطي قام به جوفري دي نواير Geoffrey de Noyers، وأتمها جروسست Grossete الشهم النبيل جوالي عام 1240. وهي قائمة على ربوة تطل على ريف إنجليزي يتمثل فيه جمال هذا الريف أصدق تمثيل. وقل أن يشاهد ما يشاهده في هذه الكنيسة من روعة الحجم قد وفق بينها وبين رقة التفاصيل، فأبراجها الثلاثة العظيمة، وواجهتها العريضة ببابها ذي التماثيل المنحوتة وبواكيها المعقدة، وصحنها الفخم الذي يبدو خفيفاً رغم ضخامة حجمه وسعته. وجذوع أعمدتها الرشيقة وما على دعاماتها من نقوش لا تقل عن هذه الجذوع رشاقة، ونوافذها المشععة، وقوة بيت القساوسة الشبيهة بالنخلة، وعقود الصوامع الفخمة الرائعة - هذه تكفي وحدها لأن تجعل كثدرائية لنكلن مما يشرف بني الإنسان، ولو لم يكن فيها "مرنمة الملائكة". فقد حدث في عام 1239 أن سقط برج نورمندي قديم وحطم المرنمة التي شادها الأسقف هيو، فلما سقطت شيدت مرنمة جديدة في الفترة التي بين 1256-1280 على الطراز المزخرف الوليد، منقوشة ولكنها بديعة. وتعزو الأقاصيص اسمها إلى الملائكة الذين أقاموها- كما تقول القصة- لأن أيدي بني الإنسان تعجز من أن تقيم عملا يبلغ هذا المبلغ من الكمال، ولكن أغلب الظن أن هذا الاسم قد اشتق من الملائكة الموسيقيين الباسمين المنحوتة صورهم على الفرج المسدودة حول أقواس طاقات البواكي القائمة فوق العقود بين الصحن والجناحين. وأوشك المثالون الإنجليز أن يبلغوا في تماثيلهم القائمة على باب المرنمة الجنوبي ما بلغه المثالون في ريمس وأمين. فهناك أربعة تماثيل قد أزال رؤوسها وشوهها المطهرون المتزمتون تبلغ في الجمال مبلغ تماثيل ريمس وأمين، ومن هذه تمثالان يرمز أحدهما إلى الهيكل وآخر إلى الكنيسة هما أجمل التماثيل الإنجليزية التي نحتت في القرن الثالث عشر. ويظن السير وليم أسار Sir William osler وهو من كبار العلماء، أن مرنمة الملائكة هذه أجمل روائع الفن البشري على الإطلاق.

واستأجر الأسقف بور Poore في عام 1220 إلياس دي درهام Elias de Derham ليصمم ويبني كثدرائية سلزبري، وقد تم بناؤها في الفترة القصيرة المعتادة التي لا تزيد على خمس وعشرين سنة. وهي في جميع أجزائها على الطراز الإنجليزي المبكر، وتشذ عن القاعدة المتبعة في الكثدرائيات الإنجليزية وهي جمعها بين عدة طرز مختلفة. وإن ما تمتاز به من وحدة في التصميم، وتناسق في الحجم والخطوط، وجلال ساذج في برج الجناح وشمروخة ورشاقة في القبة المقامة على معبد العذراء، وجمال في نوافذ بيت القساوسة إن ما تمتاز به من هذا كله ليعوضها عن ثقل دعامات الصحن وضيق القبة المقبض. ولا يزال لكثدرائية إلي Ely سقف من الخشب، ولكنه سقف غير منفر، فإن في الخشب من صفات الدفء والحيوية ما لا يوجد له مثيل في العمارة الحجرية. وقد أضاف المهندسون القوط إلى الحصن النورمندي باباً غريبا جميلا هو "باب الجليل" (حوالي عام 1205)، وبيتا للقساوسة به مجموعة من العمد الجميلة منحوتة من رخام بربك Purbeck، كما أضافوا إليها في القرن الرابع عشر على الطراز القوطي المزخرف مصلى العذراء، ومرنمة، ثم أقاموا عند ملتقى الجناحين بالسقف برج ناقوس ضخم هو "مُثَمّن إلى". وكانت كثدرائية ولز (1174-1191) من أقدم أمثلة الطراز القوطي الإنجليزي، ولم يكن صحنها جيد التصميم، ولكن الواجهة الشمالية التي أضافها الأسقف جوسلين Jocelyn، (1220-1242) "أوشكت أن تكون أجمل ما شيد في إنجلترا"(28). ولقد كان في كوى الواجهة 340 تمثالا، فقد منها 106 كانت من ضحايا تزمت المتطهرين، والتخريب، وعوادي الزمن، وتكون البقية الباقية أكبر مجموعة من الصور المنحوتة في بريطانيا. وليس في وسعنا أن نقول عن صفاتها مثل ما نقوله عن عددها.

الطراز العمودي القوطي

 
The interior of Gloucester Cathedral conveys an impression of a "cage" of stone and glass, typical of Perpendicular architecture. Elaborate Decorated style tracery is no longer in evidence, and the lines on both walls and windows have become sharper and less flamboyant.
 
Finely decorated two-storey Perpendicular south porch of 1480 at Northleach, Gloucestershire

وكانت آخر العمائر التي شيدت على الطراز القوطي الإنجليزي المبكر كنيسة دير وستمنستر. وكان سبب بنائها أن هنري الثالث الذي اتخذ إدوارد المعترف قديسة الشفيع أحس بأن الكنيسة النورمندية التي بناها إدوارد (1050) غير جديرة بأن تحوي عظام هذا الشفيع، فأمر فنانيه أن يستعيضوا عنها بصرح قوطي على الطراز الفرنسي، وجبى لهذا الغرض ضرائب بلغ مقدارها 750,000 جنيه يمكننا أن نقدرها تقديراً تقريباً بما يعادل 90,000,000 دولار أمريكي حسب قيمة الدولار في هذه الأيام. وبدأ العمل في عام 1245، وظل قائماً حتى توفي هنري في 1272. وكان تصميمها على غرار تصميم كنيستي ريمس وأمين لا يستثنى من هذان الجناحان الكثير الأضلاع اللذان هما من مميزات الطراز القاري. ولقد تأثرت النقوش المنحوتة في الباب الشمالي، والتي تصور يوم الحساب، بالنقوش التي في الواجهة الغربية لكثدرائية أمين. وفي الفرج المسدودة في البواكي القائمة فوق العقود التي بين الصحن والجناحين نقوش بارزة مدهشة تمثل الملائكة، منها ملك في الفرجة الجنوبية يطل على الزمان بوجه حنون رحيم يضارع ملك كنيسة ريمس. وفوق مدخل بيت القساوسة صورتان تمثلان البشارة وتشير فيهما العذراء إشارة فاتنة تجمع بين التوسل والتواضع. وأجمل من هذا كله على جماله القبور الملكية التي في الدير، وأجمل من هذه كلها تمثال هنري الثالث نفسه، وقد جمل فيه صانعه الملك البدين القصير فجعله مثلا أعلى في الجمال وتناسب الأعضاء. ولقد أنست الناس هذه القبور الفخمة جرائم عشرين من الحكام، وكانت تعوضهم عنها العبقرية الإنجليزية المدفونة تحت حجارة توابيت الملوك.

معرض الصور

--->

انظر أيضا

المصادر

تحوي هذه المقالة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامة.


وصلات خارجية